الحلف باسمين أو أكثر .
و هذا الذي ذكرنا إذا ذكر اسم الله تعالى في القسم مرة واحدة فأما إذا كرر فجملة الكلام فيه أن الأمر لا يخلو إما أن ذكر المقسم به و هو اسم الله تعالى و لم يذكر المقسم عليه حتى ذكر اسم الله تعالى ثانيا ثم ذكر المقسم عليه و إما أن ذكرهما جميعا ثم أعادهما جميعا و كل ذلك لا يخلو من أن يكون بحرف العطف أو يكون بدونه فإن ذكر اسم الله تعالى و لم يذكر المقسم عليه حتى كرر اسم الله تعالى ثم ذكر المقسم عليه فإن لم يدخل بين الاسمين حرف العطف كان يمينا واحدة بلا خلاف سواء كان مختلفا أو متفقا فالمختلف نحو أن يقول و الله الرحمن ما فعلت كذا و كذا لأنه لم يذكر حرف العطف و الثاني يصلح صفة للأول علم أنه أراد به الصفة فيكون حالفا بذات موصوف لا باسم الذات على حدة و باسم الصفة على حدة و المتفق نحو أن يقول : الله و الله ما فعلت كذا لأن الثاني لا يصلح نعتا للأول و يصلح تكريرا و تأكيدا له فيكون يمينا واحدة إلا أن ينوي به يمينين و يصير قوله : [ الله ] ابتداء يمين بحذف حرف القسم و إنه قسم صحيح على ما بينا فيما تقدم و إن أدخل بين القسمين حرف عطف بأن قال : و الله و الرحمن لا أفعل كذا ذكر محمد في الجامع أنهما يمينان و هو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة و أبي يوسف .
و روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة : أنه يكون يمينا واحدة و به أخذ زفر و قد روي هذا أيضا عن أبي يوسف في غير رواية الأصول وجه رواية المذكور في الجامع أنه لما عطف أحد الإ سمين على الآخر فكان الثاني غير الأول لأن المعطوف غير المعطوف عليه فكان كل واحد منهما يمينا على حدة بخلاف ما إذا لم يعطف لأنه إذا لم يعطف أحدهما على الآخر يجعل الثاني صفة للأول لأنه يصلح صفة لأن الاسم يختلف و لهذا يستحلف القاضي بالأسماء و الصفات من غير حرف العطف فيقول و الله الرحمن الرحيم الطالب المدرك و لا يجوز أن يستحلف مع حرف العطف لأنه ليس على المدعى عليه إلا يمين واحدة .
وجه رواية الحسن : أن حرف العطف قد يستعمل للاستئناف و قد يستعمل للصفة فإنه يقال فلان العالم و الزاهد و الجواد و الشجاع فاحتمل المغايرة و احتمل الصفة فلا تثبت يمين أخرى مع الشك .
و الحاصل : أن أهل اللغة اختلفوا في هذه المسألة في أن هذا يكون يمين واحدة أو يكون يمينين و لقب المسألة أن ادخال القسم على القسم قبل تمام الكلام هل يجوز .
قال بعضهم : لا يجوز و هو قول أبي علي الفسوي و الخليل حتى حكى سيبويه عن الخليل أن قوله عز و جل : { والليل إذا يغشى * و النهار إذا تجلى } يمين واحدة .
و قال بعضهم : يجوز و هو قول الزجاج و الفراء حتى قال الزجاج : إن قوله عز و جل { ص } قسم و قوله عز و جل { و القرآن ذي الذكر } قسم آخر و الحجج و تعريف ترجيح أحد القولين على الآخر تعرف في كتب النحو وقد قيل في ترجيح القول الأول على الثاني إنا إذا جعلناهما يمينا واحدة لا نحتاج إلى إدراج جواب آخر بل يصير قوله لا أفعل مقسما عليه بالاسمين جميعا و لو جعلنا كل واحد منهما قسما على حده لاحتجنا إلى إدراج ذكر المقسم عليه لأحد الاسمين فيصير كأنه قال : و الله و الله لا أفعل كذا فعلى قياس ما ذكر محمد في الجامع يكون يمينين .
و روى محمد في النوادر : أنه يمين واحدة كأنه استحسن و حمله على التكرار لتعارف الناس و هكذا ذكر في المنتقى عن محمد أنه إذا قال : و الله و الله و الله لا أفعل كذا القياس أن يكون ثلاثة أيمان بمنزلة قوله و الله و الرحمن و الرحيم و فيه قبح و ينبغي في الاستحسان أن يكون يمينا واحدة هكذا ذكر .
و لو قال : و الله و الله لا أفعل كذا ذكر محمد أن القياس أن يكون عليه كفارتان و لكني أستحسن فأجعل عليه كفارة واحدة و هذا كله في الاسم المتفق ترك محمد القياس و أخذ بالاستحسان لمكان العرف لما زعم أن معاني كلام الناس عليه هذا إذا ذكر المقسم به و لم يذكر المقسم عليه حتى ذكر اسم الله ثانيا فأما إذا ذكرهما جميعا ثم أعادهما فأن كان بحرف العطف بأن قال و الله لا أفعل كذا و الرحمن لا أفعل كذا أو قال : و الله لا أفعل كذا و الله لا أفعل كذا فلا شك أنهما يمينان سواء كان ذلك في مجلسين أو في مجلس واحد حتى لو فعل كان عليه كفارتان وكذا لو أعادهما بدون حرف العطف بأن قال و الله لا أفعل كذا و قال و الله لا أفعل كذا لأنه لما أعاد المقسم عليه مع الاسم الثاني علم أنه أراد به يمينا أخرى إذ لو أراد الصفة أو التأكيد لما أعاد المقسم عليه و لو قال و الله لا أفعل كذا أو قال و الله لا أفعل كذا و قال أردت بالثاني الخبر عن الأول ذكر الكرخي : أنه يصدق لأن الحكم المتعلق باليمين بالله تعالى هو وجوب الكفارة و إنه أمر بينه و بين الله تعالى ولفظه محتمل في الجملة و إن كان خلاف الظاهر فكان مصدقا فيما بينه وبين الله D .
وروي عن أبي حنيفة : أنه لا يصدق فأن المعلى روى عن أبي يوسف أنه قال في رجل حلف في مقعد واحد بأربعة أيمان أو أكثر أو بأقل فقال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن ذلك فقال : لكل يمين كفارة و مقعد واحد و مقاعد مختلفة واحد فإن قال عنى بالثانية الأولى لم يصدق في اليمين بالله تعالى و يصدق في اليمين بالحج و العمرة و الفدية و كل يمين قال فيها علي كذا و الفرق أن الواجب في اليمين القرب في لفظ الحالف لأن لفظه يدل على الوجوب و هو قوله علي كذا و صيغة هذا صيغة الخبر فإذا أراد بالثانية الخبر عن الأول صح بخلاف اليمين بالله تعالى فإن الواجب في اليمين بالله تعالى ليس في لفظ الحالف لأن لفظه لا يدل على الوجوب و إنما يجب بحرمة اسم الله و كل يمين منفردة بالاسم فينفرد بالاسم فينفرد بحكمها فلا يصدق أنه أراد بالثانية الأولى .
و روي عن محمد أنه قال : في رجل قال هو يهودي إن فعل كذا و هو نصراني إن فعل كذا و هو مجوسي إن فعل كذا و هو مشرك إن فعل كذا لشيء واحد قال : عليه لكل شيء من ذلك يمين .
و لو قال : هو يهودي هو نصراني هو مجوسي هو مشرك فهو يمين واحدة و هذا على الأصل الذي ذكرنا أنه إذا ذكر المقسم به مع المقسم عليه ثم أعاده فالثاني غير الأول في قولهم جميعا و إذا ذكر المقسم به و كرره من غير حرف العطف فهو يمين واحدة في قولهم جميعا