حكم زكاة المعادن .
و اما أربعة أخماسه فقد اختلف أصحابنا في ذلك عند أبي حنيفة و محمد هي : للمختط له و عند أبي يوسف : لواجد لأنه مباح سبقت يده إليه .
و لهما : أن هذا مال مباح سبقت إليه يد الخصوص و هي يد المختط يصير ملكا له كالمعدن إلا أن المعدن انتقل بالبيع إلى المشتري لأنه من أجزاء الأرض و الكنز لم ينتقل إليه لأنه ليس من أجزاء المبييع و التمليك فإن استولى عليه بالاستيلاء فيبقى على ملكه كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك السمكة و الدرة لثبوت اليد عليهما فلو باع السمكة بعد ذلك لم تدخل الدرة في البيع كذا ههنا و المختط له من خصه الإمام بتمليك البقعة منه فإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك له يعرف في الإسلام كذا ذكر الشيخ الإمام الزاهد السرخسي C .
هذا إذا وجد الكنز في دار الإسلام و أما المعدن فالخارج منه في الأصل نوعان : مستجسد و مائع و المستجسد منه نوعان أيضا : نوع يذوب بالإذابة و ينطبع بالحلية كالذهب و الفضة و الحديد و الرصاص و النحاس و نحو ذلك و نوع لا يذوب بالإذابة كالياقوت و البلور و العقيق و الزمرد و الفيروزج و الكحل والمغرة و الزرنيخ والجص و النورة و نحوها .
و المائع نوع آخر كالنفط و القار و نحو ذلك و كل ذلك لا يخلو : إما أن وجده في دار الإسلام أو في دار الحرب في أرض المعركة أو غير مملوكة .
فإن وجد في دار الإسلام في أرض غير مملوكة فالموجود مما يذوب بالإذابة و ينطبع بالحلية يجب فيه الخمس سواء كان ذلك من الذهب و الفضة أو غيرهما مما يذوب بالإذابة و سواء كان قليلا أو كثيرا فأربعة أخماسه للواجد كائنا من كان إلا الحربي المستأمن فإنه يسترد منه الكل إلا إذا قاطعه الإمام فإن له أن يفي بشرطه .
و هذا قول أصحابنا رحمهم الله .
و قال الشافعي : في معادن الذهب و الفضة ربع العشر كما في الزكاة حتى شرط فيه النصاب فلم يوجب فيما دون المائتين و شرط بعض أصحابه الحول أيضا .
و أما غير الذهب و الفضة فلا خمس فيه .
و أما عندنا : فالواجب خمس الغنيمة في الكل لا يشترط في شيء منه شرائط الزكاة و يجوز دفعه إلىالوالدين و المولودين الفقراء كما في الغنائم و يجوز للواجد أن يصرف إلى نفسه إذا كان محتاجا و لا تغنيه الأربعة الأخماس .
احتج الشافعي بما روي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية و كان يأخذ منها ربع العشر ] و لأنها من نماء الأرض و ربعها فكان ينبغي أن يجب فيها العشر إلا أنه اكتفى بربع العشر لكثرة المؤنة في استخراجها .
و لنا : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال [ و في الركاز الخمس ] و هو اسم للمعدنى حقيقية و إنما يطلق على الكنز مجازا لدلائل .
أحدها : أنه مأخوذ من الركز و هو الإثبات و ما في المعدن هو المثبت في الأرض لا الكنز لأنه وضع مجاوزا للأرض .
و الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عما يوجد من الكنز العادي فقال : [ فيه و في الركاز الخمس ] عطف الركاز على الكنز و الشيء لا يعطف على نفسه هو الأصل فدل أن المراد منها المعدن .
و الثالث : ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قال : [ المعدن جبار و القليب جبار و في الركاز الخمس ] .
قيل : وما الركاز يا رسول الله ؟ فقال : [ هو المال الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق السموات والأرض ] فدل على أنه اسم للمعدن حقيقه فقد أوجب النبي صلى الله عليه و سلم الخمس في المعدن من غير فصل بين الذهب والفضة وغيرهما فدل أن الواجب هو الخمس في الكل و لأن المعادن كانت في أيدي الكفرة و قد زالت أيديهم و لم يثبت يد المسلمين على هذه المواضع لأنهم لم يقصدوا الاستيلاء على الجبال و المفاوز فبقي ما تحتها على حكم ملك الكفرة و قد استولى عليه على طريق القهر بقوة نفسه فيجب فيه الخمس و يكون أربعة أخماس له كما في الكنز .
و لا حجة له في حديث بلال بن الحارث لأنه يحتمل أنه إنما لم يأخذ منه ما زاد على ربع العشر لما علم من حاجته و ذلك جائز عندنا على ما نذكره فيحمل عليه عملا بالدليلين .
و أما ما لا يذوب بالإذابة فلا خمس فيه و يكون كله للواجد لأن الزرنيخ و الجص و النورة و نحوها من أجزاء الأرض فكان كالتراب و الياقوت و الفصوص من جنس الأحجار إلا أنها أحجار مضيئة و لا خمس في الحجر .
و أما المائع : كالقير و النفط فلا شيء فيه و يكون للواجد لأنه ماء و إنه مما لا يقصد بالاستيلاء فلم يكن في يد الكفار حتى يكون من الغنائم فلا يجب فيه الخمس .
و أما الزئبق : ففيه الخمس في قول أبي حنيفة الآخر و كان يقول : أولا لا خمس فيه .
و هو قول أبي يوسف الأول ثم رجع و قال : فيه الخمس فإن أبا يوسف قال : سألت أبي حنيفة عن الزئبق فقال : لا خمس فيه فلم أزال به حتى قال : فيه الخمس و كنت أظن أنه مثل الرصاص و الحديد ثم بلغني بعد ذلك أنه ليس كذلك و هو بمنزلة القبر و النفط .
و جه قول أبي حنيفة الأول : أنه شيء لا ينطبع بنفسه فأشبه الماء .
وجه قول محمد أن يطيع مع غيره و إن كان لا ينطبع بنفسه فأشبه الفضة لأنها لا تنطبع بنفسها لكن لما كانت تنطبع مع شيء آخر يخالطها من نحاس أو أنك وجب فيها الخمس كذا هذا .
هذا إذا وجد المعدن في دارالإسلام في أرض غير مملوكة فأما إذا وجده في أرض مملوكة أو دار أو منزل أو حانوت فلا خلاف في أن الأربعة الأخماس لصاحب الملك .
وجده هو أو غيره من توابع الأرض لأن من اجزائها خلق فيها و منها .
ألا ترى أنه يدخل في البيع من غير تسمية فإذا ملكها المختلط له بتمليك الإمام ملكها بجميع أجزائها فتنتقل عنه إلى غيره بالبييع بتوابعها أيضا بخلاف الكنز على ما مر .
و اختلف في وجوب الخمس : .
قال أبو حنيفة : لا خمس فيه في الدار و في الأرض عنه : روايتان ذكر في كتاب الزكاة : أنه لا خمس فيه و ذكر في الصرف : أنه يجب في الخمس و كذا ذكر في الجامع الصغير .
و قال أبي يوسف و محمد : يجب فيه الخمس في الأرض و الدار جميعا إذا كان الموجود مما يذوب بالإذابة و احتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و في الركاز الخمس ] من غير فصل و الركاز اسم المعدن حقيقة لما ذكرنا و لأن الإمام ملك الأرض من ملكه متعلقا بهذا الخمس لأنه حق الفقراء فلا يملك إبطال حقهم .
وجه قول أبي حنيفة : أن المعدن جزء من أجزاء الأرض فيملك بملك الأرض و الإمام ملكه مطلقا عن الحق فيملكه المختلط له كذلك و للإمام هذه الولاية ألا ترى أنه لو جعل الكل لو جعل الكل للغانمين الأربعة الأخماس مع الخمس إذا علم أن حاجتهم لا تندفع بالأربعة الأخماس جاز و إذا ملكه المختط له مطلقا عن حق متعلق به فينتقل إلى غيره كذلك .
و جه الفرق بين الدار و الأرض علىالرواية الأخرى : إن تمليك الإمام الدار جعل مطلقا عن الحقوق .
ألا ترى أنه لايجب فيها العشر و لا الخراج بخلاف الأرض فإن تمليكها وجد متعلقا بها العشر أو الخراج فجاز أن يجب الخمس و الحديث محمول على ما إذا وجده في أرض غير مملوكة توفيقا بين الدليلين .
هذا إذا وجده في دار الإسلام فأما إذا وجده في دار الحرب فإن وجده في أرض غير مملوكة فهو له و لا خمس فيه لما مر .
و إن وجده في ملك بعضهم : فإن دخل بأمان رد على صاحب الملك لما بينا و إن دخل بغير امان فهو له ولا خمس فيه كما في الكنز على ما بينا .
هذا الذي ذكرنا في حكم المستخرج من الأرض فأما المستخرج من البحر كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و كل حيلة تستخرج من البحر فلا شيء فيه و قول أبي حنيفة و محمد و هو للواجد .
و عند أبي يوسف : فيه الخمس .
و احتج بما روي عن عامل Bه كتب إليه لؤلؤ وجدت ما فيها ؟ .
قال فيها الخمس .
و رورى عنه أيضا : أنه أخذ الخمس من العنبر و لأن العشر يجب في المستخرج من المعدن فكذا في المستخرج من البحر لأن المعنى يجمعهما و هو كون ذلك مالا منتزعا من أيدي الكفار بالقهر إذ الدنيا كلها برها و بحرها كانت تحت أيديهم انتزعها من بين أيديهم فكان ذلك غنيمة فيجب فيه الخمس كسائر الغنائم .
و لهما : ما روي عن ابن عباس Bه أنه سئل عن العنبر فقال : هو شيء دسره البحر لا خمس فيه و لأن يد الكفرة لم تثبت على باطن البحار التي يستخرج منها اللؤلؤ و العنبر فلم يكن المستخرج منها مأخوذا من أيدي الكفرة على سبيل القهر فلا يكون فيه الخمس .
و على هذا قال أصحابنا : أنه إن استخرج من البحر ذهبا أو فضة فلا شيء فيه لما قلنا .
و قيل : في العنبر أنه مائع نبع فاشبه القبر .
و قيل : أنه ورث دابة فأشبه سائر الأرواث و ما روي عن عمر في اللؤلؤ و العنبر محمول على لؤلؤ و عنبر وجد في خزائن ملوك الكفرة فكان مغنوما فأوجب فيه الخمس .
و أما الثاني : هو بيان من يجوز صرف الخمس إليه و من له ولاية الأخذ و بيان مصارف الخمس إليه و من له ولاية الأخذ و بيان مصارف الخمس موضعه كتاب السير و يجوز صرفه إلى الوالدين و المولودين إذا كانوا فقراء بخلاف الزكاة و العشر و يجوز أن يصرفه إلى نفسه إذا كان محتاجا لا تغنيه الأربعة الأخماس بأن كان دون المائتين فأما إذا بلغ مائتين لا يجوز له تناول و ما روي عن علي Bه : أنه ترك الخمس للواجد محمول على ما إذا كان محتاجا و لو تصدق بالخمس نفسه على الفقراء و لم يدفعها إلى السلطان جاز و لا يؤخذ منه ثانيا بخلاف زكاة السوائم و العشر و الله أعلم