فصل في الكفارة .
قال : وكفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا للنص الوارد فيه فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب .
قال : وكل ذلك قبل المسيس وهذا في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه وكذا في الإطعام لأن الكفارة فيه منهية للحرمة فلا بد من تقديمها على الوطء ليكون الوطء حلالا .
قال : وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغير والكبير لأن اسم الرقبة ينطلق على هؤلاء إذ هي عبارة عن الذات المرقوق المملوك من كل وجه و الشافعي C يخافنا في الكافرة ويقول الكافرة حق الله تعالى فلا يجوز صرفه إلى عدو الله كالزكاة ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق وقد تحقق وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة ثم مقارفته المعصية يحال له إلى سوء اختياره ولا تجزئ العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين لأن الفائت جنس المنفعة وهي البصر أو البطش أو المشيء وهو المانع أما إذا اختلت المنفعة فهو غير مانع حتى يجوز العوراء ومقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت بخلاف ما إذا كانتا مقطوعتين من جانب واحد حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي إذ هو عليه متعذر ويجوز الأصم والقياس أن لا يجوز وهو رواية النوادر لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز لأن أصل المنفعة باق فإن إذا صيح عليه سمع حتى لو كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم وهو الأخرس لا يجزيه ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين لأن قوة البطش بهما فبفواتها يفوت جنس المنفعة باق فإنه إذا صيح عليه سمع حتى لو كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم وهو الأخرس لا يجزيه ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل فكان فائت المنافع والذي يجن ويفيق يجزئه لأن الاختلال غير مانع ولا يجزئ عتق المدبر وأم الولد لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال لأن إعتاقه يكون ببدل وعن أبي حنيفة C أنه يجزئه لقيام الرق من كل وجه ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ بخلاف أمومية الولد والتدلير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز خلاف أمومية الولد والتدبير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز خلافا للشافعي C له أنه استحق الحرية بجهة الكتابة فأشبه المدبر ولنا أن الرق قائم من كل وجه على ما بينا ولقوله E : [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] والكتابة لا تنافيه فإن فك الحججر بمنزلة الإذن في التجارة إلا أنه بعوض فيلزم من جانبه ولو كان مانعا ينفسخ بمقتضى الإعتاق إذ هو يحتمله إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد لأن العتق في حق المحل بجهة الكتابة أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق الولد والكسب .
وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها وقال الشافعي C لا يجوز وعلى هذا الخلاف كفارة اليمين والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله وإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر وضمن قيمة باقية لم يجز عند أبي حنيفة C ويجوز عندهما لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان فصار معتقا كل العبد عن الكفارة وهو ملكه بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك فيكون إعتاقا بعوض و لأبي حنيفة C أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكافرة وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز لأنه اعتقه بكلامين والنقصان متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصاب السكين عينها بخلاف ما تقدم لأن النقصان تمكن على ملك الشريك وهذا على أصل أبي حنيفة C أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ فإعتاق النصف إعتاق الكل فلا يكون إعتاقا بكلامين وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة لأن الإعتاق يتجزأ عنده وشرط الإعتاق أن يكون مثل المسيس بالنص وإعتاق النصف حصل بعده وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل فحصل الكل قبل المسيس .
وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق أما التتابع فلأنه منصوص عليه وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله والصوم في هذه الأيام منهي عنه فلا ينوب عن الواجب الكامل فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم عند ابي حنيفة و محمد وقال أبو يوسف C لا يستأنف لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط وإن كان تقديمه على المسيس شرطا فيما ذهبنا إليه تقديم البعض وفيما قلتم تأخير الكل عنه ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس وأن يكون خاليا عنه ضرورة بالنص وهذا الشرط ينعدم به فيستأنف وإن أفطر منها يوما بعذر أو بغير عذر لفوات التتابع وهو قادر عليه عادة .
وإن ظاهر العبد لم يجز في الكفارة إلا بالصوم لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه .
وإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا لقوله تعالى : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } [ المجادلة : 4 ] ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو قيمة ذلك لقوله E في حديث أوس بن الصامت وسهل بن صخر : [ لكل مسكين نصف صاع من بر ] ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر وقوله أو قيمة ذلك مذهبنا وقد ذكرناه في الزكاة .
فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز لحصول المقصود لا الجنس متحد وإن أمر غيره أن يطعم عنه من ظهاره ففعل أجزأه لأنه استقراض معنى و الفقير قابض له أولا ثم لنفسه فتحقق تملكه ثم تملكيه فإن غداهم وعشاهم جاز قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا وقال الشافعي C : لا يجزئه إلا التمليك عتبارا بالزكاة وصدقة الفطر وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام وهو حقيقة في التمكين من الطعم وفي الإباحة ذلك كما في التمليك .
أما الواجب في الزكاة الإيتاء وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه لأنه لا يستوفى كاملا ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام وإن أطعم مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزه إلا عن يومه لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد في كل يوم فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره وهذا في الإباحة من غير خلاف ن وأما التمليك من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه وقد قيل يجزئه لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه وقد قيل يجزئه لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في يوم واحد بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة لأن التفريق واجب بالنص وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس إلا أنه يمنع من المسيس قبله لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم فيقعان بعدد المسيس والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه وإذا أطعم عن ظاهرين ستين مسكينا كل مسكين صاعا من بر لم يجزه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله وقال محمد C : يجزئه عنهما وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما له أن بالمؤدى وفاء بهما والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما كما لو اختلف السبب أو فرق في الدفع ولهما أن النية في الجنس الواحد لغو وفي الجنسين معتبرة وإذا لغت النية والمؤدى يصلح كفارة واحدة لأن انصف الصاع أدنى المقاددير فيمنع النقصان دون الزيادة فيقع عنها كما إذا نوى أصل الكفغارة بخلاف ما إذا فرق في الدفع لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما وكذا إذا صام أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية معينة وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء وإن أعتق عن ظهار وقبل لم يجز عن واحد منهما .
وقال زفر C : لا يجزئه عن أحدهما في الفصلين وقال الشافعي C : له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد وجه قول زفر C : أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد وليس له أن يجعل عن أحدهما بعدما أعتق عنهما لخروج الأمر من يده ولنا أن نية التعيين في الجنس المتحد غير مفيد فتلغو وفي الجنس المختلف مفيد واختلاف الجنس في الحكم وهو الكفارة ههنا باختلاف السبب نظير الأول إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد ونظير الثاني إذا كان عليه صوم القضاء والنذر فإنه لابد فيه من التمييز والله أعلم