باب الرجعة .
وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها رضيت بذلك أو لم ترض لقوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف } [ البقرة : 231 ] من غير فصل ولا بد من قيام العدة لأن الرجعة استدامة الملك ألا ترى أنه سمي إمساكا وهو الإبقاء وإنما يتحقق الاستدامة في العدة لأنه لا ملك بعد انقضائها والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي وهذا صريح في الرجعة ولا خلاف فيه بين الأئمة .
قال : أو يطأها أو يقبلها أو يلمسها بشهوة أو ينظر إلى فرجها بشهوة وهذا عندنا وقال الشافعي C : لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح حتى يحرم وطؤها وعندنا هو استدامة النكاح على ما بيناه وسنقرره إن شاء الله / والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار والدلالة فعل يختص بالنكاح وهذه الأفاعيل تختص به خصوصا في حق الحرة بخلاف المس والنظر بغير شهوة لأنه قد يحل بدون النكاح كما في القبلة والطبيب وغيرهما والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكين والزوج يساكنها في العدة فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها .
قال : ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين فإن لم يشهد صحت الرجعة وقال الشافعي C في أحد قوليه : لا تصح وهو قول مالك C لقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } [ الطلاق : 2 ] والأمر للإيجاب ولنا إطلاق النصوص عن قيد الإشهاد ولأنه استدامة للنكاح والشهادة ليست شرطا فيه في حالة البقاء كما في الفيء في الإيلاء إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها وما تلاه محمول عليه ألا ترى أنه قرنها بالمفارقة وهو فيها مستحب ويستحب أن يعلمها كيلا تقع في المعصية .
وإذا انقضت العدة فقال : كنت راجعتها في العدة فصدقته فهي رجعة وإن كذبته فالقول قولها لأنه أخبر عما يملك إنشاءه في الحال فكان متهما إلا أن بالتصديق ترتفع التهمة ولا يمين عليها عند أبي حنيفة C وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة وقد مر في كتاب النكاح .
وإذا قال الزوج : قد راجعتك فقالت مجيبة له : قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة C وقالا : تصح الرجعة لأنها صادفت العدة إذ هي باقية ظاهرا .
إلى أن تخبر وقد سبقته الرجعة ولهذا لو قال لها طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي يقع الطلاق أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء وأقرب أحواله حال قول الزوج ومسألة الطلاق على الخلاف ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء والمراجعة لا تثبت به .
وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها : كنت راجعتها وصدقة المولى وكذبته الأمة فالقول قولها عند أبي حنيفة C وقالا القول قول المولى لأن بضعها مملوك له فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج فشابه الإقرار عليها بالنكاح وهو يقول : حكم الرجعة يبتنى قول المولى وكذا عنده في الصحيح لأنها منقضية العدة في الحال وقد ظهر ملك المتعة مقر بقيام العدة عندها ولا يظهر ملكه مع العدة وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج والمولى لم تنقض عدتك فالقول قولها لأنها أمينة في ذلك إذ هي العالمة بع .
وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل لأن الحيض لا مزيد له على العشرة فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم فلا بد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة بخلاق ما إذا كانت كتابية لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفى بالانقطاع وتنقطع إذا تيممت وصلت عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وهذا استحسان وقال محمد C إذا تيممت انقطعت وهذا قياس لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته ولخما أنه ملوث غير مطهر وإنما اعتبر طهارة ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية ثم قيل نقطع تنفس الشروع عندهما وقيل بعد الفراغ ليتقرر حكم جواز الصلاة .
وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم يصبه الماء فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة وإن كان أقل من عضو انقطعت .
قال Bه : وهذا استحسان والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة لأنها غسلت الأكثر والقياس فيما دون العضو أن تبقى لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو الكامل لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة فافترقا .
وعن أبي يوسف C أن برك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل وعنه وهو قول محمد C هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيته اختلافا بخلاف غيره من الأعضاء ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها فله الرجعة لأن الحبل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منهم جعل منه لقوله E : [ الولد للفراش ] وذلك دليل الوطء منه وكذا إذا ثبت نسب الولد منه جعل واطئا وإذا ثبت الوطء تأكل الملك والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة ويبطل زعمه بتكذيب الشرع ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان فلأن تثبت به الرجعة أولى وتأويل مسئلة الولادة أن بلد قبل الطلاق لأنها لو ولدت بعدها تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة .
قال : فإن خلا بها وأغلق بابا أو أرخى سترا وقال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمر يبتنى على تسليم المبدل لا على القبض بخلاف الفصل الأول فإن راجعها معناه بعد ما خلا بها وفال لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم صحت تلك الرجعة لأنه يثبت السب منه إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة فأنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعدها لأن على اعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله فيحرم الوطء والمسلم لا يفعل الحرام .
فإن قال لها : إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم أتت ولد آخر فهي رجعة معناه من بطن آخر وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنبين إذا لم تقر بانقضاء العدة لأنه وقع الطلاق عليه بالولد الأول ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة فيصير مراجعا وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فالولد الأول طلاق والولد الثاني رجعة وكذا الثالث لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة وبالثاني صار مراجعا لما بينا أنه يجعل العلوق بوطء حادث في العدة ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني لأن اليمين معقودة بكلمة كلما ووجبت العدة وبالولد الثالث صار مراجعا لما ذكرنا وتقع الطلقة الثالثة بولادة الثالث ووجبت العدة بالأقراء لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق .
والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين لأنها حلال للزوج إذ النكاح قائم بينهما ثم الرجعة مستحبة والتزين حامل له علمها فيكون مشروعا .
ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها أو يسمعها خفق نعليه معناه إذا لم سكن من قصده المراجعة لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول عليها العدة .
وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها وفال زفر C له ذلك لقيام النكاح ولهذا له أن يغشاها عندنا ولنا قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } [ الطلاق : 1 ] الآية ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له فتبين أن البطل عمل عمله من وقت وجوده ولهذا تحتسب الأقراء من العدة فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج وقوله حتى يشهد على رجعتها معناه الاستحباب على ما قدمناه .
والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء وقال الشافعي C : يحرمه لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق ولما أنها قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها لأن حق الرجعة ثبت نظرا للزوج ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم وهذا المعنى يوجب استبداده به وذلك يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء إذ الدليل ينافيه والقاطع أخر عمله إلى مدة إجماعا أو نظرا له على ما تقدم