من باب إضافة الشرط إلى شرطه ويقال إلى محله أو الفعل إلى فاعله والسفر في اللغة قطع المسافة وفي الشرع مسافة مقدرة بسير مخصوص بينه بقوله ( أقل ) مدة ( سفر تتغير به ) أي السفر ( الأحكام ) وهي لزوم قصر الصلاة كرخصة الإسقاط . واعلم أن الرخصة على قسمين رخصة حقيقية ورخصة مجازية وتسمى رخصة ترفيه مثل الفطر وإجراء كلمة الكفر للإكراه والثانية مثل الإكراه على شرب الخمر وقصر الصلاة في السفر فالأولى العبد مخير بين ارتكاب الرخصة والعمل بالعزيمة فيثاب والثانية لا تخيير له لتعين الفعل فيها بالرخصة وسقوط العزيمة فلا يتضمن إكمال الصلاة ثوابا لأن الثواب في فعل العبد ما عليه ولو بالتخيير بينه وبين ما هو أيسر منه كلابس الخف فإنه مخير بين إبقائه والمسح وبين قلعه والغسل وأما الصلاة في السفر فليست إلا ركعتين من الرباعية فإذا صلاهما لم يبق عليه شيء فلا ثواب له في الإكمال أربعا لمخالفته المفروض عليه عينا وإساءته بتأخير السلام وظنه فرضية الزائدتين ولا ثواب له بالصبر على القتل وعدم شربه الخمر بالإكراه بل يأثم بصبره وتسمية هذه وتسمية القصر في السفر رخصة مجاز لأن الرخصة الحقيقية يثبت معها الخيار للعبد بين الإقدام على الرخصة وبين الإتيان بالعزيمة كالمسح على الخف كما ذكرناه والفطر في رمضان وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والأضحية ولا تخيير له بين شرب الخمر مكرها وصبره على قتله ولا بين إكمال الصلاة الرباعية وقصره بالسفر ( مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة ) وقدر بالأيام دون المراحل والفراسخ وهو الأصح ( بسير وسط ) نهارا لأن الليل ليس محلا للسير بل للاستراحة ولا بد أن يكون السير نهارا ( مع الاستراحات ) فينزل المسافر فيه للأكل والشرب وقضاء الضرورة والصلاة ولأكثر النهار حكم كله فإذا خرج قاصدا محلا وبكر في اليوم الأول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل فيها للاستراحة وبات فيها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في الثالث وسار إلى الزوال فبلغ المقصد قال شمس الأئمة السرخسي الصحيح أنه مسافر ( و ) اعتبر السير ( الوسط ) وهو ( سير الإبل ومشي الأقدام في البر ) يعتبر ( في الجبل بما يناسبه ) لأنه يكون صعودا أو هبوطا ومضيقا ووعرا فيكون مشي الإبل والأقدام فيه دون سيرهما في السهل فإذا قطع بذلك السير مسافة ليست ببعيدة من ابتداء اليوم ونزل بعد الزوال احتسبه على نحو ما قدمناه يوما فإذا بات ثم أصبح وفعل كذلك إلى ما بعد الزوال ثم نزل كان يوما ثانيا ولا يعتبر أعجل السير وهو سير البريد ولا أبطأ السير وهو مشي العجلة التي تجرها مع الدواب فإن خير الأمور أوساطها وهو هنا سير الإبل والأقدام كما ذكرناه .
( وفي البحر ) يعتبر ( اعتدال الريح ) على المفتى به فإذا سار أكثر اليوم به كان ككله وإن كانت المسافة دون ما في السهل ( فيقصر ) المسافر ( الفرض ) العلمي ( الرباعي ) فلا قصر للثنائي والثلاثي ولا للوتر فإنه فرض عملي ولا في السنن فإن كان في حال نزول وقرار وأمن يأتي بالسنن وإن كان سائرا أو خائفا فلا يأتي بها وهو المختار - قالت عائشة Bها : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر إلا المغرب فإنها وتر النهار والجمعة لمكانتها من الخطبة والصبح لطول قراءتها - وعندنا يقصر ( من نوى السفر ولو كان عاصيا بسفره ) كأبق من سيده وقاطع طريق لإطلاق نص الرخصة ( إذا جاوز بيوت مقامه ) ولو بيوت الأخبية من الجانب الذي خرج منه ولو حاذاه في أحد جانبيه فقط لا يضره ( و ) يشترط أن يكون قد ( جاوز ) أيضا ( ما اتصل به ) أي بمقامه ( من فنائه ) كما يشترط مجاوزة ربضه وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر وكذا القرى المتصلة بربض يشترط مجاوزتها في الصحيح .
( وإن انفصل البناء بمزرعة أو ) فضاء ( قدر غلوة ) وتقدم أنها من ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة ( لا يشترط مجاوزته ) أي الفناء وكذا لو اتصلت القرية بالفناء لا بالربض لا يشترط مجاوزتها بل مجاوزة الفناء كذا في قاضيخان ويخالفه ما في النهاية والفتاوى الولوالجية والتجنيس والمزيد ونصها . يقصر بخروجه عن عمران المصر ولا يلحق فناء المصر بالمصر في حق السفر ويلحق الفناء بالمصر لصحة صلاة الجمعة من مصالح المصر وفناء المصر ملحق بالمصر فيما هو من حوائج المصر وأداء الجمعة منها وقصر الصلاة ليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق فناء المصر بالمصر في حق هذا الحكم أي قصر الصلاة ( والفناء المكان المعد لمصالح البلد كركضي الدواب ودفن الموتى ) وإلقاء التراب ولا تعتبر البساتين من عمران المدينة وإن كانت متصلة ببنائها ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها ولا تعتبر سكنى الحفظة وإلا كرة اتفاقا ( ويشترط لصحة نية السفر ثلاثة أشياء : الاستقلال بالحكم و ) الثاني ( البلوغ و ) الثالث ( عدم نقصان مدة السفر عن ثلاثة أيام فلا يقصر من لم يجاوز عمران مقامه أو جاوز ) العمران ناويا ( و ) لكن ( كان صبيا أو تابعا لم ينومتبوعه السفر ) والتابع ( كالمرأة مع زوجها ) وقد أوفاها معجل مهرها وإن لم يوفها لم تكن تبعا له ولو دخل بها لأنها يجوز لها منعه من الوطء والإخراج للمهر عند أبي حنيفة C تعالى ( والعبد ) غير المكاتب فيشمل أم الولد والمدبر ( مع مولاه والجندي مع أميره إذا كان يرتزق منه والأجير مع المستأجر والتلميذ مع أستاذه والأسير والمكره مع من أكرهه على السفر والأعمى مع المتبرع بقوده وإن كان أجيرا فالعبرة لنية الأعمى ( أو ) كان ( ناويا دون الثلاثة ) الأيام لأن ما دونها لا يصير به مسافرا شرعا ( وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل ) كالزوج والمولى والأمير ( دون التبع ) كالمرأة والعبد والجندي ( إن علم ) التبع ( نية المتبوع في الأصح ) فلا يلزمه الإتمام بنية الأصل والإقامة حتى يعلم كما في توجه الخطاب الشرعي الوكيل حتى لو صلى مخالفا له قبل علمه صحت في الأصح ( والقصر عزيمة عندنا ) لما قدمناه ( فإذا أتم الرباعية و ) الحال أنه ( قعد القعود الأول ) قدر التشهد ( صحت صلاته ) لوجود الفرض في محله وهو الجلوس على الركعتين وتصير الأخريان نافلة له ( مع الكراهة ) لتأخير الواجب وهو السلام عن محله إن كان عامدا فإن كان ساهيا يسجد للسهو ( وإلا ) أي وإن لم يكن قد جلس قدر التشهد على رأس الركعتين الأوليين ( فلا تصح ) صلاته لتركه فرض الجلوس في محله واختلاط النفل بالفرض قبل كماله ( إلا إذا نوى الإقامة لما قام للثالثة ) في محل تصح الإقامة فيه لأنه صار مقيما بالنية فانقلب فرضه أربعا وترك واجب القعود الأول لا يفسد وكذا لو قرأ في ركعة لأنه أمكنه تدارك فرض القراءة في الأخريين بنية الإقامة .
( ولا يزال ) المسافر الذي استحكم سفره بمضي ثلاثة أيام مسافرا ( يقصر حتى يدخل مصره ) يعني وطنه الأصلي ( أو ينوي إقامته نصف شهر ببلد أو قرية ) قدره ابن عباس وابن عمر Bهم وإذا لم يستحكم سفره بأن أراد الرجوع لوطنه قبل مضي ثلاثة أيام يتم بمجرد الركوع وإن لم يصل لوطنه لنقضه السفر لأنه ترك بخلاف السفر لا يوجد بمجرد النية حتى يسير لأنه فعل ( وقصر إن نوى أقل منه ) أي من نصف شهر ( أو لم ينو ) شيئا ( وبقي ) على ذلك ( سنين ) وهو ينوي الخروج في غذ أو بعد جمعة لأن علقمة بن قيس مكث كذلك بخوارزم سنتين يقصر الصلاة ( ولا تصح نية الإقامة ببلدتين لم يعين المبيت بإحداهما ) وكل واحدة أصل بنفسها وإذا كانت تابعة كقرية يجب على ساكنها الجمعة تصح الإقامة بدخول أيتهما وكذا تصح إذا عين المبيت بواحدة من البلدتين لأن الإقامة تضاف لمحل المبيت ( ولا ) تصح نية الإقامة ( في مفازة لغير أهل الأخبية ) لعدم صلاحية المكان في حقه والأخبية جمع خبا بغير همزة مثل كسا وأكسية : بيت من وبر أو صوف والمراد ما هو أعم من ذلك وأما أهل الأخبية فتصح نيتهم الإقامة في الأصح في المغارة ( ولا ) تصح نية الإقامة ( لعسكرنا بدار الحرب ) ولو حاصروا مصرا لمخالفة حالهم بالتردد بين القرار والفرار .
( ولا ) تصح نية الإقامة لعسكرنا ( بدارنا في ) حال ( محاصرة أهل البغي ) ( 1 ) للتردد كما ذكرنا ولو كانت الشوكة ظاهرة لنا عليهم ( وإن اقتدى مسافر بمقيم ) يصلي رباعية ولو في التشهد الأخير ( في الوقت صح ) اقتداؤه ( وأتمها أربعا ) تبعا لإمامه واتصال المغير بالسبب الذي هو الوقت ولو خرج الوقت قبل إتمامه أو ترك الإمام القعود الأول في الصحيح ( وبعده ) أي بعد خروج الوقت ( لا يصح ) اقتداء المسافر بالمقيم ولو كان إحرام المقيم قبل خروج الوقت لأن فرضه لا يتغير بعد خروجه ( وبعكسه ) بأن اقتدى مقيم بمسافر ( صح ) الاقتداء ( فيهما ) أي في الوقت وفيما بعد خروجه لأنه A صلى بأهل مكة وهو مسافر وقال " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " وقعوده فرض أقوى من الأول في حق المقيم ويتم المقيمون منفردين بلا قراءة ولا سجود سهو ولا يصح الاقتداء بهم ( وندب للإمام ) بعد التسليمتين في الأصح وقيل بعد التسليمة الأولى ( أن يقول أتموا صلاتكم فإني مسافر ) كما روينا وإنما كان مندوبا لأنه لم يتعين مصرفا لحال الأمام لجواز السؤال قبل الصلاة أو بعد إتمامهم صلاتهم ( وينبغي أن يقول ) لهم الإمام ( ذلك قبل شروعه في الصلاة ) لدفع الاشتباه ابتداء ( ولا يقرأ ) المؤتم ( المقيم فيما يتمه بعد فراغ إمامه المسافر في الأصح ) لأنه أدرك مع الإمام أول صلاته وفرض القراءة قد تأدى بخلاف المسبوق ( وفائتة السفر و ) فائتة ( الحضر تقضى ركعتين وأربعا ) فيه لف ونشر مرتب لأن القضاء بحسب الأداء بخلاف فائتة المريض والقوي فإن المريض إذا برأ يقضي بالركوع والسجود وإذا مرض يقضي بالإيماء فائتة الصحة لسقوط الركوع والسجود بالعذر ولزومهما بالقدرة حال القضاء ( والمعتبر فيه ) أي لزوم الأربع بالحضر والركعتين بالسفر ( آخر الوقت ) فإن كان في آخره مسافرا صلى ركعتين وإن كان مقيما صلى أربعا لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء فيما قبله من الوقت فتلزمه الصلاة لو صار أهلا لها في آخر الوقت ببلوغ وإسلام وإفاقة من جنون وإغماء وطهر من حيض ونفاس وتسقط بفقد الأهلية فيه بجنون وإغماء ممتد ونفاس وحيض .
( ويبطل الوطن الأصلي بمثله فقط ) أي لا يبطل بوطن الإقامة ولا بالسفر لأن الشيء لا يبطل بما دونه بل هو مثله أو فوقه ولا يشترط تقدم السفر لثبوت الوطن الأصلي إجماعا ولا لوطن الإقامة في ظاهر الرواية وإذا لم ينقل أهله بل استحدث أهلا في بلدة أخرى فلا يبطل وطنه الأول وكل منهما وطن أصلي له ( ويبطل وطن الإقامة بمثله و ) يبطل أيضا ( ب ) إنشاء ( السفر ) بعده ( وب ) العود للوطن ( الأصلي ) لما ذكرنا ( والوطن الأصلي هو الذي ولد فيه ) الإنسان ( أو تزوج ) فيه ( أو لم يتزوج ) ولم يولد فيه ( و ) لكن ( قصد التعيش لا الارتحال عنه ووطن الإقامة موضع ) صالح لها على ما قدمناه وقد ( نوى الإقامة فيه نصف شهر فما فوقه ) وفائدة هذا أن يتم الصلاة إذا دخله وهو مسافر قبل بطلانه ( ولم يعتبر المحققون وطن السكنى وهو ما ) أي موضع ( ينوي الإقامة فيه دون نصف شهر ) وكان مسافرا فلا يبطل به وطن الإقامة ولا يبطل السفر .
_________ .
( 1 ) أهل البغي : جماعة من المسلمين تخرج عن طاعة إمامهم