حكم المحبوس في المصر في مكان طاهر .
المحبوس في المصر في مكان طاهر يتيمم و يصلي ثم يعيد إذا خرج و روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يصلي و هو قول زفر و روي عن أبي يوسف أنه لا يعيد الصلاة .
وجه رواية أبي يوسف : أنه عجز عن استعمال الماء حقيقة بسبب الحبس فأشبه العجز بسبب المرض و نحوه فصار الماء عدما معنى في حقه فصار مخاطبا بالصلاة بالتيمم فالقدرة بعد ذلك لا تبطل الصلاة المؤداة كما في سائر المواضع و كما في المحبوس في السفر .
وجه رواية الحسن : أنه ليس بعادم للماء حقيقة و حكما أما الحقيقة فظاهرة و أما الحكم فلأن الحبس إن كان بحق فهو قادر على إزالته بإيصال الحق إلى المستحق و إن كان بغير حق فالظلم لا يدوم في دار الإسلام بل يرفع فلا يتحقق العجز فلا يكون التراب طهورا في حقه .
وجه ظاهر الرواية : أن العجز للحال قد تحقق إلا أنه يحتمل الارتفاع فإنه قادر على رفعه إذا كان بحق و إن كان بغير حق فكذلك لأن الظلم يدفع و له ولاية الدفع بالرفع إلى من له الولاية فأمر بالصلاة احتياطا لتوجه الأمر بالصلاة بالتيمم لأن احتمال الجواز ثابت لاحتمال إن هذا القدر من العجز يكفي لتوجيه الأمر بالصلاة بالتيمم و أمر بالقضاء في الثاني لأن احتمال عدم الجواز ثابت لاحتمال أن هذا القدر من العجز يكفي لتوجيه الأمر بالصلاة و أمر بالقضاء في الثاني لأن احتمال عدم لجواز ثابت لاحتمال أن المعتبر حقيقة القدرة دون العجز الحالي فيؤمر بالقضاء عملا بالشبهين و أخذا بالثقة و الاحتياط و صار كالمقيد أنه يصلي قاعدا ثم يعيد إذا أطلق كذا هذا بخلاف المحبوس في السفر لأن ثمة .
تحقق العجز من كل وجه لأنه انضاف إلى المنع الحقيقي السفر و الغالب في السفر عدم الماء .
و أما المحبوس في مكان نجس لا يجد ماء و لا ترابا نظيفا فإنه لا يصلي عند أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف : يصلي بالإيماء ثم يعيد إذا خرج وهو قول الشافعي و قول محمد : مضطرب و ذكر في عامة الروايات مع أبي حنيفة و في نوادر أبي سليمان مع أبي يوسف .
وجه قول أبي يوسف : أنه إن عجز عن حقيقة الأداء فلم يعجز عن التشبه فيؤمر بالتشبه كما في باب ا لصوم .
و قال بعض مشايخنا : إنما يصلي بالإيماء على مذهبه إذا كان المكان رطبا أما إذا كان يابسا فإنه يصلي بركوع و سجود و الصحيح عنده أنه يومىء كيفما كان لأنه لو سجد لصار مستعملا للنجاسة و لأبي حنيفة أن الطهارة شرط أهلية أداء الصلاة فان الله تعالى جعل أهل مناجاته الطاهر لا المحدث والتشبه إنما يصح من .
الأهل ألا ترى أن الحائض لا يلزمها التشبه في باب الصوم والصلاة لانعدام الأهلية بخلاف المسألة المتقدمة لأن هناك حصلت الطهارة من وجه فكان أهلا من وجه فيؤدي الصلاة ثم يقضيها احتياطا .
مسافر مر بمسجد فيه عين ماء و هو جنب و لا يجد غيره جاز له التيمم لدخول المسجد لأن الجنابة مانعة من دخول المسجد عندنا على كل حال سواء كان الدخول على قصد المكث أو الاجتياز على ما ذكرنا فيما تقدم فكان عاجزا عن استعمال هذا الماء فكان هذا الماء ملحقا بالعدم في حق جواز التيمم فلا يمنع .
جواز التيمم ثم وجود الماء إنما يمنع من جواز التيمم إذا كان القدر الموجود يكفي للوضوء إن كان محدثا و للاغتسال إن كان جنبا فإن كان لا يكفي لذلك فوجوده لا يمنع جواز التيمم عندنا .
و قال الشافعي : يمنع قليله و كثيره حتى إن المحدث إذا وجد من الماء قدر ما يغسل بعض أعضاء وضوئه جاز له أن يتيمم عندنا مع قيام ذلك الماء و عنده لا يجوز مع قيامه : و كذلك الجنب إذا وجد من الماء قدر ما يتوضأ به لا غير أجزأه التيمم عندنا و عنده لا يجزئه إلا بعد تقديم الوضوء حتى يصير عادما للماء و احتج بقوله تعالى في آية التيمم { فلم تجدوا ماء } ذكر الماء نكرة في محل النفي فيقتضي الجواز عند عدم كل جزء من أجزاء الماء و لأن النجاسة الحكمية وهي الحدث تعتبر بالنجاسة الحقيقية ثم لو كان .
معه من الماء ما يزيل به بعض النجاسة الحقيقية يؤمر بالإزالة كذا ههنا .
و لنا : أن المأمور به الغسل المبيح للصلاة والغسل الذي لا يبيح الصلاة وجوده و العدم بمنزلة واحدة كما لو كان الماء نجسا و لأن الغسل إذا لم يفد الجواز كان الاشتغال به سفها مع أن فيه تضييع الماء .
و إنه حرام فصار كمن وجد ما يطعم به خمسة مساكين فكفر بالصوم أنه يجوز و لا يؤمر بإطعام الخمسة لعدم الفائدة فكذا هذا بل أولى لأن هناك لا يؤدي إلى تضييع المال لحصول الثواب بالتصدق و مع ذلك لم يؤمر به لما قلنا فههنا أول ى .
و به تبين أن المراد من الماء المطلق في الآية هو المقيد و هو الماء المفيد لإباحة الصلاة عند الغسل به .
كما يقيد بالماء الطاهر و لأن مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف و المتعارف من الماء في باب الوضوء و الغسل هو الماء الذي يكفي للوضوء و الغسل فينصرف المطلق إليه و اعتباره بالنجاسة الحقيقية غير سديد لأنهما مختلفان في الأحكام فإن قليل الحدث ككثيره في المنع من الجواز بخلاف النجاسة الحقيقية فيبطل الاعتبار .
و لو تيمم الجنب ثم أحدث بعد ذلك ومعه من الماء قدر ما يتوضا به فإنه يتوضأ به و لا يتيمم لأن التيمم الأول أخرجه من الجنابة إلى أن يجد من الماء قدر ما يكفيه للاغتسال فهذا محدث و ليس بجنب و معه من الماء قدر ما يكفيه للوضوء فيتوضأ به فإن توضأ و لبس خفيه ثم مر على الماء فلم يغتسل ثم حضرته الصلاة و معه من الماء قدر ما يتوضأ به فإنه لا يتوضأ به و لكنه يتيمم لأنه بمروره على الماء عاد جنبا كما كان فعادت المسألة الأولى .
و لا ينزع الخفين لأن القدم ليست بمحل التيمم فإن تيمم ثم أحدت و قد حضرته صلاة أخرى و عنده من الماء قدر ما يتوضأ به توضأ به و لا يتيمم لما مر و نزع خفيه و غسل رجليه لأنه بمروره بالماء عاد جنبا فسرى الحدث السابق إلى القدمين فلا يجوز له أن يمسح بعد ذلك .
و لو كان ببعض أعضاء الجنب جراحة أو جدري فإن كان الغالب هو الصحيح غسل الصحيح و ربط على السقيم الجبائر و مسح عليها و إن كان الغالب هو السقيم تيمم لأن العبرة للغالب و لا يغسل الصحيح عندنا خلافا للشافعي لما مر و لأن الجمع بين الغسل و التيمم ممتنع إلا في حال وقوع الشك في طهورية الماء و لم يوجد و على هذا لو كان محدثا أو ببعض أعضاء وضوئه جراحة أو جدري لما قلنا .
و إن استوى الصحيح و السقيم لم يذكر في ظاهر الرواية و ذكر في النوادر أنه يغسل الصحيح و يربط الجبائر على السقيم و يمسح عليها و ليس في هذا جمع بين الغسل و المسح لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها .
و هذا الشرط الذي ذكرنا لجواز التيمم و هو عدم الماء فيما وراء صلاة الجنازة و صلاة العيدين فأما في هاتين الصلاتين فليس بشرط بل الشرط فيهما خوف الفوت لو اشتغل بالوضوء حتى لو حضرته الجنازة و خاف فوت الصلاة لو اشتغل بالوضوء تيمم و صلى و هذا عند أصحابنا و قال الشافعي لا يتيمم استدلالا بصلاة الجمعة و سائر الصلوات و سجدة التلاوة .
و لنا : ما روي عن ابن عمر Bهما أنه قال : إذا فجأتك جنازة تخشى فوتها و أنت على غير وضوء فتيمم لها .
و عن ابن عباس Bهما مثله و لأن شرع التيمم في الأصل لخوف فوات الأداء و قد وجد ههنا بل أولى ؟ لأن هناك تفوت فضيلة الأداء فقط فأما الاستدراك بالقضاء فممكن و ههنا تفوت صلاة الجنازة أصلا فكان أولى بالجواز حتى لو كان ولي الميت لا يباح له التيمم كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأن له ولاية الإعادة فلا يخاف الفوت .
و حاصل الكلام فيه راجع إلى أن صلاة الجنازة لا تقضى عندنا و عنده تقض على ما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى بخلاف الجمعة لأن فرض الوقت قائم و هو الظهر و بخلاف سائر الصلوات لأنها تفوت .
إلى خلف و هو القضاء و الفائت إلى خلف قائم معنى و سجدة التلاوة لا يخاف فوتها رأسا لأنه ليس لأدائها وقت معين لأنها وجبت مطلقة عن الوقت .
و كذا إذا خاف فوت صلاة العيدين يتيمم عندنا لأنه لا يمكن استدراكها بالقضاء لاختصاصها بشرائط .
يتعذر تحصيلها لكل فرد هذا إذا خاف فوت الكل فإن كان يرجو أن يدرك البعض لا يتيمم لأنه لا يخاف الفوت لأنه إذا أدرك البعض يمكنه أداء الباقي وحده و لو شرع في صلاة العيد متيمما ثم سبقه الحدث جاز له أن يبني عليها بالتيمم بإجماع من أصحابنا لأنه لو ذهب و توضأ لبطلت صلاته من الأصل لبطلان التيمم فلا .
يمكنه البناء و أما إذا شرع فيها متوضئا ثم سبقه الحدث فإن كان يخاف أنه لو اشتغل بالوضوء زالت الشمس تيمم و بنى و إن كان لا يخاف زوال الشمس فإن كان يرجو أنه لو توضأ يدرك شيئا من الصلاة مع الإمام توضأ و لا يتيمم لأنها لا تفوت لأنه إذا أدرك البعض يتم الباقي وحده و إن كان لا يرجو إدراك الإمام .
يباح له التيمم عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد لا يباح .
وجه قولهما : أنه لو ذهب و توضأ لا تفوته الصلاة لأنه يمكنه إتمام البقية وحده لأنه لا حق و لا عبرة بالتيمم عند عدم خوف الفوت أصلا و لأبي حنيفة أنه إن كان لا يخاف الفوت من هذا الوجه يخاف الفوت بسبب الفساد لازدحام الناس فقلما يسلم عن عارض يفسد عليه صلاته فكان في الانصراف للوضوء تعريض صلاته للفساد و هذا لا يجوز فيتيمم و الله أعلم