باب تفويض الطلاق : فصل في الاختيار .
وإذا قال لامرأته : اختاري ينوي بذلك الطلاق أو قال لها : طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يديها لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة Bهم أجمعين ولأنه تليك الفعل منها والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهبا عنه وتارة بالاشتغال بعمل آخر إذا مجلس الأكل غير مجلس المناظرة ومجدلس القتال غيرهما ويبطل خيرها بمجرد القيام لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم لأنه المفسد هناك الافتراق من غير قبض ثم لا بد من النية في قوله اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره فإن اختارت نفسها في قوله اختاري كانت واحدة بائنة والقياس أن لا يقع بهذا شيء وإن نوى الزوج الطلاق لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره إلا أنا استحسناه لإجماع الصحابة Bهم ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم ثم الواقع بها بائن لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها وذلك في البائن ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الإبانة لأن البينونة قد تتنوع قال ولا بد من ذكر النفس في كلامه حتى لو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فهو باطل لأنه عرف بالإجاع وهو في المفسرة من أحد الجانبين ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم الآخر ولا تعيين مع الإبهام .
ولو قال لها : اختاري نفسك فقالت : اخترت تقع واحدة بائنة لأن كلامه مفسر وكلامها خرج حوابا له فيتضمن إعادته وكذا لو قال اختاري اختيارة فقالت اخترت لأن الهاء في الختيارة تنبئ عن الاتحاد والانفراد واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة ويتعدد أخرى فصار مفسرا من جانيه .
ولو قال : اختاري فقالت قد اخترت نفسي يقع الطلاق إذ نوى الزوج لأن كلامها مفسر وما نواه الزوج من محتملات كلامه .
ولو قال : اختاري فقالت : أنا أختار نفسي فهي طالق والقياس أن لاتطلق لأن هذا مجرد وعد أو يحتمله فصار كما إذا قال لها : طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي وجه الاستحسان حديث عائشة Bها فإنها قالت لا بل اختار الله ورسوله اعتبره النبي E جوابا منها ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال وتجوز في الاستقبال كما في كلمة الشهاة وأداء الشاهد الشهادة بخلاف قولها : أطلق نفسي لأنه تعذر حمله على الحال لأنه ليس بحكاية عن حالة قائمة ولا كذلك قولها أنا أختار نفيس لأنه حكاية عن حالة قائمة وهو اختيارها نفسها .
ولو قال لها : اختاري اختاري اختاري فقالت : قد أخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثا في قول أبي حنيفة C ولا يحتاج إلى نية الزوج وقالا : تطلق واحدة وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه إذا الاختيرا في حق الطلاق هو الذي يتكرر لهما أن ذكر الأولى ومنا يجري مجراه إن كان لا يفيد منحي3ث الترتيب يفيد منحيث الإفراد فيعتبر فما يفيد وله أن هذا وصف لغو لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه كالمجتمع في المكان والكلام للترتيب والإفراد من ضروراته فإذا لغا في حق الأصل لغا في حق البناء .
ولو قالت : اخترت اختيارة فهي ثلاث في قولهم جميعا لأنها للمرة فصار كما إذا صرحت بها ولأن الاختيارة للتأكيد وبدوهن التأكيد تقع الثلاث فمع التأكيد أولى ولو قالت : قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بملك الرجعة لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة فكأنها اختارت نفسها بعد العدة وإن قال لها : أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها فهي واحدة بملك الرجعة لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة بالنص