اليمين المعلق .
و لنا : أنه وجد ذكر شرط و جزاء معلق بالشرط فكان يمينا و معنى المنع أو الحمل من أعراض اليمين و ثمراتها و حقائق الأسامي تتبع حصول المسميات بذواتها و ذلك بأركانها لا بمقاصدها المطلوبة منها على ما بينا و الله عز و جل الموافق و أما قوله إن الشرط ما في وجوده في المستقبل خطر و هو أن يكون مما يجوز أن يوجد و يجوز أن لا يوجد و الغد يأتي لا محالة فالجواب عنه من وجهين : أحدهما ممنوع أن هذا من شرط كونه شرطا أن يكون جائز الوجود في المستقبل و نعني به أن لا يكون مستحيل الوجود وقد وجد ههنا فكان التصرف يمينا على أن جواز العدم إن كان شرطا فهو موجود ههنا لأن مجيء الغد و نحوه ليس مستحيل العدم حقيقة لجواز قيام الساعة في كل لمحة كما قال تعالى : { و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } و هذا لأن الساعة و إن كان لها شرائط لا تقوم إلا بعد و جودها و لم يوجد شيء من ذلك في يومنا هذا فيقع الأمن عن قيام الساعة قبل مجيء الغد و نحو ذلك لكن هذا يوجب الأمن عن القيام إما لا يمنع تصور القيام في نفسه لأن خبر الصادق عن إمرته لا يوجد يقتضي أنه لا يوجد أما لا يقتضي أن لا يتصور وجوده في نفسه حقيقة و لهذا قلنا إن خلاف المعلوم مقدور العبد حتى يتعلق به التكليف و إ ن كان لا يوجد فكان مجيء الغد جائز العدم فكان شرط كونه شرطا و هو جواز العدم حقيقة موجودا فكان يمينا .
و لو قال لامرأته : أنت طالق إن شئت أو أردت أو أحببت أو رضيت أو هويت لم يكن يمينا حتى لو كان حلف لا يحلف لا يحنث بهذه المقالة لما ذكرنا أن الشرط معناه العلامة و هو ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء و الحالف ههنا ما جعل قوله إن شئت علما لوقوع الطلاق بل جعله لتمليك الطلاق منها كأنه قال ملكتك طلاقك أو قال لها اختياري أو أمرك بيدك ألا ترى أنه اقتصر على المجلس و ما جعل علما لوقوع الطلاق لا يقتصر على المجلس كقوله أنت طالق إن دخلت الدار أو إن كلمت فلانا و هذا لأن العلم المحض ما يدل على حصول الطلاق فحسب .
فأما ما يتعلق وجوده به فأنه لا يكون علما بل يكون علة لحصوله و المشيئة مما يحصل به الطلاق بدليل أن الزواج لو قال لزوجته : إن شئت طلاقك فطلقي و إذا لم يوجد معنى الشرط لم تكن المشيئة المذكورة شرطا فلم يوجد أحد ركني اليمين و هو الشرط فلم توجد اليمين فلا يحنث و كذلك لو قال لها : أنت طالق إن شئت أنا لم يكن يمينا حتى لا يحنث في يمينه إذا حلف لا يحلف و لو قال لها : إذا حضت و طهرت فأنت طالق لم يكن يمينا لأن الحالف ما جعل هذا الشرط علما لنزول الجزاء بل جعله إيقاع الطلاق على وجه السنة لأن مثل هذا الكلام يذكر عادة كأنه قال أنت طالق للسنة و كذا إذا قال إذا حضت حيضة فأنت طالق لأن الحيضة اسم للكامل فصار بمنزلة قوله إذا حضت و طهرت فأنت طالق و ما زاد على هذا يعرف في الجامع .
و لو حلف لا يحلف فقال كل امرأة لي تدخل هذه الدار فهي طالق أو قال لامرأته : كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق يحنث لا لوجود تعليق الطلاق بالدخول لتعذر التعليق لانعدام حرفه بل لضرورة وجود الاتصاف على ما بينا و التعليق بالدخول ظرف في وجود الاتصاف فصار من حيث أنه تعلق به بواسطة الاتصاف شبيه الشرط لا أن يكون شرطا ثم في كلمة كل إذا دخلت مرة فطلقت ثم دخلت ثانيا لم تطلق و في كلمة كلما تطلق في كل مرة تدخل و إنما كان كذلك لأن كلمة كل كلمة عموم و إحاطة لما دخلت عليه و في المسألة الأولى دخلت في العين و هي المرأة لا في الفعل و هو الدخول فإذا دخلت مرة فقد انحلت اليمين فلا يحنث بدخولها ثانيا .
و أما المسألة الثانية فإنما دخلت الكلمة على فعل الدخول لأن كلمة ما ترجع مع ما بعدها من الفعل مصدرا لغة يقال بلغني ما قلت و أعجبني ما صنعت أي قولك و صنعك فصارت الكلمة داخلة على المصدر لا على من وقع عليه المصدر فيقتضي تعميم المصدر قال الله تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } يتجدد التبدل عند تجدد النضج و إن كان المحل متحدا فصار الطلاق متعلقا بكل دخول وقد وجد الدخول في المرة الثانية و الثالثة فطلقت ثلاثا فلو أنها تزوجت بزوج آخر بعد ذلك ثم تزوجها الأول فدخلت الدار لا يقع الطلاق عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و سنذكر المسألة في كتاب الطلاق و لو عقد اليمين على التزوج بكلمة كلما فطلقت ثلاثا بكل تزوج ثم تزوجها بعد زوج آخر طلقت لأنه أضاف الطلاق إلى الملك و الطلاق المضاف إلى الملك يتعلق بوجود الملك بخلاف الدخول .
و لو قال لأمرأته أنت طالق لو دخلت الدار كان يمينا كما لو قال إن دخلت الدار و إذا دخلت لأن كلمة لو تذكر لتوقف المذكور على وجود ما دخلت عليه قال الله تعالى : { و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } و قال عز و جل : { و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } فكانت في معنى الشرط لتوقف الجزاء على وجود الشرط و إن لم يكن شرطا حقيقة .
و لو قال : أنت طالق لو حسن خلقك سوف أراجعك لم يكن يمينا و يقع الطلاق الساعة لأن لو ما دخلت على الطلاق و إنما دخلت على ترقب الرجعة فيقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت طالق إن حسن خلقك راجعتك و كذلك لو قال أنت طالق لو قدم أبوك راجعتك كما لو قال أنت طالق إن دخلت الدار راجعتك و هذا كله ليس بيمين بل عدة .
و روى ابن سماعة عن أبي يوسف : إذا قال لامرأته : أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك لم تطلق الساعة و إن دخلت الدار لم تطلق حتى يطلقها فإن لم يطلقها طلقت قبل موته أو موتها بلا فصل لأن هذا رجل حلف بطلاق امرأته لطلقها إذا دخلت الدار فأن لم يطلق فهي طالق كأنه قال لأطلقنك إذا دخلت الدار فإن دخلت الدار فلم أطلقك فأنت طالق و لو قال ذلك لا تطلق للحال و إذا دخلت الدار و لم يطلقها حتى ماتت أو مات طلقت في آخر جزء من أجزاء حياته لفوات شرط البر في ذلك الوقت فيقع الطلاق ذلك الوقت كما لو قال لها أنت طالق إن لم آت البصرة فمات قبل أن يأتيها كذا هذا و نظيره إذا قال لامرأته عبدي حر لو دخلت الدار لأضربنك إذ معناه لأضربنك إذا دخلت الدار فأن دخلت ولم أضربك فعبدي حر و الله عز و جل الموفق .
و روى المعلى عن محمد : إذا قال لامرأته : أنت طالق لولا دخولك الدار أو أنت طالق لولا مهرك علي أو أنت طالق لولا شرفك فهذا كله استثناء و لا يقع عليها الطلاق و معناه أنه في معنى الاستثناء من حيث أنه يمنع وقوع الطلاق كا لاستثناء يمنع ثبوت الحكم في المستثنى و الأصل أن هذه الكلمة تستعمل في امتناع الشيء لوجود غيره قال الله عز و جل : { و لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون } الآية و قال سبحانه و تعالى : { و لولا رهطك لرجمناك } و يقال في العرف : لولا المطر لجئتك فصار معنى هذا الكلام لولا دخولك الدار لطلقتك فلا يقع عليها الطلاق و كذلك لو قال طلقتك لولا دخولك الدار و كذلك لو قال لولا دخولك الدار قد طلقتك أمس و كذلك لو كان مكان قد لقد في هذه الوجوه كلها و كذلك لو قال أنت طالق أمس لولا دخولك الدار أي لولا دخولك الدار أمس لطلقتك .
و قال ابن سماعة سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فهذا يخبر أنه دخل الدار و أكد ذلك باليمين كأنه قال أنت طالق إن لم أكن دخلت الدار فإن كان لم يدخل طلقت و إن كان دخل لم تطلق لأن هذا ليس بشرط بل هو خبر عن الماضي أكده باليمين فإن كان كاذبا طلقت و إن كان صادقا لم تطلق .
و لو قال : أنت طالق لا دخلت الدار فهذا مثل قوله أنت طالق إن دخلت الدار فلا تطلق حتى تدخل لأن لا حرف نفي أكده بالحلف فكأنه نفى دخولها و أكد ذلك بتعليق الطلاق بدخولها و لو قال : أنت طالق و إن دخلت الدار فإنها تطلق الساعة لأن قوله دخلت ليس بتعليق بل هو إخبار عن دخولها الدار كأنه جعل الدخول علة لكنه حذف حرف العلة و سواء كانت دخلت الدار أو لم تدخل يقع الطلاق لأن العليل بعلة لم توجد لا يمنع وقوع الطلاق لأن العلة لم تصح و بقي الإيقاع صحيحا .
و روى ابن سماعة عن محمد : في رجل قال لامرأته أنت طالق و إن دخلت الدار فهي طالق الساعة لما يذكر .
و لو قال : أنت طالق الساعة و إن دخلت الدار كانت طالقا الساعة واحدة و إن دخلت الدار أخرى لأنه طلقها تطليقة الساعة و عطف الشرط عليها بلا جزاء فيضمن فيه الجزاء فيصير كأنه قال : أنت طالق الساعة و طالق إن دخلت الدار فيقع في الحال واحدة و بعد الدخول أخرى و لو قال : أنت طالق لدخولك الدار فهي طالق الساعة واحدة لأنه أوقع الطلاق ثم جعل الدخول المتقدم عليه علة لإيقاع الطلاق و من أوقع الطلاق لعلة وقع وجدت العلة أو لم توجد لما بينا و كذلك لو قال أنت طالق لحيضتك لما قلنا و لو قال : بحيضتك أو في حيضتك أو بدخولك الدار أو في دخولك الدار لم تطلق حتى تحيض أو تدخل لأن الباء حرف الصاق فيقتضي الصاق الطلاق بالحيضة و الدخول فيتعلق بهما و في كلمة ظرف دخلت على ما لا يصلح ظرفا فتجعل شرطا لمناسبة بينهما نذكرها في كتاب الطلاق .
و ذكر محمد في الجامع : إذا قال لامرأته إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في القضاء حين تكلمه به و جملة الكلام في هذا إن الأمر لا يخلو إما إن قدم الشرط أو إما إن أخر فإن قدم فهو على أربعة أوجه أما إن قال إن دخلت الدار فأنت طالق أو قال إن دخلت الدار أنت طالق أو قال إن دخلت الدار و أنت طالق أو قال و إن دخلت الدار أنت طالق و إن أخر الشرط فهو على ثلاثة أوجه : أما إن قال أنت طالق إن دخلت الدار أو قال أنت طالق و إن دخلت الدار أو قال أنت طالق فإن دخلت الدار فإن قال إن دخلت الدار أنت طالق فالجواب ما ذكره محمد أنها تطلق في القضاء حين تكلم به لأنه ما علق الطلاق لانعدام حرف التعليق و هو حرف الفاء و كان تنجيزا لا تعليقا و إن عنى به التعليق دين فيما بينه و بين الله عز و جل لأنه عنى ما يحتمله كلامه نحو إضمار حرف الفاء في الجزاء قال الشاعر : .
( من يفعل الحسنات الله يشكرها ... و الشر بالشر عند الله مثلان ) .
أي فالله يشكرها و لا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر و هذا جواب ظاهر الرواية .
و روى ابن سماعة عن أبي يوسف : أنها لا تطلق حتى تدخل الدار .
و وجهه : كأن المراد أن يحذف حرف الجزاء تصحيحا للشرط إذ لو لم يحذف للغا و لو قال إن دخلت الدار و أنت طالق تطلق للحال لإنعدام حرف التعليق و الواو غير موضوعة للتعليق و لو عنى به التعليق لا يصدق في القضاء و لا فيما بينه و بين الله تعالى لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه لأن الواو لا تحتمل التعليق و لو أدرج فيه الفاء يصير تقدير كلامه أنت دخلت الدار فو أنت طالق و هذا لغو و لو قدم و أخر لا يستقيم أيضا لأنه يصير كأنه قال : و أنت طالق إن دخلت الدار و الواو لا يبتدأ بها و ما يذكره أهل اللغة أن الواو قد تكون للاستئناف فمرادهم أن يبتدأ كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير أن تكون الجملة الثانية تشارك الأولى فأما ابتداء الكلام من غير أن يتقدمه شيء بالواو فغير موجود و لا جائز و إن قال و إن دخلت الدار أنت طالق طلقت للحال لانعدام دلالة التعليق و حرفه على أن الواو في مثل هذا تذكر للتحقيق كما يقال : لا تسافرن و إن كان الطريق مخوفا و لو نوى التعليق لا يصدقه القاضي لأنه عدول عن الظاهر و يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه لأنه نوى إضمار حرف الفاء فصار كأنه قال : و إن دخلت الدار فأنت طالق و تلغو الواو هذا إذا قدم الشرط فأما إذا أخر فقال أنت طالق إن دخلت الدار لا تطلق ما لم تدخل الدار لأنه عقب الإيجاب بما أخرجه عن كونه إيجابا إلى كونه يمينا فلا حاجة في هذا إلى حرف التعليق .
و لو قال : أنت طالق و إن دخلت الدار فهي طالق حين تكلم به لأن هذا يوجب التأكيد على ما بينا يدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم : [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة و إن زنا و إن سرق ] .
و لو قال : عنيت به التعليق لا يصدق في القضاء و لا فيما بينه و بين الله تعالى لما ذكرنا أن الواو لا تحتمل التعليق و ذكر الكرخي : أنه يصدق فينما بينه و بين الله تعالى لأن الواو تجعل زائدة كما في قوله تعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج } إلى قوله : { و اقترب الوعد } قيل : معناه اقترب الوعد و الواو زيادة لأن قوله اقترب جواب حتى إذا .
و الجواب : عن هذا أن الواو في كلام العرب لم تجيء زائدة في موضع تصلح للعطف أو للتحقيق فلا يمكن أن تجعل ههنا زائدة على أنا نقول إن كثيرا من محققي أهل اللغة جعل الواو زائدة في موضع ما و كانوا يقولون تقدير الآية عندهم حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون فتحت و اقترب الوعد فكانت الواو للعطف على الجواب المضمر .
و لو قال أنت طالق فإن دخلت الدار لا رواية لهذا قالوا : و لقائل أن يقول تطلق للحال لأن الفاء صارت فاصلة لأنها كانت لغوا و اللغو من الكلام يجعل بمنزلة السكوت و لقائل أن يقول يتعلق الطلاق بالدخول لأن الفاء و إن كان مستغنى عنها في الحال إلا أنها في الجملة حرف تعليق فلا يجوز أن تجعل مانعة من التعليق موجهة للانفصال .
و لو قال : أنت طالق إن و لم يذكر فعلا هل يتعلق أم لا ؟ ذكر هذه المسألة في ظاهر الرواية .
و ذكر في النوادر على قول محمد يقع الطلاق للحال لأنه لم يذكر ما يتعلق به و على قول أبي يوسف لا يقع الطلاق للحال لأنه لما ذكر حرف الشرط علم أنه لم يرد به التطليق و إنما أراد به اليمين و التعليق و الله D أعلم .
و لو قال لامرأته : أنت طالق في الدار أو في مكة فالأصل فيه أن كلمة في كلمة ظرف فإن دخلت على ما يصلح ظرفا تجري على حقيقتها و إن دخلت على ما لا يصلح ظرفا تجعل مجازا عن الشرط لمناسبة بين الظرف و بين الشرط ثم الظرف نوعان : ظرف زمان و ظرف مكان فإن دخلت على المكان وقع الطلاق في ذلك المكان و في غيره بأن قال لامرأته أنت طالق في الدار أو في مكة وقع الطلاق و إن لم تكن المرأة في الدار و لا في مكة لأن الطلاق لا يختص بمكان دون مكان فإذا وقع في مكان وقع في الأماكن كلها و إن دخلت على الزمان فإن كان ماضيا يقع الطلاق في الحال نحو أن يقول أنت طالق في الأمس أو في العام الماضي لأن إنشاء الطلاق في الزمان الماضي لا يتصور فيجعل إخبارا أو تلغو الإضافة إلى الماضي و يبقى قوله أنت طالق فيقع في الحال .
و كذلك إذا كان حاضرا بأن قال أنت طالق في هذا الوقت أو في هذه الساعة يقع في الحال و إن كان مستقبلا لا يقع حتى يأتي بأن قال أنت طالق في غد أو في الشهر الآتي لأن الطلاق يحتمل الاختصاص بوقت دون وقت فإذا جعل الغد ظرفا له لا يقع قبله .
و لو قال : أنت طالق في دخولك الدار أو في قيامك أو في قعودك يتعلق بهذه الأفعال لأن الفعل لا يصلح ظرفا و يصلح شرطا فتحمل الكلمة على الشرط مجازا و كذا لو قال أنت طالق في ذهابك إلى مكة لأن الذهاب فعل و كذا إذا قال بذهابك لأن الباء حرف إلصاق فيقتضي إلصاق الطلاق بالذهاب و ذلك بتعليقه به فبتعلق به .
و لو قال : أنت طالق في الشمس و هي في الظل كانت طلقا لأن الشمس لا تصلح ظرفا للطلاق و لا شرطا له فإما أن تلغو أو يراد بها مكان الشمس و الطلاق لا يحتمل التخصيص بمكان دون مكان .
و لو قال : أنت طالق في صومك كانت طالقا حين يطلع الفجر إذا نوت الصوم لأن الصوم فعل و هو الإمساك و إنه لا يصلح ظرفا فتجعل الكلمة مجازا عن الشرط و الفعل يصلح شرطا فإذا وجد في أول الجزء مع النية في وقته من أهله فقد وجد الصوم الشرعي فوجد الشرط فيقع الطلاق .
و لو قال : أنت طالق في صلاتك لم تطلق حتى تركع و تسجد سجدة لأن الصلاة فعل أيضا فلا تصلح ظرفا كالصوم إلا أنها اسم لأفعال مختلفة من القيم و القراءة و الركوع و السجود و المرتكب من أشياء مختلفة لا ينطلق عليه الاسم بوجود بعضها كالأبلق المتركب من السواد و البياض و السكنجبين : المتركب عن السكر و الخل و نحو ذلك فما لم توجد الأفعال التي وصفنا لا ينطلق عليها اسم فعل الصلاة فلا يحنث بنفس الشروع بخلاف الصوم فإنه اسم لأفعال متفقة الأجزاء و هي الإمساكات و ما تركب من أجزاء متفقة متجانسة ينطلق اسم كله على بعضه لغة كاسم الماء أنه كما ينطلق على ماء البحر ينطلق على قطرة منه فكان الإمساك في أول النهار إمساكا حقيقة فيقع الطلاق بمجرد الشروع فهو الفرق بينهما .
و لو قال : أنت طالق في حيضك أو في طهرك فإن كان موجودا وقع و إلا فلا يقع و يتوقف على و جوده لأن المراد منه وقت الحيض و الطهر أي في الوقت الذي تكونين حائضا أو طاهرة فيه و نظير هذه المسائل ما ذكره محمد في الجامع إذا قال أنت طالق في ثلاثة أيام طلقت حين تكلم به .
و لو قال : أنت طالق في أكلك هذا الرغيف لا يقع الطلاق ما لم تفرغ من أكل جميع الرغيف .
و الفرق : أن في المسألة الأولى دخلت كلمة الظرف على الزمان و هو يصلح ظرفا فجعل جميع الوقت ظرفا لكونها طالقا ولا يكون كذلك إلا إذا كان وقع الطلاق في أوله و في الثانية علق الطلاق بفعل الأكل لأن الفعل لا يصلح ظرفا و يصلح شرطا فصار معلقا الطلاق بفعل الأكل و المعلق بالشرط لا ينزل ما لم ينزل كمال شرطه و ما يقوله مشايخنا إن الطلاق متى أضيف إلى وقت ممتد يقع عند أوله و متى علق بفعل ممتد يقع عند آخره هذا صورته و علته .
و لو قال لها : أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام فإن قال ذلك ليلا فكما طلع الفجر من اليوم الثالث يقع الطلاق لأنه علق الطلاق بمجيء ثلاثة أيام و لا يوجد ذلك إلا بمجيء اليوم يكون بطلوع الفجر و لو قال ذلك في ضحوة من يوم حلف فإنما يقع الطلاق عند وجود طلوع الفجر من اليوم الرابع لأن اليوم الذي حلف فيه لم يكن معتبر التقدم مجيئه على الشرط و الشيء يتعلق بما يجيء لا بما مضى .
و لو قال : أنت طالق في مضي ثلاثة أيام إن قال ذلك ليلا لا يقع الطلاق ما لم تغرب الشمس من اليوم الثالث لأن مضي الشيء يكون بانقضاء الجزء الأخير فمضي الأيام يكون بانقضاء الجزء الأخير منها و ذلك يوجد في هذه الساعة و إن قال ذلك في وقت ضحوة من النهار لا تطلق حتى يجئ تلك الساعة من اليوم الرابع لأنه به يتم مضي ثلاثة أيام بالساعات فالعبرة في المضي به لا للأيام الكاملة و في المجئ لأوائلها هذا هو المتعارف .
و لو قال : إن شتمتك في المسجد فعبدي حر فإنه يعتبر في هذا كون الشاتم في المسجد حتى يحنث سواء كان المشتوم في المسجد أو غيره .
و لو قال : إن ضربتك أو قتلتك في المسجد يعتبر فيه مكان المضروب و المقتول إن كان في المسجد حنث و إلا فلا و الأصل فيه : أن كل فعل له أثر في المفعول يعتبر فيه مكان المفعول و ما لا أثر له يظهر في المفعول لا يعتبر فيه مكانه بل مكان الفاعل و علة هذا الأصل تذكر في الجامع إن شاء الله تعالى