باب نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل لحوم الحمر .
و [ روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و قال : إنه فني مالي و لم يبق لي إلا الحمر الأهلية فقال عليه الصلاة و السلام كل من سمين مالك فإني إنما كنت نهيتكم عن جلال القرية ] و روي عن جوال القرى بتشديد اللام و روي [ فإنما قذرت لكم جالة القرية ] .
و لنا : قوله تبارك و تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } و سنذكر وجه الاستدلال بالآية إن شاء الله تعالى .
و روى أبو حنيفة [ عن نافع عن ابن سيدنا عمر Bهما أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر عن لحوم الحمر و عن متعة النساء ] .
و [ روي أن سيدنا عليا Bه قال لابن عباس Bهما و هو يفتي الناس في المتعة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء و عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ] فرجع ابن عباس Bهما عن ذلك و [ روي أنه قيل للنبي عليه الصلاة و السلام يوم خيبر أكلت الحمر فأمر أبا طلحة Bه ينادي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهاكم عن لحوم الحمر فإنها رجز ] و روي فإنها رجس و هذه أخبار مستفيضة عرفها الخاص و العام و قبلوها و عملوا بها و ظهر العمل بها .
و أما الآية فقد اختص منها أشاء غير مذكورة فيها فيختص المتنازع فيه بما ذكرنا من الدلائل مع أن ما روينا من الأخبار مشهورة و يجوز نسخ الكتاب بالخبر المشهور و على أن في الآية الشريفة أنه لا يحل سوى المذكور فيها وقت نزولها لأن الأصل في الفعل هو الحال فيحتمل أنه لم يكن وقت نزول الآية تحريم سوى المذكور فيها ثم حرم ما حرم بعد على أنا نقول بموجب الآية لا محرم سوى المذكور فيها و نحن لا نطلق اسم المحرم على لحوم الحمر الأهلية إذ المحرم المطلق ما ثبت حرمته بدليل مقطوع به فأما ما كانت حرمته محل الاجتهاد فلا يسمى محرما على الإطلاق بل نسميه مكروها فنقول بوجوب الامتناع عن أكلها عملا مع التوقف في اعتقاد الحل و الحرمة .
و أما الحديث فيحتمل أن يكون المراد من قوله عليه الصلاة و السلام : [ كل من سمين مالك ] أي من أثمانها كما يقال فلان أكل عقاره أي ثمن عقاره و يحتمل أن يكون ذلك إطلاقا للانتفاع بظهورها بالإكراء كما يحمل على شيء مما ذكرنا عملا بالدلائل كلها و يحتمل أنه كان قبل التحريم فانفسخ بما ذكرنا و إن جهل التاريخ فالعمل بالخاطر أولى احتياطا .
فإن قيل : ما رويتم يحتمل أيضا أنه عليه الصلاة و السلام نهى عن أكل الحمر يوم خيبر لأنها كانت غنيمة من الخمس أو لقلة الظهر أو لأنها جلالة فوقع التعارض و الجواب : أن شيئا من ذلك لا يصلح محملا .
أما الأول : فلأن ما يحتاج إليه الجند لا يخرج منه الخمس كالطعام و العلف .
و أما الثاني : فلأن المروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بإكفاء القدور يوم خيبر و معلوم أن ذلك مما لا ينتفع به في الظهر .
و أما الثالث : فلأنه عليه الصلاة و السلام خص النهي بالحمر الأهلية و هذا المعنى لا يختص بالحمر بل يوجد في غيرها