شرائط الوجوب .
و أما شرائط الوجوب فأما في النوعين الأولين فشرائط أهلية النذر و قد ذكرناها في كتاب النذر .
و أما النوع الثالث : .
فمنها : الإسلام فلا تجب على الكافر لأنها قربة و الكافر ليس من أهل القرب و لا يشترط وجود الإسلام في جميع الوقت من أوله إلى آخره حتى لو كان كافرا في أول الوقت ثم أسلم في آخره تجب عليه لأن وقت الوجوب يفضل عن أداء الواجب فيكفي في وجوبها بقاء جزء من الوقت كالصلاة .
و منها : الحرية فلا تجب على العبد و إن كان مأذونا في التجارة أو مكاتبا لأنه حق مالي متعلق بملك المال و لهذا لا تجب عليه زكاة و لا صدقة الفطر و لا يشترط أن يكون حرا من أول الوقت إلى آخره بل يكتفى بالحرية في آخر جزء من الوقت حتى لو أعتق في آخر الوقت و ملك نصابا تجب عليه الأضحية لما قلنا في شرط الإسلام .
و منها : الإقامة فلا تجب على المسافر لأنها لا تتأدى بكل مال و لا في كل زمان بل بحيوان مخصوص في وقت مخصوص و المسافر لا يظفر به في كل مكان في وقت الأضحية فلو أوجبنا عليه لاحتاج إلى حمله مع نفسه و فيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج إلى ترك السفر و فيه ضرر فدعت الضرورة إلى امتناع الوجوب بخلاف الزكاة لأن الزكاة لا يتعلق بوجوبها بوقت مخصوص بل جميع العمر وقتها فكان جميع الأوقات وقتا لأدائها فإن لم يكن في يده شيء للحال يؤديها إذا وصل إلى المال و كذا تتأدى بكل مال فإيجابها عليه لا يوقعه في الحرج و كذلك صدقة الفطر لأنها تجب وجوبا موسعا كالزكاة و هو الصحيح و عند بعضهم و إن كانت تتوقف بيوم الفطر لكنها تتأدى بكل مال فلا يكون في الوجوب عليه حرج .
و ذكر في الأصل و قال : و لا تجب الأضحية على الحاج و أراد بالحاج المسافر فأما أهل مكة فتجب عليهم الأضحية و إن حجوا لما روى نافع عن ابن سيدنا عمر Bهما أنه كان يخلف لمن لم يحج من أهله أثمان الضحايا ليضحوا عنه تطوعا و ليحتمل أنه ليضحوا عن أنفسهم لا عنه فلا يثبت الوجوب مع الاحتمال و لا تشترط الإقامة في جميع الوقت حتى لو كان مسافرا في أول الوقت ثم أقام في آخره تجب عليه لما بينا في شرط الحرية و الإسلام .
و لو كان مقيما في أول الوقت ثم سافر في آخره لا تجب عليه لما ذكرنا هذا إذا سافر قبل أن يشتري أضحية فإذا اشترى شاة للأضحية ثم سافر ذكر في المنتقى أن له بيعها و لا يضحي بها و هكذا روي عن محمد C أنه يبيعها من المشايخ من فصل بين الموسر و المعسر فقال إن كان موسرا فالجواب كذلك لأنه ما أوجب بهذا الشراء شيئا على نفسه و إنما قصد به إسقاط الواجب عن نفسه فإذا سافر تبين أنه لا وجوب عليه فكان له أن يبيعها كما لو شرع في العبادة على ظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه أنه لا يلزمه الإتمام و إن كان معسرا ينبغي أن تجب عليه و لا تسقط عنه بالسفر لأن هذا إيجاب من الفقير بمنزلة النذر فلا يسقط بالسفر كما لو شرع في التطوع أنه يلزمه الإتمام و القضاء بالإفساد كذا ههنا و إن سافر بعد دخول الوقت قالوا ينبغي أن يكون الجواب كذلك لما ذكرنا .
و منها : الغنى لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من وجد سعة فليضحي ] شرط عليه الصلاة و السلام السعة و هي الغنى و لأنا أوجبناها بمطلق المال .
و من الجائز أن يستغرق الواجب جميع ماله فيؤدي إلى الحرج فلا بد من اعتبار الغنى و هو أن يكون في ملكه مائتا درهم أو عشرون دينارا أو شيء تبلغ قيمته ذلك سوى مسكنه و ما يتأثث به و كسوته و خادمه و فرسه و سلاحه و ما لا يستغني عنه و هو نصاب صدقة الفطر و قد ذكرناه و ما يتصل به من المسائل في صدقة الفطر .
و لو كان عليه دين بحيث لو صرف إليه بعض نصابه لا ينقص نصابه لا تجب لأن الدين يمنع وجوب الزكاة فلأن يمنع وجوب الأضحية أولى لأن الزكاة فرض و الأضحية واجبة و الفرض فوق الواجب و كذا لو كان له مال غائب لا يصل إليه في أيام النحر لأنه فقير وقت غيبة المال حتى تحل له الصدقة بخلاف الزكاة فإنها تجب عليه لأن جميع العمر وقت الزكاة و هذه قربة مؤقتة فيعتبر الغنى في وقتها و لا يشترط أن يكون غنيا في جميع الوقت حتى لو كان فقيرا في أول الوقت ثم أيسر في آخره يجب عليه لما ذكرنا و لو كان له مائتا درهم فحال عليها الحول فزكاها بخمسة دراهم ثم حضرت أيام النحر و ماله مائة و خمس و تسعون لا رواية فيه .
و ذكر الزعفراني أنه تجب عليه الأضحية لأن النصاب و إن انتقض لكنه انتقض بالصرف إلى جهة هي قربة فيجعل قائما تقديرا حتى لو صرف خمسة منها إلى النفقة لا تجب لانعدام الصرف إلى جهة القرابة فكان النصاب ناقصا حقيقة و تقديرا فلا يجب .
و لو اشترى الموسر شاة للأضحية فضاعت حتى انتقص نصابه و صار فقيرا فجاءت أيام النحر فليس عليه أن يشتري شاة أخرى لأن النصاب ناقص وقت الوجوب فلم يوجد شرط الوجوب و هو الغنى فلو أنه وجدها و هو معسر و ذلك في أيام النحر فليس عليه أن يضحي بها لأنه معسر وقت الوجوب و لو ضاعت ثم اشترى أخرى و هو موسر فضحى بها ثم وجد الأولى و هو معسر لم يكن عليه أن يتصدق بشيء لما قلنا و جميع ما ذكرنا من الشروط يستوي فيها الرجل و المرأة لأن الدلائل لا تفصل بينهما .
و أما البلوغ و العقل فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد و زفر هما من شرائط الوجوب حتى تجب الأضحية في مال الصبي من مالهما لا يضمن عندهما و عند محمد و زفر رحمهما الله يضمن و هو على الاختلاف الذي ذكرنا في صدقة الفطر و الحج ذكرت هنالك .
و من المتأخرين من قال : لا خلاف بينهم في الأضحية أنها لا تجب في مالهما لأن القربة في الأضحية هي إراقة الدم و إنها إتلاف مال الصغير و التصدق باللحم تطوع و لا يجوز ذلك في مال الصغير و الصغير في العادة لا يقدر على أن يأكل جميع اللحم و لا يجوز بيعه و لا سبيل للوجوب رأسا و الصحيح أنه على الاختلاف و تجب الأضحية عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله و لا يتصدق باللحم لما قلنا لكن يأكل منها الصغير و يدخر له قدر حاجته و يبتاع بالباقي ما ينتفع بعينه كابتياع البالغ بجلد الأضحية ما ينتفع بعينه و الذي يجن و يفيق يعتبر حاله في الجنون و الإفاقة فإن كان مجنونا في أيام النحر فهو على الاختلاف و إن كان مفيقا يجب بلا خلاف .
و قيل : إن حكمه حكم الصحيح كيف ما كان و من بلغ من الصغار في أيام النحر و هو موسر يجب عليه بإجماع بين أصحابنا لأن الأهلية من الحر في آخر الوقت لا في أوله كما لا يشترط إسلامه و حريته و إقامته في أول الوقت لما بينا و لا يجب على الرجل أن يضحي عن عبده و لا عن ولده الكبير في وجوبها عليه من ماله لولده الصغير روايتان كذا ذكره القدوري C .
و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي : أنها لا تجب في ظاهر الرواية و لكن الأفضل أن يفعل ذلك و أطلق الطحاوي C ما يدل على الوجوب فإنه قال و يجب على الرجل أن يضحي عن أولاده الصغار .
وجه رواية الوجوب : أن ولد الرجل جزؤه فإذا وجب عليه أن يضحي عن نفسه فكذا عن ولده و لهذا وجب عليه أن يؤدي عنه صدقة الفطر و لأن له على ولده الصغير ولاية كاملة فيجب كصدقة الفطر بخلاف الكبير فإنه لا ولاية له عليه .
وجه ظاهر الرواية : أن الأصل أن لا يجب على الإنسان شيء على غيره خصوصا في القربات لقول الله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } و قوله جل شأنه : { لها ما كسبت } و لهذا لم تجب عليه عن عبده و عن ولده الكبير إلا أن صدقة الفطر خصت عن النصوص فبقيت الأضحية على عمومها و لأن سبب الوجوب هناك رأس يمونه و يلي عليه و قد وجد في الولد الصغير و ليس السبب الرأس ههنا .
ألا ترى أنه يجب بدونه و كذا لا يجب بسبب العبد و أما الوجوب عليه من ماله لولد ولده إذا كان أبوه ميتا فقد روى الحسن عن أبي حنيفة C أن عليه أن يضحي عنه .
قال القدوري C : و يجب أن يكون هذا على روايتين كما قالوا في صدقة الفطر و قد مر وجه الروايتين في صدقة الفطر و أما المصر فليس بشرط الوجوب فتجب على المقيمين في الأمصار و القرى و البوادي لأن دلائل الوجوب لا توجب الفصل و الله أعلم