كيفية النية .
و أما الثاني : في كيفية النية فإن كان الصوم عينا و هو صوم رمضان و صوم النفل خارج رمضان و المنذور به في وقت بعينه يجوز بنية مطلقة عندنا .
قال الشافعي : صوم النفل يجوز بنية مطلقة فاما الصوم الواجب فلا يجوز إلا بنية مطلقة عندنا .
و قال الشافعي : صوم النفل يجوز بنية مطلقة فأما الصوم الواجب فلا يجوز إلا بنية معينة .
وجه قوله : أن هذا صوم مفروض فلا يتأدى إلا بنية الفرض كصوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة و هذا لأن الفرضية صفة زائدة على أصل الصوم يتعلق بها زيادة الثواب فلا بد من زيادة النية و هي نية الفرض .
و لنا : قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } و هذا قد شهد الشهر و صامه فيخرج عن العهدة و لأن النية لو شرطت إنما تشترط إما ليصير الإمساك لله تعالى و إما للتمييز بين نوع و نوع و لا وجه للأول لأن مطلق النية كان لصيرورة الإمساك لله تعالى لأنه يكفي لقطع التردد و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و لكل امرء ما نوى ] و قد نوى أن يكون إمساكه لله تعالى فلو لم يقع لله تعالى لا يكون له ما نوى و هذا خلاف النص .
و لا وجه للثاني لأن مشروع الوقت واحد لا يتنوع فلا حاجة إلى التمييز بتعيين النية بخلاف صوم القضاء و النذر و الكفارة لأن مشروع الوقت و هو خارج رمضان متنوع فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية فهو الفرق .
و قوله : هذا صوم مفروض مسلم و لكن لم تتأدى نية الفرض بدون نية الفرض .
و قوله : الفرضية صفة للصوم زائدة عليه فتفتقر إلى نية زائدة ممنوع أنها صفة زائدة على الصوم لأن الصوم صفة و الصفة لا تحتمل صفة زائدة عليها قائمة بها بل هو وصف إضافي فيسمى الصوم مفروضا و فريضة لدخوله تحت فرض الله تعالى لا لفرضية قامت به و إذا لم يكن صفة قائمة بالصوم لا يشترط له نية الفرض و زيادة الثواب لفضيلة الوقت لا لزيادة صفة العمل و الله أعلم .
و لو صام رمضان بنية النفل أو صام المنذور بعينه بنية النفل يقع صومه عن رمضان و عن المنذور عندنا .
و عند الشافعي : لا يقع و كذا لو صام رمضان بنية واجب من القضاء و الكفارات و النذور يقع عن رمضان عندنا .
و عنده : لا يقع هو يقول لما نوى النفل فقد أعرض عن الفرض و المعرض عن فعل لا يكون آتيا به و نحن نقول : إنه نوى الأصل و الوصف و الوقت قابل للأصل غير قابل للوصف فبطلت نية الوصف و بقيت نية الأصل و أنها كافية لصيرورة الإمساك لله تعالى على ما بينا في المسألة الأولى .
و لو نوى في النذر المعين واجبا آخر يقع عما نوى بالإجماع بخلاف صوم رمضان .
وجه الفرق : أن كل واحد من الوقتين و إن تعين لصومه إلا أن أحدهما و هو شهر رمضان معين بتعيين من له الولاية على الإطلاق و هو الله تعالى فثبت التعيين على الإطلاق فيظهر في حق فسخ سائر الصيامات و الآخر تعين بتعيين من له ولاية قاصرة و هو العبد فيظهر تعيينه فيما عينه له و هو صوم التطوع دون الواجبات التي هي حق الله تعالى في هذه الأوقات فبقيت الأوقات محلا لها فإذا نواها صح .
هذا الذي ذكرنا في حق المقيم فأما المسافر فإن صام رمضان بمطلق النية فكذلك يقع صومه عن رمضان بلا خلاف بين أصحابنا و إن صام بنية واجب آخر يقع عما نوى في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد : يقع عن رمضان و إن صام بنية التطوع فعندهما يقع رمضان .
و عن أبي حنيفة فيه روايتان : روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يقع عن التطوع و روى الحسن عنه إنه يقع عن رمضان .
قال القدوري : الرواية الأولى هي الأصح .
وجه قولهما : أن الصوم واجب على المسافر و هو العزيمة و الإفطار له رخصة فإذا اختار العزيمة و ترك الرخصة صار هو و المقيم سواء فيقع صومه عن رمضان كالمقيم و لأبي حنيفة أن الصوم و إن وجب عليه لكن رخص له في الإفطار نظرا له فلأن يرخص له إسقاط ما في ذمته و النظر له فيه أكثر أولى .
و أما إذا نوى التطوع فوجه رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة أن الصوم غير واجب على المسافر في رمضان بدليل أنه يباح له الفطر فأشبه خارج رمضان و لو نوى التطوع خارج رمضان يقع عن التطوع كله كذا في رمضان .
وجه رواية الحسن عنه : أن صوم التطوع لا يفتقر إلى تعيين نية المتطوع بل نية الصوم فيه كافية فتلغو نية التعيين و يبقى أصل النية فيصير صائما في رمضان بنية مطلقة فيقع عن رمضان .
و أما قوله : أن الصوم غير واجب على المسافر في رمضان فممنوع بل هو واجب إلا أنه يترخص فيه فإذا لم يترخص و لم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه فيقع صومه عنه و أما المريض الذي رخص له في الإفطار فإن صام بنية مطلقة يقع صومه عن رمضان بلا خلاف و إن صام بنية التطوع فعامة مشايخنا قالوا : إنه يقع صومه عن رمضان لأنه لما قدر على الصوم كالصحيح و الكرخي : سوى بين المريض و المسافر و روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يقع عن التطوع .
و يشترط لكل يوم من رمضان نية على حدة عند عامة العلماء .
و قال مالك : يجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة .
وجه قوله : إن الواجب صوم الشهر لقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } و الشهر اسم لزمان واحد فكان الصوم من أوله إلى آخره واحدة كالصلاة و الحج فيتأدى بنية واحدة .
و لنا : أن صوم كل يوم عبادة على حدة غير متعلقة باليوم الآخر بدليل أن ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر فيشترط لكل يوم منه نية على حدة .
و قوله : الشهر اسم لزمان واحد ممنوع بل هو اسم لأزمنة مختلفة بعضها محل للصوم و بعضها ليس بوقت له و هو الليالي فقد تخلل بين كل يومين ما ليس بوقت لهما فصار صوم كل يومين عبادتين مختلفتين كصلاتين و نحو ذلك .
و إن كان صوم دينا و هو صوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة لا يجوز إلا بتعيين النية حتى لو صام بنية مطلق الصوم لا يقع عما عليه لأن زمان خارج رمضان متعين للنفل شرعا عند بعض مشايخنا و المطلق ينصرف إلى ما تعين له الوقت .
و عند بعضهم : هو وقت للصيامات كلها على الإبهام فلا بد من تعيين الوقت للبعض بالنية لتتعين له لكنه عند الإطلاق ينصرف إلى التطوع لأنه أدنى و الأدنى متيقن به فيقع الإمساك عنه .
و لو نوى بصومه قضاء رمضان و التطوع كان عن القضاء في قول أبي يوسف .
و قال محمد : يكون عن التطوع .
وجه قوله : أنه عين الوقت لجهتين مختلفتين متنافيتين فسقطتا للتعارض و بقي أصل النية و هو نية الصوم فيكون عن التطوع .
و لأبي يوسف أن نية التعيين في التطوع لغو فلغت و بقي أصل النية فصار كأنه نوى قضاء رمضان و الصوم لو كان كذلك يقع عن القضاء كذا هذا .
فإن نوى قضاء رمضان و كفارة الظهار قال أبو يوسف : يكون عن القضاء استحسانا و القياس أن يكون عن التطوع و هو قول محمد .
وجه القياس : على نحو ما ذكرنا في المسألة الأولى أن جهتي التعيين تعارضتا للتنافي فسقطتا بحكم التعارض فبقي نية مطلق الصوم فيكون تطوعا .
وجه الاستحسان : أن الترجيح لتعيين جهة القضاء لأنه خلف عن صوم رمضان و خلف الشيء يقوم مقامه كأنه هو و صوم رمضان أقوى الصيامات حتى تندفع به سائر الصيامات و لأنه بدل صوم وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء و صوم كفارة الظهار وجب بسبب وجد من جهة العبد فكان القضاء أقوى فلا يزاحمه الأضعف .
و روى ابن سماعة عن محمد : فيمن نذر صوم بعينه فصامه ينوي النذر و كفارة اليمين فهو عن النذر لتعارض النيتين فتساقطا و بقي نية الصوم مطلقا فيقع عن النذر المعين و الله أعلم