مطلب المسح على الخفين .
أما المسح على الخفين فالكلام فيه في مواضع في بيان جوازه أو في بيان مدته وفي بيان شرائط .
جوازه وفي بيان مقداره وفي بيان ما ينقضه وفي بيان حكمه إذا انتقض .
أما الأول : فالمسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة Bهم إلا شيئا قليلا روي عن ابن عباس Bهما أنه لا يجوز وهو قول الرافضة .
وقال مالك : يجوز للمسافر ولا يجوز للمقيم واحتج من أنكر المسح بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } فقراءة النصب تقتضي وجوب غسل الرجلين مطلقا عن الأحوال لأنه جعل الأرجل معطوفة على الوجه واليدين وهي مغسولة فكذا الأرجل : وقراءة الخفض تقتضي وجوب المسح على الرجلين لا على الخفين .
وروي أنه سئل ابن عباس Bهما هل مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم على الخفين فقال : [ والله ما مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم على الخفين بعد نزول المائة ] ولأن أمسح على ظهر عير فى الفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين .
وفي رواية قال : [ لأن أمسح على جلد حمارأحب إلي من أن أمسح على الخفين ] .
ولنا : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ] وهذا حديث مشهور رواه جماعة من الصحابة مثل عمر وعلي وخزيمة بن ثابت وأبي سعيد الخدري وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وأبي بن عمارة و ابن عباس وعائشة Bهم حتى قال أبو يوسف : خبر مسح الخفين يجوز نسخ القرآن بمثله وروي أنه قال إنما يجوز نسخ القرآن بالسنة إذا وردت كورود المسح على الخفين وكذا الصحابة Bهم أجمعوا على جواز المسح قولا وفعلا حتى روي عن الحسن البصري أنه قال : أدركت سبعين بدريا من الصحابة كلهم كانوا يرون المسح على الخفين ولهذا رآه أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة فقال فيها : أن تفضل الشيخين وتحب الختنين وأن ترى المسح على الخفين وأن لا تحرم نبيذ التمر يعني المثلث .
وروي عنه أنه قال : ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار فكان الجحود ردا على كبار الصحابة ونسبة إياهم إلى الخطأ فكان بدعة فلهذا قال الكرخي : أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين وروي عن أبي حنيفة Bه أنه قال : لولا أن المسح لا يختلف فيه ما مسحنا .
ودل قوله هذا أن خلاف ابن عباس لا يكاد يصح ولأن الأمة لم تختلف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح وإنما اختلفوا أنه مسح قبل نزول المائدة أو بعدها ولنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة حتى قال الحسن البصري حدثني سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم رأوه يمسح على الخفين .
وروى [ عن عائشة والبراء بن عازب Bهما أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح بعد المائدة ] .
وروي [ عن جرير بن عبد الله البجلي أنه توضأ ومسح على الخفين فقيل له في ذلك فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ ومسح على الخفين ] فقيل له : أكان ذلك بعد نزول المائدة : فقال : وهل أسلمت إلا بعد نزول المائدة .
وأما الآية فقد قرئت بقراءتين فنعمل بهما في حالتين فنقول : وظيفتهما الغسل إذا كانتا باديتين والمسح إذا كانتا مستورتين بالخف عملا بالقراءتين بقدر الإمكان ويجوز أن يقال : لمن مسح على خفه أنه .
مسح على رجله كما يجوز أن يقال ضرب على رجله وإن ضرب على خفه والرواية عن ابن عباس لم تصح لما روينا عن أبي حنيفة ولأن مداره على عكرمة وروي أنه لما بلغت روايته عطاء قال : كذب عكرمة وروى عنه عطاء والضحاك أنه مسح على خفيه فهذا يدل على أن خلاف ابن عباس لم يثبت وروي عن عطاء أنه قال كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى تابعهم .
وأما الكلام مع مالك فوجه قوله : أن المسح شرع ترفها ودفعا للمشقة فيختص شرعيته بمكان المشقة .
وهو السفر .
ولنا : ما روينا من الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه و سلم : [ يمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ] وما ذكر من الاعتبار غير سديد لأن المقيم يحتاج إلى الترفه ودفع المشقة إلا أن حاجة المسافر إلى ذلك أشد فزيدت مدته لزيادة الترفيه والله الموفق