بيان عدم جواز نكاح معتدة الغير .
فصل : و منها : بأن لا تكون معتدة الغير لقوله تعالى : { و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } أي ما كتب عليها من التربص و لأن بعض أحكام النكاح حالة العدم قائم فكان النكاح قائما من وجه و الثابت من كل وجه في باب الحرمات و لأنه لا يجوز التصريح بالخطبة في حال قيام العدة و معلوم أن خطبتها بالنكاح دون حقيقة النكاح فما لم تجز الخطبة فلأن لا يجوز العقد أولى و سواء كانت العدة عن طلاق أو عن وفاة أو دخول في نكاح فاسد أو شبهة نكاح لما ذكرنا من الدلائل .
و يجوز لصاحب العدة أن يتزوجها إذا لم يكن هناك مانع آخر غير العدة لأن العدة حقه قال الله سبحانه و تعالى : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } أضاف العدة إلى الأزواج فدل أنها حق الزوج و حق الإنسان لا يجوز أن يمنعه من التصرف و إنما يظهر أثره في حق الغير و يجوز نكاح المسبية بغير السابي إذا سبيت وحدها دون زوجها و أخرجت إلى دار الإسلام بالإجماع لأنه وقعت الفرقة بينهما و لا عدة عليها لقوله عز و جل : { و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } و المراد منه المسيبات اللاتي هن ذوات الأزواج فقد أحل تعالى المسبية للمولى السابي إذ الاستثناء من التحريم إباحة من حيث الظاهر و قد أحلها عز و جل مطلقا من غير شرط انقضاء العدة فدل أنه لا عدة عليها و كذلك المهاجرة و هي المرأة خرجت إلينا من دار الحرب مسلمة مراغمة لزوجها يجوز نكاحها و لا عدة عليها في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد : عليها العدة و لا يجوز نكاحها .
وجه قولهما : أن الفرقة وقعت بتباين الدار فتقع بعد دخولها دار الإسلام و هي بعد الدخول مسلمة و في دار الإسلام فتجب عليها العدة كسائر المسلمات .
و لأبي حنيفة : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله عز و جل : { و لا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أباح تعالى نكاح المهاجرة مطلقا من غير ذكر العدة و قوله تعالى : { و لا تمسكوا بعصم الكوافر } نهى الله تعالى المسلمين عن الإمساك و الامتناع عن نكاح المهاجرة لأجل عصمة الزوج الكافر و حرمته فالامتناع عن نكاحها للعدة و العدة في حق الزوج يكون إمساكا و تمسكا بعصمة زوجها الكافر و هذا منهي عنه و لأن العدة حق من حقوق الزوج .
و لا يجوز أن يبقى للحربي على المسلمة الخارجة إلى دار الإسلام حق و الدليل عليه أن لا عدة على المسبية و إن كانت كافرة على الحقيقة لكنها في حكم الذمية تجري عليها أحكام الإسلام و مع ذلك ينقطع عنها حق الزوج الكافر فالمهاجرة المسلمة حقيقة لأن ينقطع عنها حق الزوج الكافر أولى هذا إذا هاجرت إلينا و هي حائل فأما إذا كانت حاملا ففيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة و سنذكرها إن شاء الله تعالى .
فصل : و منها أن لا يكون بها حمل ثابت النسب من الغير فإن كان لا يجوز نكاحها و إن لم تكن معتدة كمن تزوج أم ولد إنسان و هي حامل من مولاها لا يجوز و إن لم تكن معتدة لوجود حمل ثابت النسب في المولى و هذا لأن الحمل إذا كان ثابت من الغير و ماؤه محرم لزم حفظ حرمة مائة بالمنع من النكاح و على هذا يخرج ما إذا تزوج امرأة حاملا من الزنا أنه يجوز في قول أبي حنيفة و محمد و لكن لا يطؤها حتى تضع و قال أبو يوسف لا يجوز و هو قول زفر .
وجه قول أبي يوسف : أن هذا الحمل يمنع الوطء فيمنع العقد أيضا كالحمل الثابت النسب و هذا لأن المقصود من النكاح هو حل الوطء فإذا لم يحل له وطؤها لم يكن النكاح مفيدا فلا يجوز و لهذا لم يجز إذا كان الحمل ثابت النسب كذا هذا .
و لهما : أن المنع من نكاح الحامل حملا ثابت النسب لحرمة ماء الوطء و لا حرمة لماء الزنا بدليل أنه يثبت به النسب .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولد للفراش و للعاهر الحجر ] فإذا لم يكن له حرمة له لا يمنع جواز النكاح إلا أنها لا توطأ حتى تضع لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره ] .
و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يحل لرجلين يؤمنا بالله و اليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد ] و حرمة الوطء بعارض طارئ على المحل لا ينافي النكاح و لا ابتداء كالحيض و النفاس .
و أما المهاجرة إذا كانت حاملا فعن أبي حنيفة روايتان : روى محمد عنه أنه لا يجوز نكاحها و هو إحدى روايتي أبي يوسف عنه و عن أبي يوسف رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه يجوز نكاحها و لكنها لا توطأ حتى تضع .
و جه هذه الرواية : أن ماء الحربي لا حرمة له فكان بمنزلة ماء الزاني و ذا لا يمنع جواز النكاح كذا هذا إلا أنها لا توطأ حتى تضع لما روينا .
و جه الرواية الأخرى : أن هذا حمل ثابت النسب لأن أنساب أهل الحرب ثابتة فيمنع جواز النكاح كسائر الأحمال الثابتة النسب و الطحاوي اعتمد رواية أبي يوسف و الكرخي رواية محمد و هي المعتمد عليها لأن حرمة نكاح الحامل ليست لمكان العدة لا محالة فإنها قد تثبت عند عدم العدة كأم الولد إذا كانت حاملا من مولاها بل لثبوت نسب الحمل كما في أم الولد و الحمل ههنا ثابت النسب فيمنع النكاح .
و على هذا نكاح المسبية دون الزوج إذا كانت حاملا و أخرجت إلى دار الإسلام يجب أن يكون على اختلاف الرواية ولا خلاف في أنه لا يحمل و طؤها قبل الوضع ولا قبل الاستبراء بحيضة إذا كانت حاملا و الأصل فيه ماروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه قال في سبايا أو طاس : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن و لا الحبالى حتى يستبرأن بحيضة ]