الحلف على الأكل و الشرب ـ القسم الأول .
فصل : و أما الحلف على الأكل و الشرب و الذوق و الغداء و العشاء و السحور و الضحوة و التصبح فلا بد من بيان معاني هذه الأشياء فالأكل هو إيصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز و اللحم و الفاكهة و نحوها و الشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء و النبيذ و اللبن و العسل الممخوض و السويق الممخوض و غير ذلك فإن وجد ذلك يحنث و إلا فلا يحنث إلا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو شربا في العرف و العادة فيحنث إذا عرف هذا فنقول : إذا حلف لا يأكل كذا و لا يشربه فأدخله في فيه و مضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا و شربا بل يكون ذوقا لما نذكر معنى الذوق إن شاء تعالى في موضعه .
قال هشام : سألت محمدا عن رجل حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد الأكل و هو ما ذكرنا .
و لو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمضغه و يرمي بثفله و يبلع ماءه لم يحنث في الأكل و لا في الشرب لأن ذلك ليس بأكل و لا شرب بل هو مص و إن عصر ماء العنب فلم يشربه و أكل قشره و حصرمه فإنه يحنث لأن الذاهب ليس إلا الماء و ذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون أكلا له ألا ترى أنه إذا مضغه و ابتلع الماء أنه لا يكون أكلا بابتلاع الماء بل بابتلاع الحصرم فدل أن أكل العنب هو أكل القشر و الحصرم منه و قد وجد فيحنث .
و قال هشام عن محمد : في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجعلها في فيه فجعل يبلع ماءها حتى ذابت قال لم يأكل لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت و هي لا تحتمل المضغ و كذا روى عن أبي يوسف فيمن حلف : لا يأكل رمانا فمص رمانة أنه لا يحنث .
و لو حلف : لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف : لا يأكل هذا الخل فأكله بخبز يحنث لأن أكل اللبن هكذا يكون و كذلك الخل لأنه من جملة الإدام فيكون أكله بالخبز كالبن فإن أكل ذلك بانفراده لا يحنث لأن ذلك شرب و ليس بأكل فإن صب على ذلك الماء ثم شربه لم يحنث في قوله : لا آكل لعدم الأكل و يحنث في قوله : لا أشرب لوجود الشرب و كذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه و صب عليه الماء فشربه لا يحنث لأن هذا شرب لا أكل فإن أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث لأن الخبز هكذا يؤكل عادة و كذلك السويق إذا شربه بالماء فهو شارب و ليس بأكل .
و لو حلف لا يأكل طعاما فإن ذلك يقع على الخبز و اللحم و الفاكهة سوى التمر و نحو ذلك و يقع على ما يؤكل على سبيل الإدام مع الخبز لأن الطعام في اللغة اسم لما يطعم إلا أنه في العرف اختص بما يؤكل بنفسه أو مع غيره عادة و لا يقع على الهليلج و السقمونيا و إن كان ذلك مطعوما في نفسه لأنه لا يؤكل عادة و إن حلف لا يأكل من طعام فلان فأخذ من خله أو زيته أو كامخه أو ملحه فأكله بطعام نفسه يحنث لأن العادة قد جرت بأكل هذه الأشياء مع الخبز إداما له قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ نعم الإدام الخل ] فكان طعما عرفا فيحنث فإن أخذ من نبيذ فلان أو مائه فأكل به خبزا لا يحنث لأنه لا يؤكل مع الخبز عادة فلا يسمى طعاما و كذا قال أبو يوسف : الخل طعام و النبيذ و الماء و قال محمد الخل و الملح طعام لما ذكرنا أن الخل و الملح مما يؤكل مع غيره عادة و النبيذ و الماء لا يؤكل عادة .
و لو حلف لا يشتري طعاما فإنه يقع على الحنطة و دقيقها و كان ينبغي في القياس أن يقع على جميع المطعومات كما في اليمين على الأكل إلا أن في الاستحسان يقع على الحنطة و دقيقها لأن البيع لا يتم بنفسه بل بالبائع و بائع الحنطة يسمى بائع الطعام في العرف و الأكل يتم بنفسه فيعتبر نفس الأكل دون غيره و صار هذا كمن حلف لا يشتري حديدا فاشترى سيفا لم يحنث لأن بائعه لا يسمى حدادا .
و لو حلف لا يمس حديدا فمس سيفا يحنث لأن المس فعل يتم بنفسه و على هذا باب الزيادات و روي عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل طعاما فاضطرب إلى ميته فأكل منها لم يحنث و قال الكرخي : و هو إحدى الروايتين عن محمد و روى ابن رستم عن محمد : أنه يحنث .
وجه هذه الرواية أن الميتة في حال المخمصة طعام مباح في حق المضطر بمنزلة الطعام المباح في غير هذه الحالة فوجد شرط الحنث فيحنث .
وجه قول أبي يوسف و إحدى الروايتين عن محمد أن إطلاق اسم الطعام لا يتناوله لأنه لا يسمى طعاما عرفا و عادة لأنه لا يؤكل عادة و مبنى الإيمان على معاني كلام الناس .
و روى عن أبي يوسف في رجل حلف لا يأكل حراما فاضطر إلى ميتة فأكلها قال : لا يحنث و روى عنه أنه حانث في يمينه و إثمه موضوع .
وجه هذه الرواية : أن الميتة محرمة و الرخصة أثرها في تغير الحكم و هو المؤاخذة لا في تغير وصف الفعل و هو الحرمة كالمكره على أكل مال الغير .
وجه الرواية الأولى : و هي الصحيحة أن الميتة حال المخمصة مباحة مطلقا لا حظر فيها بوجه في حق المضطر و أثر الرخصة في تغير الحكم و الوصف جميعا بدليل أنه لو امتنع حتى مات يؤاخذ به و لو بقيت الحرمة لم تثبت المؤاخذة كما لو امتنع من تناول مال الغير حالة المخمصة أو الإكراه .
قال خلف بن أيوب : سألت أسد بن عمر Bهما في رجل حلف لا يأكل حراما فأكل لحم قرد أو كلب أو حدأة أو غراب قال : لا يحنث إلا أن يعني ذلك فيحنث لأن مطلق الحرام هو ما تثبت حرمته بدليل مقطوع به و حرمة هذه الأشياء محل الاجتهاد .
و قال خلف بن أيوب : سألت الحسن فقال : هذا كله حرام لقيام دليل الحرمة فيها و إن لم يكن مقطوعا به و روى المعلى عن أبي يوسف و محمد فيمن حلف لا يركب حراما قال : هذا على الزنا لأن الحرام المطلق ينصرف إلى الحرام لعينه و هو الزنا و لأنه يراد به الزنا في العرف فينصرف إليه و قال محمد فإن كان الحالف خصيا أو مجبوبا فهو على القبة الحرام و ما أشبهها .
و قال ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن حلف لا يطأ امرأة وطأ حراما فوطئ امرأته وقد ظاهر منها أو و هي حائض قال لا يحنث إلا أن ينوي ذلك لأن الحرمة تثبت بعارض الحيض و الظهار و مطلق التحريم لا يقع على التحريم العارض و قال ابن رستم عن محمد فيمن حلف لا يأكل حراما فاشترى بدرهم غصبة من إنسان طعاما فأكله لم يحنث لأن مطلق اسم الحرام إنما يقع على ما كانت حرمته لحق الله تعالى و حرمة هذا لحق العبد و لو غصب خبزا أو لحما فأكله يحنث بعرف الناس و لو حلف لا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه مع آخر حنث إلا أن يكون نوى شراءه وحده و كذلك لو حلف لا يأكل من طعام ملكه فلان لأن بعض الطعام طعام حقيقة و يسمى طعاما عرفا أيضا بخلاف ما إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بينه و بين آخر أنه لا يحنث لأن بعض الدار لا يسمى دارا و كذلك لو حلف لا يلبس ثوبا يملكه فلان أو يشتريه فلان فليس ثوبا اشتراه فلان مع آخر لا يحنث لأن بعض الثوب لا يسمى ثوبا .
و لو حلف لا يأكل إدما الإدام كل ما يصطبغ به مع الخبز عادة كاللبن و الزيت و المرق و الخل و العسل و نحو ذلك و ما لا يصطبغ به فليس بإدام مثل اللحم و الشوي و الجبن و البيض و هذا قول أبي حنيفة و إحدى الروايتين عن أبي يوسف .
و قال محمد و هو أحد الروايتين عن أبي يوسف أن كل ما يؤكل بالخبز فهو إدام مثل اللحم و الشواء و البيض و الجبن و روى ابن سماعة عن أبي يوسف أن الجوز اليابس إدام و احتج محمد بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ سيد إدام أهل الجنة اللحم و سيد رياحين أهل الجنة الفاغية ] و هي ورد الحناء و هذا نص و لأن الإدام من الائتدام و هو الموافقة قال النبي صلى الله عليه و سلم لمغيرة حين أراد أن يتزوج امرأة : [ لو نظرت إليها لكان أحرى أن يؤدم بينكما ] أي يكون بينكما الموافقة و معنى الموافقة بين الخبز وبين هذه الأشياء في الأكل ظاهر فكانت إداما و لأن الناس يأتدمون بها عرفا و عادة .
و لأبي حنيفة أن معنى الإدام و هو الموافقة على الإطلاق و الكمال لا يتحقق إلا فيما لا يوكل بنفسه مقصودا بل يؤكل تبعا لغيره عادة و أما ما يؤكل بنفسه مقصودا فلا يتحقق فيه معنى الموافقة و ما لا يصطبغ يؤكل بنفسه فيختل معنى الإدام فيه و اللحم و نحوه مما يؤكل بنفسه عادة مع ما أن من سكان البراري من لا يتغذى إلا باللحم .
و به تبين أن إطلاق اسم الإدام عليه في الحديث على طريق المجاز و البطيخ ليس بإدام في قولهم جميعا لأنه لا يحتمل الاصطباغ به و لا يؤكل بالخبز عادة و كذا البقل ليس بإدام في قولهم ألا ترى أن آكله يسمى مؤتدما ؟ .
و سئل محمد عن رجل حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال الخبز المأدوم الذي يثرد ثردا يعني في المرق و الخل و ما أشبهه فقيل له فإن ثرده في ماء أو ملح ؟ فلم ير ذلك مأدوما لأن من أكل خبزا بماء لا يسمى مؤتدما في العرف .
و قال ابن سماعة عن أبي يوسف : إن تسميتة هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم .
و لو حلف لا يأكل خبزا و لا نية له فهو على خبز الحنطة و الشعير إلا إن كان الحالف في بلد لا يأكل فيها إلا خبز الحنطة فإن يمينه تقع على خبز الحنطة لا غير و إن أكل من خبز لوذينج و أشباه ذلك لا يحنث إلا أن يكون نواه و إن أكل من خبز الذرة و الأرز فإن كان من أهل بلاد ذلك طعامهم حنث و إن كان من أهل الكوفة و نحوها ممن لا يأكل ذلك عامتهم لا يحنث إلا أن ينوي ذلك لأن اسم الخبز يقع على خبز الحنطة و الشعير و لا يراد خبز القطائف عند الإطلاق فلا يحمل عليه و كذا خبز الأرز في البلاد التي لا يعتاد أكله فيها .
و لو حلف لا يأكل لحما فأي لحم أكل من سائر الحيوان غير السمك يحنث ثم يستوي فيه المحرم و غير المحرم و المطبوخ و المشوي و الضعيف لأن اللحم اسم لأجزاء الحيوان الذي يعيش في البر فيحنث إذا أكل لحم ميته أو خنزير أو إنسان أو لحم شاة ترك ذابحها التسمية على ذبحها عمدا أو أكل ذبيحة مجوسي أو مرتد أو لحم صيد ذبحه المحرم و يستوي فيه لحم الغنم و البقر و الإبل لأن اسم اللحم يتناول الكل و إن أكل سمكا لا يحنث و إن سماه الله عز و جل لحما في القرآن العظيم بقوله تعالى : { لحما طريا } لأنه لا يراد به عند الإطلاق اسم اللحم فإن الرجل يقول ما أكلت اللحم كذا و كذا يوما و إن كان قد أكل سمكا ألا ترى أن من حلف لا يركب دابة فركب كافرا لا يحنث و إن سماه الله عز و جل دابة بقوله عز و جل : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } .
و كذا لو حلف لا يخرب بيتا فخرب بيت العنكبوت لم يحنث و إن سماه الله سبحانه و تعالى بيتا في كتابه العزيز بقوله : { و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } و كذا كل شيء يسكن الماء فهو مثل السمك و لو أكل أحشاء البطن مثل الكرش و الكبد و الفؤاد و الكلى و الرئة و الأمعاء و الطحال ذكر الكرخي أنه يحنث في هذا كله إلا في شحم البطن .
و هذا الجواب على عادة أهل الكوفة في زمن أبي حنيفة و في الموضع الذي يباع مع اللحم و أما في البلاد التي لا يباع مع اللحم أيضا فلا يحنث به فأما شحم البطن فليس بلحم و لا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم و لا يباع مع اللحم أيضا فإن نواه يحنث لأنه شدد على نفسه و كذلك الإلية لا يحنث بأكلها لأنها ليست بلحم فإن أكل شحم الظهر أو ما هو على اللحم حنث لكنه لحم سمين ألا ترى أنه يقال لحم سمين و كذا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم .
و كذلك لو أكل رؤوس الحيوانات ما خلا السمك يحنث لأن الرأس عضو من أعضاء الحيوان فكان لحمه كلحم سائر الأعضاء بخلاف ما إذا حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا إنه لا يحنث لأن مشتريه لا يسمى مشتري لحم و إنما يقال اشترى رأسا .
و لو حلف لا يأكل شحما فاشترى شحم الظهر لم يحنث في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد : يحنث .
و ذكر في الجامع الصغير في رجل حلف لا يشتري شحما فأي شحم اشترى لم يحنث إلا أن يشتري شحم البطن و كذا لو حلف لا يأكل شحما .
و لهما : قوله تعالى : { و من البقر و الغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } و المستثنى من جنس المستثنى منه فدل أن شحم الظهر شحم حقيقة .
و لأبي حنيفة أنه لا يسمى شحما عرفا و عادة بل يسمى لحما سمينا فلا يتناوله اسم الشحم عند الإطلاق و تسمية الله تعالى إياه شحما لا يدل على دخوله تحت اليمين إذا لم يكن الاسم متعارفا لأن مطلق كلام الناس ينصرف إلى ما يتعارفونه كما ضربنا من الأمثلة في لحم السمك و قال الله تعالى : { و جعل الشمس سراجا } و قال سبحانه و تعالى : { الأرض بساطا } ثم لا يدخلان في اليمين على البساط و السراج كذا هذا .
وقد قالوا : فيمن حلف لا يشتري شحما و لا لحما فاشترى إليه أنه لا يحنث لأنها ليست بشحم و لا لحم .
و قال عمرو عن محمد : فيمن أمر رجلا أن يشتري له شحما فاشترى شحم الظهر أنه لا يجوز على الأمر و هذا يدل على أن إطلاق اسم الشحم لا يتناول شحم الظهر كما قاله أبو حنيفة فيكون حجة على محمد .
و لو حلف لا يأكل له لحم دجاج فأكل لحم ديك حنث لأن الدجاج اسم للأنثى و الذكر جميعا قال جرير .
( لما مررت بدير الهند أرقني ... صوت الدجاج وضرب بالنواقيس ) .
فأما الدجاجة فأنها اسم للأنثى و الديك اسم للذكر و اسم الإبل يقع على الذكور و الأناث قال النبي صلى الله عليه و سلم [ في خمس من الإبل السائمة شاة ] و لم يرد به أحد النوعين خاصة و كذا اسم الجمل و البعير و الجزور و كذا هذه الأسامي الأربعة تقع على البخاتي و العراب و غير ذلك من أنواع الإبل واسم البختي لا يقع على العربي وكذا اسم العربي لا يقع على البختي و اسم البقر يقع على الذكور و الإناث .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعه ] و أراد به الذكور و الإناث جميعا وكذا اسم البقرة قال الله عز و جل : [ إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ] و قيل : إن بقرة بني إسرائيل كانت ذكرا و تأنيثها بالذكر بقوله تعالى : { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } لتأنيث اللفظ دون المعنى كما في قوله تعالى : { وإذ قالت طائفة } و قال سبحانه و تعالى { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } و الشاة تقع على الذكر و الأنثى .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ في أربعين شاة ] و المراد منه الذكور و الإناث و كذا الغنم اسم جنس و النعجة اسم للأنثى و الكبش للذكر والفرس اسم للعراب ذكرها و أنثاها و البرذون اسم لغير العراب من الطحارية ذكرها و أنثاها و قالوا : إن البرذون اسم للتركي ذكره و أنثاه و الخيل اسم جنس يتناول الأفراس العراب و البراذين و الحمار اسم للذكر و الحمارة والأتان اسم للأثنى و البغل و البغلة كل واحد منهما اسم للذكر و الأثنى .
و إن حلف لا يأكل رأسا فإن نوى الرؤوس كلها من السمك و الغنم و غيرها فأي ذلك أكل حنث لأن اسم الرأس يقع على الكل و أن لم يكن له نية فهو على رؤوس الغنم و البقر خاصة في قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف و محمد : اليمين اليوم على رؤوس الغنم خاصة و الأصل في هذا أن قوله : لا آكل رأسا فبظاهر يتناول كل رأس لكنه معلوم أن العموم غير مراد لأن اسم الرأس يقع على رأس العصفور و رأس الجراد و يعلم أن الحالف ما أراد ذلك فكان ذلك المراد بعض ما يتناوله الاسم و هو الذي يكبس في التنور و يباع في السوق عادة فكان أبو حنيفة رأى أهل الكوفة يكسبون رؤوس الغنم و البقر و الإبل و يبيعونها في السوق فحمل اليمين على ذلك ثم رآهم تركوا رؤوس الإبل و اقتصروا على رؤوس الغنم والبقر فحمل اليمين على ذلك و أبو يوسف و محمد دخلا بغداد وقد ترك الناس البقر واقتصروا على الغنم فحملا اليمين على ذلك فلم يكن بينهم خلاف في الحقيقة .
و لو حلف لا يأكل بيضا فإن نوى بيضا فإن نوى بيض كل شيء بيض السمك و غيره فأي ذلك أكل حنث و إن لم يكن له نية فهو على بيض الطير كله : الإوز و الدجاج و غيرها و لا يحنث إذا أكل بيض السمك لأن اسم البيض يقع على الكل فإذا نوى فقد نوى ما يحتمله الاسم و إذا لم تكن له نية فيقع على ماله قشر و هو بيض الطير لأنه يراد به ذلك عند الإطلاق فيحمل عليه .
و لو حلف لا يأكل طبيخا فالقياس ينصرف إلى كل ما يطبخ من اللحم و غيره لأنه طبيخ حقيقة إلا أنه صرف إلى اللحم خاصة و هو اللحم الذي يجعل في الماء و يطبخ ليسهل أكله للعرف .
ألا ترى أنه لا يقال لمن أكل الباقلاء أنه أكل الطبيخ و إن كان طبيخا حقيقة و إن أكل سمكا مطبوخا لا يحنث لأنه لا يسمى طبيخا في العرف فإن نوى بقوله : لا يأكل طبيخا من اللحم و غيره فهو على ما نوى لأنه طبيخ حقيقة و فيه تشديد على نفسه و كذا إذا حلف لا يأكل شواء و هو ينوي كل شيء يشوى فأي ذلك أكل حنث و إن لم يكن له نية فإنما يقع على اللحم خاصة لأن حقيقة الشواء هي ما يشوى بالنار ليسهل أكله إلا أن عند الإطلاق ينصرف إلى اللحم المشوي دون غيره للعرف .
ألا ترى أنه يصح أن يقال فلان لم يأكل الشواء و إن أكل الباذنجان المشوي و الجزر المشوي و يسمى بائع اللحم المشوي شاويا فإن أكل سمكا مشويا لم يحنث لأنه لا يراد به ذلك عند الإطلاق و إن أكل قلية يابسة أو لونا من الألوان لا مرق فيه لا يحنث لأن هذا لا يسمى طبيخا و إنما يقال له لحم مقلي و لا يقال مطبوخ إلا للحم طبخ في الماء فإن طبخ من اللحم طبيخا له مرق فأكل من لحمه أو من مرقه يحنث لأنه يقال أكل الطبيخ و إن لم يأكل لحمه لأن المرق فيه أجزاء اللحم .
قال ابن سماعة في اليمين على الطبيخ ينبغي أن يكون على الشحم أيضا لأنه قد يسمى طبيخا في العادة فإن طبخ عدسا بودك فهو طبيخ و كذلك إن طبخه بشحم أو إلية فإن طبخه بسمن أو زيت لم يكن طبيخا و لا يكون الأرز طبيخا و لا يكون الطباهج طبيخا و لا الجواذب طبيخا و الاعتماد فيه على العرف .
و قال داود بن رشيد عن محمد : في رجل حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها أنه لا يحنث لأن الطبيخ فعيل من طبخ و هو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم و ذلك وجد من الأول لا منها و لو حلف لا يأكل الحلو فالأصل في هذا أن الحلو عندهم كل حلو ليس من جنسه حامض و ما كان من جنسه حامض فليس بحلو و المرجع فيه إلى العرف فيحنث بأكل الخبيص و العسل و السكر و الناطف و الرب و الرطب و التمر و أشباه ذلك و كذا روى المعلى عن محمد إذا أكل تينا رطبا أو يابسا يحنث لأنه ليس من جنسها حامض فخلص معنى الحلاوة فيه .
و لو أكل عنبا حلوا أو بطيخا حلوا أو رمانا حلوا أو اجاصا حلوا لم يحنث لأن من جنسه ما ليس بحلو فلم يخلص معنى الحلاوة فيه و كذا الزبيب ليس من الحلو لأن من جنسه ما هو حامض و كذلك إذا حلف لا يأكل حلاوة فهو مثل الحلوى و إن حلف لا يأكل تمرا و لا نية له فأكل قضبا لا يحنث و كذلك إذا أكل بسرا مطبوخا أو رطبا لأن ذلك لا يسمى تمرا في العرف و لهذا يختص كل واحد باسم على حدة إلا أن ينوي ذلك لأنه تمر حقيقة و قد شدد على نفسه و لو أكل حيسا حنث لأنه اسم لتمر ينقع في اللبن و يتشرب فيه اللبن فكان الاسم باقيا له لبقاء عينه و قيل هو طعام يتخذ من تمر و يضم إليه شيء من السمن أو غيره و الغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم .
و لو حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا ههنا أربع مسائل ثنتان متفق عليهما و ثنتان مختلف فيهما .
أما الأوليان فأن من يحلف لا يأكل بسرا مذنبا أو حلف لا يأكل رطبا فيه شيء من البسر يحنث فيهما جميعا في قولهم لأن المذنب هو البسر الذي ذنب أي رطب ذنبه فكانت الغلبة للذي حلف عليه فكان الاسم باقيا و أما الأخريان : فإن من يحلف لا يأكل رطبا فيأكل بسرا مذنبا أو يحلف لا يأكل بسرا فيأكل رطبا فيه شيء من البسر .
قال أبي حنيفة و محمد : يحنث و قال أبي يوسف : لا يحنث .
وجه قوله : إن الاسم للغالب في العرف و المغلوب في حكم المستهلك و كذا المقصود في الأكل هو الذي له الغلبة و الغلبة للبسر في الأول و في الثاني للرطب فلا يحنث و لهما أنه أكل ما حلف عليه و غيره لأنه يراه بعينه و يسميه باسمه فصار كما لو ميز أحدهما عن الآخر فقطعه و أكلهما جميعا .
و أما قوله : إن أحدهما غالب فنعم لكن الغلبة إنما توجب استهلاك المغلوب في اختلاط الممازجة أما في اختلاط المجاورة فلا لأنه يراه بعينه فلا يصير مستهلكا فيه كما إذا حلف لا يأكل سويقا أو سمنا فأكل سويقا قد لت بسمن بحيث يستبين أجزاء السويق في السمن يحنث لقيام كل واحد منهما بعد الاختلاط بعينه .
كذا هذا .
و لو حلف لا يأكل حبا فأي حب أكل من سمسم أو غيره مما يأكله الناس عادة يحنث لأن مطلق يمينه يقع عليه فإن عنى شيئا من ذلك بعينه أو سماه حنث فيه و لم يحنث في غيره لأنه نوى تخصيص الملفوظ فيصدق ديانة لا قضاء لأنه خلاف الظاهر و لا يحنث إذا ابتلع لؤلؤة لأن الأوهام لا تنصرف إلى اللؤلؤة عند إطلاق اسم الحب .
و لو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا لا يحنث لأن اسم العنب لا يتناوله و لو حلف لا يأكل جوزا فأكل منه رطبا أو يابسا حنث و كذلك اللوز و الفستق و التين و أشباه ذلك لأن الاسم يتناول الرطب و اليابس جميعا