بيان الحيلة في إسقاط الشفعة .
و أما بيان الحيلة في إسقاط الشفعة فقد ذكروا لإسقاط الشفعة حيلا بعضهم يعم الشفعاء كلهم و بعضها يخص البعض دون البعض أما الذي يعم كل الشفعاء فنحو أن يشتري الدار بأكثر من قيمتها بأن كانت قيمتها ألفا فيشتريها بألفين و ينقد من الثمن ألفا إلا عشرة ثم يبيع المشتري من البائع عرضا قيمته عشرة بألف درهم و عشرة فتحصل الدار للمشتري بألف لا يأخذها الشفيع إلا بألفين و هذه الحيلة ليست بمسقطة للشفعة شرعا لكنها مانعة من الأخذ بالشفعة عادة ألا ترى أن للشفيع أن يأخذها بألفين و يلتزم الضرر .
و أما الذي يخص بعض الشفعاء دون بعض فأنواع منها أن يبيع دارا إلا ذراعا منها في طول الحد الذي يلي دار الشفيع فالشفيع لا يستحق الشفعة أما في قدر الذراع فلانعدام الشرط و هو البيع و أما فيما وراء ذلك فلانعدام السبب و هو الجوار .
و منها : أن يهب البائع الحائط الذي بينه و بين الجار مع أصله للمشتري مقسوما و يسلمه إليه أو يهب له من الأرض قدر ذراع من الجانب الذي يلي دار الشفيع و يسلمه إليه ثم يبيع منه البقية بالثمن فلا شفعة للجار لا في الموهوب و لا في المبيع أما في الموهوب فالانعدام شرط وجوب الشفعة و هو البيع و أما في المبيع فالانعدام سبب الوجوب و هو الجوار .
و منها : أن يبيع الدار نصفين فيبيع الحائط بأصله أولا بثمن كثير ثم يبيع بقية الدار بثمن قليل فلا شفعة للشفيع شرعا فيما وراء الحائط لانعدام السبب و هو الجوار و لا يأخذ الحائط عادة لكثرة الثمن .
و منها أن يبيع الدار و الأرض في صفقتين فيبيع من الدار بناها و من الأرض أشجارها أولا بثمن قليل ثم يبيع الأرض بثمن كثير فلا شفعة للشفيع في البناء و الشجر شرعا لانفرادهما بالصفقة و لا يأخذ الأرض بذلك الثمن عادة ليضمن تكثير الثمن .
و منها : أن يبيع الدار نصفين فيبيع عشرا منها بثمن كثير ثم يبيع البقية بثمن قليل فلا يأخذ الشفيع العشر بثمنه عادة لما فيه من الضرر و لا شفعة له في تسعة أعشارها شرعا لأنه حين اشترى البقية كان شريك البائع بالعشر و الشريك في البقعة مقدم على الجار و الخليط و هذا النوع من الحيلة لا يصلح للشريك لأن الشفيع إذا كان شريكا له أن يأخذ نصف البقعة بقليل الثمن أيضا و لو كانت الدار لصغير فلا تباع بقية الدار بقليل الثمن لأنه لا يجوز إذ هو بيع مال الصغير بأقل من قيمته مقدار ما يتغابن الناس في مثله عادة و الولي لا يملك ذلك فالسبيل فيه أن تباع بقية الدار بثمن مثله .
و منها ما ذكره الخصاف C أن يقر البائع بسهم من الدار للمشتري ثم يبيع بقية الدار منه فلا يستحق الشفيع الشفعة أما في القدر المقر به فلانعدام شرط الاستحقاق و هو البيع و أما فيما وراء ذلك فلأن المشتري صار شريك البائع في ذلك السهم و الشريك في البقعة مقدم على الجار و الخليط .
و من مشايخنا من كان يفتي بوجوب الشفعة في هذه الصورة و يخطئ الخصاف لأن الشركة في السهم المقر به لم تثبت إلا بإقراره فلا يظهر في حق الشفيع على ما بينا فيما تقدم و الله عز و جل أعلم .
فصل : و أما الكلام في كراهة الحيلة للإسقاط و عدمها فالحيلة : إما إن كانت بعد وجوب الشفعة و إما إن كانت قبل الوجوب فإن كانت بعد الوجوب قيل إنها مكروهة بلا خلاف و ذلك بأن يقول المشتري للشفيع صالحتك على كذا كذا درهما على أن تسلم لي شفعتك فيقبل فتبطل شفعته و لا يستحق بدل الصلح أو يقول له اشتر الدار مني بكذا فيقول اشتريت فتبطل شفعته و نحو ذلك و إن كانت قبل الوجوب فقد اختلف فيه : قال أبو يوسف C لا تكره و قال محمد C : تكره .
وجه قول محمد : أن شرع الحيلة يؤدي إلى سد باب الشفعة و فيه إبطال هذا الحق أصلا و رأسا .
وجه قول أبي يوسف : أن الحيلة قبل الوجوب منع من الوجوب بمباشرة سبب الامتناع شرعا و هذا جائز كالشراء و الهبة و سائر التمليكات فإن المشتري يمنع حدوث الملك للبائع في المبيع بمباشرة سبب الامتناع شرعا و هو الشراء و كذا الهبة و الصدقة و سائر التمليكات .
و قد خرج الجواب عن قول محمد C أن هذا إبطال لحق الشفعة لأن إبطال الشيء بعد ثبوته ضرر و الحق ههنا لم يثبت بعد ذلك فلا تكون الحيلة إبطالا له بل هو منع من الثبوت بمباشرة سبب الامتناع شرعا و أنه جائز فما ذكره أبو يوسف C هو الحكم المر و ما ذكره محمد C احتياطا و الأصل في شرع الحيلة قوله سبحانه و تعالى في قصة سيدنا أيوب عليه الصلاة و السلام : { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } و الله سبحانه و تعالى أعلم