باب ما يقطع فيه وما يقطع .
ولا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام كالخشب والحشيش والقصب والسمك والطير والصيد والزرنيخ والمغرة والنورة والأصل فيه حديث عائشة Bها قالت : كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله E في الشيء التافه : أي الحقير وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير تقل الراغبابت فيه والطباع لا تضن به فقلما يوجد أخذه على كره من املك فلا حاجة إلى شرع الزاجر ولهذا لم يجب القطع في سرقة ما دون النصاب ولأن الحرز فيها ناقص ألا يرى أن الخشب يلقى على الأبواب وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز والطير يطير والصيد يفر وكذا الشركة العامة التي كانت فيه وهو على تلك الصفة تورث الشبهة والحد يندرئ بها ويدخل في السمك المالح واطلري وفي الطير الدجاج وا لبط والحمام لما ذكرنا ولإطلاق قوله E : [ لا قطع في الطير ] وعن أبي يوسف C أنه يجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب والسرقين وهو قول الشافعي C والحجة عليهما ما ذكرنا قال : ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة لقوله E : [ لا قطع في تمر ولا كثر ] والكثر : الجمار وقيل الودى وقال E : [ لا قطع في الطعام ] والمراد - والله أعلم - ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه وما في معناه كاللحم والثمر لأنه يقطع في الحنطة والسكر إجماعا وقال الشافعي C : يقطع فيها لقوله E : [ لا قطع في ثمر ولا كثر فإذا آواه الجرين أو الجران قطع ] قلنا أخرجه على وفاق العادة والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر وفيه القطع .
قال : ولا قطع في الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد لعدم الإحراز ولا قطع في الأشربة المطربة لأن السارق يتأول في تناولها الإراقة ولأن بعضها ليس بمال وفي مالية بعضها اختلاف فتتحقق شبهة عدم المالية .
قال : ولا في الطنبور لأنه من المعازف ولا في سرقة المصحف وإن كان عليه حلية وقال الشافعي C : يقطع لأنه ما ل متقوم حتى يجوز بيعه وعن أبي يوسف C مثله ولعنه أيضا أنه يقطع إذا بلغت الحيلة نصابا لأنها ليست من المصحف فتعبر بانفرادها ووجه الظاهر أن الآخذ يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد والأوراق والحلية وإنما هي توابع ولا معتبر بالتبع كما سرق آنية تربو على النصاب ولا قطع في أبواب المسجد لعدم الإحراز فصار كباب الدار بل أولى لأنه يحرز بباب الدار ما فيها ولا يحرز بباب المسجد ما فيه حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه .
قال : ولا الصليب من الذهب ولا الشطرنج ولا النرد لأنه يتأول من أخذها الكسر نهيا عن المنكر بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال لأنه ما أعد للعابدة فلا تثبت شبهة إباحة الكسر وعن أبي يوسف C أنه إن كان الصليب في المصلى لا يقطع لعدم الحرز وإن كان في بيت آخر يقطع لكمال المالية والحرز ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له ولأنه يتأول في أخذه الصبي إسكاته أو حمله إلى مرضته وقال أبو يوسف C : يقطع إذا كان عليه حلي هو نصاب لأنه يجب القطع بسرقته وحده فكذا مع غيره وعلى هذا إذا سرق إناء فضة فيه نبيذ أو ثريد والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم كيلا يكون في يد نفسه ولا قطع في سرقة العبد الكبير لأنه غصب أو خداع ويقطع في سرقة العبد الصغير لتحققها بحدها بحدها إذا كان يعبر عن نفسه لأنه هو والبالغ سواء في اعتار يده وقال أبو يوسف C : لا يقطع وإن كان صغيرا لا يعقل ولا يتكلم استحسانا لأنه آدمي من وجه مال من وجه ولهما أنه ما ل مطلق لكونه منتفعا به أو يعرض أن يصير منتفعا به إلا أنه انصم إليه معنى الآدمية ولا قطع في الدفاتر كلها لأن المقصود ما فيها وذلك ليس بمال إلا في دفاتر الحساب لأن ما فيها لا يقصد بالأخذ فكان المقصود هو الكواغد .
قال : ولا في سرقة كلب ولا فهد لأن من جنسهما يوجد مباح الأصل غير مرغوب فيه ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب فأورث شبهة ولا قطع في دف ولا طبل ولا بربط ولا مزمار لأن عندهما لا قيمة لها وعند أبي حينفة C آخذها يتأول الكسر فيها ويقطع في الساج والقنا والآبنوس والصندل لأنها أموال محرزة لكونها عزيزة عند الناس ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام .
قال : ويقطع في الفصوص الخضر والياقوت والزبرجد لأنها من أعز الأموال وأنفسها ولا توجد مباحة الأصل في دار إسلام غير مرغوب فيها فصارت كالذهب والفضة وإذا اتخذ من الخشب أواني وأبوابا قطع فيها لأنه بالصنعة التحق بالأموال النفسية ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير لأن الصنعة فيه لم بتغلب على الجنس حتى يبسط في غير الحرز وفي الحصر البغدادية قالوا يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على الأصل وإنما يجب القطع في غير المركب وإنما يجب إذا كان خفيفا لا يثقل على الواحد حمله لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته ولا قطع على خائن ولا خائنة لقصور في الحرز ولا متهب ولا مختلس لأنه يجاهر بفعله كيف وقد قال النبي E : [ لا قطع في مختلس ولا منتهب ولا خائن ] ولا قطع على النباش وهذا عند أبي حنيفة رحمهما الله وقال أبو يوسف و الشافعي رحمهما الله : علهي القطع لقوله E : [ من نبش قطعناه ] ولأنه ما ل متقوم محرز بحرز مثله فيقطع فيه ولهما قوله E : [ لا قطع على المختفي ] وهو النابش بلغة أهل المدينة ولأن الشبهة تمكنت في الملك لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود وهو الانزجار لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة وإن كان القبر في بيت مقفل فهو على الخلاف في الصحيح لما قلنا وكذا إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت لما بيناه .
ولا يقطع السارق من بيت المال لأنه مال العامة وهو منهم قال : ولا من مال للسارق فيه شركة لما قلنا ومن له على آخر دراهم فسرق منه مثلها لم يقطع لأنه استيفاء لحقه والحال والمؤجل فيه سواء استحسانا لأن التأخير المطالبة وكذا إذا سرق زيادة على حقه لأنه بمقدار حقه يصير شريكا فيه وإن سرق منه عروضا قطع لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعا بالتراضي وعن أبي يوسف C لأنه لا يقطع لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حقه أو رهنا بحقه قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاره فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به حتى لو ادعى ذلك درئ عنه الحد لأنه ظن في موضع الخلاف ولو كان حقه دراهم فسرق منه دنانير قيل يقطع لأنه ليس له حق الأخذ وقيل لا يقطع لأنه النقود جنس واحد .
ومن سرق عينا فقطع فيها فردها ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع والقياس أن يقطع وهو رواية عن أبي يوسف C وهو قول الشافعي C لقوله E : [ فإن عاد فاقطعوه ] من غير فصل ولأن الثانية متكاملة كالأولى بل أقبح لتقدم الزاجر وصار كما إذا باععه المالك من اسارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل على ما يعرف من بعد إن شاء الله وبالرد إلى المالك إن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط نظرا إلى اتحاد الملك والمحل وقيل الموجب وهو القطع فيه بخلاف ما ذكر لأن الملك قد اختلف باختلاف سببه ولأن تكرار الجناية منه نادر لتحمله مشقة الزاجر فتعرى الإقامة عن المقصود وهو تقليل الجناية وصار كما إذا قذف المحود في قذقف المقذوف الأول قال : فإن تغيرت عن حالها مثل أن يكون غزلا فسرقه وقطع فرده ثم نسج فعاد فسرقه قطع لأن العين قد تبدلت ولهذا يملكه الغاصب به وهذا هو علامة التبدل في كل محل ن وإذا تبدلت انتفت الشبهة الناشئة من اتحاد المحل والقطع فيه فوجب القطع ثانيا والله أعلم بالصواب