بيان ما تنفسخ به المكاتبة .
فصل : و أما بيان ما تنفسخ به الكتابة فإنها تنفسخ بالإقالة لأنها من التصرفات المحتملة للفسخ لكون المعاوضة فيها أصلا فتجوز إقالتها كسائر المعاوضات و كذا تنفسخ بفسخ العبد من غير رضا المولى بأن يقول فسخت المكاتبة أو كسرتها سواء كانت فاسدة أو صحيحة لما ذكرنا أنها و إن كانت صحيحة فإنها غير لازمة في جانب العبد نظرا له فيملك الفسخ من غير رضا المولى و المولى لا يملك الفسخ من غير رضا المكاتب لأنها عقد لازم في جانبه و هل تنفسخ بالموت أما بموت المولى فلا تنفسخ بالإجماع لأنه إن كان له كسب فيؤدي إلى ورثة المولى و إن لم يكن في يده كسب فيكتسب و يؤدي فيعتق فكان في بقاء العقد فائدة فيبقى و إن عجز / عن الكسب يزول إلى الرق كما لو كان المولى حيا .
و إذا مات المولى فأدى المكاتب مكاتبته أو بقية منها إلى ورثته و عتق فولاؤه يكون لعصبة المولى لأن الولاء لا يورث من المعتق بعد موته لما نذكر في كتاب الولاء إن شاء الله تعالى .
و أن عجز بعد موت المولى فرد إلى الرق ثم كاتبه الورثة كتابة أخرى فأدى إليهم و عتق فولاؤه للورثة على قدر موارثتهم لأنه عتق بإعتاقهم فكان ماله ميراثا بينهم إذ الولاء يورث به إن كان لا يورث نفسه و إما بموت المكاتب فينظر أن مات عن وفاء لا ينفسخ عندنا خلافا للشافعي .
و إن مات لا عن وفاء ينفسخ بالإجماع لأنه مات عاجزا فلا فائدة في بقاء العقد فينفسخ ضرورة و لا ينفسخ بردة المولى بأن كاتب مسلم عبده ثم ارتد المولى لأنها لا تبطل بموت المولى حقيقة فبموته حكما أولى أن لا ينفسخ و لهذا لا تبطل سائر عقوده بالردة كذا المكاتبة فإن أقر بقبض بدل الكتابة و هو مرتد ثم أسلم جاز إقراره في قولهم .
و إن قتل أو مات على الردة لم يجز في قول أبي حنيفة إذا لم يعلم إلا بقوله بناء على أن تصرفات المرتد غير نافذة عنده بل هي موقوفة و إن علم ذلك بشهادة الشهود جاز قبضه .
و كذا يجوز للمرتد أخذ الدين بشهادة الشهود في كل ما وليه من التصرفات كذا ذكر في الأصل لأن ردته بمنزلة عزل الوكيل فيملك قبض الديون التي وجبت بعقده كالوكيل المعزول في باب البيع أنه يملك قبض الثمن بعد العزل .
و ذكر في موضع آخر : و لا يجوز قبض المرتد لأنه إنما يملك لكونه من حقوق العقد و حقوق هذا العقد و هو المكاتبة لا يتعلق بالعاقد فلا يملك القبض بخلاف البيع .
و أما على أصلهما فإقراره بالقبض جائز لأن تصرفاته نافذة عندهما فإن لم يقبض شيئا حتى لحق بدار الحرب فجعل القاضي ماله ميراثا بين ورثته فأخذوا الكاتبة ثم رجع مسلما فولاء العبد له لأن ردته مع لحوقه بدار الحرب بمنزلة موته و لو دفع إلى الورثة بعد موته كان الولاء له كذلك هذا و يأخذ من الورثة ما قبضوه منه إن وجد بعينه كما في سائر أملاكه التي وجدها مع الورثة بأعيانها لأن الوارث إنما قبض بتسليط المورث فصار بمنزلة الوكيل و الله عز و جل أعلم