فصل : و أما بيان من تجب عليه .
و أما بيان من تجب عليه فيشتمل على بيان سبب وجوب الفطرة على الإنسان عن غيره و بيان شرط الوجوب .
أما شرطه : فهو أن يكون من عليه الواجب عن غيره من أهل الوجوب على نفسه .
و أما السبب : فرأس يلزمه مؤنته و يلي عليه ولاية كاملة لأن الرأس الذي يمونه و يلي عليه ولاية كاملة تكون في معنى رأسه في الذب و النصرة فكما يجب عليه زكاة رأسه يجب عليه زكاة في معنى رأسه فيجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن مماليكه الذين هم لغير التجارة لوجود السبب ة هو لزوم المؤنة و كمال الولاية مع وجود شرطه و هو ما ذكرنا و قال صلى الله عليه و سلم : [ أدوا عن كل حر و عبد ] و سواء كانوا مسلمين أو كفارا عندنا .
و قال الشافعي : لا تؤدى إلا عن مسلم .
وجه قوله : أن الوجوب على العبد و إنما المولى يتحمل عنه لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرنا بالأداء عن العبد و الأداء عنه ينبئ عن التحمل فثبت أن الوجوب على العبد فلا بد من أهلية الوجوب في حقه و الكافر ليس من أهل الوجوب فلم يجب عليه و لا يحتمل عنه المولى لأن التحمل بعد الوجوب فأما المسلم فمن أهل الوجوب فتجب عليه الزكاة إلا أنه ليس من أهل الأداء لعدم الملك فيحتمل عنه المولى .
و لنا : أنه وجد سبب وجوب الأداء عنه و شرطه ما ذكرنا فيجب الأداء عنه .
و قوله : الوجوب على العبد و إنما المولى يتحمل عنه أداء الواجب فاسد لأن الوجوب على العبد يستدعي أهلية الوجوب في حقه ليس من أهل الوجوب هو وجوب الأداء و الأداء بالملك و لا ملك له فلا وجوب عليه فلا يتصور التحمل و قوله : المأمور به هو الأداء عنه بالنص مسلم لكن لم قلتم أن الأداء عنه يقتضي أن يكون بطريق التحمل بل هو أمر بالأداء بسببه و هو رأسه الذي يمونه و يلي عليه ولاية كاملة فكان في الحديث بيان سببة وجوب الأداء عمن يؤدي بطريق التحمل فتعتبر أهلية وجوب الأداء في حق المولى وقد وجدت .
روي [ عن ابن عباس Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أدوا صدقة الفطر عن كل حر و عبد صغير أو كبير يهودي أو نصراني أو مجوسي نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ] و هذا نص في الباب و يخرج عن مدبريه و إأمهات أولاده لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : [ أدوا عن كل حر و عبد ] و هؤلاء عبيد لقيام الرق و الملك فيهم .
ألا ترى أن له أن يستخدمهم و يستمتع بالمدبرة و أم الولد و لا يجوز ذلك في غير الملك و لا يجب عليه أن يخرج عن مكاتبه و لا عن رقيق مكاتبه لأنه لا يلزمه نفقتهم و في روايته عليهم قصور و لا يجب على المكاتب أن يخرج فطرته عن نفسه و لا عن رقيقه عند عامة العلماء .
و قال مالك : يجب عليه لأن المكاتب مالك لأنه يملك اكتسابه فكان في اكتسابه كالحر فتجب عليه كما تجب على الحر .
و لنا : أنه لا ملك له حقيقة لأنه عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و العبد مملوك فلا يكون مالكا ضرورة .
و أما معنى البعض فهو بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة و عندهما هو حر عليه دين .
و إن كان غنيا بأن كان له مال فاضلا عن دينه مائتي درهم فصاعدا فإنه يخرج صدقة الفطر عن نفسه و عن رقيقه و إلا فلا و يخرج عن عبده المؤاجر و الوديعة و العارية و عبده المديون المستغرق بالدين و عبده الذي في رقبته جناية لعموم النص لوجود سبب الوجوب و شرطه و هو ما ذكرنا و يخرج عن عبد الرهن لما ذكرنا و هذا إذا كان للراهن وفاء فإن لم يكن له وفاء فلا صدقة عليه عنه لأنه فقير بخلاف عبده المديون دينا مستغرقا لأن الصدقة تجب على المولى و لا دين على المولى .
و أما عبد عبده المأذون فإن كان على المولى دين فلا يخرج في قول أبي حنيفة لأن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون .
و عندهما : يخرج لأنه يملكه و إن لم يكن عليه دين فلا يخرج بلا خلاف بين أصحابنا لأنه عبد التجارة و لا فطرة في عبد التجارة عندنا و لا يخرج عن عبده الآبق و لا عن المغضوب المجحود و لا عن عبده المأسور لأنه خارج عن يده و تصرفه فأشبه المكاتب .
قال أبو يوسف : ليس في رقيق الأخماس و رقيق القوام الذين يقومون على مرافق العوان مثل زمزم و ما أشبهها و رقيق الفيء صدقة الفطر لعدم الولاية لأحد عليهم إذ هم ليس لهم مالك معين و كذلك السبي و رقيق الغنيمة و الأسرى قبل القسمة على أصله لما قلنا .
و أما العبد الموصي برقبته الإنسان و بخدمته لآخر فصدقة فطرة على صاحب الرقبة لقوله صلى الله عليه و سلم : [ أدوا عن كل حر و عبد ] و العبد : اسم للذات المملوكة و أنه لصاحب الرقبة و حق صاحب الخدمة متعلق بالمنافع فكان كالمستعير و المستأجر و لا يخرج عن عبيد التجارة عندنا .
و عند الشافعي : يخرج .
وجه قوله : إن وجوب الزكاة لا ينافي وجوب صدقة الفطر لأن سبب وجوب كل واحد منهما مختلف .
و لنا : أن الجمع بين زكاة المال و بين زكاة الرأس يكون ثني في الصدقة و قال النبي صلى الله عليه و سلم [ لا ثني في الصدقة ] و العبد المشترك بينه و بين غيره ليس على أحدهما صدقة فطرة عندنا .
و قال الشافعي : تجب الفطرة عليها بناة على أصله الذي ذكرنا أن الوجوب على العبد و إنما المولى يتحمل عنه بالملك قيقدر بقدر الملك .
و أما عندنا : فالوجوب على المولى بسبب الوجوب و هو رأس يلزمه مؤنته و يلي عليه ولاية كاملة و ليس لكل واحد منهما ولاية كاملة ألا ترى أنه لا يملك كل واحد منهما تزويجه فلم يوجد السبب .
فإن كان عدد من العبيد بين رجلين فلا فطرة عليهما في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و قال محمد : إن كان بحال لو قسموا أصاب كل واحد منهما عبد كامل تجب على كل واحد منهما صدقة فطره بناء على أن الرقيق لا يقسم قسمة جمع عند أبي حنيفة فلا يملك كل واحد منهما عبدا كاملا .
و عند محمد : يقسم الرقيق قسمة جمع فيملك كل واحد منهما عبدا تاما من حيث المعنى كأنه انفرد به فيجب على كل واحد منهما كالزكاة في السوائم المشتركة و أبو يوسف وافق أبا حنيفة في هذا و إن كان يرى قسمة الرقيق لنقصان الولاية إذ ليس لكل واحد منهما ولاية كاملة و كمال الولاية بعض أوصاف السبب .
و لو كان بين رجلين جارية فجاءت بولد فادعياه معا حتى ثبت نسب الولد منهما و صارت الجارية أم ولد لهما فلا فطرة على واحد منهما عن الجارية بلا خلاف بين أصحابنا لأنها جارية مشتركة بينهما .
و أما الولد فقال أبو يوسف : يجب على واحد منهما صدقة فطرة تامة .
و قال محمد : تجب عليهما صدقة واحدة .
وجه قوله : أن الذي وجب عليه واحد و الشخص الواحد لا تجب عنه إلا فطرة واحدة كسائر الأشخاص و لأبي يوسف : أن الولد ابن تام في حق كل منهما بدليل أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فيجب على كل واحد منهما عنه صدقة تامة .
و لو اشترى عبدا بشرط الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما جميعا أو شرط أحدهما الخيار لغيره فمر يوم الفطر مدة الخيار فصدقة الفطر موقوفة إن تم البيع بمضي مدة الخيار أو بالإجازة فعلى المشتري لأنه ملكه من وقت البيع و إن فسخ فعلى البائع لأنه تبين أن المبيع لم يزل عن ملكه .
و عند زفر : أن كان الخيار للبائع أو شرط الخيار لغيره فصدقة الفطر على البائع تم البيع أو انفسخ و إن كان الخيار للمشتري فعلى المشتري تم البيع أو انفسخ و لو اشتراه بعقد ثان فمر يوم الفطر قبل القبض فصدقة فطره على المشتري إن قبضه لأن الملك ثبت للمشتري بنفس الشراء و قد تقرر بالقبض و إن مات قبل القبض فلا يجب على واحد منهما أما جانب البائع فظاهر لأن العبد قد خرج عن ملكه بالبيع و وقت الوجوب هو وقت طلوع الفجر من يوم الفطر كان الملك للمشتري .
و أما جانب المشتري فلأن ملكه قد انفسخ قبل تمامه و جعل كأنه لم يكن من الأصل و لو رده المشتري على البائع بخيار رؤية أو عيب إن رده قبل القبضفعلى البائع لأن الرد قبل القبض فسخ من الأصل و إن رده بعد القبض فعلى المشتري لأنه بمنزلة بيع جديد .
و إن اشتراه شراء فاسدا فمر يوم الفطر فإن كان مر و هو عند البائع فعلى البائع لأن البيع الفاسد لا يفيد الملك للمشتري قبل القبض فمر عليه يوم الفطر و هو على ملك البائع فكان صدقة فطره عليه و غن كان في يد المشتري وقت طلوع الفجر فصدقة فطره موقوفة لاحتمال الرد فإن رده فعلى البائع لأن الرد في العقد الفاسد فسخ من الأصل .
و إن تصرف فيه المشتري حتى وجبت عليه قيمته فعلى المشتري لأنه تقرر ملكه عليه و يخرج عن أولاده الصغار إذا كانوا فقراء لقوله صلى الله عليه و سلم : [ أدوا عن كل صغير و كبير ] و لأن نفقتهم واجبة على الأب و ولاية الأب عليهم تامة و هل يخرج الجد عن ابن ابنه الفقير الصغير حال عدم الأب أو حال كونه فقيرا ذكر محمد في الأصل أنه لا يخرج .
و روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخرج .
وجه رواية الحسن : أن الجد عند عدم الأب قائم مقام الأب فكانت ولايته حال عدم الأب كولاية الأب .
وجه رواية الأصل : أن ولاية الجد ليست بولاية تامة مطلقة بل هي قاصرة ألا ترى أنها لا تثبت إلا بشرط عدم الأب فأشبهت ولاية الوصي و الوصي لا يجب عليه الإخراج فكذا الجد .
و أما الكبار العقلاء فلا يخرج عنهم عندنا و إن كانوا في عياله بأن كانوا فقراء زمنى .
و قال الشافعي : عليه فطرتهم و احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أدوا عن كل حر و عبد صغير أو كبير ممن تمونون ] فإذا كانوا في عياله يمونهم فعليه فطرتهم .
و لنا أن أحد شطري السبب و هو الولاية منعدم و الحديث محمول على جواز الأداء عنهم لا على جواز الأداء عنهم لا على الوجوب و لا يلزمه أن يخرج عن أبويه و إن كانا في عياله لعدم الولاية عليهما و لا يخرج عن الحمل لانعدام كمال الولاية و لأنه لا يعلم حياته و لا يلزم الزوج صدقة فطر زوجته عندنا .
و قال الشافعي : يلزمه لأنها تجب مؤنة الزوج و ولايته فوجد سبب الوجوب .
و لنا : إن شرط السبب كمال الولاية و ولاية الزوج عليها ليست بكاملة فلم يتم السبب و ليس في شيء من الحيوان سوى الرقيق صدقة الفطر إما لأن وجوبها عرف بالتوقيف و إنه لم يرد فيما سوى الرقيق من الحيوانات أو لأنها وجبت طهرة للصائم عن الرفث و معنى الطهرة لا يتقرر في سائر الحيوانات فلا تجب عنها و الله أعلم