فصل : و أما بيان مكان الإحرام .
و أما بيان مكان الإحرام هو المسمى بالميقات فنحتاج إلى بيان المواقيت و ما يتعلق بها من الأحكام فنقول و بالله التوفيق .
المواقيت تختلف باختلاف الناس و الناس في حق المواقيت أصناف ثلاثة صنف منهم يسمون أهل الآفاق و هم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقت لهم رسول الله A و هي خمسة كذا روي في الحديث أن رسول الله A وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل الشام الجحفة و لأهل نجد قرن و لأهل اليمن يلملم و لأهل العراق ذات عرق و قال A [ هن لأهلهن و لمن مربهن من يغر أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ] و صنف منهم يسمون أهل الحل و هم الذي منازلهم داخل المواقيت الخمسة خارج الحرم كاهل بستان بني عامر و غيرهم و صنف منهم أهل الحرم و هم أهل مكة أما الصنف الأول فيمقاتهم ما وقت لهم رسول الله A لا يجوز لأحد منهم أن يجاوز ميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا محرما لأنه لما وقت لهم ذلك فلا بد و أن يكون الوقت مقيدا و ذلك إنما المنع من تقديم الإحرام عليه و إما المنع ما تأخيره عنه و الأول ليس بمراد لإجماعنا على جواز تقديم الإحرام عليه فتعين الثاني و هو المنع من تأخير الإحرام عنه .
و روي عن ابن عباس Bهما أن رجلا سأله و قال : إني أحرمت بعد الميقات فقال له : ارجع إلى الميقات قلب و إلا فلا حج لك فإني سمعت رسول الله A يقول : [ لا يجاوز أحد المقيات إلا محرما ] و كذلك لو أراد بمجاوزة هذه المواقيت دخول مكة لا يجوز له أن يجاوزها إلا محرما سواء أراد بدخزل مكة النسك من الحج أو العمرة أو التجارة أو حاجة أخرى عندنا و قال الشافعي إن دخلها للنسك وجب عليه الإحرام و إن دخلها جاز دخوله من غير إحرام .
وجه قوله : أنه تجوز السكنى بمكة من غير إحرام فالدخول أولى لأنه دون السكنى .
و لنا : ما روي عن النبي A أنه قال : [ ألا أن مكة حرام منذ خلقها الله تعالى لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و إنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة ] الحديث و الاستدلال به من ثلاثة أوجه .
أحدها : بقوله : ألا إن مكة حرام .
و الثاني : بقوله : لا تحل لأحد بعدي .
و الثالث : بقوله : ثم عادت حراما إلى يوم القيامة مطلقا من غير فصل .
و روي عن ابن عباس Bهما عن النبي A أنه قال : [ لا تحل دخول مكة بغير إحرام و لأن هذه بقعة شريفة لها قدر و خطر عند الله تعالى فالدخول فيها يقتضي التزام عبادة و إظهار لشرفها على سائر البقاع و أهل مكة بسكناهم فيها جعلوا معظمين لها بقيامهم بعمارتها و سدانتها وحفظها و حمايتها لذلك أبيح لهم السكنى ] .
و كلما قدم الإحرام على المواقيت هو أفضل و روى عن أبي حنيفة أن ذلك أفضل إذا كان يملك نفسه أن يمنعها ما يمنع منه الإحرام .
و قال الشافعي : الإحرام من المقيات أفضل بناء على أصله أن الإحرام ركن فيكون من أفعال الحج و لو كان كما زعم لما جاز تقديمه على الميقات لأن أفعال الحج لا يجوز تقديمنها على أوقاتها و تقديم الإحرام على الميقات جائز بالإجماع إذا كان في أشهر الحج و الخلاف في أفضلية دون الجواز .
و لنا قوله تعالى : { و أتموا الحج و العمرة لله } .
و رورى عن علي و ابن مسعود Bهما أنهما قالا : [ إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ] .
و روي عن أم سلمة Bها عن النبي A أنه قال : [ من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمره غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و وجبت له الجنة ] .
هذا إذا قصد مكة من هذه المواقيت فأما إذا قصدها من طريق غير مسلوك فإنه يحرم إذا بلغ موضعا يحاذي ميقاتا من هذه المواقيت لأنه إذا حاذى ذلك الموضع ميقاتا من المواقيت صار في حكم الذي يحاذيه في القرب من مكة و لو كان في البحر فصار في الموضع لو كان مكان البحر بر لم يكن له أن يجاوزة إلا بإحرام فإنه يحرم كذا قال أبو يوسف و لو حصل في شيء من هذه المواقيت من ليس من أهلها فأراد الحج أو العمرة أو دخول مكة فحكمه حكم أهل ذلك الميقات الذي حصل فيه لقول النبي A : [ هن لأهلهن و لمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ] و روري عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ من وقتنا له و قتا فهو له و لمن مر به من غير أهله ممن أراد الحج أو العمرة ] و لأنه إذا مر به صار من أهله فكان حكمه في المجاوزة حكمهم .
و لو جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز له الأن الميقات الذي صار إليه صار ميقاتا له لما روينا من الحديثين إلا أن المستحي أن يحرم من الميقات الأول هكذا روي عن أبي حنيفة أنه قال : في غير أهل المدينة إذا مروا على المدينة فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك أوحب إلى أن يحرموا من ذي الحليفة لأنهم إذا حصلوا في الميقات الأول لزمهم محافظة حرمته فيكره لهم تركها .
و لو جاوز ميقاتا من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام ثم عاد قبل أن يحرم أحرم من الميقات جاوزه محرما لا يجب عليه دم بالإجماع لأنه لما عاد إلى الميقات قبل أن يحرم و أحرم التحقت تلك المجاورة بالعدم و صار هذا ابتداء إحرام منه و لو أحرم بعدما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى اليمقات و لبى سقط عنه الدم و لم يلب لا يسقط و هذا قول أبي حنيفة .
و قال أبي يوسف و محمد : يسقط لبى أو لم يلب .
وقال زفر : لا يسقط لبى أو لم يلب .
وجه قول زفر : أن وجوب الدم بجنايته على الميقات بمجاوزته إياه من غير إحرام و جنايته لا تنعدم فلا يسقط الدم الذي وجب .
وجه قولهما : أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرما لافي إنشاء الإحرام منه بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله و جاوز الميقات و لم يلب لا شيء عليه فدل أن حق الميقات و لم يلب لا شيء عليه فدل أن حق الميقات في مجاورته إياه محرما لا في إنشاء الإحرام منه و بعدما عاد إليه محرما فقد جاوزه محرما فلا يلزمه الدم .
و أبي حنيفة : ما روينا عن ابن عباس Bهما أنه قال للذي أحرم بعدالميقات ارجع إلى الميقات فلب و إلا فلا حج لك أوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها و لأنا الفائت بالمجاوزة هو التلبية فلا يقع تدراك الفائت إلا بالتلبية بخلاف ما إذا من دويرة أهله ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام لأنه إذا احرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتا و قد لبى منه فلا يلزمه تلبية و إذا لم يحرم من دويرة أهله أكان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه و هو الميقات المعهود .
و ما قال زفر : إن الدم إنما وجب عليه بجنايته على الميقات مسلم لكن لما عاد قبل دخوله في أفعال الحج فما جنى عليه بل ترك حقه في الحال فيحتاج إلى التدراك و قد تداركه بالعود إلى التلبية و لو جاوز الميقات بغير إحرام فأحرم ولم يعد إلى الميقات حتى طاف شوطا أو شوطين أو وقف بعرفة أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى ميقات آخر غير الذي جاوزه قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج سقط عنه الدم و دعوه إلى هذا الميقات آخر سواء و على قول زفر لا يسقط على ما ذكرنا .
و روي عن أبي يوسف أنه فضل في ذلك تفضيلا فقال : إن كان الميقات الذي عاد إليه يحاذي الميقات الأول أو أبعد من المحرم يسقط عنه الدم و إلا فلا و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن كل واحد من لكنه أفسد إحرامه بالجماع قبل طواف العمرة إن كان إحرامه بالعمرة أو قبل الوقوف بعرفة إن كان إحرامه بالحج سقط عنه ذلك الدم لأنه يجب عليه القضاء و انجبر ذلك كله بالقضاء كمن سها في صلاته ثم أفسدها فقضاها أنه لا يجب عليه سجود السهو .
و كذلك إذا فاته الحج فإنه يتحلل بالعمرة و عليه قضاء الحج و سقوط عنه ذلك الدم عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يسقط و لو جاز الميقات يريد دخول مكة أو الحرم من غير إحرام يلزمه إما حجة و إما عمرة لأن مجاوزة الميقات على قصد دخول مكة أو الحرم بدون الإحرام لما كان حراما كانت المجاوزة التزاما للإحرام دلالة كأنه قال الله تعالى علي إحرام و لو قال ذلك يلزمه حجة أو عمرة كذا إذا فعل ما يدل على الالتزام كمن شرع في صلاة التطوع ثم أفسدها يلزمه قضاء ركعتين كما إذا قال الله تعالى علي أن أصلي ركعتين .
فإن أحرم بالحج او بالعمرة قضاء لما عليه من ذلك لمجاوزته الميقات و لم يرجع إلى الميقات فعليه دم لأنه جنى على الميقات لمجاوزته إياه من غير إحرام و لم يتداركه فيلزمه الدم جبرا فإن أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم أحرم يريد قضاء ما وجب عليه بدخوله مكة بغير إحرام أجزأه في ذلك ميقات أهل مكة في الحج بالحرم و في العمرة بالحل لأنه لما أقام بمكة صار في حكم أهل مكة فيجزئه إحرامه من ميقاتهم فإن كان حين دخل مكة عاد في تلك السنة إلى الميقات فأحرم بحجة عليه من حجة الإسلام أو حجة نذر أو عمرة نذر سقط ما وجب عليه لدخوله مكة بغير إحرام استحسانا .
و القياس : أن لا يسقط إلا أن ينوي ما وجب عليه لدخوله مكة و هو قول زفر و لا خلاف في أنه إذا تحولت السنة ثم عاد إلى الميقات ثم أحرم بحجة الإسلام أنه لا يجزئه عما لزمه إلا بتعيين النية .
وجه القياس : أنه قد وجب عليه حج أو عمرة بسبب المجاوزة فلا يسقط عنه بواجب آخر كما لو نذر بحجة أنه لا تسقط عنه بحجة الإسلام و كذا لو فعل ذلك بعدما تحولت السنة .
وجه الاستحسان : أن لزوم الحجة أو العمرة ثبت تعظيما للبقعة و الواجب عليه تعظيمها بمطلق الإحرام لا بإحرام على حدة بدليل أنه يجوز دخولها ابتداء بإحرام الحجة الإسلام فإن لو أحرم من الميقات ابتداء بحجة الإسلام أجزأه ذلك عن حجة الإسلام و عن حرمة الميقات و صار كمن دخل المسجد و أدى فرض الوقت قام ذلك مقام تحية المسجد و كذا لو نذر أن يعتكف شهر رمضان معتكفا جاز و قام و صوم رمضان مقام الصوم الذي هو شرط الاعتكاف بخلاف ما إذا تحولت السنة لأنه لما لم يقض حق البقعة حتى تحولت السنة صار مفوتا حقها فصار ذلك دينا عليه و صار أصلا و مقصودا بنفسه فلا يتأدى بغيره كمن أن يكعتف شهر رمضان فلم يصر و لم يعتكف حتى قضى شهر رمضان مع الاعتكاف جاز فإن صام رمضان و لم يعتكف فيه حتى دخل في شهر رمضان القابل فيه قضاء عما عليه لا يجوز لأن الصوم صار أصلا و مقصودا بنفسه كذا هذا .
و كذلك لو أحرم بعمرة منذورة في السنة الثانية لم يجزه لأنه يكره تأخير العمرة إلى يوم النحر و أيام التشريق فإذا صار إلى وقت يكره تأخير العمرة إليه صار تأخيرها كتفويتها فإن دخل مكة بغير إحرام ثم خرج فعاد إلى أهله ثم عاد إلى مكة فدخلها بغير إحرام وجب عليه لكل واحد من الدخولين حجة أو عمرة لأن كل واحد من الدخولين سبب لوجوب فإن أحرم بحجة الإسلام جاز عن الدخول الثاني إذا كان في سنته و لم يجز عن الدخول الأول لأن الواجب قبل الدخول الثاني صار دينا فلا يسقط إلا بتعيين النية .
هذا إذا جاوز احد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام فأما إذا لم يرد ذلك و إنما أراد أن يأتي بستان بني عامر أو غيره لحاجة فلا شيء عليه لأن لزوم الحج أو العمرة بالمجاوزة من غير إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة و تميزا لها من بين البقاع في الشرف و الفضيلة فيصير ملتزما للإحرام منه فإذا لم يرد البيت لم يصر للإحرام فلا يلزمه شيء فإن حصل في البستان أو ما وراءه من الحل بدا له أن يدخل مكة لحاجة من غير إحرام فله ذلك لأنه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد من أهل البستان و لأهل البستان أن يدخلوا مكة لحاجة من غير إحرام فكذا له و قيل إن هذا هو الحيلة في إسقاط الإحرام عن نفسه .
و روي عن أبي يوسف : أنه لا يسقط عنه الإحرام و لا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا لأنه لا يثبت للبستان حكم الوطن في حقه إلا بنية مدة الإقامة و أقل مدة خمسة عشر يوما .
و أما الصنف الثاني : فميقاتهم للحج أو للعمرة من دويرة أهلهم أو حيث شاؤا من الحل الذي بين دويرة أهلهم و بين الحرم لقوله عز و جل : { و أتموا الحج و العمرة لله } روينا عن علي و ابن مسعود Bهما أنهما فالا حين سئلا عن هذه الآية : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو للعمرة إلا محرمين و الحل الذي بين دويرة أهلهم و بين الحرم كشيء واحد فيجوز إحرامهم إلى آخر الحل كما يجوز إحرام الآفاقي من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقته فلو جاوز أحد منهم ميقاته يريد الحج أو العمرة فدخل الحرم من غير فعليه دم .
و لو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم أو بعدما أحرم فهو على التفصيل و الاتفاق و الاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقي إذا جاوز الميقات بغير إحرام و كذلك الأفاقي إذا حصل في البستان أو المكي إذا خرج إليه فأراد أن يحج أو يعتمر حكم أهل البستان أو المكي إذا خرج إلى الآفاق صار حكمه حكم أهل الآفاق لا تجوز مجاوزته ميقات أهل الآفاق و هو يريد الحج أو العمرة إلا محرما لما روينا من الحديثين و يجوز لمن كان من أهل هذا الميقات و ما بعده دخول مكة لغير الحج أو العمرة بغير إحرام عندنا و لا يجوز في أحد قولي الشافعي و ذكر في قوله الثالث إذا تكرر دخولهم عليهم الإحرام في كل سنة مرة .
و الصحيح قولنا لما روي عن النبي A أنه : [ رخص للحطابين أن يدخلوا مكة بغير إحرام ] و عادة الحطابين أنهم لا يتجاوزون الميقات .
و روي عن ابن عمر Bهما أنه : خرج من مكة إلى قديد فبلغه خبر فتنة بالمدينة فرجع و دخل مكة بغير إحرام و لأن البستان من توابع الحرم فيلحق به و لأن مصالح أهل البستان تتعلق بمكة فيحتاجون إلى الدخول في كل وقت فلو منعوا من الدخول إلا بإحرام لوقعوا في الحرج و أنه منفي شرعا .
و أما الصنف الثالث : فميقاتهم للحج الحرم و للعمرة الحل فيحرم المكي من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم و يحرم للعمرة من الحل و هو التنعيم أو غيره أما الحج فلقوله تعالى : { و أتموا الحج و العمرة لله } .
و روينا عن علي و ابن مسعود Bهما أنهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك إلا أن العمرة صارت مخصوصة في حق أهل الحرم فبقي الحج مرادا في حقهم .
و روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لما أمر أصحابه بفسخ إحرام الحج بعمل العمرة أمرهم يوم التروية أن يحرموا بالج من المسجد ] و نسخ إحرام الحج بعمل العمرة و إن نسخ فالإحرام من المسجد لم ينسخ و إن شاء أحرم من الأبطح أو حيث شاء من الحرم لكن من المسجد أولى لأن الإحرام عبادة و إتيان العبادة في المسجد أولى كالصلاة .
و أما العمرة فلما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لما أراد الإفاضة من مكة دخل على عائشة Bها و هي تبكي فقالت : أكل نسائك يرجعن بنسكين و أنا أرجع بنسك واحد فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر Bه أن يعمر بها من التنعيم ] و لأن من شأن الإحرام أن يجتمع في أفعاله الحل و الحرم فلو أحرم المكي بالعمرة من مكة و أفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع في أفعالها الحل و الحرم بل يجتمع كل أفعالها في الحرم و هذا خلاف عمل الإحرام في الشرع .
و الأفضل أن يحرم من التنعيم : [ لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحرم منه و كذا أصحابه ] Bهم كانوا يحرمون لعمرتهم منه و كذلك من حصل في الحرم من غير أهله فأراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم لأنه صار منهم فإذا أراد أن يحرم للحج أحرم من دويرة أهله أو حيث شاء من الحرم و إذا أراد أن يحرم بالعمرة يخرج إلى التنعيم و يهل بالعمرة في الحل و لو ترك المكي ميقاته فأحرم للحج من الحل و للعمرة من الحرم يجب عليه الدم إلا إذا عاد و جدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل و الاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقي و لو خرج من الحرم إلى الحل و لم يجاوز الميقات ثم أراد أن يعود إلى مكة له أن يعود إليها من غير إحرام لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب و الاحتساس و العود إليها فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج