حكم طلاق البدعة .
فصل : و أما حكم طلاق البدعة فهو أنه واقع عند عامة العلماء و قال بعض الناس : إنه لا يقع و هو مذهب الشيعة أيضا .
وجه قولهم : أن هذا الطلاق منهي عنه لما ذكرنا من الدلائل فلا يكون مشروعا و غير المشروع لا يكون معتيرا في حق الحكم و لأن الله تعالى جعل لنا ولاية الإيقاع على وجه مخصوص و من جعل له ولاية التصرف على وجه لا يملك إيقاعه على غير ذلك الوجه كالوكيل بالطلاق على وجه السنة إذا طلقها للبدعة أنه لا يقع لما قلنا كذا هذا .
و لنا : ما روي عن عبادة بن الصامت Bه أن بعض آبائه طلق امرأته ألفا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه و سلم : [ بانت بالثلاث في معصية و تسعمائة و سبعة و تسعون فيما لا يملك ] .
و روي عن ابن عباس Bهما أنه قال : إن أحدكم يركب الأحموقة فيطلق امرأته ألفا ثم يأتي فيقول : يا ابن عباس و إن الله تعالى قال : { و من يتق الله يجعل له مخرجا } و إنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا بانت امرأتك و عصيت ربك .
و روينا عن عمر Bه أنه كان لا يؤتى برجل قد طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضربا و أجاز ذلك عليه و كانت قضاياه بمحضر من الصحابة Bهم أجمعين فيكون إجماعا منهم على ذلك .
و أما قولهم أن غير المشروع لا يكون معتبرا في حق الحكم فنعم لكن الطلاق نفسه مشروع عندنا ما فيه حظر و إنما الحظر و الحرمة في غيره و هو ما ذكرنا من الفساد و الوقوع في الزنا و السفه و تطويل المدة و إذا كان مشروعا في نفسه جاز أن يكون معتبرا في حق الحكم و إن منع عنه لغيره كالبيع وقت أذان الجمعة و الصلاة في الأرض المغصوبة و نحو ذلك .
و قد خرج الجواب عن الوجه الثاني و هو أن من ولي تصرفا مشروعا لا يملك إيقاعه إلا على الوجه الذي ولي لأنه ما أوقع الطلاق إلا على الوجه الذي ولي إيقاعه لأنه تصرف مشروع في نفسه لا يتصور إيقاعه غير مشروع إلا أنه بهذا الطلاق باشر تصرفا مشروعا و ارتكب محظورا فيأثم بارتكاب المحظور لا بمباشرة المشروع كما في البيع وقت النداء و نظائره بخلاف الوكيل لأن التوكيل بالطلاق على وجه السنة توكيل بطلاق مشروع لا يتضمنه ارتكاب حرام بوجه فإذا طلقها للبدعة فقد أتى بطلاق مشروع يلازمه حرام فلم يأت بما أمر به فلا يقع فهو الفرق