لما ذكرت الأوقات التي هي أسباب ظاهرة على نعمة الله سبحانه وتعالى وإيجابه الغيبي ذكر الأذان الذي هو إعلام بدخولها وقدم السبب على العلامة لقربه ولأن الأوقات إعلام في حق الخواص .
والأذان إعلام في حق العوام والكلام فيه من جهة ثبوته وتسميته وأفضليته وتفسيره لغة وشريعة وسبب مشروعيته وسببه وشرطه وحكمه وركنه وصفته وكيفيته ومحل شرع فيه ووقته وما يطلب من سامعه وما أعد من الثواب لفاعله .
فثبوته بالكتاب والسنة وتسميته أذانا لأن من باب التفعيل . واختلف في أفضليته عندنا الإمامة أفضل منه ومعناه لغة الإعلام . وشريعة إعلام مخصوص وسبب مشروعيته مشاورة الصحابة في علامة يعرفون بها وقت الصلاة مع النبي A وشرع في السنة الأولى من الهجرة وقيل في الثانية في المدينة المنورة وسببه دخول الوقت وهو شرط له ومنه كونه باللفظ العربي على الصحيح من عاقل وشرط كماله كون المؤذن صالحا عالما بالوقت طاهرا متفقدا أحوال الناس زاجرا من تخلف عن الجماعة صيتا بمكان مرتفع مستقبلا .
وحكمه لزوم إجابته بالفعل والقول وركنه الألفاظ المخصوصة وصفته سنة مؤكدة وكيفيته الترسل ووقته أوقات الصلاة ولو قضاء ويطلب من سامعه الإجابة بالقول كالفعل وسنذكر بيان ألفاظه ومعانيها وثوابه ( سن الأذان ) فليس بواجب على الأصح لعدم تعليمه الأعرابي ( و ) كذا ( الإقامة سنة مؤكدة ) في قوة الواجب لقول النبي A " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " وللمدوامة عليهما ( للفرائض ) ومنها الجمعة فلا يؤذن لعيد واستسقاء وجنازة ووتر فلا يقع أذان العشاء للوتر على الصحيح ( ولو ) صلى الفرائض ( منفردا ) بفلاة فإنه يصلي خلفه جند من جنود الله ( أداء ) كان ( أو قضاء سفرا أو حضرا ) كما فعله النبي A ( للرجال وكرها ) أي الأذان والإقامة ( للنساء ) لما روي عن ابن عمر من كراهتهما لهن ( و ) أشار إلى ضبط ألفاظه بقوله ( يكبر في أوله أربعا ) في ظاهر الرواية وروى الحسن مرتين ويجزم الراء في التكبير ويسكن كلمات الأذان والإقامة في الأذان حقيقة وينوي الوقف في الإقامة لقوله A " الأذان جزم والإقامة جزم والتكبير جزم " أي لافتتاح الصلاة ( ويثني تكبير آخره ) عودا للتعظيم ( كباقي ألفاظه ) وحكمة التكرير تعظيم شأن الصلاة في نفس السامعين ( ولا ترجيع في ) كلمتي ( الشهادتين ) لأن بلالا Bه لم يرجع وهو أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما ( والإقامة مثله ) لفعل الملك النازل ( ويزيد ) المؤذن ( بعد فلاح الفجر ) قوله ( الصلاة خير من النوم ) يكررها ( مرتين ) لأن النبي A أمر بلالا Bه وخص به الفجر لأنه وقت نوم وغفلة ( و ) يزيد ( بعد فلاح الإقامة قد قامت الصلاة ) ويكررها ( مرتين ) كما فعله الملك ( ويتمهل ) يترسل ( في الأذان ) بالفصل بسكتة بين كل كلمتين ( ويسرع ) أي يحدر ( في الإقامة ) للأمر بهما في السنة ( ولا يجزئ ) الأذان ( بالفارسية ) المراد غير العربي ( وإن علم أنه أذان في الأظهر ) لوروده بلسان عربي في أذان الملك النازل .
( ويستحب أن يكون المؤذن صالحا ) أي متقيا لأنه أمين في الدين ( عالما بالسنة ) في الأذان ( و ) عالما بدخول ( أوقات الصلاة ) لتصحيح العبادة ( و ) أن يكون ( على وضوء ) لقوله A " لا يؤذن إلا متوضئ " ( مستقبل القبلة ) كما فعله الملك النازل ( إلا أن يكون راكبا ) لضرورة سفر ووحل ويكره في الحضر راكبا في ظاهر الرواية .
( و ) يستحب ( أن يجعل أصبعيه في أذنيه ) لقوله A لبلال Bه " اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك " وقال A " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه " .
( و ) يستحب ( أن يحول وجهه يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح ) ولو كان وحده في الصحيح لأنه سنة الأذان ( ويستدير في صومعته ) إن لم يتم الإعلام بتحويل وجهه .
( ويفصل بين الأذان والإقامة ) لكراهة وصلها ( بقدر ما يحضر ) القوم ( الملازمون للصلاة ) للأمر به ( مع مراعاة الوقت المستحب و ) يفصل بينهما ( في المغرب بسكتة ) هي ( قدر ثلاث آيات قصار ) أو آية طويلة ( أو ) قدر ( ثلاث خطوات ) أو أربع .
( ويثوب ) بعد الأذان في جميع الأوقات لظهور التواني في الأمور الدينية في الأصح وتثويب كل بلد بحسب ما تعارفه أهلها ( كقوله ) أي المؤذن ( بعد الأذان : الصلاة الصلاة يا مصلين ) قوموا إلى الصلاة .
( ويكره التلحين ) وهو التطريب والخطأ في الإعراب وأما تحسين الصوت بدونه فهو مطلوب .
( و ) يكره ( إقامة المحدث وأذانه ) لما روينا ولما فيه من الدعاء لما لا يجيب بنفسه واتبعت هذه الرواية لموافقتها نص الحديث وإن صحح عدم كراهة أذان المحدث .
( و ) يكره ( أذان الجنب ) رواية واحدة كإقامته ( و ) يكره بل لا يصح أذان ( صبي لا يعقل ) وقيل والذي يعقل أيضا لما روينا ( ومجنون ) ومعتوه ( وسكران ) لفسقه وعدم تمييزه بالحقيقية ( و ) أذان ( امرأة ) لأنها إن خفضت صوتها أخلت بالإعلام وإن رفعته ارتكبت معصية لأنه عورة ( و ) أذان ( فاسق ) لأن خبره لا يقبل في الديانات ( و ) أذان ( قاعد ) لمخالفة صفة الملك النازل إلا لنفسه .
( و ) يكره ( الكلام في خلال الأذان ) ولو برد السلام .
( و ) يكره الكلام ( في الإقامة ) لتفويت سنة الموالاة .
( ويستحب إعادته ) أي الأذان بالكلام فيه لأن تكراره مشروع كما في الجمعة ( دون الإقامة ) .
( ويكرهان ) أي الأذان والإقامة ( لظهر يوم الجمعة في المصر ) لمن فاتتهم الجمعة كجماعتهم مثل المسجونين .
( ويؤذن للفائتة ويقيم ) كما فعله النبي A في الفجر الذي قضاه غداة ليلة التعريس ( وكذا ) يؤذن ويقيم ( لأولى الفوائت ) والأكمل فعلهما في كل منها كما فعله النبي A حين شغله الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقضاهن مرتبا على الولاء وأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن .
( وكره ترك الإقامة دون الأذان في البواقي ) من الفوائت فلا يكره ترك الأذان في غير الأولى ( إن اتحد مجلس القضاء ) لمخالفة فعل النبي A لاتفاق الروايات على أنه أتى بالإقامة في جميع التي قضاها وفي بعض الروايات اقتصر على ذكر الإقامة فيما بعد الأولى .
( وإذا سمع المسنون منه ) أي الأذان وهو ما لا لحن فيه ولا تلحين ( أمسك ) حتى عن التلاوة ليجيب المؤذن ولو في المسجد وهو الأفضل وفي الفوائد يمضي على قراءته إن كان في المسجد وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده فإذا كان يتكلم في الفقه والأصول يجب عليه الإجابة وإذا سمعه وهو يمشي فالأولى أن يقف ويجيب وإذا تعدد الأذان يجيب الأول ولا يجيب في الصلاة ولو جنازة وخطبة وسماعها وتعلم العلم وتعليمه والأكل والجماع وقضاء الحاجة ولا يجيب الجنب ولا الحائض والنفساء لعجزهما عن الإجابة بالفعل ( و ) صفة الإجابة أن يقول كما ( قال ) مجيبا له فيكون قوله ( مثله ) أي مثل ألفاظ المؤذن ( و ) لكن ( حوقل ) أي قال لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا حول لنا عن معصية ولا قوة لنا على طاعة إلا بفضل الله ( في ) سماعه ( الحيعلتين ) هما حي على الصلاة حي على الفلاح كما ورد لأنه لو قال مثلهما صار كالمستهزئ لأن من حكى لفظ الآمر بشيء كان مستهزئا به بخلاف باقي الكلمات لأنه ثناء والدعاء مستجاب بعد إجابته بمثل ما قال ( و ) في أذان الفجر ( قال ) المجيب ( صدقت وبررت ) بفتح الراء الأولى وكسرها ( أو ) يقول ( ما شاء الله ) كان وما لم يشأ لم يكن ( وعند قول المؤذن ) في أذان الفجر ( الصلاة خير من النوم ) تحاشيا عما يشبه الاستهزاء . واختلف أئمتنا في حكم الإجابة بعضهم صرح بوجوبها وصرح بعضهم باستحبابها ( ثم دعا ) المجيب والمؤذن ( بالوسيلة ) بعد صلاته على النبي A عقب الإجابة ( فيقول ) كما رواه جابر Bه عن النبي A " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة " وعن ابن عمر Bه عن النبي A " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي صلاة فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله إلي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد مؤمن من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " أعلم أن من هذه المنزلة تتفرع جميع الجنات وهي جنة عدن دار المقامة ولها شعبة في كل جنة من الجنان من تلك الشعبة يظهر محمد A لأهل تلك الجنة وهي في كل جنة أعظم منزلة فيها جعلنا الله من الفائزين بشفاعته ومجاورته في دار كرامته