استئجار الصناع و العمال .
و منها : بيان العمل في استئجار الصناع و العمال لأن جهالة العمل في الاستئجار على الأعمال جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد حتى لو استأجر عاملا و لم يسم له العمل من القصارة و الخياطة و الرعي و نحو ذلك لم يجز العقد و كذا بيان المعمول فيه في الأجير المشترك أما بالإشارة و التعيين و أما ببيان الجنس و النوع و القدر و الصفة في ثوب القصارة و الخياطة و بيان الجنس و القدر في إجارة الراعي من الخيل أو الإبل أو البقر أو الغنم و عددها لأن العمل يختلف باختلاف المعمول .
و على هذا يخرج ما إذا استأجر حفارا ليحفر له بئرا أنه لا بد من بيان مكان الحفر و عمق البئر و عرضها لأن عمل الحفر يختلف باختلاف عمق المحفور و عرضه و مكان الحفر من الصلابة و الرخاوة فيحتاج إلى البيان ليصير المعقود عليه معلوما و هل يشترط فيه بيان المدة و أما في استئجار الراعي المشترك فيشترط لأن قدر المعقود عليه لا يصير معلوما بدونه .
و أما في استئجار القصار المشترك و الخياط المشترك فلا يشترط حتى لو دفع إلى خياط أو قصار أثوابا معلومة ليخيطها أو ليقصرها جاز من غير بيان المدة لأن المعقود عليه يصير معلوما بدونه .
و أما في الأجير الخاص فلا يشترط بيان جنس المعمول فيه و نوعه و قدره و صفته و إنما يشترط بيان المدة فقط و بيان المدة في استئجار الظئر شرط جرازه بمنزلة استئجار العبد للخدمة لأن المعقود عليه هو الخدمة فما جاز في الظئر و ما لم يجز فيها إلا أن أبا حنيفة استحسن في الظئر أن تستأجر بطعامها و كسوتها لما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
و لو استأجر إنسانا ليبيع له و يشتري و لم يبين المدة لم يجز لجهالة قدر منفعة البيع و الشراء و لو بين المدة بأن استأجره شهرا ليبيع له و يشتري جاز لأن قدر المنفعة صار معلوما ببيان المدة .
[ و ما روي عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قال : كنا نبيع في أسواق المدينة و نسمي أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و سمانا بأحسن الأسماء فقال صلى الله عليه و سلم : يا معشر التجار إن بيعكم هذا يحضره اللغو و الكذب فشربوه بالصدقة ] و السمسار هو الذي يبيع و يشتري لغيره بالأجرة فهو محمول على ما إذا كانت المدة معلومة .
و كذا إذا قال : بع لي هذا الثوب و لك درهم و بين المدة و إن لم يبين فباع و اشترى فله أجر مثل عمله لأنه استوفى منفعته بعقد فاسد .
قال الفضل بن غانم سمعت أبا يوسف قال : لا باس أن يستأجر القاضي رجلا مشاهرة على أن يضرب الحدود بين يديه و إن كان غير مشاهرة على أن يضرب الحدود بين يديه و إن كان غير مشاهرة فالإجارة فاسدة لأنها إذا كانت مشاهرة كان المعقود عليه معلوما ببيان المدة و يستحق الأجرة فيها بتسليم النفس عمل أو لم يعمل و إذا لم يذكر الوقت بقي المعقود عليه مجهولا لأن قدر الحدود التي سماها غير معلوم و كذا محل الإقامة مجهول .
و ذكر محمد في السير الكبير إذا استأجر الإمام رجلا ليقتل المرتدين و الأسارى لم يجز عند أصحابنا و إن استأجره لقطع اليد جاز و لا فرق بينهما عندي و الإجارة جائزة فيهما هكذا ذكر محمد و أراد بقوله أصحابنا أبا يوسف و أبا حنيفة .
و على هذا الخلاف إذا استأجر رجل رجلا لاستيفاء القصاص في النفس .
وجه قوله أنه استأجره لعمل معلوم و هو القتل و محله معلوم و هو العنق إذ لا يباح له العدول عنه فيجوز كما لو استأجره لقطع اليد و ذبح الشاة و لهما أن محله من العنق ليس بمعلوم بخلاف القطع فإن محله من اليد معلوم و هو المفصل وكذا محل الذبح الحلقوم و الودجان و ذلك معلوم .
و قال ابن رستم عن محمد في رجل قال لرجل : اقتل هذا الذئب أو هذا الأسد و لك درهم و هما صيد ليسا للمستأجر فقتله فإن له أجر مثله لا أجاوز به درهما لأن الأسد و الذئب إذا لم يكونا في يده فيحتاج في قتلهما إلى المعالجة فكان العمل مجهولا و إنما وجب عليه أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد و يكون الصيد للمستأجر فصار كأنه قتله بنفسه .
و على هذا يخرج ما إذا قال لرجل استأجرتك لتخيط هذا الثوب اليوم أو لتقصر هذا الثوب اليوم أو لتخبز قفيز دقيق اليوم أو قال : استأجرتك هذا اليوم لتخيط هذا الثوب أو لتقصر أو لتخبز قدم اليوم أو أخره أن الإجارة فاسدة في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد : جائزة .
و على هذا الخلاف إذا استأجر الدابة إلى الكوفة أياما مسماة فالإجارة فاسدة عنده و عندهما : جائزة .
وجه قولهما : أن المعقود عليه هو العمل لأنه هو المقصود و العمل معلوم فأما ذكر المدة فهو التعجيل فلم تكن المدة معقودا عليها فذكرها لا يمنع جواز العقد و إذا وقعت الإجارة على العمل فإن فرغ منه قبل تمام المدة أي اليوم فله كمال الأجر و إن لم يفرغ منه في اليوم فعليه أن يعمله في الغد كما إذا دفع إلى خياط ثوبا ليقطعه و يخيطه قميصا على أن يفرغ منه في يومه هذا أو اكترى من رجل إبلا إلى مكة على أن يدخله إلى عشرين ليلة كل بعير بعشرة دنانير مثلا و المشتري يزد على هذا أن الإجارة جائزة ثم إن وفى بالشرط أخذ المسمى و إن لم يف به فله أجر مثله لا يزاد على ما شرطه .
و لأبي حنيفة : أن المعقود عليه مجهول لأنه ذكر أمرين كل واحد منهما يجوز أن يكون معقودا عليه أعني العمل و المدة أما العمل فظاهر و كذا ذكر المدة بدليل أنه لو استأجره يوما للخبازة من غير بيان قدر ما يخبز جاز و كان الجواب باعتبار أنه جعل المعقود عليه المنفعة مقدرة بالوقت و لا يمكن الجمع بينهما في كون كل واحد منهما معقودا عليه لأن حكمهما مختلف لأن العقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل لأنه يكون أجيرا خالصا و العقد على العمل يقتضي وجوب الأجر بالعمل لأنه يصير أجيرا مشتركا فكان المعقود عليه أحدهما و ليس أحدهما بأولى من الآخر فكان مجهولا و جهالة المعقود عليه توجب فساد العقد بخلاف تلك المسألة لأن قوله على أن يفرغ منه في يومي هذا ليس جعل الوقت معقودا عليه بل هو بيان صفة العمل بدليل أنه لو لم يعمل في اليوم و عمل في الغد يستحق أجر المثل .
و لو قال : أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة دراهم أو هذه الأخرى شهرا بعشرة دراهم أو كان هذا القول في حانوتين أو عبدين أو مسافتين مختلفتين بأن قال أجرتك هذه الدابة إلى واسط بكذا أو إلى مكة بكذا فذلك جائز عند أصحابنا الثلاثة استحسانا و عند زفر و الشافعي : لا يجوز قياسا .
و على هذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء و إن ذكر أربعة لم يجز و على هذا أنواع : الخياطة و الصبغ أنه إن ذكر ثلاثة جاز عندنا و لا يجوز ما زاد عليها كما في بيع العين .
وجه القياس : أنه أضاف العقد إلى أحد المذكورين و هو مجهول فلا يصح و لهذا لم يصح إذا اضيف إلى أحد الأشياء الأربعة .
و لنا : أنه خيره بين عقدين معلومين في محلين متقومين ببدلين معلومين كما لو قال : إن رددت الآبق من موضع كذا فلك كذا و إن رددته من موضع كذا فلك كذا و كما لو قال : إن خيطت هذا الثوب فبدرهم و إن خيطت هذا الآخر فبدرهم و عملهما سواء و كما لو قال : إن سرت على هذه الدابة إلى موضع كذا فبدرهم و عن سرت إلى موضع كذا فبدرهم و المسافة سواء .
و أما قولهما : أن العقد أضيف إلى أحد المذكورين من غير عين فنعم لكن فوض خيار التعيين إلى المستأجر و مثل هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة كجهالة قفيز من الصبرة و لهذا جاز البيع فالإجارة أولى لأنها أوسع من البيع .
ألا ترى أنها تقبل من الخطر ما لا يقبله البيع و لهذا جوزوا هذه الإجارة من غير شرط الخيار و لم يجوزوا البيع إلا بشرط الخيار و كذلك إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال له : إن خطته فارسيا فلك درهم و إن خطته روميا فلك درهمان أو قال لصباغ إن صبغت هذا الثوب بعصفر فلك درهم و إن صبغته بزعفران فلك درهمان فذلك جائز لأنه خيره بين إيفاء منفعتين معلومتين فلا جهالة و لأن الأجر على أصل أصحابنا لا يجب إلا بالعمل و حين يأخذ في أحد العملين تعين ذلك الأجر و هذا عند أصحابنا الثلاثة فأما عند زفر الإجارة فاسدة لأن المعقود عليه مجهول و الجواب ما ذكرناه .
و لو قال : أجرتك هذه الدار شهرا على أنك إن قعدت فيها حدادا فأجرها عشرة و إن بعت فيها الخز فخمسة فالإجارة جائزة في قول أبي حنيفة الأخير و قال أبو يوسف و محمد : الإجارة فاسدة .
وجه قولهما : أن الأجر لا يجب بالسكنى و إنما يجب بالتسليم و هو التخلية و حالة التخلية لا يدري ما يسكن فكان البدل عنده مجهولا بخلاف الرومي و الفارسي لأن البدل هناك يجب بابتداء العمل و لا بد و أن يبتدئ بأحد العملين و عند ذلك يتعين البدل و يصير معلوما عند وجوده .
و لأبي حنيفة : أنه خير بين منفعتين معلومتين فيجوز كما في خياطة الرومية و الفارسية و هذا لأن السكنى و عمل الحدادة مختلفان و العقد على واحد منهما صحيح على انفراد فكذا على الجمع .
و قولهما : بأن الأجر ههنا يجب بالتسليم من غير مسلم لكن العمل يوجد ظاهرا و غالبا لأن الانتفاع عند التمكين من الانتفاع هو الغالب فلا يجب الاحتراز عنه على أن بالتخلية و هو التمكن من الانتفاع يجب أقل الأجرين لأن الزيادة تجب بزيادة الضرر و لم توجد زيادة الضرر و أقل الأجرين معلوم فلا يؤدي إلى الجهالة و هذا جواب إمام الهدى الشيخ أبي منصور الماتريدي و على هذا الخلاف كل ما كان أجره يجب بالتسليم و لا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو باطل عندهما .
و عند أبي حنيفة : العقد جائز و أي التعيين استوفى وجب أجر ذلك كما سمى و إن أمسك الدار و لم يسكن فيها حتى مضت المدة فعليه أقل المسميين لما ذكرنا أن الزيادة إنما تجب باستيفاء منفعة زائدة و لم يوجد ذلك فلا يجب بالتسليم و هو التخلية إلا أقل الأجرين .
و على هذا الخلاف إذا استأجر دابة إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها شعيرا فبنصف درهم و إن حمل عليها حنطة فبدرهم فهو جائز على قول أبي حنيفة الآخر و على قولهما لا يجوز و كذلك إن استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم و إلى القادسية بدرهمين فهو جائز عنده .
و على قولهما : ينبغي أن لا يجوز لما ذكرنا .
و لو استأجر دابة من بغداد إلى القصر بخمسة و إلى الكوفة بعشرة قال محمد : لو كانت المسافة إلى القصر النصف من الطريق إلى الكوفة فالإجارة جائزة و إن كانت أقل أو أكثر فهي فاسدة على أصلهما لأن المسافة إذا كانت النصف فحال ما يسير يصير البدل معلوما لأنه إن سار إلى القصر أو إلى الكوفة فالأجرة إلى القصر خمسة فأما إذا كانت المسافة إلى القصر أقل من النصف أو أكثر فالأجرة حال ما يسير مجهولة لأنه إن سار إلى القصر فالأجرة خمسة و إن سار إلى الكوفة فالأجرة إلى القصر بحصته من المسافة و جهالة الأجرة عند وجود سبب وجوبها تفسد العقد عندهما فأما على قول أبي حنيفة فالعقد جائز لأنه سمى منفعتين معلومتين لأنه كل واحدة منهما بدل معلوم .
و لو أعطى خياطا ثوبا فقال : إن خطته اليوم فلك درهم و إن خطته غدا فلك نصف درهم قال أبو حنيفة : الشرط الأول صحيح و الثاني فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم و إن خاطه غدا فله أجر مثله على ما نذكر تفسيره .
و قال أبو يوسف و محمد : الشرطان جائزان .
و قال زفر : الشرطان باطلان و به أخذ الشافعي فنتكلم مع زفر و الشافعي في اليوم الأول لأنهما خالفا أصحابه الثلاثة فيه .
و الوجه لهما أن المعقود عليه مجهول .
و لنا : أنه سمى في اليوم الأول عملا معلوما و فساد الشرط الثاني لا يؤثر في الشرط الأول كمن عقد إجارة صحيحة و إجارة فاسدة .
و اما اليوم الثاني فوجه قول أبي يوسف و محمد على نحو ما ذكرنا في اليوم الأولى أنه سمى في اليوم الثاني عملا معلوما و بدلا معلوما كما في الأول فلا معنى لفساد العقد فيه كما لا يفسد في اليوم الأول .
و لأبي حنيفة : أنه اجتمع في اليوم الثاني بدلان متفاوتان في القدر لأن البدل المذكور في اليوم الأول جعل مشروطا في اليوم الثاني بدليل أنه لو لم يذكر لليوم الثاني بدلا آخر و عمل في اليوم الثاني يستحق المسمى في الأول فلو لم يجعل المذكور من البدل في اليوم الأول مشروطا في الثاني لما استحق المسمى و إذا اجتمع بدلان في اليوم الثاني صار كأنه قال في اليوم الثاني فلك درهم أو نصف درهم فكان الأجر مجهولا فوجب فساد العقد فإذا خاطه في اليوم الثاني فله أجر مثله لا يزاد على درهم و لا ينقص من نصف درهم هكذا ذكر في الأصل و في الجامع الصغير .
و ذكر محمد في الإملاء : و هو إحدى روايتي ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف و إحدى روايتي ابن سماعة في نوادره عن محمد و روى ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في رواية أخرى أن له في اليوم الثاني أجر مثله لا يزاد على نصف درهم .
و قد ذكر القدوري : أن هذه الرواية هي الصحيحة .
و وجهها : أن الواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يزاد على المسمى و المسمى في اليوم الثاني نصف درهم لا درهم إنما الدرهم مسمى في اليوم الأول و ذلك عقد آخر فلا يعتبر فيه .
وجه رواية الأصل : أنه اجتمع في الغد تسميتان لأن التسمية الأولى عند مجيء الغد قائمة لما ذكرنا فيعمل بها فتعتبر الأولى لمنع الزيادة و الثانية لمنع النقصان فإن خاط نصفه في اليوم الأول و نصفه في الغد فله نصف المسمى لأجل خياطته في اليوم الأول و أجر المثل لأجل خياطته في الغد لا يزاد على درهم و لا ينقص عن نصف درهم فإن خاطه في اليوم الثالث فقد روى ابن سماعة عن محمد عن أبي حنيفة أن له أجر مثله لا يجاوز به نصف درهم لأن صاحب الثوب لم يرض بتأخيره إلى الغد بأكثر من النصف فبتأخيره إلى اليوم الثالث أولى .
فإن قال : إن خطته اليوم فلك درهم و إن خطته غدا فلا أجر لك ذكر محمد في إملائه أنه إن خاطه في اليوم الأول فله درهم و إن خاطه في اليوم الثاني فله أجر مثله لا يزاد على درهم لأن إسقاطه في اليوم الثاني لا ينفي وجوبه في اليوم الأول و نفي التسمية في اليوم الثاني لا ينفي أصل العقد فكان في اليوم الثاني عقد لا تسمية فيه و يجب أجر المثل .
و لو قال : إن خطته أنت فأجرك درهم و إن خاطه تلميذك فأجرك نصف درهم فهذا و الخياطة الرومية و الفارسية سواء و لو استأجر دارا شهرا بعشرة دراهم على أنه إن سكنها يوما ثم خرج فعليه عشرة دراهم فهو فاسد لأن المعقود عليه مجهول و هو سكنى شهر أو يوم و الله عز و جل أعلم .
و منها : أن يكون مقدور الاستيفاء حقيقة و شرعا لأن العقد لا يقع وسيلة إلى المعقود بدونه فلا يجوز استئجار الآبق لأنه لا يقدر على استيفاء منفعته حقيقة لكونه معجوز التسليم حقيقة و لهذا لم يجز بيعه و لا تجوز إجارة المغصوب من غبر الغاصب كما لا يجوز بيعه من غيره لما قلنا .
و على هذا يخرج إجارة المشاع من غير الشريك أنها غير جائزة عند أبي حنيفة و زفر و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي : إنها جائزة .
وجه قولهم : أن الإجارة أحد نوعي البيع فيعتبر بالنوع الآخر و هو بيع العين و أنه جائز في المشاع كذا هذا فلو امتنع إنما لتعذر استيفاء منفعة بسبب الشياع و المشاع مقدور الانتفاع بالمهايأة و لهذا جاز بيعه و كذا يجوز من الشريك أو من الشركاء في صفقة واحدة فكذا من الأجنبي .
و الدليل عليه أن الشيوع الطارئ لا يفسد الإجارة فكذا المقارن لأن الطارئ في باب الإجارة مقارن لأن المقود عليه المنفعة و أنها تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء يحدث معقودا عليه مبتدأ .
و لأبي حنيفة : أن منفعة المشاع غير مقدور الاستيفاء لأن استيفاءها بتسليم المشاع و المشاع غير مقدور بنفسه لأنه اسم لسهم غير معين و غير المعين لا يتصور تسليمه بنفسه حقيقة و إنما يتصور تسليمه بتسليم الباقي و ذلك غير معقود عليه فلا يتصور تسليمه شرعا .
و أما قولهما : إنه يمكن استيفاء منفعة المشاع بالتهايؤ فنقول : لا يمكن على الوجه الذي يقتضيه العقد و هو الانتفاع بالنصف في كل المدة لأن التهايؤ بالزمن انتفاع بالكل في نصف المدة و ذا ليس بمقتضى العقد و التهايؤ بالمكان انتفاع برفع المستأجر في كل المدة لأن نصف هذا النصف له بالملك و نصفه على طريق البدل عما في يد صاحبه و أنه ليس بمقتضى العقد أيضا فإذا لا يمكن تسليم المعقود عليه على الوجه الذي يقتضيه العقد أصلا و رأسا فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء حقيقة و شرعا و لأن تجويز هذا العقد بالمهايأة يؤدي إلى الدور لأنه لا مهايأة إلا بعد ثبوت الملك و لا ملك إلا بعد وجود العقد و لا عقد إلا بعد وجود شرطه و هو القدرة على التسليم فيتعلق كل واحد بصاحبه فلا يتصور وجوده بخلاف البيع لأن كون المبيع مقدور الانتفاع ليس بشرط لجواز البيع فإن بيع المهر و الجحش و الأرض السبخة جائز و إن لم يكن منتفعا بها و لهذا يدخل الشرب و الطريق في الإجارة من غير تسمية و لا يدخلان في البيع إلا بالتسمية لأن كون المستأجر منتفعا به بنفسه شرط صحة الإجارة و لا يمكن الانتفاع بدون الشرب و الطريق بخلاف البيع .
و أما الإجارة من الشريك فعن أبي حنيفة فيه روايتان و لئن سلمنا على الرواية المشهورة فلأن المعقود عليه هناك مقدور الاستيفاء بدون المهايأة لأن منفعة كل الدار تحدث على ملك المستأجر لكن بسببين مختلفين : بعضهما بسبب الملك و بعضها بسبب الإجارة .
و كذا الشيوع الطارئ فيه روايتان عن أبي حنيفة و في رواية تفسد الإجارة كالمقارن و في رواية : لا تفسد و هي الرواية المشهورة عنه و وجهها أن عدم الشيوع عنده شرط جواز هذا العقد و ليس كل كل ما يشترط لابتداء العقد يشترط لبقائه كالخلو عن العدة فإن العدة تمنع ابتداء العقد و لا تمنع البقاء كذا هذا و سواء كانت الدار كلها لرجل فأجر نصفها من رجل أو كانت بين اثنين فأجر أحدهما نصيبه من رجل كذا ذكر الكرخي في جامعه نصا عن أبي حنيفة أن الإجارة لا تجوز في الوجهين جميعا .
ذكر أبو طاهر الدباس : أن إجارة المشاع إنما لا تجوز عند أبي حنيفة إذا أجر الرجل بعض ملكه فأما إذا أجر أحد الشريكين نصيبه فالعقد جائز بلا خلاف لأن في الصورة الأولى تقع المهايأة بين المستأجر و بين المؤاجر فتكون الدار في يد المستأجر مدة و في يد المؤاجر مدة و لا يجوز أن يستحق المؤاجر الأجر مع كون الدار في يده و المهايأة في الصورة الثانية إنما تقع بين المستأجر و بين غير المؤاجر و هذا لا يمنع استحقاق الأجر لجواز أن تكون الدار في يد غير المستأجر و أجرتها عليه كما لو أعارها ثم أجرها .
و الصحيح ما ذكره الكرخي : لأن ما ذكرنا من المانع يعم الوجهين جميعا و سواء كان المستأجر محتملا للقسمة أو لا لأن المانع من الجواز لا يوجب الفصل بينهما بخلاف الهبة فإن المانع ثمة خص المحتمل للقسمة و هو ما ذكرنا في كتاب الهبة .
و لو آجر مشاعا يحتمل القسمة فقسم و سلم جاز لأن المانع قد زال كما لو باع الجذع في السقف ثم نزع و سلم كما لو وهب مشاعا يحتمل القسمة ثم قسم و سلم فإن اختصما قبل القسمة فأبطل الحاكم الإجارة ثم قسم و سلم بعد ذلك لم يجز العقد لأن العقد انفسخ من الأصل بإبطال الحاكم فلا يحتمل الجواز إلا بالاستئناف و يجوز إجارة الاثنين من واحد لأن المنافع تدخل في يد المستأجر جملة واحدة من غير شيوع و يستوفيها من غير مهايأة .
و لو مات أحد المؤاجرين حتى انقضت الإجارة في حصته لا تنقضي في حصة الحي و إن صارت مشاعة و هو المسمى بالشيوع الطارئ لما ذكرنا و كذا يجوز رهن الاثنين من واحد و هبة الاثنين من واحد لعدم الشيوع عند القبض و كذا تجوز إجارة الواحد من الاثنين لأن المنافع تخرج من ملك الآجر جملة واحدة من غير شياع ثم ثبت الشياع لضرورة تفرق ملكيهما في المنفعة و أنه يوجب قسمة المنفعة بالتهايؤ فينعدم الشيوع .
و لو مات أحد المستأجرين حتى انقضت الإجارة في حصته بقيت في حصة الحي كما كانت و يجوز رهن الواحد من اثنين أيضا لأن الرهن شرع وثيقة بالدين فجميع الرهن يكون وثيقة لكل واحد من المرتهنين ألا ترى أنه لو قضى الراهن دين أحدهما لم يكن له أن يأخذ بعض الرهن .
و أما هبة الواحد من اثنين فإنما لا تجوز عند أبي حنيفة لأن الملك في باب الهبة يقع بالقبض و الشيوع ثابت عند القبض و أنه يمنع من القبض فيمنع من وقوع الملك على ما نذكر في كتاب الهبة .
و إن استأجر أرضا فيها زرع للآجر أو شجر أو قصب أو كرم أو ما يمنع من الزراعة لم تجز لأنها مشغولة بمال المؤاجر فلا يتحقق تسليمه فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء شرعا فلم تجز كما لو اشترى جذعا في سقف و كذا لو استأجر أرضا فيها رطبة فالإجارة فاسدة لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر و هو قلع الرطبة فلا يجبر على الإضرار بنفسه فلم تكن المنفعة مقدورة الاستيفاء شرعا فلم تجز كما لو اشترى جذعا في سقف فإن قلع رب الأرض الرطبة فقال للمستأجر اقبض الأرض فقبضها فهو جائز لأن المانع قد زال فصار كشراء الجذع في السقف إذا نزعه البائع و سلمه إلى المشتري فإن اختصما قبل ذلك فأبطل الحاكم الإجارة ثم قلع الرطبة بعد ذلك لم يصح العقد لأن العقد قد بطل بإبطال الحاكم فلا يحتمل العود فإن مضى من مدة الإجارة يوم أو يومان قبل أن يختصما ثم قلع الرطبة فالمستأجر بالخيار إن شاء قبضها على تلك الإجارة و طرح عنه ما لم يقبض و إن شاء لم يقبض فرقا بين هذا و بين الدار إذا سلمها المؤاجر في بعض المدة أن المستأجر لا يكون له خيار الترك .
و وجه الفرق : أن المقصود من إجارة الأرض الزراعة و الزراعة لا تمكن في جميع الأوقات بل في بعض الأوقات دون بعض و تختلف بالتقديم و التأخير فالمدة المذكورة فيها يقف بعضها على بعض و يكون الكل كمدة واحدة فإذا مضى بعضها فقد تغير عليه صفة العقد لاختلاف المعقود فكان له الخيار بخلاف إجارة الدار لأن المقصود منها السكنى و سكنى كل يوم لا تعلق له بيوم آخر فلا يقف بعض المدة فيها على بعض فلا يوجب خللا في المقصود من الباقي فلا يثبت الخيار و لو اشترى أطراف رطبة ثم استأجر الأرض لتبقية ذلك لم تجز الإجارة لأن أصل الرطبة ملك المؤاجر فكانت الأرض مشغولة بملك المؤاجر و استئجار بقعة مشغولة بمال المؤاجر لم تصح لأن كونها مشغولة بملكه بمنع التسليم فيمنع استيفاء المعقود عليه كاستئجار أرض فيها زرع المؤاجر .
و لو اشترى الرطبة بأصلها ليقلعها ثم استأجر الأرض مدة معلومة لتبقيتها جاز لأن الأرض ههنا مشغولة بمال المستأجر و ذا لا يمنع الإجارة كما لو استأجر ما هو في يده .
و كذلك إذا اشترى شجرة فيها ثمر بثمرها على أن يقلعها ثم استأجر الأرض فبقاها فيها جاز لما قلناه .
قال محمد : و إن استعار الأرض في ذلك كله فهو جائز لأن المالك بالإعارة أباح الانتفاع بملكه فيجوز .
و على هذا يخرج ما ذكرنا أيضا من استئجار الفحل للإنزال و استئجار الكلب المعلم و البازي المعلم للاصطياد أنه لا يجوز لأن المنفعة المطلوبة منه غير مقدورة الاستيفاء إذ لا يمكن إجبار الفحل على الضراب و الإنزال و لا إجبار الكلب و البازي على الصيد فلم تكن المنفعة التي هي معقود عليها مقدورة الاستيفاء في حق المستأجر فلم تجز .
و على هذا يخرج استئجار الإنسان للبيع و الشراء أنه لا يجوز لأن البيع و الشراء لا يتم بواحد بل بالبائع و المشتري فلا يقدر الأجير على إيفاء المنفعة بنفسه فلا يقدر المستأجر على الاستيفاء فصار كما لو استأجر رجلا ليحمل خشبة بنفسه و هو لا يقدر على حملها بنفسه و لو ضرب بذلك مدة بأن استأجره شهرا ليبيع له و يشتري جاز لما مر .
و على هذا يخرج الاستئجار على تعليم القرآن و الصنائع أنه لا يجوز لأن الأجير لا يقدر على إيفاء العمل بنفسه فلا يقدر المستأجر على الاستيفاء و إن شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطا فقلت : و منها أن يكون العمل المستأجر له مقدور الاستيفاء من العامل بنفسه و لا يحتاج فيه إلى غيره و خرجت المسائل عليه و الأول أقرب إلى الصناعة فافهم