ما يكون يمينا و ما لا يكون .
و أما الصفة فصفات الله تعالى مع أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام : .
منها : ما لا يستعمل في عرف الناس و عاداتهم إلا في الصفة نفسها فالحلف بها يكون يمينا .
و منها : ما يستعمل في الصفحة و في غيرها استعمالا على السواء فالحلف بها يكون يمينا أيضا .
و منها : ما يستعمل في الصفة و في غيرها لكن استعمالها في غير الصفة هو الغالب فالحلف بها لا يكون يمينا .
و عن مشايخنا من قال : ما تعارفه الناس يمينا يكون يمينا إلا ما ورد الشرع بالنهي عنه و ما لم يتعارفوه يمينا لا يكون يمينا و بيان هذه الجملة إذا قال و عزة الله و عظمة الله و جلاله و كبريائه يكون حالفا لأن هذه الصفات إذا ذكرت في العرف و العادة لا يراد بها إلا نفسها فكان مراد الحالف بها الحلف بالله تعالى و كذا الناس يتعارفون الحلف بهذه الصفات و لم يرد الشرع بالنهي عن الحلف بها .
و كذا لو قال و قدرة الله تعالى و قوته و إرادته و مشيئته و رضاه و محبته و كلامه يكون حالفا لأن هذه الصفات و إن كانت تستعمل في غير الصفة كما تستعمل في الصفة لكن الصفة تعينت مرادة بدلالة القسم إذ لا يجوز القسم بغير اسم الله تعالى و صفاته فالظاهر إرادة الصفة بقرينة القسم و كذا الناس يقسمون بها في المتعارف فكان الحلف بها يمينا ولو قال : و رحمة الله أو غضبه أو سخطه لا يكون هذا يمينا لأنه يراد بهذه الصفات آثارها عادة لا نفسها فالرحمة يراد بها الجنة قال الله تعالى : { ففي رحمة الله هم فيها خالدون } و الغضب و السخط يراد به أثر الغضب و السخط عادة و هو العذاب و العقوبة لا نفس الصفة فلا يصير به حالفا إلا إذا نوى به الصفة و كذا العرب ما تعارفت القسم بهذه الصفات فلا يكون الحلف بها يمينا و كذا و علم الله لا يكون يمينا استحسانا و القياس أن يكون يمينا و هو قول الشافعي لأن علم الله تعالى صفة كالعزة و العظمة .
و لنا : أنه يراد به المعلوم عادة يقال : اللهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك منا و من زلاتنا و يقال هذا علم أبي حنيفة أي معلومه لأن علم أبي حنيفة قائم بأبي حنيفة لا يزايله و معلوم الله تعالى قد يكون غير الله تعالى من العالم بأعيانها و أعراضها و المعدومات كلها لأن المعدوم معلوم فلا يكون الحلف به يمينا إلا إذا أراد به الصفة و كذا العرب لم تتعارف القسم بعلم الله تعالى فلا يكون يمينا بدون النية .
و سئل محمد عمن قال : و سلطان الله فقال : لا أرى من يحلف بهذا أي لا يكون يمينا .
و ذكر القدوري أنه إن أراد بالسلطان القدرة يكون حالفا كما لو قال و قدرة الله و إن أراد المقدور لا يكون حالفا لأنه حلف بغير الله .
و لو قال : و أمانة الله ذكر في الأصل أنه يكون يمينا و ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لا يكون يمينا و ذكر الطحاوي عن أصحابنا جميعا أنه ليس بيمين .
وجه ما ذكره الطحاوي أن أمانة الله فرائضه التي تعبد عباده بها من الصلاة و الصوم و غير ذلك قال الله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان } فكان حلفا بغير اسم الله عز و جل فلا يكون يمينا .
وجه ما ذكره في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته ألا ترى أن الأمين من أسماء الله تعالى و أنه اسم مشتق من الأمانة فكان المراد بها عند الإطلاق خصوصا في موضع القسم صفة الله .
و لو قال : و عهد الله فهو يمين لأن العهد يمين لما يذكر فصار كأنه قال و يمين الله و ذلك يمين فكذا هذا .
و لو قال : باسم الله لا أفعل كذا يكون يمينا كذا روي عن محمد لأن الاسم و المسمى واحد عند أهل السنة و الجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله .
و لو قال و وجه الله فهو يمين كذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لأن الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات قال تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } أي ذاته و قال عز و جل : { و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام } أي ذاته .
و ذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة : أن الرجل إذا قال : و وجه الله لا أفعل كذا ثم فعل إنها ليست بيمين .
و قال ابن شجاع : أنها ليست من أيمان الناس إنما هي حلف السفلة و روى المعلى عن محمد إذا قال : لا إله إلا الله لا أفعل كذا و كذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي يمينا و كذا قوله : سبحان الله و الله أكبر لا أفعل كذا لأن العادة ما جرت بالقسم بهذا اللفظ و إنما يذكر هذا قبل الخبر على طريق التعجب فلا يكون يمينا إلا إذا نوى اليمين فكأنه حذف حرف القسم فيكون حالفا .
و عن محمد فيمن قال : و ملكوت الله و جبروت الله أنه يمين لأنه من صفاته التي لا تستعمل إلا في الصفة فكان الحلف به يمينا كقوله : و عظمة الله و جلاله و كبريائه و لو قال و عمر الله لا أفعل كذا كان يمينا لأن هذا حلف ببقاء الله و هو لا يستعمل إلا في الصفة وكذا الحلف به متعارف قال الله عز و جل : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } و قال طرفة : .
( لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لك الطول المرجى و تبناه باليد ) .
و لو قال : و ايم الله لا أفعل كذا كان يمينا لأن هذا من صلات اليمين عند البصريين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في زيد بن حارثة Bه حين أمره في حرب مؤتة و قد بلغه الطعن : [ و ايم الله لخليق للإمارة ] و عند الكوفيين هو جمع اليمين و تقديره : و أيمن الله إلا أن النون أسقطت عند كثرة الاستعمال للتخفيف كما في قوله تعالى : { حنيفا و لم يك من المشركين } و الأيمن جمع يمين فكأنه قال : و يمين الله و أنه حلف بالله تعالى لأن العرب تعارفته يمينا قال امرؤ القيس : .
( فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... و إن قطعت رأسي لديك و أوصالي ) .
( حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما أن من حديث و لا صالي ) .
و قالت عنيزة : .
( فقالت يمين الله ما لك حيلة ... و ما أن أرى عنك الغواية تنجلي ) .
فقد استعمل امرؤ القيس يمين الله و سماه حلفا بالله و لو قال : و حق الله لا يكون حالفا في قول أبي حنيفة و محمد و إحدى الروايتين عن أبي يوسف و روي عنه رواية أخرى أنه يكون يمينا و وجهه أن قوله و حق الله و إن كان إضافة الحق إلى الله تعالى لكن الشيء قد يضاف إلى نفسه في الجملة و الحق من أسماء الله تعالى فكأنه قال و الله الحق .
و لهما : أن الأصل أن يضاف الشيء إلى غيره لا إلى نفسه فكان حلفا بغير الله تعالى فلا يكون يمينا و لأن الحق المضاف إلى الله تعالى يراد به الطاعات و العبادات لله تعالى في عرف الشرع .
ألا ترى أنه سئل رسول الله A فقيل له ما حق الله على عباده فقال : [ أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا ] و الحلف بعبادة الله و طاعته لا يكون يمينا .
و لو قال : و الحق يكون يمينا لأن الحق من أسماء الله تعالى قال الله تعالى : { و يعلمون أن الله هو الحق المبين } و قيل : إن نوى به اليمين يكون يمينا و إلا فلا لأن اسم الحق كما يطلق على الله تعالى يطلق على غيره فيقف على النية .
و لو قال حقا لا رواية فيه و اختلف المشايخ قال محمد بن سلمة لا يكون يمينا لأن قوله حقا بمنزلة قوله صدقا و قال أبو مطيع هو يمين لأن الحق من أسماء الله تعالى فقوله : { حقا } كقوله : { و الحق } .
و لو قال : أقسم بالله أو أحلف أو أشهد بالله أو أعزم بالله كان يمينا عندنا .
و عند الشافعي : لا يكون يمينا إلا إذا نوى اليمين لأنه يحتمل الحال و يحتمل الاستقبال فلا بد من النية .
و لنا : أن صيغة افعل للحال حقيقة و للاستقبال بقرينة السين و سوف و هو الصحيح فكان هذا إختبارا عن حلفه بالله للحال وهذا إذا ظهر المقسم به فإن لم يظهر بأن قال أقسم أو أحلف أو أشهد أو أعزم كان يمينا في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يكون يمينا