( يسن لحملها ) حمل ( أربعة رجال ) تكريما له وتخفيفا وتحاشيا عن تشبيهه بحمل الأمتعة ويكره حمله على ظهر دابة بلا عذر والصغير يحمله واحد على يديه ويتداوله الناس كذلك بأيديهم ( وينبغي ) لكل واحد ( حملها أربعين خطوة يبدأ ) الحامل ( بمقدمها الأيمن ) فيضعه ( على يمينه ) أي على عاتقه الأيمن ويمينها أي الجنازة ما كان جهة يسار الحامل لأن الميت يلقى على ظهره ثم يوضع مؤخرها الأيمن عليه أي على عاتقه الأيمن ( ثم ) يضع ( مقدمها الأيسر على يساره ) أي على عاتقه الأيسر ( ثم يختم ب ) الجانب ( الأيسر ) بحملها ( عليه ) أي على عاتقه الأيسر فيكون من كل جانب عشر خطوات لقوله A " من حمل الجنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة " ولقول أبي هريرة Bه " من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد قضى الذي عليه ( ويستحب الإسراع بها ) لقوله A " أسرعوا بالجنازة " أي ما دون الخبب كما في رواية ابن مسعود Bه " فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " وكذا يستحب الإسراع بتجهيزه كله " بلا خبب " بخاء معجمة وموحدتين مفتوحتين ضرب من العدو دون العنق والعنق خطو فسيح فيمشون به دون ما دون العنق ( وهو ما يؤدي إلى اضطراب الميت ) فيكره للازدراء به وإتعاب المتبعين ( والمشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الفرض على النفل ) لقول علي : " والذي بعث محمدا بالحق إن فضل المشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع " . فقال أبو سعيد الخدري : " أبرأيك تقول أم بشيء سمعته من رسول الله A ؟ " فغضب وقال : " لا والله بل سمعته غير مرة لا اثنتين ولا ثلاث حتى عد سبعا . " فقال أبو سعيد : " إني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمامها . " فقال علي Bه " يغفر الله لهما لقد سمعا ذلك من رسول الله A كما سمعته وإنهما والله لخير هذه الأمة ولكنهما كرها أن يجتمع الناس ويتضايقوا فأحبا أن يسهلا على الناس . " ولقول أبي أسامة " إن رسول الله A مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم حافيا " . ويكره أن يتقدم الكل عليها أو ينفرد واحد متقدما ولا بأس بالركوب خلفها من غير إضرار لغيره في السنن قال رسول الله A " الراكب يسير خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها " ( ويكره رفع الصوت بالذكر ) والقرآن وعليهم الصمت وقولهم كل حي سيموت ونحو ذلك خلف الجنازة بدعة ويكره اتباع النساء الجنائز وإن لم تنزجر نائحة فلا بأس بالمشي معها وينكره بقلبه ولا بأس بالبكاء بدمع في منزل الميت ويكره النوح والصياح وشق الجيوب ولا يقوم من مرت به جنازة ولم يرد المشي معها والأمر به منسوخ ( و ) يكره ( الجلوس قبل وضعها ) لقوله عليه السلام " من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع ( ويحفر القبر نصف قامة أو إلى الصدر وإن زيد كان حسنا ) لأنه أبلغ في الحفظ ( ويلحد ) في الأرض صلبة من جانب القبلة ( ولا يشق ) بحفيرة في وسط القبر يوضع فيها الميت ( إلا في أرض رخوة ) فلا بأس به فيها ولا باتخاذ التابوت ولو من حديد ويفرش فيه التراب لقوله A " اللحد لنا والشق لغيرنا " ويدخل الميت في القبر ( من قبل القبلة ) كما دخل النبي A إن أمكن فتوضع الجنازة على القبر من جهة القبلة ويحمله الآخذ مستقبلا حال الأخذ ويضعه في اللحد لشرف القبلة وهو أول من السل لأنه يكون ابتداء بالرأس أو يكون بالرجلين ( ويقول واضعه ) في قبره كما أمر به النبي A وكان يقوله إذا أدخل الميت القبر ( بسم الله وعلى ملة رسول الله ) قال شمس الأئمة السرخسي : أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك وفي الظهيرية : إذا وضعوه قالوا بسم الله وبالله وفي الله وعلى ملة رسول الله ( A ) ولا يضر دخول وتر أو شفع في القبر بقدر الكفاية والسنة الوتر وأن يكونوا أقرباء أمناء صلحاء وذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة ثم ذو الرحم غير المحرم ثم الصالح من مشايخ جيرانها ثم الشبان الصلحاء ولا يدخل أحد من النساء القبر ولا يخرجهن إلا الرجال ولو كانوا أجانب لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها فكذا بعد موتها ( ويوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن ) بذلك أمر النبي A وفي حديث أبي داود " البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا " .
( وتحل العقدة ) لأمر النبي A لسمرة وقد مات له ابن " أطلق عقد رأسه وعقد رجليه " لأنه أمن من الانتشار ( ويسوى اللبن ) بكسر الباء الموحدة واحدة لبنة بوزن كلمة الطوب النيء ( عليه ) أي على اللحد اتقاء لوجهه عن التراب لما روي أنه E جعل على قبره اللبن وروي طن من قصب بضم الطاء المهملة الحزمة ولا منافاة لإمكان الجمع بوضع اللبن منصوبا ثم أكمل بالقصب وقال محمد في الجامع الصغير ( و ) يستحب ( القصب ) واللبن وقال في الأصل اللبن والقصب فدل المذكور في الجامع على أنه لا بأس بالجمع بينهما واختلف في القصب المنسوج ويكره إلقاء الحصير في القبر وهذا عند الوجدان وفي محل لا يوجد إلا الصخر فلا كراهة فيه فقولهم ( وكره ) وضع ( الآجر ) بالمد المحرق من اللبن ( والخشب ) محمول على وجود اللبن بلا كلفة وإلا فقد يكون الخشب والآجر موجودين ويقدم اللبن لأن الكراهة لكونهما للإحكام والزينة ولذا قال بعض مشايخنا إنما يكره الآجر إذا أريد به الزينة أما إذا أريد به دفع أذى السباع أو شيء آخر لا يكره وما قيل إنه لمس النار فليس بصحيح ( و ) يستحب ( أن يسجى ) أي يستر ( قبرها ) أي المرأة سترا لها إلى أن يسوى عليها اللحد ( لا ) يسجى قبره لأن عليا Bه مر بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره ثوبا فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء إلا إذا كان لضرورة دفع حر أو مطر أو ثلج عن الداخلين في القبر فلا بأس به ( ويهال التراب ) سترا له ويستحب أن يحثى ثلاثا لما روي أنه A " صلى على جنازة ثم أتى القبر فحثا عليه التراب من قبل رأسه ثلاثا " ويكره أن يزيد فيه على التراب الذي خرج منه ويجعله مرتفعا عن الأرض قدر شبر أو أكثر بقليل ولا بأس برش الماء حفظا له ( ولا يربع ) ولا يجصص لنهي النبي A عن تربيع القبور وترصيصها ( ويحرم البناء عليه للزينة ) لما رويناه ( ويكره ) البناء عليه ( للإحكام بعد الدفن ) لأنه للبقاء والقبر للفناء وأما قبل الدفن فليس بقبر وفي النوازل لا بأس بتطيينه وفي الغياثية : وعليه الفتوى . ( ولا بأس ) أيضا ( بالكتابة ) في حجر صين به القبر ووضع ( عليه لئلا يذهب الأثر ) فيحترم للعلم بصاحبه ( ولا يمتهن ) وعن أبي يوسف أنه كره أن يكتب عليه . وإذا خربت القبور فلا بأس بتطيينها لأن الرسول A مر بقبر ابنه إبراهيم فرأى فيه جحرا فسده وقال : " من عمل عملا فليتقنه " وعن أنس عن النبي A أنه قال " خفق الرياح وقطر الأمطار على قبر المؤمن كفارة لذنوبه " ( ويكره الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) قال الكمال لا يدفن صغير ولا كبير في البيت الذي مات فيه فإن ذلك خاص بالأنبياء عليهم السلام بل يدفن في مقابر المسلمين ( ويكره الدفن في ) الأماكن التي تسمى ( الفساقي ) وهي كبيت معقود في البناء يسع جماعة قياما ونحوه لمخالفتها السنة ( ولا بأس بدفن أكثر من واحد ) في قبر واحد ( للضرورة ) قال قاضيخان ( ويحجز بين كل اثنين بالتراب ) هكذا أمر رسول الله A في بعض الغزوات ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره ولا يجوز كسر عظامه ولا تحويلها ولو كان ذميا ولا ينبش وإن طال الزمان وأما أهل الحرب فلا بأس بنبشهم إن احتيج إليه ( ومن مات في سفينة وكان البر بعيدا وخيف الضرر ) به ( غسل وكفن ) وصلى عليه ( وألقي في البحر ) وعن الإمام أحمد بن حنبل C يثقل ليرسب وعن الشافعية كذلك إن كان قريبا من دار الحرب والأشد بين لوحين ليقذفه البحر فيدفن ( ويستحب الدفن في ) المقبرة ( محل مات به أو قتل ) لما روي عن عائشة Bها أنها قالت حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكان مات بالشام وحمل منها : لو كان الأمر فيك إلي ما نقلتك ولدفنتك حيث مت .
( فإن نقل قبل الدفن قدر ميل أو ميلين ) ونحو ذلك ( لا بأس به ) لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار ( وكره نقله لأكثر منه ) أي أكثر من الميلين كذا في الظهيرية وقال شمس الأئمة السرخسي وقول محمد في الكتاب لا بأس أن ينقل الميت قدر ميل أو ميلين بيان أن النقل من بلد إلى بلد مكروه وقال قاضيخان وقد قال قبله لو مات في غير بلده يستحب تركه فإن نقل إلى مصر آخر لا بأس به لما روي أن يعقوب صلوات الله عليه مات بمصر ونقل إلى الشام وسعد ابن أبي وقاص مات في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة ونقل على أعناق الرجال إلى المدينة . قلت يمكن الجمع بأن الزيادة مكروهة في تغيير الرائحة أو خشيتها وتنتفي بانتفائها لمن هو مثل يعقوب عليه السلام وسعد Bه لأنهما من أحياء الدارين ( ولا يجوز نقله ) أي الميت ( بعد دفنه ) بأن أهيل عليه التراب وأما قبله فيخرج ( بالإجماع ) بين أئمتنا طالت مدة دفنه أو قصرت للنهي عن نبشه والنبش حرام حقا لله تعالى ( إلا أن تكون لأرض مغصوبة ) فيخرج لحق صاحبها إن طلبه وإن شاء سواه بالأرض وانتفع بها زراعة أو غيرها ( أو أخذت ) الأرض ( بالشفعة ) بأن دفن بها بعد الشراء ثم أخذت بالشفعة لحق الشفيع فيتخير كما قلنا ( وإن دفن في قبر حفر لغيره ) من الأحياء بأرض ليست مملوكة لأحد ( ضمن قيمة الحفر ) وأخذ من تركته وإلا فمن بيت المال أو المسلمين كما قدمناه فإن كانت المقبرة واسعة يكره لأن صاحب القبر يستوحش بذلك وإن كانت الأرض ضيقة جاز أي بلا كراهة قال الفقيه أبو الليث C لأن أحدا من الناس لا يدري بأي أرض يموت وهذا كمن بسط بساطا أو مصلى أي سجادة في المسجد أو المجلس فإن كان واسعا لا يصلي ولا يجلس عليه غيره وإن كان المكان ضيقا جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس ومن حفر قبرا قبل موته فلا بأس به ويؤجر عليه هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خثعم وغيرهم ( ولا يخرج منه ) لأن الحق صار له وحرمته مقدمة ( وينبش ) القبر ( لمتاع ) كثوب ودرهم ( سقط فيه ) وقيل لا ينبش بل يحفر من جهة المتاع ويخرج ( و ) ينبش ( لكفن مغصوب ) لم يرض صاحبه إلا بأخذه ( ومال مع الميت ) لأن النبي A أباح نبش قبر أبي رغال لذلك ( ولا ينبش ) الميت ( بوضعه لغير القبلة أو ) وضعه ( على يساره ) أو جعل رأسه موضع رجليه ولو سوي اللبن عليه ولم يهل التراب نزع اللبن وراعى السنة .
( تتمة ) قال كثير من متأخرة أئمتنا رحمهم الله يكره الاجتماع عند صاحب جلوس على باب الدار للمصيبة فإن ذلك عمل أهل الجاهلية ونهى النبي A عن ذلك ويكره في المسجد ويكره الضيافة من أهل الميت لأنها شرعت في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة وقال عليه السلام " لا عقر في الإسلام " وهو الذي كان يعقر عند القبر بقرة أو شاة ويستحب لجيران الميت والأباعد من أقاربه تهيئة طعام لأهل الميت يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله A " اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم " ويلح عليهم في الأكل لأن الحزن يمنعهم فيضعفهم والله ملهم الصبر ومعوض الأجر وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن لقوله A " من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة " وقوله A " من عزى مصابا فله مثل أجره " وقوله A " من عزى ثكلى كسي بردين في الجنة " ولا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي أخرى .
( فصل في زيارة القبور . ندب زيارتها ) من غير أن يطأ القبور ( للرجال والنساء ) وقيل تحرم على النساء الأصح أن الرخصة ثابتة للرجال والنساء فتندب لهن أيضا ( على الأصح ) والسنة زيارتها قائما كما كان يفعل رسول الله A في الخروج إلى البقيع ويقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العاقبة " ( ويستحب ) للزائر ( قراءة ) سورة ( يس لما ورد ) عن أنس Bه ( أنه ) قال قال رسول الله A : ( من دخل المقابر فقرأ ) سورة ( يس ) يعني وأهدى ثوابها للأموات ( خفف الله عنه يومئذ ) العذاب ورفعه وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ثم لا يعود على المسلمين ( وكان له ) أي للقارئ ( بعدد ما فيها ) رواية الزيلعي من فيها من الأموات ( حسنات ) وعن أنس أنه سأل رسول الله A فقال يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم فقال " نعم إنه ليصل ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه " رواه أبو جعفر العكبري فلإنسان أن يجعل ثواب عمله بغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار أو غير ذلك من أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه قال الزيلعي في باب الحج عن الغير وعن علي Bه أن النبي A قال " من مر على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرا مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات " رواه الدارقطني .
وأخرج ابن أي شيبة عن الحسن أنه قال من دخل المقابر فقال اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا وسلاما مني أستغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم . وأخرج ابن أبي الدنيا بلفظ كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات . ( ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار ) لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والاتعاظ ( وكره القعود على القبور بغير قراءة ) لقوله عليه السلام " لئن يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلدته خير له من أن يجلس على قبر " ( و ) كره ( وطئها ) بالأقدام لما فيه من عدم الاحترام وأخبرني شيخي العلامة محمد بن أحمد الحموي الحنفي C بأنهم يتأذون بخفق النعال اه . وقال الكمال وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه اه . وقال قاضيخان : ولو وجد طريقا في المقبرة وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك وإن لم يقع في ضميره بأن يمشي فيه ( و ) كره ( النوم ) على القبور ( و ) كره تحريما ( قضاء الحاجة ) أي البول والتغوط ( عليها ) بل وقريبا منها وكذا كل ما لم يعهد من غير فعل السنة ( و ) كره ( قلع الحشيش ) الرطب ( و ) كذا ( الشجر من المقبرة ) لأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكر الله تعالى الرحمة ( ولا بأس بقلع اليابس منهما ) أي الحشيش والشجر لزوال المقصود