الحلف على أخذ الحق و قبضه .
فصل : و أما الحلف على أخذ الحق و قبضه و قضائه و اقتضائه إذا حلف الرجل ليأخذن من فلان حقه أو ليقبضن من فلان حقه فأخذ منه بنفسه أو أخذ منه وكيله أو أخذه من ضمان عنه أو محتال عليه بأمر المطلوب بر لأن حقوق القضاء لا ترجع إلى الفاعل فترجع إلى الآمر فكأن قبض وكيل الطالب قبضه معنى و كذا القبض من وكيل المطلوب أو كفيله أو المحتال بأمره عليه قبضا منه من حيث المعنى و لو قبض من رجل بغير أمر المطلوب أو كانت الكفالة أو الحوالة بغير أمره حنث في يمينه و لم يبر لأنه لم يقبض من المطلوب حقه حقيقة في الوجهين جميعا إلا أنه جعل قابضا عنه معنى في موضع الأمر و جعل القبض من الغير كالقبض منه فإذا لم يكن ذلك بأمره لم تكن إضافته إليه و لهذا لم يرجع إلى الدافع إليه بما أعطاه فلم يوجد منه قبض حقه فلم يبر و كذلك لو كان الحالف هو الذي عليه المال فحلف ليقضين فلانا حقه أو ليعطين فأعطاه بنفسه أو برسول أو بإحالة أو أمر من ضمنه له فأخذ الطالب بر الحالف في يمينه لأن حقوق القضاء لا تتعلق بالفاعل فتتعلق بالآمر فكان هو القاضي و المعطي من حيث المعنى و لو كان ذلك بغير أمره حنث الحالف لأنه لم يقض حقه و لا أعطاه أصلا و رأسا ألا ترى أنه لا يرجع الدافع إليه .
و إن قال الحالف في هذين الوجهين أردت أن يكون ذلك بنفسي كان كما قال فإن لم يفعل ذلك بنفسه حنث لأنه شدد على نفسه و إن كان المطلوب حلف أن لا يعطيه فأعطاه على أحد هذه الوجوه حنث .
فإن قال : إنما أردت أن لا أعطيه أنا بنفسي لم يدين في القضاء و دين فيما بينه و بين الله تعالى لأن العطاء بفعله و بفعل غيره سواء في القصد فتناوله اليمين فإذا نوى أن لا يعطيه بنفسه فقد نوى خلاف الظاهر و أراد التخفيف على نفسه فلا يصدق في القضاء و لو أخذ به ثوبا أو عرضا فقبض العرض فهو بمنزلة القبض للمال لأنه يصير مستوفيا بأخذ العوض كما يصير مستوفيا بأخذ نفس الحق و لو حلف الطالب ليأخذن ماله منه أو ليقضينه أو ليستوفينه و لم يوقت وقتا فأبرأه من المال أو وهبه له حنث في يمينه لأن الإبراء ليس بقبض و لا استيفاء ففات شرط البر فحنث و لو كان وقت وقتا فقال اليوم أو إلى كذا و كذا فأبرأه قبل ذلك أو وهبه له لم يحنث عند أبي حنيفة و محمد إذا جاوز ذلك الوقت .
و عند أبي يوسف : يحنث بناء على أن اليمين الموقتة يتعلق انعقادها بآخر الوقت عندهما فكأنه قال في آخر الوقت لأقبضن منه ديني و لا دين عليه فلا تنعقد اليمين عندهما و تنعقد عند أبي يوسف فيحنث أصل المسألة إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم فأهريق الماء قبل انقضاء اليوم و قد ذكرناها فيما تقدم فإن قبض الدين فوجده زيوفا أو نبهرجة فهو قبض وبر في يمينه سواء كان حلف على القبض أو على الدفع لأنها من جنس حقه من حيث الأصل .
ألا ترى أنه يجوز أخذهما في ثمن الصرف فوقع بهما الاقتضاء و إن كانت ستوقة فليس هذا بقبض لأنها ليست من جنس الدراهم و لهذا لا يجوز التجوز بها في ثمن الصرف و كذلك لو رد الثوب الذي أخذ عن الدين بعيب أو استحق كان قد بر في يمينه و كان هذا قبضا لأن العيب لا يمنع صحة القبض و كذا المستحق يصح قبضه ثم يبطل لعدم الإجازة فانحلت اليمين فلا يتصور الحنث بعد ذلك وقد قالوا إذا اشترى بدينه بيعا فاسدا و قبضه فإن كان في قيمته وفاء بالحق فهو قابض لدينه و لا يحنث و إن لم يكن فيه وفاء حنث لأن المضمون في البيع الفاسد القيمة لا المسمى و لو غصب الحالف مالا مثل دينه بر لأنه وقع الاقتضاء به و كذلك لو استهلك له دنانير أو عروضا لأن القيمة تجب في ذمته فيصير قصاصا .
و قال محمد : إذا قال إن لم أتزن من فلان مالي عليه أو لم أقبض مالي عليه في كيس أو قال إن لم أقبض مالي عليك دراهم أو بالميزان أو قال إن لم أقبض دراهم قضاء من الدراهم التي لي عليك فأخذ بذلك عرضا أو شيئا مما يوزن من الزعفران أو غيره فهو حانث لأنه لما ذكر الوزن و الكيس و الدراهم فقد وقعت يمينه على جنس حقه فإذا أخذ عوضا عنه حنث