باب إيقاع الطلاق .
الطلاق على ضربين صريح وكناية فالصريح قوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك فهذا يقع به الطلاق الرجعي لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحا وأنه يعقب الرجعة بالنص ولا يفتقر إلى النية لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال وكذا إذا نوى الإبانة لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه .
ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى مايحتمله ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء فيما بينه وبين الله تعالى وهي غير مقيدة بالعمل وعن أبي حنيفة C انه يدين فيما بينه وبيم الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص .
ولو قال أنت مطلقة بتسكين الطاء لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها - غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا .
قال : ولا يقع به إلا واحدة وإن نوى أكثر من ذلك وقال الشافعي C : يقع ما نوى لأنه محتمل لفظه فإن ذكر للطلاق لغة كذكر العالم ذكر للعلم ولهذا يصح قران العدد به فيكون نصبا على التمييز .
ولنا أنه نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق فلا يحتمل العدد لأنه .
ضده وذكر الطلاق ذكر لطلاق هو تطليق والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف معناه طلاقا ثلاثا كقولك أعطيته جزيلا : أي عطاء جزيلا .
ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة أو ثنتين فهي واحدة رجعية وإن نوى واحدة أو صفة للمرأة لا لطلاق هو تطليق والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف معناه طلاقا ثلاثا كقولك أعطيته جزيلا : أي عطاء جزيلا .
ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق طلاقا فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة أو ثنتين فهي واحدة رجعية وأن نوى ثلاثا فثلاث ووقوع الطلاق باللفظة الثانية والثالثة ظاهر لأنه لو ذكر النعت وحده يقع به الطلاق فإذا ذكره وذكر المصدر معه وأنه يزيده وكادة أولى .
وأما وقوعه باللفظة الأولى فلأن المصدر قد يذكر وراد به الاسم يقال رجل عل أي عادل فصار بمنزلة قوله أنت طالق وعلى هذا لو قال أنت طلاق يقع الطلاق به أيضا ولا يحتاد فيه إلى النية ويكون رجعيا لما بينا أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه وتصح نية الثلاث لأن المصدر بحتمل العموم الكثرة لأنه اسم جنس فيعتبر بسائر أسماء الأجناس فيتناول الأدنى مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها خلافا لزفر C هو يقول إن الثنتين بعض الثلاث فلما صحت نية الثلاث صحت نية بعضها ضرورة ونحن نقول : نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسا حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية أما الثنتان في حق الحرة فعدد واللفظ لا يحتمل العدد وهذا لأن معنى التوحد يرعى في ألفاظ الوحدان وذلك .
بالفردية أو الجنسية والمثنى بمعزل منهما .
ولو قال أنت طالق الطلاق وقال أردت بقولي طالق واحدة وبقولي الطلاق أخرى يصدق لأن كل واحد منهما صالح للإيقاع فكأنه قال أنت طالق وطالق فتقع رجعيتان إذا كانت مدخولا بها .
وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق لأنه أضيف إلى محله وذلك مثل أن يقول أنت طالق لأن التاء ضمير المرأة أو يقول رقبتك طالق أو عنقك طالق أو رأسك طالق أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك لأنه يعبر بها عن جميع البدن أم الجسد والبدن فظاهر وكذا عيرهما قال الله تعالى : { فتحرير رقبة } [ النساء : 92 ] وقال : { فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 4 ] وقال E [ لعن الله الفروج على السروج ] ويقال : فلان رأس القوم ويا وجه العرب وهلك روحه بمعنى نفسه ومن هذا القبيل الدم في رواية يقال دمه هدر ومنه النفس وهو ظاهر وكذلك إن طلق جزءا شائعا منها مثل أن يقول نصفك أو ثلثك طالق لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره فكذا يكون محلا للطلاق إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق بيثبت في الكل ضرورة .
ولو قال يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق وقال زفر و الشافعي رحمها الله يقع وكذا الخلاف في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن لهما انه جزء مستمع بعقد النكاح وما هذا حاله يكون محلا لحكم النكاح فيكون محلا للطلاق فيثبت الحكم فيه قضية للإضافة ثم يسري إلى الكل كما في الجزء الشائع بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح لأن التعدي ممتنع إذ .
الحرمة في الجزء وفي الطلاق الأمر على القلب .
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو ظفرها وهذا .
لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد لأنه ينبي عن رفع القيد ولا قيد في اليد ولهذا لاتصح إضافة النكاح إليه بخلاف الجزء الشائع لأنه محل للنكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه فكذا يكون محلا للطلاق .
واختلفوا في الظهر والبطن والأظهر أنه لايصح لأنه لايعبر بهما عن جميع البدن وإن طلقها نصف تطليقه أو ثلثها كانت طالقا تطليقه واحدة لأن الطلاق لايتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل وكذا الجواب في كل جز ء سماه لما بينا .
ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثا لأن نصف التطليقتين تطليقة فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تكون ثلاث تطليقات ضرورة ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان لأنها طلقة ونصف فيتكامل وقيل يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسه فتصير ثلاثا ولو قال أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين فهي واحدة ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان وهذا عند أبي حنيفة وقالا في الأولى هي ثنتان وفي الثانية ثلاث وقال زفر C : في الأولى لا يقع شيء وفي الثانية تقع واحدة وهو القياس لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية كما لو قال : بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط وجه قولهما وهو الاستحسان أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف يراد به الكل كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة ولأبي حنيفة C أن المراد به الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين وما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرنا وإرادة الكل فيما طريقة طريق الإباحة كما ذكر إذ الأصل في الطلاق هو الحضر ثم الغاية الأولى لا بد أن تكون موجدة ليترتب عليها الثانية ووجدها بوقوعها بخلاف البيع لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع ولو نوى واحدة يدين ديانة لا قضاء لأنه محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر ولو قال أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية فهي واحدة وقال زفر C : تقع ثنتان لعرف الحساب وهو قول الحسن بن زياد C .
واو أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لافي زيادة المضروب وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث لأنه يحتمله فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة كما في قوله واحدة وثنتين تقع الثلاث لأن كلمة في تأتي بمعنى مع كما في قوله تعالى { فادخلي في عبادي } [ الفجر : 29 ] أي مع عبادي .
ولو نوى الظرف تقع واحدة لأن الطلاق لا يصلح ظرفا فيلغو ذكر الثاني ولو قال اثنتين في اثنتين ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان وعند زفر C ثلاث لأن قضيته أن تكون أربعا لكن لا مزيج للطلاق على الثلاث وعندنا الاعتبار للمذكور الأول على مابيناه ولو قال أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة ويملك الرجعة وقال زفر C : هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول قلنا لا وصفه بالقصر لأنه وقع وقع في الأماكن كلها .
ولو قال أنت طالق بمكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد وكذلك لو قالت أنت طالق في الدار لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان وإن عني به إذا أتيت مكة يصدق ديانة قضاء لأنه نوى الإضمار وهو خلاف الظاهر وكذا إذا قال أنت طالق وأنت مريضة وإن نوى إن مرضت لم يدين في القضاء .
ولو قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة لأنه علقه بالدخول .
ولو قال : أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل لمقاربة بين الشرط والظرف محمل عليه عند تعدل الظرفية