شرائط الوجوب .
و أما الشرائط التي تخص بعض الصيامات دون بعض و هي شرائط الوجوب فمنها : الإسلام فلا يجب الصوم على الكافر في حق أحكام الدنيا بلا خلاف حتى لا يخاطب بالقضاء بعد الإسلام و أما في حق أحكام الآخرة فكذلك عندنا و عند الشافعي : يجب .
و لقب المسألة أن الكفار غير مخاطبين بشرائع هي عبادات عندنا خلافا له و هي تعرف في أصول الفقه و على هذا يخرج الكافر إذا أسلم في بعض شهر رمضان أنه لا يلزمه قضاء ما مضى لأن الوجوب لم يثبت فيما مضى فلم يتصور قضاء الواجب .
و هذا التخريج على قول من يشترط لوجوب القضاء سابقة وجوب الأداء من مشايخنا .
و أما على قول من لا يشترط ذلك منهم فإنما لا يلزمه قضاء ما مضى لمكان الحرج إذ لو لزمه ذلك للزمه قضاء جميع ما مضى من الرمضانات في حال الكفر لأن البعض ليس بأولى من البعض و فيه من الحرج ما لا يخفى .
و كذا إذا أسلم في يوم من رمضان قبل الزوال لا يلزمه صوم ذلك اليوم حتى لا يلزمه قضاؤه .
و قال مالك : يلزمه و أنه غير سديد لأنه لم يكن من أهل الوجوب في أول اليوم أو لما في وجوب القضاء من الحرج على ما بينا .
و منها : البلوغ فلا يجب صوم رمضان على الصبي و إن كان عاقلا حتى لا يلزمه القضاء بعد البلوغ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ ] و لأن الصبي لضعف بنيته و قصور عقله و اشتغاله باللهو و اللعب يشق عليه تفهم الخطاب و أداء الصوم فأسقط الشرع عنه العبادات نظرا له فإذا لم يجب عليه الصوم في حال الصبا لا يلزمه القضاء لما بينا أنه لا يلزمه لمكان الحرج لأن مدة الصبا مديدة فكان في إيجاب القضاء عليه بعد البلوغ حرج .
و كذا إذا بلغ في يوم من رمضان قبل الزوال لا يجزئه صوم ذلك اليوم و إن نوى و ليس عليه قضاؤه إذ لم يجب عليه في أول اليوم لعدم أهلية الوجوب و الصوم لا يتجزأ و جوازا و لما فيه من الحرج على ما ذكرنا .
و روي عن أبي يوسف في الصبي يبلغ قبل الزوال أو أسلم الكافر أن عليهما القضاء .
ووجهه : أنهما أدركا وقت النية فصار كأنهما أدركا من الليل و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن الصوم لا يتجزأ وجوبا فإذا لم يجب وجوبا عليهما البعض لم يجب الباقي أو لما في إيجاب القضاء من الحرج .
و أما العقل فهل هو شرائط الوجوب و كذا الإفاقة و اليقظة .
قال عامة مشايخنا : إنها ليست من شرائط الوجوب و يجب صوم رمضان على المجنون و المعنى عليه و النائم لكن أصل الوجوب لا وجوب الأداء بناء على أن عندهم الوجوب نوعان : .
أحدهما : أصل الوجوب و هو اشتغال الذمة بالواجب و أنه ثبت بالأسباب لا بالخطاب و لا تشترط القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى .
و الثاني : وجوب الأداء و هو إسقاط ما في الذمة و تفريغها من الواجب و أنه ثبت بالخطاب و تشترط له القدرة على فهم الخطاب و على أداء ما تناوله الخطاب لا يتوجه إلى العاجز عن فهم الخطاب و لا على العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب و المجنون لعدم عقله أو لاستتاره و المغمى عليه و النائم لعجزهما عن استعمال عقلهما عاجزون عن فهم الخطاب و عن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الأداء في حقهم و ثبت أصل الوجوب في حقهم لأنه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا .
و تقرير هذا الأصل معروف في أصول الفقه و في الخلافيات .
و قال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر : إن الوجوب في الحقيقة نوع واحد و هو وجوب الأداء فكل من كان من أهل الأداء كان من أهل الوجوب و من لا فلا و هو اختيار أستاذي الشيخ الأجل الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد السمرقندي Bه لأن الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم و الصلاة و سائر العبادات فمن لم يكن من أهل أداء الفعل الواجب و هو القادر على فهم الخطاب و القادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة و المجنون و المغمى عليه و النائم عاجزون عن فعل الخطاب بالصوم و عن أدائه إذ الصوم الشرعي هو الإمساك لله تعالى و لن يكون ذلك بدون النية و هؤلاء ليسوا من أهل النية فلم يكونوا من أهل الأداء فلم يكونوا من أهل الوجوب .
و الذي دعا الأولين إلى القول بالوجوب في حق هؤلاء ما انعقد الإجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه و النائم بعد الإفاقة و الانتباه بعد مضي بعض الشهر أو كله و ما قد صح من مذهب أصحابنا رحمهم الله في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يجب عليه قضاء ما مضى من الشهر فقالوا إن وجوب القضاء يستدعي فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه و انتفاء الحرج فلا بد من الوجوب في الوقت ثم فواته حتى يمكن القضاء فاضطرهم ذلك إلى إثبات الوجوب في حال الجنون و الإغماء و النوم .
و قال الآخرون : إن وجوب القضاء لا يستدعي سابقية الوجوب لا محالة و إنما يستدعي فوت العبادة عن وقتها و القدرة على القضاء من غير حرج و لذلك اختلفت طرقهم في المسألة .
و هذا الذي ذكرنا في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يلزمه قضاء ما مضى جواب الاستحسان و القياس أن لا يلزمه و هو قول زفر و الشافعي و أما المجنون جنونا مستوعبا بأن جن قبل دخول شهر رمضان و أفاق بعد مضيه فلا قضاء عليه عند عامة العلماء و عند مالك : يقضي .
وجه القياس : أن القضاء هو تسليم مثل الواجب ولا وجوب على المجنون لأن الوجوب بالخطاب و لا خطاب عليه لانعدام القدرتين و لهذا لم يجب القضاء في الجنون المستوعب شهرا .
وجه قول أصحابنا : أما من قال بالوجوب في حال الجنون يقول فاته الواجب عن وقته و قدر على قضائه من غير حرج فيلزمه قياسا على النائم و المغمى عليه .
و دليل الوجوب لهم : وجود سبب الوجوب و هو الشهر إذ الصوم يضاف إليه مطلقا يقال : صوم الشهر و الإضافة دليل السببية و هو قادر من غير حرج و في إيجاب القضاء عند الاستيعاب حرج و أما من أبى القول بالوجوب في حال الجنون يقول هذا شخص فاته صوم شهر رمضان و قدر على قضائه من غير حرج فيلزمه قياسا على النائم و المغنى عليه و معنى قولنا فاته صوم شهر رمضان أي لم يصم شهر رمضان و قولنا : من غير حرج فلأنه لا حرج في قضاء نصف الشهر و تأثيرها من وجهين : .
أحدهما : أن الصوم عبادة و الأصل في العبادات وجوبها على الدوام بشرط الإمكان و انتفاء الحرج ذكرنا في الخلافيات إلا أن الشرع عين شهر رمضان من السنة في حق القادر على الصوم فبقي الوقت المطلق في حق العاجز عنه و قتا له .
و الثاني : أنه لما فاته صوم شهر رمضان فقد فاته الثواب المتعلق به فيحتاج إلى استدراكه بالصوم في عدة من أيام ليقوم الصوم فيها مقام الفائت فينجبر الفوات بالقدر الممكن فإذا قدر على قضائه من غير حرج أمكن القول بالوجوب عليه فيحجب كما في المغمى عليه و النائم بخلاف الجنون المستوعب فإن هناك في إيجاب القضاء حرجا لأن المجنون المستوعب قلما يزول بخلاف الإغماء و النوم إذا استوعب لأن استيعابه نادر و النادر ملحق بالعدم بخلاف الجنون فإن استيعابه ليس بنادر .
و يستوي الجواب في وجوب قضاء ما مضى عند أصحابنا في الجنون العارض ما إذا أفاق في وسط الشهر أو في أوله حتى لو جن قبل الشهر ثم أفاق في آخر يوم منه يلزمه قضاء جميع الشهر و لو جن في أول يوم من رمضان فلم يفق إلا بعد مضي الشهر يلزمه قضاء كل الشهر إلا قضاء اليوم الذي جن فيه إن كان نوى الصوم في الليل و إن كان لم ينوي قضى جميع الشهر و لو جن في طرفي الشهر و أفاق في وسطه فعليه قضاء الطرفين .
و أما المجنون الأصلي و هو الذي بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فقد روي عن محمد أنه فرق بينهما فقال : لا يقضي ما مضى من الشهر .
و روى عن أبي حنيفة C تعالى أنه سوى بينهما و قال : يقضي ما مضى من الشهر و هكذا روى هشام عن أبي يوسف في صبي له عشر سنين جن فلم يكن مجنونا حتى أتى عليه ثلاثون سنة أو أكثر ثم صح في آخر يوم من شهر رمضان فالقياس أنه لا يجب عليه قضاء ما مضى لكن استحسن أن يقضي ما مضى في هذا الشهر .
وجه قول محمد : أن زمان الإفاقة في حيز زمان ابتداء التكليف فأشبه الصغير إذا بلغ في بعض الشهر بخلاف الجنون العارض فإن هناك زمان التكليف سبق الجنون إلا أنه عجز عن الأداء بعارض فأشبه المريض العاجز عن أداء الصوم إذا صح .
وجه رواية عن أبي حنيفة و أبي يوسف ما ذكرنا من الطريقين في الجنون العارض و لو أفاق المجنون جنونا عارضا في نهار رمضان قبل الزوال فنوى الصوم أجزأه عن رمضان و الجنون الأصلي على الاختلاف الذي ذكرنا و يجوز في الإغماء و النوم بلا خاف بين أصحابنا .
و على هذا الطهارة من الحيض و النفاس أنها شرط الوجوب عند أهل التحقيق من مشايخنا إذ الصوم الشرعي لا يتحقق من الحائض و النفاس فتعذر القول بوجوب الصوم عليهما في وقت الحيض و النفاس إلا أنه يجب عليهما قضاء الصوم لفوات صوم رمضان عليهما و لقدرتهما على القضاء في عدة أيام أخر من غير حرج و ليس عليهما قضاء الصلوات لما فيه من الحرج لأن وجوبها يتكرر في كل يوم خمس مرات و لا يلزم الحائض في السنة إلا قضاء عشرة أيام و لا حرج في ذلك .
و على قول عامة المشايخ ليس بشرط و أصل الوجوب ثابت في حالة الحيض و النفاس و إنما تشترط الطهارة الأهلية الأداء و الأصل فيه ما روي أن امرأة سألت عائشة Bها فقالت : لم تقض الحائض الصوم و لا تقضي الصلاة فقالت عائشة Bها للسائلة : أحرورية أنت هكذا كن النساء يفعلن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أشارت إلى أن ذلك ثبت تعبدا محضا و الظاهر أن فتواها بلغ الصحابة و لم ينقل أنه أنكر عليها منكر إجماعا و من الصحابة Bهم .
و لو طهرتا بعدة طلوع الفجر قبل الزوال لا يجزيهما صوم ذلك اليوم لا عن فرض و لا عن نفل لعدم وجوب الصوم عليهما و وجوده في أول اليوم فلا يجب و لا يوجد في الباقي لعدم التجزي و عليهما قضاؤه مع الأيام الأخر لما ذكرنا و إن طهرتا قبل طلوع الفجر ينظر إن كان الحيض عشرة أيام و النفاس أربعين يوما فعليهما قضاء صلاة العشاء و يجزيهما صومهما من الغد عن رمضان إذا نوتا قبل طلوع الفجر لخروجهما عن الحيض و النفاس بمجرد انقطاع الدم فتقع الحاجة إلى النية لا غير و إن كان الحيض دون العشرة و النفاس دون الأربعين فإن بقي من الليل مقدار ما يسع للاغتسال و مقدار ما يسع النية بعد الاغتسال فكذلك و إن بقي من الليل دون ذلك لا يلزمهما قضاء صلاة العشاء ولا يجزيهما صومهما من الغد و عليهما قضاء ذلك اليوم كما لو طهرتا بعد طلوع الفجر لأن مدة الاغتسال فيما دون العشرة و الأربعين من الحيض بإجماع الصحابة Bهم و لو أسلم كافر قبل طلوع الفجر بمقدار ما يمكنه النية فعليه صوم الغد و إلا فلا و كذلك الصبي إذا بلغ و كذلك المجنون جنونا أصليا على قول محمد لأنه بمنزلة الصبا عنده