القسم الأول : و أما بيان حكم ما يحرم على المحرم .
و أما بينا حكم ما يحرم علىالمحرم اصطياده إذا اصطاده فالأمر لا يخلو إما إن قتل الصيد و أما مباشرة فعلية قيمة الصيد المقتول يقومه ذوا عدل لهما بصارة بقيمة الصيود فيقومانه في المكان الذي أصابه أن كان موضعا تباع فيه الصيود و إن كان في مفازة يقومانه في أقرب الأماكن من العمران إليه فإن بلغت قيمته ثمن هدي فهو بالخيار بين الطعام و الصيام سواء كان الصيد مما له نظير أو كان مما لا ينظير له و هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و حكى الطحاوي قول محمد : أن الخيار للحكمين إن شاءا حكما عليه هديا و إن شاءا طعاما و إن شاءا صياما فإن حكما عليه هديا نظر القاتل إلى نظيره من النعم من حيث الخلفة و الصورة إن كان الصيد مما له نظير سواء كان قيمة نظيره مثل قيمته أو أقل أو كثر لا ينظر إلى القيمة بل إلى الصورة و الهيئة فيجب في الظبي شاة و في الضبع شاة و في حمار الوحس بقرة و في النعماة بعير و في الأرنب عناق و في اليربوع جفرة و إن لم يكن له نظير مما في ذبحه قربة كالحام و العصفور و سائر الطيور تعتبر قيمته كما قال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد .
و حكى الكرخي قول محمد إن الخيار للقاتل عنده أيضا غير إنه إن اختار الهدي لا يجوز له الإخراج النيظر فيما له نظير .
و عند الشافعي : يجب عليه بقتل ما له نظير النظير ابتداء من غير اختيار أحد و له أن يطعم و يكون الإطعام بدلا عن النظير لا عن الصيد فيقع الكلام في موجب قتل صيد له نظير في مواضع منها أنه يجب على القاتل قيمته في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و لا يجب عند محمد و الشافعي و الأصل فيه قوله D : { و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } أي فعليه جزاء مثل ما قتل أوجب الله تعالى على القاتل جزاء مثل ما قتل و اختلف الفقهاء في المراد من المثل المذكور في الآية الشريفة قال أبو حنيفة و أبو يوسف : المراد منه المثل من حيث المعنى و هو القيمة و قال محمد و الشافعي : المراد منه المثل من حيث الصورة و الهيئة .
و جه قولهما أن الله تعالى أوجب على القاتل جزاء من النعم و هو مثل ما قتل من النعم و هو مثل ما قتل من النعم لنه ذكر المثل ثم فسره بالنعم بقوله D من النعم و من ههنا لتمييز الجنس فصار تقدير الآية الشريفة : و من قتله منكم متعمدا فجزاء من النعمك و هو مثل المقول وهو أن يكون مثله في الخلقة و الصورة .
و روي أن جماعة من الصحابة Bهم منهم عمر Bه أوجبوا في النعامة بدنة و في الظبية شاة و في الأرنب عناقا وهم كانوا أعرف بمعاني كتاب الله تعالى .
و أبي حنيفة و أبي يوسف و جوه من الاستدلال بهذه الآية أولها أن الله D نهى المحرمين عن قتل الصيد عاما لأنه تعالى ذكر الصيد بالألف و اللام بقوله D : { لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم } و الألف و اللام لاستغراق الجنس خصوصا عند عدم المعهود ثم قال تعالى : { و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل } و الهاء كناية راجعة إلى الصيد الموجد من اللفظ المعرف بلام التعريف فقد أوجب سبحانه و تعالى بقتل الصيد مثلا يعم ماله نظير و ما لا نظير له و ذلك هو المثل من حيث المعنى و هو القيمة لا المثل من حيث الخلقة و الصورة لن ذلك لا يجب في صيد لا نظير له بل الواجب فيه المثل من حيث المعنى و هو القيمة بلا خلاف فكان صرف المثل المذكور بقتل الصيد على العموم إليه تخصيصا لبعض ما تناوله عموم الآية و العمل بعموم اللفظ واجب ما أمكن و لا يجوز تخصيصه إلا بدليل .
و الثاني : أن مطلق اسم المثل ينصرف إلى ما عرف مثلا في أصول الشرع و المثل المتعارف في أصول الشرع هو المثل من حيث الصورة و المعنى أو من حيث المعنى و هو القيمة كما في ضمان المتلفات فإن من أتلف على آخر حنطة يلزمه حنطة و من أتلف عليه عرضا تلزمه القيمة فأما المثل من حيث الصورة و الهيئة فلا نظير له في أصول الشرع فعند الإطلاق ينصرف إلى المتعارف لا إلى غيره .
و الثالث : أنه سبحانه و تعالى ذكر المثل منكرا في موضع الإثبات فيتناول واحدا و أنه اسم مشترك يقع على المثل من حيث المعنى و يقع على المثل من حيث الصورة فالمثل من حيث المعنى يراد من الآية فيما لا نظير له فلا يكون الآخر مرادا إذا المشترك في موضع الإثبات لا عموم له .
و الرابع : أن الله تعالى ذكر عدالة الحكمين و معلوم أن العدالة إنما تشترط فيما تحتاج فيه إلى النظر و التأمل و ذلك في المثل من حيث المعنى وهو القيمة لأن بها تتحقق الصيانة عن الغلو و التقصر و تقرير الأمر على الوسط فأما الصورة فمشابهة لا تفتقر إلى العدالة و أما قوله تعالى من النعم فلا نسلم أن قوله تعالى من النعم خرج تفسيرا للمثل و بيانه من وجهين : .
أحدهما : أن قوله فجزاء مثل ما قتل كلام تام بنفسه مفيد بذاته من غير وصلة بغيره لكونه مبتدأ و خبرا و قوله : من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة يمكن استعماله على غير وجه التفسير للمثل لأنه كما يرجع إلى الحكمين في تقويم الصيد المتلف يرجع إليهما في تقويم الهدى الذي يوجد بذلك القدر من القيمة فلا يجعل قوله مثل ما قتل مربوطا بقوله D : { من النعم } مع استغناء الكلام عنه هذا هو الأصل إلا إذا قام دليل زائد يوجب الربط بغيره .
و الثاني : أنه وصل قوله : { من النعم } بقوله : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } .
و قوله D : { أو كفارة طعام مساكين } .
و قوله D : { أو عدل ذلك صياما } جعل الجزاء أحد الأشياء الثلاثة لأنه أدخل حرف التخيير بين الهدي و الإطعام و بين الطعام و الصيام فلو كان قوله : { من النعم } تفسيرا للمثل لكان الطعام و الصيام مثلا لدخول حرف أو بينهما و بين النعم إذ لا فرق بين التقديم و التأخير في الذكر بأن قال تعالى : فجزاء مثل ما قتل طعاما أو صياما أو من النعم هديا لأن التقديم في التلاوة لا يوجب التقديم في المعنى و لما لم يكن الطعام و الصيام مثلا للمقتول دل أن ذكر النعم لم يخرج مخرج التفسير للمثل بل هو كلام مبتدأ غيبر موصول المراد بالأول .
و قول جماعة الصحابة Bهم محمول على الإيجاب من حيث القيمة توفيقا بين الدلائل مع ما أن المسألة مختلفة بين الصحابة Bهم روي عن ابن عباس مثل مذهب أبي حنيفة و أبي يوسف فلا يحتج على القاتل القيمة و أنها تختلف باختلاف المكان و عند محمد و الشافعي الواجب هو النظير إما بحكم الحكمين أو ابتداء فلا يعتبر فيه المكان .
و قال الشافعي : يقوم بمكة أو بمنى و أنه غير سديد لأن العبرة في قيم المستهلكات في أصول الشرع مواضع الاستهلاك كما في استهلاك الأموال و منها : أن الطعام بدل عن الصيد عندنا فيقوم الصيد بالدراهم و يشتري بالدراهم طعاما و هو مذهب ابن عباس و جماعة من التابعين .
و عن ابن عباس رواية أخرى أن الطعام يدل عن المهدي بالدراهم ثم يشتري بقيمة الهدي طعاما و هو قول الشافعي و الصحيح قولنا : لأن الله تعالى جعل جميع ذلك جزاء الصيد بقوله D : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } إلى قوله { أو كفارة طعام مساكين } فلما كان الهدي من حيث كونه جزءا معتبرا اعتبار الطعام بقيمة الصيد بلا خلاف فكذا فيما له مثل لأن الآية عامة منتظمة للأمرين جميعا .
و منها : أن كفارة جزاء الصيد على التخبير كذا روي عن ابن عباس Bهما و هو مذهب جماعة من التابعين مثل عطاء و الحين و إبراهيم وهو قول أصحابنا و عن ابن عباس رواية أخرى أنه على ترتيب الهدي ثم الإطعام ثم الصيام حتى لو وجد الهدي لا يجوز الطعام و لو وجد الهدي أو الطعام لا يجوز الصيام كما في كفارة الظهار و الإطار أنها على الترتيب دون التخيير .
و احتج من اعتبر الترتيب بما روي أن جماعة من الصحابة Bهم حكموا في الضبع بشاة و لم يذكروا غيره فدل أن الواجب على الترتيب .
و لنا : أن الله تعالى ذكر حرف أو في ابتداء الإيجاب و حرف أو إذا ذكر في ابتداء الإيجاب يراد به التخيير لا الترتيب كما في قوله عز و جل في كفارة اليمين { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } .
و قوله تعالى في كفارة الحلق : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } و غير ذلك .
هذا هو الحقيقة إلا في موضع قام الدليل بخلافها كما في أية المحاربين أنه ذكر فيها أو على إرادة الواو و من ادعى خلاف الحقيقة ههنا فعليه الدليل .
ثم إذا اختار الهدى فإن بلغت قيمة الصيد بدمنة نحرها وإن لم تبلغ و بلغت بقرة ذبحها و إن لم تبلغ بقرة و بلغت شاة ذبحها و إن اشترى بقيمة الصيد فإن بلغ هذين أو أكثر اشترى و إن كان لا يبلغ هديا فهو بالخيار إن شاء صرف الفاضل إلى الطعام و إن شاء صام كما في صيد الصغير الذي لا تبلغ قيمته هديا .
و قد اختلف في السن الذي يجوز في جزاء الصيد .
قال أبو حنيفة : لا يجوز إلا ما يجوز في الأضحية و هدي المتعة و القران و الإحصار .
و قال أبو يوسف : تجوز الجفرة و العناق على قدر الصيد .
و احتجا بما روي عن جماعة من الصحابة Bهم : أنهم أوجبوا في اليربوع : جفرة و في الأرنب : عناقا .
و لأبي حنيفة إن إطلاق الهدي ينصرف إلى ما ينصرف إليه سائر الهدايا المطلقة في القرآن فلا يجوز دون السن الذي يجزي في سائر الهدايا و ما روي عن جماعة من الصحابة حال لا عموم له فيحمل على أنه كان طريق القيمة على أن ابن عباس Bهما يخالفهم فلا يقبل قول بعضهم على بعض إلا عند قيام دليل الترجيح ثم اسم الهدي يقع على الإبل و البقر و الغنم على ما بينا فيما تقدم و لا يجوز ذبح الهدي إلا في الحرم لقوله تعالى : { هديا بالغ الكعبة } و لو جاز ذبحه في غير الحرم لم يكن للذكر بلوغه الكعبة معنى و ليس المراد منه بلوغ عين الكعبة بل بلوغ قربها و هو المحرم و دلت الآية الكريمة على أن من خلف لا يمر على باب الكعبة أو السمجد الحرام فمر بقرب بابه حنث و هو كقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } و المراد منه الحرم لأنهم منعوا بهذه الآية الكريمة عن دخول الحرم .
و عن ابن عباس Bهما أنه قال : الحرم كله مسجد و لأن الهدي اسم لما يهدي إلى مكان الهدايا أي ينقل إليها و مكان الهدايا الحرم لقوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } و المراد منه الحرم .
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ منى كلها منحر و فجاج مكة كلها منحر ] و لو ذبح في الحال لا يسقط عنه الجزاء بالذبح إلى أن يتصدق يلحمه على الفقراء على كل فقير قيمة نصف صاع من بر فيجزئه على طريق البدل عن الطعام و إذا ذبح الهدي في الحرم سقط الجزاء عنه بنفس الذبح حتى لو هلك أو سرق أو ضاع بوجه من الوجوه خرج عن العهدة لأن الواجب هو إراقة الدم و إن اختار الطعام اشترى بقيمة الصيد طعاما فأطعم كل مسكين نصف صاع من بر و لا يجزئه أقل من ذلك كما في كفارة اليمين و فدية الأذى و يجوز الإطعام في الأماكن كلها عندنا و عند الشافعي : لا يجوز إلا في المحرم كما لا يجوز الذبح إلا في الحرم توسعه على أهل الحرم .
و لنا : أن قوله تعالى : { أو كفارة طعام مساكين } مطلق عن المكان و قياس الطعام على الذبح بمعنى التوسعة على أهل الحرم قد أطبناه فيما تقدم و لأن الإراقة لم تعقل قربة نفسها و إنما عرفت قربة بالشرع و الشرع ورد بها في مكان مخصوص أو زمان مخصوص فيتبع مورد الشرع فيتقيد كونها فقربة بالمكان الذي ورد الشرع يكونها قربة فيه و هو الحرم فأما الإطعام فيعتقل قربة بنفسه لأنه من باب الإحسان إلى المحتاجين فلا يتقيد كونه قربة بمكان كما لا يتقيد بزمان و تجوز فيه الإباحة و التمليك لما نذكره في كتاب الكفارات و لا يجوز للقاتل أن يأكل شيئا من لحم الهدي و لو أكل شيئا منه فعليه قيمة ما أكل و لا يجوز دفعة و دفع الطعام إلى ولده و ولد ولده و إن سفلوا و لا إلى ووالد والده و إن علوا كما لا تجوز الزكاة و يجوز دفعة إلى أهل الذمة في قول أبي حنيفة و محمد و لا يجوز في قول أبي يوسف كما في صدقة الفطر و الصدقة المنذور بها على ما ذكرنا في كتاب الزكاة .
و إن اختار الصيام اشترى بقيمة الصيد طعاما و صام لكل نصف صاع من بر يوما عندنا و هو قول ابن عباس و جماع من التابعين مثل إبراهيم و عطاء و مجاهد .
و قال الشافعي : يصوم لكل مد يوما و الصحيح قولنا : لما روى عن ابن عباس Bهما أنه قال : يصوم عن كل نصف صاع يوما و مثل هذا لا يعرف باجتهاد فتعين السماع من رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو بالخيار إن شاء تصدق به و إن شاء صام عنه يوما لأن الصوم بعض يوم لا يجوز و يجوز الصوم في الأيام كلها بلا خلاف و يجوز متتابعا و متفرقا لقوله تعالى : { أو عدل ذلك صياما } مطلقا عن المكان و صفة التتابع و التفرق وسواء كان الصيد مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه عندنا بعد أن كان محرما و الاصطياد على المحرم كالضبع و االثعلب و سباع الطير و ينظر إلى قيمته لو كان مأكول اللحم لعموم قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } غير أنه لا يجاوز به دما في ظاهر الرواية .
و ذكر الكرخي : أنه لا يبلغ دما بل ينقص من ذلك بخلاف مأكول اللحم فإنه تجب قيمته بالغة ما بلغت و إن بلغت قيمته هديين أو أكثر .
و قال زفر : تجب قيمته بالغة ما بلغت كما في مأكول اللحم .
وجه قوله : أن هذا المصيد مضمون بالقيمة و المضمون بالقيمة يعتبر كمال قيمته كالمأكول .
و لنا : أن هذا المضمون إنما يجب بقتله من حيث أنه صيد و من حيث أنه صيد لا تزيد قيمة لحمه على لحم الشاة بحال بل لحم الشاة يكون خبرا منه بكثير فلا يجاوز به دما بل ينقص منه كما ذكره الكرخي و لأنه جزاء وجب بإتلاف ما ليس بمال فلا يجاوز به دما كحلق الشعر و قص الأظفار و قد خرج الجواب عما ذكره زفر و يستوي في وجوب الجزاء بقتل الصيد المبتدئ و العائد وهو أن يقتل صيدا ثم يعود و يقتل آخر و ثم إنه يجب لكل صيد جزاء على حدة و هذا قول عامة العلماء و عامة الصحابة Bهم .
و عن ابن عباس أنه لا جزاء على العائد و هو قول الحسن و شريح إبراهيم و احتجوا بقوله تعالى : { و من عاد فينتقم الله منه } جعل جزاء العائد الانتقام في الآخرة فتنتفي الكفارة في الدنيا و لنا أن قوله تعالى : { و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } يتناول القتل في كل مرة فيقتضي وجوب الجزاء في كل مرة كما في قوله تعالى : { و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة إلى أهله } و نحو ذلك .
و أما قوله تعالى : { و من عاد فينتقم الله منه } ففيه أن الله ينتقم من العائد و ليس فيه أن ينتقم منه بماذا فيحتمل أنه ينتقم منه بالكفارة كذا قال بعض أهل التأويل فينتقم الله منه بالكفارة في الدينا أو بالعذاب في الآخرة على أن الوعيد في الآخرة لا ينفي وجوب الجزاء في الدنيا كما أن الله تعالى جعل حد المحاربين لله و رسوله جزاء لهم في الدنيا بقوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } .
ثم قال D في آخرها : { ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم } و منهم من صرف التأويل الآية الكريمة إلى استحلال الصيد فقال الله D : { عفا الله عما سلف } في الجاهلية من استحلالهم الصيد إذا تاب و رجع عما استحل من قتل الصثيد و من عاد إلى الاستحلال فينتقم الله منه بالنار في الآخرة و به نقول هذا إذا لم يكن قتل الثاني و الثالث على وجه الرفض و الإحلال فأما إذا كان على وجه الرفض و الإحلال لإحرامه فعليه جزاء و احد استحسانا و القياس : أن يلزمه لكل و احد منهما دم لأن الموجود ليس إلا نية الرفض لا يتعلق بها حكم لأنه لا يصير حلالا بذلك فكان و جودها و العدم بمنزلة و احدة إلا أنهم استحسنوا و قالوا : لا يجب إلا جزاء واحد لأن الكل و قع على و جه واحد فأشبه الإيلاجات في الجماع و يستوي فيه العمد و الخطأ و الذكر و النسيان عند عامة العلماء و عامة الصحابة Bهم .
و عن ابن عباس Bهما أنه لا كفارة على الخاطئ .
و قال الشافعي : لا كفارة على الخاطئ و الناسي و الكلام في المسألة بناء و ابتداء .
أما البناء فما تقدم أن الكفارة إنما تجب بارتكاب محظورة الإحرام و الجناية عليه ثم زعم الشافعي أن فعل الخاطىء و الناسي لا يوصف بالجناية و الحظر لأن فعل الحظر لأن فعل الخطأ و النسيان ما لا يمكن التحرز عنه فكان عذرا و قلنا نحن إن فعل الخاطىء و الناسي جناية و حرام لأن فعلها جائز المؤاخذة عليه عقلا و إنما رفعت عنهما ممكن في الجملة إذ لا يقع الانسان في الخطأ و السهو إلا لنوع تقصير منه فلم يكن عذرا منه و لهذا لم يعذر الناسي في باب الصلاة إلا أنه جعل عذرا في باب الصوم لأنه يغلب وجوده فكان في وجوب القضاء حرج و لا يغلب في باب الحج لأن أحوال الإحرام مذكره فكان النسيان معها نادرا على أن العذر في هذا الباب لا يمنع وجوب الجزاء كما في كفارة الحلق لمرض أو أذى بالرأس و كذا فوات الحج لا يختلف حكمه للعذر و عدم العذر و أما الإبتداء فاحتج بقوله عز و جل : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } خص المعتمد بإيجاب الجزاء عليه فلو شاركه الخاطىء و الناسي في الوجوب لم يكن للتخصيص معنى