فصل : و أما الذي يرجع إلى المؤدى إليه .
فصل و أما الذي يرجع إلى المؤدى إليه فأنواع : .
منها أن يكون فقيرا فلا يجوز صرف الزكاة إلى الغني إلا أن يكون عاملا عليها لقوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل } جعل الله تعالى الصدقات للأصناف المذكورين بحرف اللام و أنه للاختصاص فيقتضي اختصاصهم باستحقاقها فلو جاز صرفها إلى غيرهم لبطل الاختصاص و هذا لا يجوز .
و الآية خرجت لبيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها و هم و إن اختلفت أساميهم فسبب الاستحقاق في الكل واحد و هو الحاجة إلا العاملين عليها فأنهم مع غناهم يستحقون العمالة لأن السبب في حقهم العمالة لما نذكر .
ثم لا بد من بيان معاني هذه الأسماء : أما الفقراء و المساكين فلا خلاف في أن كل واحد منهما جنس على حدة وهو الصحيح لما نذكر .
و اختلف أهل التاويل و اللغة في معنى الفقير و المسكين و في أن أيهما أشد حاجة و أسوأ حالا .
قال الحسن : الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل و هكذا ذكره الزهري و كذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة و هو المروي عن ابن عباس Bهما و هذا يدل على أن المسكين أحوج .
و قال قتادة : الفقير الذي به زمانه و له حاجة و المسكين المحتاج الذي لا زمانه به و هذا يدل على أن الفقير أحوج و قيل الفقير الذي لا يملك شيئا بقوته و المسكين الذي لا شيء له سمي مسكينا لما أسكنته حاجته عن التحرك فلا يقدر يبرح عن مكانه و هذا أشبه الأقاويل قال الله تعالى : { أو مسكينا ذا متربة } قيل في التفسير أي استتر بالتراب و حفر الأرض إلى عانته و قال الشاعر : .
( أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سيد ) .
سماه فقيرا مع أن له حلوبة هي رفق العيال و الأصل الفقير و المسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة إلا حاجة المسكين أشد و على هذا يخرج قول من يقول : الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل لأن من شأن الفقير المسلم أنه يتحمل ما كانت له حيلة و يتعفف و لا يخرج فيسأل و له حيلة فسؤاله يدل على شدة حاله .
و ما روى أبو هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس المسكين الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة و اللقمتان و التمرة و التمرتان قيل : فما المسكين يا رسول الله قال : الذي لا يجد ما يغنيه و لا يفطن به فيتصدق عليه و لا يقول فيسأل الناس ] فهو محمول على أن الذي يسأل و إن كان عندكم مسكينا فإن الذي لا يسأل و لا يفطن به أشد مسكنة من هذا و على هذا يحمل ما روي عن عمر Bه أنه قال ليس المسكين الذي لا مال له و لكن المسكين الذي لا مكسب له أي الذي لا مال له و إن كان مسكينا فالذي لا مال له و لا مكسب له أشد مسكنة منه و كأنه قال : لا مال له و لا مكسب فهو فقير و المسكين الذي لا مال له و لا مكسب .
و ما قال بعض مشياخينا : إن الفقراء و المساكين جنس واحد في الزكاة بلا خلاف بين أصحابنا بدليل جواز صرفها إلى جنس واحد و إنما الخلاف بعد في كونهما جنسا واحدا أو جنسين في الوصايا اختلاف بين أصحابنا غير سديد بل لا خلاف بين أصحابنا في أنهما جنسان مختلفان فيهما جميعا لما ذكرنا و الدليل عليه أن الله تعالى عطف البعض على البعض و العطف دليل المغايرة في الأصل و إنما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى آخر و ذلك المعنى لا يوجد في الوصية و هو دفع الحاجة و إذا حصل بالصرف إلى صنف واحد و الوصية ما شرعت لدفع حاجة الموصى له فإنها تجوز للفقير و الغني و قد يكون للموصي أغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا يمكن تعليل نص كلامه فتجري على ظاهر لفظه من غير اعتبار المعنى بخلاف الزكاة فإنا عقلنا المعنى فيها و هو دفع الحاجة و إزالة المسكنة و جميع الأصناف في هذا المعنى جنس واحد لذلك افترقا لا لما قالوه و الله أعلم .
و أما العاملون عليها : فهم الذين نصبهم الإمام لجباية الصدقات و اختلف فيما يعطون .
قال أصحابنا : يعطيهم الإمام كفايتهم منها .
و قال الشافعي : يعطيهم الثمن .
وجه قوله : أن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف الثمانية منهم العاملون عليها فكان لهم منها الثمن .
و لنا : أن ما يستحقه العامل إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة بدليل أنه يعطي و إن كان غنيا بالإجماع و لو كان ذلك صدقة لما حلت للغني و بدليل أنه لو حمل زكاته بنفسه إلى الإمام لا يستحق العامل منها شيئا و لهذا قال أصحابنا : أن حق العامل فيما في يده من الصدقات حتى لو هلك ما في يده سقط حقه كنفقة المضارب إنها تكون في مال المضاربة حتى لو هلك مال المضاربة سقطت نفقته كذا هذا دل أنه إنما يستحق بعمله لكن على سبيل الكفاية له و لأعوانه لا على سبيل الأجرة مجهولة أما عندنا فظاهر لأن قدر الكفاية له و لأعوانه غير معلوم و كذا عنده لأن قدر ما يجتمع من الصدقات بجبايته مجهول فكان ثمنه مجهولا لا محالة و جهالة أحد البدلين يمنع جواز الإجارة فجهالة البدلين جميعا أولى فدل أن الإستحقاق ليس على سبيل الأجرة بل على طريق الكفاية له و لأعوانه لاشتغاله بالعمل لأصحاب المواشي فكانت كفايته في مالهم .
و أما قوله : إن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف المذكورين في الآية فممنوع أنه قسم بل بين فيها مواضع الصدقات و مصارفها لما نذكر و لو كان العامل هاشميا لا يحل له عندنا و عند الشافعي يحل و احتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بعث عليا Bه إلى اليمن مصدقا ] و فرض له و لو لم يحل للهاشمي لما فرض له و لأن العمالة أجرة العمل بدليل أنها تحل للغني فيستوي فيه الهاشمي و غيره .
و لنا : ما روي أن نوفل بن الحارث بعث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليستعملها على الصدقة فقال صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل لكما الصدقة ] و لا غسالة الناس و لأن المال المجبى صد5قة و لما حصل في يد الإمام حصلت الصدقة مؤداة حتى لو هلك المال في يده تسقط الزكاة عن صاحبها و إذا حصلت صدقة و الصدقة مطهرة لصاحبها فتمكن الخبث في المال فلا يباح للهاشمي لشرفه عن نتاول صيانة له عن تناول الخبث تعظيما لرسول الله صلى الله عليه و سلم أو نقول : للعمالة شبهة الصدقة و إنها من أوساخ الناس فيجب صيانة الهاشمي عن ذلك كرامة له و تعظيما للرسول صلى الله عليه و سلم .
و هذا المعنى لايوجد في الغني و قد فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية و الغني لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل أنه يباح له و إن كان غنيا ملكا فكذا هذا و قوله : أن الذي يعطي للعامل أجرة عمله ممنوع و قد بينا فساده .
و أما حديث علي Bه فلا حجة فيه لأن فيه أنه فرض له و ليس فيه بيان المفروض أنه من الصدقات أو من غيرها فيحتمل أنه فرض له من بيت المال لأنه كان قاضيا و الله أعلم