الحلف على أمور متفرقة .
فصل : و أما الحلف على أمور متفرقة إذا قال إن كانت هذه الجملة حنطة فامرأته طالق ثلاثا فإذا هي حنطة و تمر لم يحنث لأنه جعل شرط حنثه كون الجملة حنطة و الجملة ليست بحنطة فلم يوجد الشرط .
و لو قال : إن كانت هذه الجملة إلا حنطة فامرأته طالق ثلاثا فكانت تمرا و حنطة يحنث في قول أبي يوسف و لا يحنث عند محمد و إن كانت الجملة كلها حنطة لا يحنث بلا خلاف و أبو يوسف يقول : إن معنى هذا الكلام إن كان في هذه الجملة غير حنطة فامرأته كذا وقد تبين أن في تلك الجملة غير حنطة فوجد شرط الحنث فيحنث و محمد يقول إن المستثنى لا يعتبر وجوده لأنه ليس بداخل تحت اليمين إنما الداخل تحتها المستثنى منه فيعتبر وجوده لا وجود المستثنى و إذا لم يعتبر وجوده لا يعلم المستثنى منه أنه وجد أم لا فلا يحنث و نظير هذا ما قال في الجامع إن كان لي إلا عشرة دراهم فامرأته طالق فكان له أقل من عشرة دراهم لم يحنث لأن العشرة مستثناة فلا يعتبر وجودها .
و روي عن أبي يوسف رواية أخرى أنه إن كان الحلف بطلاق أو عتاق أو حج أو عمرة أو قال لله علي كذا يحنث و إن كان بالله تعالى لم يلزمه الكذب فيها و لا كفارة عليه لأن هذا حلف على أمر موجود فإن كان بطلاق أو عتاق أو نذر لزمه وإن كان بالله لم تنعقد يمينه و كذلك لو قال إن كانت الجملة سوى الحنطة أو غير الحنطة فهو مثل قوله : إلا حنطة لأن غير و سوى من ألفاظ الاستثناء .
و روى بشر عن أبي يوسف فيمن قال : و الله ما دخلت هذه الدار ثم قال : عبده حر إن لم يكن دخلها فإن عبده لا يعتق و لا كفارة عليه في اليمين بالله تعالى و هو قول محمد ثم رجع أبو يوسف .
أما عدم وجوب الكفارة في اليمين بالله تعالى فلأنه إن كان صادقا في قوله : و الله ما دخلت هذه الدار فلا كفارة عليه و إن كان كاذبا و هو عالم فلا كفارة عليه أيضا لأنها يمين غموس و إن كان جاهلا فهو يمين اللغو فلا كفارة فيها و أما عدم عتق عبده فلأن الحنث في اليمين الأولى ليس مما يحكم به الحاكم حتى يصير الحكم به إكذابا للثانية لأنها يمين بالله تعالى و أنها لا تدخل تحت حكم الحاكم فلم يصر مكذبا في اليمين الثانية باليمين الأولى في الحكم فلا يعتق العبد فإن كانت اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث في اليمينين جميعا في قول محمد و هو قول أبي يوسف الأول ثم رجع فقال إذا قال بعدما حلف بالأولى أوهمت أو نسيت أو حلف بطلاق آخر أو عتاق أنه دخلها لزمه الأول و لم يلزمه الآخر .
وجه قوله الأول : أنه أكذب نفسه في كل واحدة من اليمينين بالأخرى و اعترف بوقوع ما حلف عليه فيحنث .
وجه قول الآخر : أنه أكذب نفسه في اليمين الأولى بالآخرة و لم يكذب نفسه في اليمين الثانية بعدما عقدها و الإكذاب قبل عقدها لا يتعلق به حكم فلم يحنث فيها فإن رجع فحلف ثالثا لم يعتق الثالث و عتق الثاني لأنه أكذب نفسه في اليمين بعدما حلف عليه و الله عز و جل أعلم .
و إذا تزوج الرجل أمة فقال لها إذا مات مولاك فأنت طالق اثنتين فمات المولى و هو وارثه لا وارث له غيره طلقت اثنتين و حرمت عليه عند أبي يوسف و قال محمد لا تطلق و لا تحرم عليه و لو قال الزوج : إذا مات مولاك فأنت حرة فمات و هو وارثه لم تعتق في قولهما و تعتق عند زفر و الكلام في هذه المسائل يرجع إلى معرفة أو ان ثبوت الملك للوارث فزفر يقول وقت ثبوت الملك للوارث عقيب موت المورث بلا فصل فكما مات ثبت الملك للوارث فقد أضاف العتق إلى حال الملك فتصبح إضافته إليه و لم تصح إضافة الطلاق لأن حال الملك حال زوال النكاح فلم تصح كما إذا قال لها إذا ملكتك فأنت طالق و أبو يوسف يقول : إن الملك للوارث يثبت له عقيب زوال ملك المورث فيزول ملك الميت عقيب الموت أولا ثم يثبت للوارث و الطلاق و العتاق مضافان إلى ما بعد الموت بلا فصل فإذا لم يكن ذلك زمان ثبوت الملك للوارث لم تصح إضافة العتق إليه إذ العتق لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك و صحة إضافة الطلاق لانعدام الإضافة إلى حالة زوال النكاح فصحت الإضافة و وقع الطلاق و حرمت عليه و محمد يقول القياس ما قال زفر أن الملك للوارث له يثبت عقيب الموت بلا فصل فقد أضاف الطلاق إلى زمان بطلان النكاح فلم يصح و كان ينبغي أن تصح إضافة العتق إليه إلا أني استحسنت أن لا تصح لأن الإعتاق إزالة الملك و الإزالة تستدعي تقدم الثبوت و العتق مع الملك لا يجتمعان في محل واحد في زمان واحد .
و لو قال : إذا مات مولاك فملكتك فأنت حرة فمات المولى و الزوج وارثه عتقت لأنه أضاف العتق إلى الملك و لو قال إذا مات مولاك فملكتك فأنت طالق لم يقع الطلاق في قولهم لأنه إذا ملكها فقد زال النكاح فلا يتصور الطلاق و لو قال رجل لأمته إذا مات فلان فأنت حرة ثم باعها من فلان ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق ثنتين ثم مات المولى و هو وارثه قال أبو يوسف يقع الطلاق و لا يقع العتاق و قال محمد : لا يقعان جميعا و قال زفر : يقع العتاق و لا يقع الطلاق أما وقوع الطلاق على قول أبي يوسف و عدم الوقوع على مذهب محمد و عدم ثبوت العتق على قولهما فلما ذكرنا و زفر يقول وجد عقد اليمين في ملكه و الشرط في ملكه فما بين ذلك لا يعتبر كمن قال لأمته إن دخلت الدار فأنت حرة ثم باعها و اشتراها فدخلت الدار و الله عز و جل أعلم