شروط انعقاد البيع .
أما شرائط الانعقاد فأنواع : بعضها يرجع إلى العاقد و بعضها يرجع إلى نفس العقد و بعضها يرجع إلى مكان العقد و بعضها يرجع إلى المعقود عليه .
أما الذي يرجع إلى العاقد فنوعان : .
أحدهما : أن يكون عاقلا فلا ينعقد بيع المجنون و الصبي الذي لا يعقل لأن أهلية المتصرف شرط انعقاد التصرف و الأهلية لا تثبت بدون العقل فلا يثبت الانعقاد بدونه فأما البلوغ فليس بشرط لانعقاد البيع عندنا حتى لو باع الصبي العاقل مال نفسه ينعقد عندنا موقوفا على إجازة و ليه و على إجازة نفسه بعد البلوغ .
و عند الشافعي : شرط فلا تنعقد تصرفات الصبي عنده أصلا و كذا ليس بشرط النفاذ في الجملة حتى لو توكل عن غيره بالبيع و الشراء ينفذ تصرفه و عنده لا ينفذ و هي مسألة كتاب المأذون .
و كذا الحرية ليست بشرط لانعقاد البيع و لا لنفاذه حتى ينفذ بيع العبد المأذون بالإجماع و ينعقد بيع العبد المحجور إذا باع ما العقد مولاه موقوفا على إجازته عندنا .
و كذا الملك أو الولاية ليس بشرط لانعقاد البيع عندنا بل هو شرط النفاذ حتى يتوقف بيع الفضولي و عنده شرط حتى لا يتوقف أصلا و المسألة تأتي في موضعها و كذا إسلام البائع ليس بشرط لانعقاد البيع و لا لنفاذه و لا لصحته بالإجماع فيجور بيع الكافر و شراؤه .
و قال الشافعي : إسلام المشتري شرط جواز شراء الرقيق المسلم و المصحف حتى لا يجوز ذلك من الكافر .
وجه قوله : أن في تملك الكافر المسلم إذلالا بالمسلم و هذا لا يجوز و لهذا يجبر على بيعه عندكم .
و لنا : عمومات البيع من غير فصل بين بيع العبد المسلم من المسلم و بين بيعه من الكافر فهو على العموم إلا حيث ما خص بدليل و لأن الثابت للكافر بالشراء ليس إلا الملك في المسلم و الكافر من أهل أن يثبت الملك له على مسلم ألا ترى أن الكافر يرث العبد المسلم من أبيه و كذا إذا كان له عبد كافر فأسلم بقي ملكه فيه و هو في الحقيقة ملك مبتدأ لأن الملك عرض لا بقاء له فدل أن الكافر من أهل ثبوت الملك له في المسلم .
و قوله : فيه إذلال بالمسلم قلنا : الملك عندنا لا يظهر فيما فيه إذلال بالمسلم فإنه لا يظهر في حق الاستخدام و الوطء و الاستمتاع بالجارية المسلمة و إنما يظهر فيما لا ذل فيه من الإعتاق و التدبير و الكتابة و البيع و به تبين أن الجبر على البيع ليس لدفع الذل إذ لا ذل على ما بينا و لكن لاحتمال وجود فعل لا يحل ذلك في الإسلام لعداوة بين المسلم و الكافر .
و إذا جاز شراء الذمي العبد المسلم فيجوز إعتاقه و تدبيره و استيلاده و كتابته لأن جواز هذه التصرفات مبني على الملك و قد وجد إلا أنه إذا دبره يسعى العبد في قيمته لأنه لا سبيل إلى إبقائه على ملكه و لا سبيل إلى الإزالة بالبيع لأنه بيع المدبر و أنه لا يجوز فتعينت الإزالة بالسعاية .
و كذا إذا كانت أمة فاستولدها فإنها تسعى في قيمتها لما قلنا و يوجع الذمي ضربا لوطئه المسلمة لأنه حرام عليه فيستحق التعزير و إذا كاتبه لا يعترض عليه لأنه أزال يده عنه حتى لو عجز ورد في الرق يجبر على بيعه .
و كذا الذمي إذا ملك شقصا فالحكم في البعض كالحكم في الكل لو اشتراه مسلم من الكافر شراء فاسدا فإنه يجبر على الرد لأن رد الفساد واجب حقا للشرع ثم يجبر الكافر على بيعه و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و كذا النطق ليس بشرط لانعقاد البيع و الشراء و لا لنفاذهما و صحتهما فيجوز بيع الأخرس و شراؤه إذا كانت الإشارة مفهومة في ذلك لأنه إذا كانت الإشارة مفهومة في ذلك قامت الإشارة مقام عبارته .
هذا إذا كان الخرس أصليا بأن ولد أخرس فأما إذا كان عارضا بأن طرأ عليه الخرس فلا إلا إذا دام به حتى وقع اليأس من كلامه و صارت الإشارة مفهومة فيلحق بالأخرس الأصلي .
و الثاني : العدد في العاقد فلا يصلح الواحد عاقدا من الجانبين في باب البيع إلا الأب فيما يبيع مال نفسه من ابنه الصغير بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس فيه عادة أو يشتري مال الصغير لنفسه بذلك عند أصحابنا الثلاثة استحسانا و القياس أن لا يجوز ذلك أيضا و هو قول زفر C .
وجه القياس : أن الحقوق في باب البيع ترجع إلى العاقد و للبيع حقوق متضادة مثل التسليم و التسلم و المطالبة فيؤدي إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما و متسلما طالبا و مطالبا و هذا محال و لهذا لم يجز أن يكون الواحد وكيلا من الجانبين في باب البيع لما ذكرنا من الاستحالة و يصلح رسولا من الجانبين لآن الرسول لا تلزمه الحقوق فلا يؤدي إلى الاستحالة .
و كذا القاضي يتولى العقد من الجانبين لأن الحقوق لا ترجع إليه فكان بمنزلة الرسول و بخلاف الوكيل في باب النكاح لأن الحقوق لا ترجع إليه فكان سفيرا محضا بمنزلة الرسول .
وجه الاستحسان : قوله تبارك و تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } فيملكه الأب و كذا البيع و الشراء بمثل قيمته و بما يتغابن الناس فيه عادة قد يكون قربانا على وجه الأحسن بحكم الحال و الظاهر أن الأب لا يفعل ذلك إلا في تلك الحال لكمال شفقته فكان البيع و الشراء بذلك قربانا على وجه الأحسن .
و قوله : يؤدي إلى الاستحالة قلنا : ممنوع فإنه يجعل كأن الصبي باع أو اشترى بنفسه و هو بالغ فتعدد العاقد حكما فلا يؤدي إلى الاستحالة .
و أما الوصي إذا باع مال نفسه من الصغير أو اشترى مال الصغير لنفسه فإن لم يكن فيه نفع ظاهر لا يجوز بالإجماع و إن كان فيه نفع ظاهر جاز عند أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد لا يجوز لأن القياس يأبى جوازه أصلا من الأب و الوصي جميعا لما ذكرنا من الاستحالة إلا أن الأب لكمال شفقته جعل شخصه المتحد حقيقة متعددا ذاتا و رأيا و عبارة و الوصي لا يساويه في الشفقة فبقي الأمر فيه على أصل القياس .
و لأبي حنيفة و أبي يوسف Bهما : أن تصرف الوصي إذا كان فيه نفع ظاهر لليتيم قربان ماله على وجه الأحسن فيملكه بالنص .
قوله : لا يمكن إلحاق الوصي بالأب لقصور شفقته قلنا : الوصي له شبهان شبه بالأب و شبه بالوكيل أما شبهه بالوكيل فلكونه أجنبيا و شبهه بالأب لكونه مرضي الأب فالظاهر أنه ما رضي به إلا لوفور شفقته على الصغير فأثبتنا له الولاية عند ظهور النفع عملا بشبه الأب و قطعنا ولايته عند عدمه عملا بشبه الوكيل عملا بالشبهين بقد الإمكان