سبب وجوب هذه النفقة .
فصل : و أما سبب وجوب هذه النفقة أما نفقة الولادة فسبب وجوبها هو الولادة لأن به تثبت الجزئية و البعضية و الإنفاق على المحتاج إحياء له و يجب على الإنسان إحياء كله و جزئه و إن شئت قلت سبب نفقة الأقارب في الولاد و غيرها من الرحم المحرم هو القرابة المحرمة للقطع لأنه إذا حرم قطعها يحرم كل سبب مفض إلى القطع و ترك الإنفاق من ذي الرحم المحرم مع قدرته و حاجة المنفق عليه تفضي إلى القطع و ترك الإنفاق من ذي الرحم المحرم مع قدرته / و حاجة المنفق عليه تقضي إلى قطع الرحم فيحرم الترك و إذا حرم الترك وجب بالفعل ضرورة .
و إذا عرف هذا فنقول في القرابة الموجبة للنفقة لا يخلو إما إن كانت حال الانفراد و إما إن كانت حال الإجتماع فإن كانت حال الانفراد بأن لم يكن هناك ممن تجب عليه النفقة إلا واحدا تجب كل النفقة عليه عند استجماع شرائط الوجوب لوجود سبب وجوب كل النفقة عليه و هو الولاد و الرحم المحرم و شرطه من غير مزاحم و إن كانت حال الاجتماع فالأصل أنه متى اجتمع الأقرب و الأبعد فالنفقة على الأقرب في قرابة الولاد و غيرها من الرحم المحرم فإن استويا في القرب ففي قرابة الولاد يطلب الترجيح من وجه آخر و تكون النفقة على من وجد في حقه نوع رجحان فلا تنقسم النفقة عليهما على قدر الميراث و إن كان كل واحد منهما وارثا و إن لم يوجد الترجيح فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما و أما في غيرها من الرحم المحرم فإن كان الوارث أحدهما و الآخر محجوبا فالنفقة على الوارث و يرجح بكونه وارثا و إن كان كل واحد منهما وارثا فالنفقة عليهما على قدر الميراث و إنما كان كذلك لأن النفقة في قرابة الولاد تجب بحق الولادة لا بحق الوراثة قال الله تعالى : { و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف } علق سبحانه و تعالى وجوبها باسم الولادة و في غيرها من الرحم المحرم تجب بحق الوراثة لقوله عز و جل : { و على الوارث مثل ذلك } علق سبحانه و تعالى الاستحقاق بالارث فتجب بقدر الميراث و لهذا قال أصحابنا إن من أوصى لورثه فلان و له بنون و بنات فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين و لو أوصى لولد فلان كان الذكر و الأنثى فيه سواء فدل به ما ذكرنا .
و بيان هذا الأصل : إذا كان له ابن و ابن ابن فالنفقة على الابن لأنه أقرب و لو كان الابن معسرا و ابن الابن موسرا فالنفقة على الابن أيضا إذا لم يكن زمنا لأنه هو الأقرب و لا سبيل إلى إيجاب النفقة على الأبعد مع قيام الأقرب إلا أن القاضي يأمر ابن الأبن بأنه يؤدي عنه على أن يرجع عليه إذا أيسر فيصير الأبعد نائبا عن الأقرب في الأداء و لو أدى بغير أمر القاضي لم يرجع و لو كان له أب و جد فالنفقة على الأب لا على الجد لأن الأب أقرب .
و لو كان الأب معسرا و الجد موسرا فنفقته على الأب أيضا إذا لم يكن زمنا لكن يؤمر الجد بأن ينفق ثم يرجع على الأب إذا أيسر و لو كان له أب و ابن ابن فنفقته على الأب لأنه أقرب إلا أنه إذا كان الأب معسرا غير زمن و ابن الابن موسرا فإنه يؤدي عن الأب بأمر القاضي ثم يرجع عليه إذا أيسر .
و لو كان له أب و ابن فنفقته على الابن لا على الأب و إن استويل في القرب و الوراثة و يرجح الابن بالإيجاب عليه لكونه كسب الأب فيكون له حقا في كسبه و كون ماله مضافا إليه شرعا لقول صلى الله عليه و سلم : [ أنت و مالك لأبيك ] و لا يشارك الولد في نفقة والده أحد لما قلنا .
و كذا في نفقة والدته لعدم المشاركة في السبب و هو الولادة و الاختصاص بالسبب يوجب الاختصاص بالحكم و كذا لا يشارك الإنسان أحد في نفقة جده و جدته عند عدم الأب و الأم لأن الجد يقوم مقام الأب عند عدمه و الجدة تقوم مقام الأم عند عدمها و لو كان له ابنان فنفقته عليهما على السواء و كذا إذا كان له ابن و بنت ز لا يفضل الذكر على الأنثى في النفقة لاستوائهما في سبب الوجوب و هو الولاد .
و لو كان له بنت و أخت فالنفقة على البنت لأن الولاد لها و هذا يدل على أن النفقة لا تعتبر بالميراث لأن الأخت ترث مع البنت و لا نفقة عليها مع البنت و لا تجب على الابن نفقة منكوحة أبيه لأنها أجنبية عنه إلا أن يكون الأب محتاجا إلى من يخدمه فحينئذ يجب عليه نفقة امرأته لأنه يؤمر بخدمة الأب بنفسه أو بالأجير و لو كان للصغير أبوان فنفقته على الأب لا على الأم بالإجماع و إن استويا في القرب و الولاد و لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد لأن الله تعالى خص الأب بتسميته بكونه مولودا له و أضاف الولد إليه بلام الملك و خصه بإيجاب نفقة الولد الصغير عليه بقوله : { و على المولود له رزقهن } أي رزق الوالدات المرضعات سمى الأم وادة و الأب مولودا له و قال عز و جل : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } خص سبحانه و تعالى الأب بإيتاء أجر الرضاع بعد الطلاق و كذا أوجب في الآيتين كل نفقة الرضاع على الأب لولده الصغير و ليس وراء الكل شيء و لا يقال إن الله عز و جل قال : ( و على المولود له رزقهن ) ثم قال : { و على الوارث مثل ذلك } و الأم وارثة فيقتضي أن تشارك في النفقة كسائر الورثة من الرحم المحرم و كمن قال : أوصيت لفلان من مالي بألف درهم و أوصيت لفلان بمثل ذلك و لم تخرج الوصيتان من الثلث أنهما يشتركان فيه كذا هذا لأنا نقول لما جعل الله عز و جل كل النفقة على الأب بقوله : { و على المولود له رزقهن } تعذر إيجابها على الأم حال قيام الأب فيحمل على حال عدمه ليكون عملا بالنص من كل وجه في الحالين و لم يوجد مثل هذا في سائر ذوي الرحم المحرم و في باب الوصية لا يمكن العمل بكل واحدة من الوصيتين في حالين و قد ضاق المحل عن قبولهما في حالة واحدة فلزم القول بالشركة ضرورة .
و لو كان الأب معسرا غير عاجز عن الكسب و الأم موسرة فالنفقة على الأب لكن تؤمر الأم بالنفقة ثم ترجع بها على الأب إذا أيسر لأنها تصير دينا في ذمته إذا أنفقت بأمر القاضي و لو كان للصغير أب و أم أم فالنفقة على الأب و الحضانة على الجدة لأن الأم لم تشارك الأب في نفقة ولده الصغير مع قربها فالجدة مع بعدها أولى .
هذا إذا كان الولد صغيرا فقيرا و له أبوان موسوران فأما إذا كان كبيرا و هو ذكر فقير عاجز عن الكسب فقد ذكر في كتاب النكاح أن نفقته أيضا على الأب خاصة و ذكر الخصاف أنه على الأب و الأم أثلاثا ثلثاها على الأب و ثلثها على الأم .
وجه ما ذكره الخصاف : أن الأب إنما خص بإيجاب النفقة عليه لابنه الصغير لاختصاصه بالولاية و قد زالت ولايته بالبلوغ فيزول الاختصاص فتجب عليهما على قدر ميراثهما .
وجه رواية كتاب النكاح : أن تخصيص الأب بالإيجاب حال الصغر لاختصاصه بتسميته بكونه مولودا له و هذا ثابت بعد الكبر فيختص بنفقته كالصغير و اعتبار الولاية و الإرث في هذه النفقة غير سديد لأنها تجب مع اختلاف الدين و لا ولاية و لا إرث عند اختلاف الدين و لا يشارك الجد أحد في نفقة ولد ولده عند عدم ولده لأنه يقوم مقام ولده عند عدمه و لا يشارك الزوج في نفقة زوجته أحد لأنه لا يشاركه أحد في سبب وجوبها و هو حق الحبس الثابت بالنكاح حتى لو كان لها زوج معسر و ابن موسر من غير هذا الزوج أو أب موسر أو أخ موسر فنفقتها على الزوج لا على الأب و الابن و الأخ لكن يؤمر الأب أو الابن أو الأخ بأن ينفق عليهما ثم يرجع على الزوج إذا أيسر و لو كان له جد و ابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما لأنهما في القرابة و الوراثة سواء و لا ترجيح لأحدهما على الآخر من وجه آخر فكانت النفقة عليهما على قدر الميراث السدس على الجد و الباقي على ابن الابن كالميراث .
و لو كان له أم و جد كانت النفقة عليهما أثلاثا الثلث على الأم و الثلثان على الجد على قدر ميراثهما و كذلك إذا كان له أم و أخ لأب و أم أو لأب أو ابن أخ لأب و أم أو لأب أو عم لأم و أب أو لأب كانت النفقة عليهما أثلاثا ثلثها على الأم و الثلثان على الأخ و ابن الأخ و العم .
و كذلك إذا كان له أخ لأب و أم و أخت لأب و أم كانت النفقة عليهما أثلاثا على قدر ميراثهما و لو كان له أخ لأب و أم و أخ لأم فالنفقة عليهما أسداسا سدسها على الأخ لأم و خمسة أسداسها على الأخ لأب و أم .
و لو كان له جد و جدة كانت النفقة عليهما أسداسا على قدر الميراث و لو كان له عم و عمة فالنفقة على العم لأنهما استويا في القرابة المحرمة للقطع و العم هو الوارث فيرجح بكونه وارثا .
و كذلك لو كان له عم و خال لما قلنا و لو كان له عمة و خالة أو خال فالنفقة عليهما أثلاثا ثلثاهما على العمة و الثلث على الخال أو الخالة و لو كان له خال و ابن عم فالنفقة على الخال لا على ابن العم لأنهما ما استويا في سبب الوجوب و هو الرحم المحرم للقطع إذ الخال هو ذو الرحم المحرم و استحقاق الميراث للترجيح و الترجيح يكون بعد الاستواء في ركن العلة و لم يوجد .
و لو كان له عمة و خالة و ابن عم فعلى الخالة الثلث و على العمة الثلثان لاستوائهما في سبب استحقاق الإرث فيكون النفقة بينهما على قدر الميراث و لا شيء على ابن العم لانعدام سبب الاستحقاق في حقه و هو القرابة المحرمة للقطع / و لو كان له ثلاث أخوات متفرقات و ابن عم فالنفقة على الأخوات على خمسة أسهم ثلاثة أسهم على الأخت لأب و أم و سهم على الأخت لأم و سهم على الأخت لأب على قدر الميراث و لا يعتد بابن العم في النفقة لانعدام سبب الاستحقاق في حقه فيلحق بالعدم كأنه ليس له إلا الأخوات و ميراثه لهن على خمسة أسهم كذا النفقة عليهن و لو كان له ثلاثة أخوة متفرقين فالنفقة على الأخ للأب و الأم و على الأخ للأم على قدر الميراث أسداسا لأن الأخ لا يرث معهما فيلحق بالعدم .
و لو كان له عم و عمة و خالة فالنفقة على العم لأن العم مساو لهما في سبب الاستحقاق و هو الرحم المحرم و فضلهما بكونه وارثا إذ الميراث له لا لهما فكانت النفقة عليه لا عليهما و إن كان العم معسرا فالنفقة عليهما لأنه يجعل كالميت .
و الأصل في هذا أن كل من كان يحوز جميع الميراث و هو معسر يحعل كالميت و إذا جعل كالميت كانت النفقة على الباقين على قدر مواريثهم و كل من كان يحوز بعض الميراث لا يجعل كالميت فكانت النفقة على قدر مواريث من يرث معه بيان هذا الأصل رجل معسر عاجز عن الكسب و له ابن معسر عاجز عن الكسب أو هو صغير و له ثلاثة أخوة متفرقين فنفقة الأب على أخيه لأبيه و أمه و على أخيه لأمه أسداسا سدس النفقة على الأخ لأم و خمسة أسداسها على الأخ لأب و أم و نفقة الولد على الأخ لأب و أم خاصة لأن الأب يحوز جميع الميراث فيجعل كالميت فيكون نفقة الأب على الأخوين على قدر ميراثهما منه و ميراثهما من الأب هذا فأما الابن فوارثه العم لأب و أم لا العم لأب و لا العم لأم فكانت نفقته على عمه لأب و أم .
و لو كان للرجل ثلاث أخوات متفرقات كانت نفقته عليهن أخماسا ثلاثة أخماسها على الأخت لأب و أم و خمس على الأخت لأب و خمس على الأخت لأم على قدر مواريثهن و نفقة الابن على عمته لأب و أم لأنها هي الوارثة منه لا غير و لو كان مكان الابن بنت و المسألة بحالها فنفقة الأب في الإخوة المتفرقين على أخيه لأبيه و أمه و في الأخوات المتفرقات على أخته لأبيه و أمه لأن البنت لا تحوز جميع الميراث فلا حاجة إلى أن تجعل كالميتة فكان الوارث معها الأخ للأب و الأم لا غير و الأخت لأب و أم لا غير لأن الأخ و الأخت لأم لا يرثان مع الولد و الأخ لأب لا يرث مع الأخ لأب و أم و الأخت لأب لا ترث مع البنت و الأخت لأب و أم لأن الأخوات مع البنات عصبة و في العصبات تقدم الأقرب فالأقرب فكانت النفقة عليهما .
و كذلك نفقة البنت على العم لأب و أم أو على العمة لأب و أم لأنهما وارثاها بخلاف الفصل الأول لأن هناك لا يمكن الإيجاب للنفقة على الأخوة و الأخوات إلا بجعل الابن كالميت لأنه يحوز جميع الميراث فمست الحاجة إلى أن يجعل ميتا حكما و لو كان الابن ميتا كان ميراث الأب للأخ لأب و أم و للأخ لأم أسداسا و للأخوات أخماسا فكذا النفقة و على هذا الأصل مسائل