فصل : بيان أدنى المهر .
و أما بيان أدنى المقدارالذي يصلح مهرا فأدناه عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم و هذا عندنا و عند الشافعي المهر غير مقدر يستوي فيه القليل و الكثير و تصلح الدانق و الحبة مهرا .
و احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أعطى في النكاح ملء كفيه طعاما أو دقيقا أو سويقا فقد استحل ] .
و روي عن أنس Bه أنه قال : [ تزوج عبد الرحمن بن عوف امرأة على وزن نواة من ذهب ] و كان ذلك بمحضر من الصحابة Bهم فدل أن التقدير في المهر ليس بلازم و لأن المهر ثبت حقا للعبد و هو حق المرأة بدليل أنها تملك التصرف فيه استيفاء و اسقاطا فكان التقدير فيه إلى العاقدين .
و لنا قوله تعالى : { و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } شرط سبحانه و تعالى أن يكون المهر مالا و الحبة و الدانق و نحوهما لا يعدان مالا فلا يصلح مهرا .
و روى عن جابر Bه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا مهر دون عشرة دراهم ] و عن عمر و علي و عبد الله بن عمر Bهم أنهم قالوا : [ لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم ] و الظاهر أنهم قالوا ذلك توقيفا لأنه باب لا يوصل إليه بالاجتهاد و القياس و لأنه لما وقع الاختلاف في المقدار يجب الأخذ بالمتيقن وهو العشرة .
و أما الحديث ففيه إثبات الاستحلال إذا ذكر فيه مال قليل قيمته عشرة وعندنا الاستحلال صحيح ثابت لأن النكاح صحيح ثابت ألا ترى أنه يصح من غير تسمية شيء أصلا فعند تسمية مال قليل أولى إلا أن المسمى إذا كان دون العشرة تكمل عشرة و ليس في الحديث نفي الزيادة على القدر و عندنا قام دليل الزيادة إلى العشرة لما نذكر فيكمل عشرة و لا حجة له فيما روي من الأثر لأن فيه وزن نواة من ذهب و قد تكون مثل وزن دينار بل تكون أكثر في العادة فإن قيل روي أن قيمة النواة كانت ثلاثة دراهم فالجواب أن المقوم غير معلوم أنه من كان فلا يصلح أن يجعل قول ذلك حجة على الغير حتى يعلم أنه من هو مع ما أنه قد قال قوم إن النواة كان بلغ وزنها قيمة عشرة دراهم و به قال إبراهيم النخعي على أن القدر المذكور في الخبر و الأثر كان يحتمل أن يكون معجلا في المهر لا أصل المهر على ما جرت العادة بتعجيل شيء من المهر قبل الدخول و يحتمل أن يكون ذلك كله في حال جواز النكاح بغير مهر على ما قيل إن النكاح كان جائزا بغير مهر إلى أن يحتمل إلى أن [ نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الشغار ] .
و أما قوله : أن المهر حق العبد فكان تقدير فيه إلى العبد فنقول : نعم هو في حالة حقها على الخلوص فاما في حالة الثبوت فحق الشرع متعلق به إبانة لخطر البضع صيانة له عن شبهة الابتذال بإيجاب مال له خطر في الشرع كما في نصاب السرقة فإن كان المسمى أقل من عشرة يكمل عشرة عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر لها مهر المثل .
وجه قوله : .
أن ما دون العشرة لا يصلح مهرا ففسدت التسمية كما لو سمى خمرا أو خنزيرا فيجب مهر المثل .
و لنا : أنه لما كان أدنى المقدار الذي يصلح مهرا في الشرع هو العشرة كان ذكر بعض العشرة ذكرا للكل لأن العشرة في كونها مهرا لا يتجزأ و ذكر البعض فيما لا يتبعض يكون ذكرا لكله كما في الطلاق و العفو عن القصاص .
و أما قوله : إن ما دون العشرة لا يصلح مهرا فتفسد التسمية فنقول التسمية إنما تفسد إذا لم يكن المسمى مالا أو كان مجهولا و ههنا المسمى مال و إن قل فهو معلوم إلا أنه لا يصلح مهرا بنفسه إلا بغيره فكان ذكره ذكرا لما هو الأدنى من المصلح بنفسه و فيه تصحيح تصرفه بالقدر الممكن فكان أولى من إلحاقه بالعدم و فيه أخذ باليقين أيضا فكان أحق بخلاف ما إذا ذكر خمرا أو خنزيرا لأن المسمى ليس بمال فلم يصلح مهرا بنفسه و لا بغيره ففسدت التسمية فوجب الموجب الأصلي و هو مهر المثل .
و لو تزوجها على ثوب معين أو على موصوف أو على مكيل أو موزون معين فذلك مهرها إذا بلغت قيمته عشرة و تعتبر قيمته يوم العقد لا يوم التسليم حتى لو كانت قيمته يوم العقد عشرة فلم يسلمه إليها حتى صارت قيمته ثمانية فليس لها إلا ذلك و لو كانت قيمته يوم العقد ثمانية فلم يسلمه إليها حتى صارت قيمته عشرة فلها ذلك و درهمان .
و ذكر الحسين عن أبي حنيفة : أنه فرق بين الثوب و بين المكيل و الموزون فقال في الثوب تعتبر قيمته يوم التسليم و في المكيل و الموزون يوم العقد و هذا الفرق لا يعقل له وجه في المعين لأن الزوج يجبر على تسليم المعين فيها جميعا و وجه الفرق بينهما في الموصوف أن المكيل و الموزون إذا كان موصوفا في الذمة فالزوج مجبور على دفعه و لا يجوز دفع غيره من غير رضاها فكان مستقرا مهرا بنفسه في ذمته فتعتبر قيمته يوم الاستقرار و هو يوم العقد فأما الثوب و إن وصف فلم يتقرر مهرا في الذمة بنفسه بل الزوج مخير في تسليمه و تسليم قيمته في إحدى الروايتين على ما نذكر إن شاء الله تعالى و إنما يتقرر بالتسليم فتعتبر قيمته يوم التسليم .
وجه ظاهر الرواية : أن ما جعل مهرا لم يتغير في نفسه و إنما التغير في رغبات الناس بحدوث فتور فيها و لهذا لو غصب شيئا قيمته عشرة فيعتبر سعره و صار يساوي خمسة فرده على المالك لا يضمن شيئا و لأنه لنا سسمى ما هو أدنى مالية من العشرة كان ذلك تسمية للعشرة لأن ذكر البعض فيما لا يتجزأ ذكر لكله فصار كأنه سمى ذلك درهمين ثم ازدادت قيمته و الله عز و جل أعلم