شرط الأجل في المبيع العين .
و منها : شرط الأجل في المبيع العين و الثمن العين و هو ان يضرب لتسليمها أجل لأن القياس يأبى جواز التأجيل أصلا لأنه تغيير مقتضى العقد لأنه عقد معاوضة تمليك بتمليك و تسليم بتسليم و التأجيل ينفي وجوب التسليم للحال فكان مغيرا مقتضى العقد إلا أنه شرط نظرا لصاحب الأجل لضرورة العدم ترفيها له و تمكينا له من اكتساب الثمن في المدة المضروبة و لا ضرورة في الأعيان فبقي التأجيل فيها تغييرا محضا لمقتضى العقد فيوجب فساد العقد .
و يجوز في المبيع و هو السلم بل يجوز بدونه عندنا على ما نذكره في موضعه و كذا يجوز في الثمن الدين و هو بيع الدين بالدين لأن التأجيل يلائم الديون و لا يلائم الأعيان لمساس حاجة الناس إليه في الديون لا في العيان على ما بينا .
و منها شرط خيار مؤبد في البيع و منها شرط خيار مؤقت بوقت مجهول جهالة متفاحشة كهبوب الريح و مجيء المطر و قدوم فلان و موت فلان و نحو ذلك أو متقاربة كالحصاد و الدياس و قدوم الحاج و نحوها .
و منها شرط خيار غير مؤقت أصلا و الأصل فيه أن شرط الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم للحال فكان شرطا مغيرا مقتضى العقد و أنه مفسد للعقد في الأصل و هو القياس إلا أنا عرفنا جوازه استحسانا بخلاف القياس بالنص و هو ما روي أن حبان بن منقذ كان يغبن في التجارات فشكا أهله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : [ إذا بايعت فقل : لا خلابة و لي الخيار ثلاثة أيام ] فبقي ما وراء المنصوص عليه على اصل القياس .
و منها شرط خيار مؤقت بالزائد على ثلاثة أيام عند أبي حنيفة و زفر و قال أبي يوسف و محمد : هذا الشرط ليس بمفسد .
و احتجا بما روي أن عبد الله بن سيدنا عمر Bهما شرط الخيار شهرين و لأن النص الوارد في خيار ثلاثة أيام معلول بالحاجة إلى دفع الغبن بالتأمل و النظر و هذا لا يوجب الاقتصار على الثلاث كالحاجة إلى التأجيل .
و لأبي حنيفة : أن هذا الشرط في الأصل مما يأباه القياس و النص أما القياس فما ذكرنا أنه شرط مغير مقتضى العقد و مثل هذا الشرط مفسد للعقد في الأصل و أما النص فما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه : [ نهى عن بيع الغرر ] و هذا بيع الغرر لأنه تعلق انعقاد العقد على غرر سقوط الخيار إلا أنه ورد نص خاص بجوازه فيتبع مورد النص و أنه ورد بثلاثة أيام فصار ذلك مخصوصا عن النص العام و ترك القياس فيه فيعمل بعموم النص و مقتضى القياس فيما وراء هذا و العمل بقول سيد البشر عليه أفضل الصلاة و السلام أولى من العمل بقول عبد الله بن سيدنا عمر .
و قولهما النص معلول بالحاجة إلى دفع الغبن قلنا : لو كان كذلك فالثلاث مدة صالحة لدفع الغبن لكونها صالحة للتأمل و ما وراء ذلك لا نهاية له .
و أما شرط خيار مؤقت بالثلاث فما دونها فليس بمفسد استحسانا لحديث حبان بن منقذ و لمساس الحاجة إليه لدفع الغبن و التدارك عند اعتراض الندم و سواء كان الشرط للعاقد أو لغيره بأن شرط الخيار لثالث عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله و قال زفر C : لا يجوز شرط الخيار لغير العاقد .
وجه قوله : أن اشتراط الخيار للعاقد مع أن القياس يأباه ثبت بالنص فبقي اشتراطه لغيره على أصل القياس .
و لنا : أن النص معلول بالحاجة إلى التأمل لدفع الغبن و الناس يتفاوتون في البصارة بالسلع فمن الجائز أن يكون المشروط له الخيار الجائز أن يكون المشروط له الخيار أبصر منه ففوض الخيار إليه ليتأمل في ذلك فإن صلح أجازه و إلا فسخ و إذا جاز هذا الشرط ثبت الخيار للمشروط له و للعاقد أيضا و لما نذكر و لكل واحد منهما ولاية الإجازة و الفسخ و سواء كان العاقد مالكا أو وصيا أو وليا أو وكيلا فيجوز شرط الخيار فيه لنفسه أو لصاحبه الذي عاقده .
أما الأب أو الوصي فلأن اشتراط الخيار منهما من باب النظر للصغير فيملكانه و أما الوكيل فلأنه يتصرف بأمر الموكل و قد أمره بالبيع و الشراء مطلقا فيجري على إطلاقه .
و كذلك المضارب أو الشريك شركة عنان أو مفاوضة يملك شرط الخيار لما قلنا و لو اشترى شيئا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فالقياس أنه لا يجوز هذا البيع و هو قول زفر C و في الاستحسان جائز .
وجه القياس : أن هذا بيع علقت إقالته بشرط عدم نقد الثمن إلى ثلاثة أيام و تعليق الإقالة بالشرط فاسد فكان هذا بيعا دخله شرط فاسد فيكون فاسدا كسائر الأنواع التي دخلتها شروط فاسدة .
وجه الاستحسان : ان هذا البيع في معنى البيع بشرط الخيار لوجود التعليق بشرط في كل واحد منهما و تحقق الحاجة المستدعية للجواز أما التعليق فإنه علق إقالة هذا البيع و فسخه بشرط عدم النقد إلى ثلاثة أيام و في البيع بشرط الخيار علق انعقاده في حق الحكم بشرط سقوط الخيار .
و أما الحاجة فإن المشتري كما يحتاج إلى التأمل في المبيع أنه هل يوافقه أم لا فالبائع يحتاج إلى التأمل أنه هل يصل الثمن إليه في الثلاث أم لا و كذا المشتري يحتاج إلى التأمل أنه هل يقدر على النقد في الثلاث أم لا فكان هذا بيعا مست الحاجة إلى جوازه في الجانبين جميعا فكان أولى بالجواز من البيع بشرط الخيار فورود الشرع بالجواز هناك يكون ورودا ههنا دلالة .
و لو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام لم يجز عند أبي حنيفة كما لا يجوز شرط الخيار أربعة أيام أو أكثر بعد أن يكون معلوما إلا أن أبا يوسف يقول ههنا : لا يجوز كما قال أبو حنيفة فأبو حنيفة مر على أصله و لم يجز في الموضعين و محمد مر على أصله و أجاز فيهما و أبو يوسف فرق بينهما .
و وجه الفرق له : أن القياس يأبى الجواز في الموضعين جميعا إلا أن الجواز في شرط الخيار عرفناه بأثر ابن عمر Bهما فبقي هذا على أصل القياس و الله سبحانه عز شأنه أعلم