حكم أكل ما لم يسم عليه .
و منها : التسمية في حالة الذكر عندنا و عند الشافعي ليست بشرط أصلا و قال مالك C إنها شرط حالة الذكر و السهو حتى لا يحل متروك التسمية ناسيا عنده و المسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
أما الكلام مع الشافعي C فإنه احتج بقوله تبارك و تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } أمر النبي عليه الصلاة و السلام أن يقول إنه لا يجد فيما أوحي إليه محرما سوى الأشياء الثلاثة و متروك التسمية لم يدخل فيها فلا يكون محرما و لا يقال يحتمل أنه لم يكن المحرم وقت نزول الآية الكريمة سوى المذكور فيها ثم حرم بعد ذلك متروك التسمية بقوله عز و جل : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } لأنه قيل إن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة و لو كان متروك التسمية محرما لكان واجدا له فيجب أن يستثنيه كما استثنى الأشياء الثلاثة .
و لنا : قوله عز و جل : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } و الاستدلال بالآية من وجهين : .
أحدهما : أنه مطلق النهي للتحريم في حق العمل .
و الثاني : أنه سمى أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا بقوله عز و جل : { وإنه لفسق } و لا فسق إلا بارتكاب المحرم و لا تحمل إلا على الميتة و ذبائح أهل الشرك بقول بعض أهل التأويل في سبب نزول الآية الكريمة لأن العام لا يخص بالسبب عندنا بل يعمل بعموم اللفظ لما عرف في أصول الفقه مع ما أن الحمل على ذلك على التكرار لأن حرمة الميتة و ذبائح أهل الشرك ثبتت بنصوص أخر و هي قوله عز و جل : { حرمت عليكم الميتة } .
و قوله عز و جل : { وما أهل لغير الله به } .
و قوله عز و جل : { وما ذبح على النصب } فالحمل على ما قاله يكون حملا على ما قلنا و يكون حملا على فائدة جديدة فكان أولى .
و قوله عز و جل : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } و مطلق الأمر للوجوب في حق العمل و لو لم يكن شرطا لما وجب .
[ و روى الشعبي عن عدي بن حاتم Bهما قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صيد الكلب فقال : ما أمسك عليك و لم يأكل منه فكله فإن أخذه ذكاته ] فإن وجدت عند كلبك غيره فحسبت أن يكون أخذه معه و قد قتله فلا تأكل لأنك إنما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك و لم تذكره على كلب غيرك : [ نهى النبي عليه الصلاة و السلام عن الأكل و علل بترك التسمية ] فدل أنها شرط .
و أما الآية الكريمة ففيها أنه ما كان يجد وقت نزول الآية الشريفة محرما سوى المذكور فيها فاحتمل أنه كان كذلك وقت نزول الآية الشريفة وجد تحريم متروك التسمية بعد ذلك لما تلونا كما كان لا يجد تحريم كل ذي ناب من السباع و كل ذي مخلب من الطير و تحريم الحمار و البغل عند نزولها ثم وجد بعد ذلك بوحي متلو أو غير متلو على ما ذكرنا .
و أما ما يروى أن سورة الأنعام نزلت كلها جملة واحدة فمروى على طريق الآحاد فلا يقبل في إبطال حرمة ثبتت بالكتاب على أن المذكور فيها من جملة المستثنى الميتة فما الدليل على أن متروك التسمية عمدا ليس بميتة بل هو ميتة عندنا مع أنه لا يجد فيما أوحى إليه محرما سوى المذكور و نحن لا نطلق اسم المحرم على متروك التسمية إذ المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به و لم يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف بين أهل الديانة و إنما نسميه مكروها أو محرما في حق الاعتقاد قطعا على طريق التعيين بل على الإبهام أن ما أراد الله عز و جل من هذا النهي فهو حق لكنا نمتنع عن أكله احتياطا و هو تفسير الحرمة في حق العمل .
و أما الكلام مع مالك C فهو احتج بعموم قوله تبارك و تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } من غير فصل بين العمد و السهو و لأن التسمية لما كانت واجبة حالة العمد فكذا حالة النسيان لأن النسيان لا يمنع الوجوب و الحظر كالخطأ حتى كان الناسي و الخاطئ جائز المؤاخذة عقلا و لهذا استوى العمد و السهو في ترك تكبيرة الافتتاح و الطهارة و غيرها من الشرائط و الكلام في الصلاة عمدا أو سهوا عندكم كذا ههنا .
و لنا : ما روي [ عن راشد بن سعيد عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد ] و هذا نص في الباب و أما الآية فلا تتناول متروك التسمية لوجهين : .
أحدهما أنه قال عز و جل : { وإنه لفسق } أي ترك التسمية عند الذبح فسق و ترك التسمية سهوا لا يكون فسقا و كذا كل متروك التسمية سهوا لا يلحقه سمة الفسق لأن المسألة اجتهادية و فيها اختلاف الصحابة فدل أن المراد من الآية الكريمة متروك التسمية عمدا لا سهوا .
و الثاني : أن الناسي لم يترك التسمية بل ذكر اسم الله عز و جل و الذكر قد يكون باللسان و قد يكون بالقلب قال تعالى : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } و الناسي ذاكر بقلبه لما روي عن ابن عباس Bهما أنه سئل عن رجل ذبح و نسي أن يذكر اسم الله عليه ؟ فقال Bه اسم الله عز و جل في قلب كل مسلم فليأكل .
و عنه رواية أخرى قال : إن المسلم ذكر اسم الله في قلبه و قال : كما لا ينفع الاسم في الشرك لا يضر النسيان في الإسلام و عنه Bه في رواية أخرى قال في المسلم اسم الله تعالى فإذا ذبح و نسي أن يسمي فكل و إذا ذبح المجوسي و ذكر اسم الله تعالى فلا تطعمه .
و عن سيدنا علي Bه سئل عن هذا فقال إنما هي علة المسألة فثبت أن الناسي ذاكر فكانت ذبيحته مذكور التسمية فلا تتناولها الآية الكريمة و أما قوله إن النسيان لا يدفع التكليف و لا يدفع الحظر حتى لم يجعل عذرا في بعض المواضع على ما ضرب من الأمثلة فنقول النسيان جعل عذرا مانعا من التكليف و المؤاخذة فيما يغلب وجوده و لم يجعل عذرا فيما لا يغلب وجوده لأنه لو لم يجعل عذرا فيما لم يغلب وجوده لوقع الناس في الحرج و الحرج مدفوع و الأصل فيه أن من لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه و اشتغاله بضده سهوا لأن حفظ النفس عن العادة التي هي طبيعة خامسة خطب صعب و أمر أمر فيكون النسيان فيه غالب الوجود فلو لم يعذر للحقه الحرج و ليس كذلك إذا لم يعود نفسه .
مثاله : أن الأكل و الشرب من الصائم سهوا جعل عذرا في الشرع حتى لا يفسد صومه لأنه عود نفسه ذلك و لم يعودها ضده و هو الكف عن الأكل و الشرب و لم يجعل ذلك عذرا في المصلى لأنه لم يعود نفسه ذلك في كل زمان بل في وقت معهود و هو الغداة و العشي خصوصا في حال الصلاة التي تخالف أوقات الأكل و الشرب فكان الأكل و الشرب فيها في غاية الندرة فلم يجعل عذرا .
و الكلام في الصلاة من هذا القبيل لأن حالة الصلاة تمنع من ذلك عادة فكان النسيان فيها نادرا فلم يجعل عذرا و كذلك ترك تكبيرة الافتتاح سهوا لأن الشروع في الصلاة يكون بها و تركها سهوا عند تصميم العزم على الشروع فيها مما يندر فلم يعذر .
و كذا ترك الطهارة عند حضور وقت الصلاة سهوا لأن المسلم على استعداد الصلاة عند هجوم وقتها عادة فالشروع في الصلاة من غير طهارة سهوا يكون نادرا فلا يعذر و يلحق بالعدم فأما ذكر اسم الله تعالى فأمر لم يعوده الذابح نفسه لأن الذبح على مجرى العادة يكون من القصابين و من الصبيان الذين لم يعودوا أنفسهم ذكر الله عز و جل فترك التسمية منهم سهوا لا يندر وجوده بل يغلب فيجعل عذرا دفعا للحرج فهو الفرق بين هذه الجملة و الله سبحانه و تعالى هو الموفق