فصل : و أما صفة نصاب السائمة .
و أما صفة نصاب السائمة فله صفات .
منها : أن يكون معدا للإسامة و هو أن يسميها للدر و النسل لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي و هو المعد للاستنماء و النماء في الحيوان بالإسامة إذ بها يحصل النسل فيزداد المال فإن أسيمت للحمل أو الركوب أو اللحم فلا زكاة فيها و لو أسيمت للبيع و التجارة ففيها زكاة مال التجارة لا زكاة السائمة ثم السائمة هي الراعية التي تكتفي بالرعي عن العلف و يمونها ذلك و لا تحتاج إلى أن تعلف فإن كانت تسام في بعض السنة و تعلف و تمان في البعض يعتبر فيه الغالب لأن للأكثر حكم الكل ألا ترى أن أهل اللغة لا يمنعون من إطلاق اسم السائمة على ما تعلف زمانا قليلا من السنة و لأن وجوب الزكاة فيها لحصول معنى النماء و قلة المؤنة لأن عند ذلك يتيسر الأداء فيحصل الأداء عن طيب نفس و هذا المعنى يحصل إذا أسميت في أكثر السنة .
و منها : أن يكون الجنس فيه واحدا من الإبل و البقر و الغنم سواء اتفق النوع و الصفة او اختلفا فتجب الزكاة عند كمال النصاب من كل جنس من السوائم و سواء كانت كلها ذكورا أو إناثا أو مختلطة و سواء كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة كالعراب و البخاتي في الإبل و الجواميس في البقر و الضأن و المعز في الغنم لأن الشرع ورد بنصابها باسم الإبل و البقر و الغنم فاسم الجنس يتناول جميع الأنواع بأي صفة كانت كاسم الحيوان و غير ذلك و سواء كان متولدا من الأهلي أو من أهلي و وحشي بعد أن كان الأم أهليا كالمتولد من الشاة و الظبي إذا كان أمه شاة و المتولد من البقر الأهلي و الوحشي إذا كان أمه أهلية فتجب فيه الزكاة و يكمل به النصاب عندنا .
و عند الشافعي : لا زكاة فيه .
وجه قوله : إن الشرع ورد باسم الشاة بقوله في أربعين شاة شاة و إن كان شاة بالنسبة إلى الأم فليس بشاة بالنسبة إلى الفحل فلا يكون شاة على الإطلاق فلا يتناوله النص .
و لنا : أن جانب الأم راجح بدليل أن الولد يتبع الأم في الرق و الحرية و لما نذكر في كتاب العتاق إن شاء الله تعالى .
و منها : السن و هو أن تكون كلها مسان أو بعضها فإن كان كلها صغارا فصلانا أو حملانا أو عجاجيل فلا زكاة فيها و هذا قول أبي حنيفة و محمد .
و كان أبو حنيفة يقول أولا : يجب فيها ما يجب في الكبار و به أخذ زفر و مالك ثم رجع و قال : يجب فيها واحدة منها و به أخذ أبو يوسف و الشافعي ثم رجع و قال : لا يجب فيها شيء و استقر عليه و به أخذ محمد .
و اختلف الرواية عن أبي يوسف في زكاة الفصلان في رواية قال : لا زكاة فيها حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا تجب فيها واحدة منها و هو خمسة و عشرون و في رواية قال : في الخمس خمس فصيل و في العشر خمسا فصيل و في خمسة عشر ثلاثة أخماس فصيل و في عشرين أربعة أخماس فصيل و في خمس و عشرين واحدة منها .
و في رواية قال في الخمس ينظر إلى قيمة شاة وسط و إلى قيمة خمس فصيل فيجب أقلهما و في العشر ينظر إلى قيمة شاتين و إلى قيمة خمسين فصيل فيجب أقلهما و في خمسة عشر ينظر إلى قيمة ثلاث شياه و إلى قيمة ثلاثة أخماس فصيل فيجب أقلهما و في عشرين ينظر إلى قيمة أربعة شياه و إلى قيمة أربعة أخماس فصيل فيجب أقلهما و في خمس و عشرين يجب واحدة منها و على رواياته كلها قال لا تجب في الزيادة على خمس و عشرين شيء حتى تبلغ العدد الذي لو كانت كبارا يجب فيها اثنان ـ و هو ستة و سبعون ـ ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ العدد الذي لو كانت كبارا يجب فيها ثلاثة و هو مائة و خمسة و أربعون .
و احتج زفر بعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ في خمس و عشرين من الإبل بنت مخاض ] و قوله [ في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ] من غير فصل بين الكبار و الصغار و به تبين إن المراد من الواجب في قوله في خمس من الإبل شاة و في قوله في أربعين شاة شاة هو الكبيرة لا الصغيرة .
و لأبي يوسف أنه لا بد من الإيجاب في الصغار لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : [ في خمس من الإبل شاة و في أربعين شاة شاة ] لكن لا سبيل إلى إيجاب المسنة لقول النبي صلى الله عليه و سلم للسعاة : [ إياكم و كرائم أموال الناس ] و قوله : [ لا تأخذوا من حرزات الأموال و لكن خذوا من حواشيها ] و أخذ الكبار من الصغار أخذ من كرائم الأموال و حرزاتها و أنه منهي و لأنه مبنى الزكاة على النظر من الجانبين جانب الملاك و جانب الفقراء .
ألا ترى أن الواجب هو الوسط و ما كان ذلك إلا مراعاته الجانبين و في إيجاب المسنة اضرار بالملاك لأن قيمتها قد تزيد على قيمة النصاب و فيه إجحاف بأرباب الأموال و في نفي الوجوب رأسا إضرار بالفقراء فكان العدل في إيجاب واحدة منها .
و قد روي عن أبي بكر الصديق Bه أنه قال : لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم و العناق هي الأنثى الصغيرة من أولاد المعز فدل أن أخذ الصغار زكاة كان أمرا ظاهرا في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لأبي حنيفة و محمد : أن تنصيب النصاب بالرأي ممتنع و إنما يعرف بالنص و النص إنما ورد باسم الإبل و البقر و الغنم و هذه الأسامي لا تتناول الفصلان و الحملان و العجاجيل فلم يثبت كونها نصابا .
و عن أبي بن كعب أنه قال : و كان مصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عهدي أن لا آخذ من راضع اللبن شيئا .
و أما قول الصديق Bه : لو منعوني عناقا فقد روي عنه أنه قال : لو منعوني عقالا و هو صدقة عام أو الحبل الذي يعقل به الصدقة فتعارضت الرواية فيه فلم يكن حجة و لئن ثبت فهو كلام تمثيل لا تحقيق أي لو وجبت هذه و منعوها لقاتلتهم و أما صورة هذه المسألة فقد تكلم المشايخ فيها لأنها مشكلة إذ الزكاة لا تجب قبل تمام الحول و بعد تمامه لا يبقى اسم الفصيل و الحمل و العجول بل تصير مسنة .
قال بعضهم : الخلاف في أن الحول هل ينعقد عليها و هي صغار أو يعتبر انعقاد الحول عليها إذا كبرت و زالت صفة الصغر عنها .
و قال بعضهم : الخلاف فيما إذا كان له نصاب من النوق فمضى عليها ستة أشهر أو أكثر فولدت أولادا ثم ماتت الأمهات و تم الحول على الأولاد و هي صغار هل تجب الزكاة في الأولاد أم لا ؟ .
و على هذا الاختلاف إذا كان له مسنات فاستفاد في خلال الحول صغارا ثم هلكت المسنات و بقي المستفاد أنه هل تجب الزكاة في المستفاد ؟ فهو على ما ذكرنا و إلى هذا أشار محمد C تعالى في الكتاب فيمن كان له أربعون حملا و واحدة مسنة فهلكت المسنة و تم الحول على الحملان أنه لا يجب شيء عند أبي حنيفة و محمد .
و عند أبي يوسف : تجب واحدة منها .
و عند زفر : تجب مسنة .
هذا إذا كان الكل صغارا فأما إذا اجتمعت الصغار و الكبار و كان واحد منها كبيرا فإن الصغار تعد و يجب فيها ما يجب في الكبار و هو المسنة بلا خلاف لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ تعد صغارها و كبارها ] و روي أن الناس شكوا إلى عمر عامله و قالوا : إنه يعد علينا السخلة و لا يأخذها منا فقل عمر : أليس يترك لكم الربي و الماخض و الأكيلة و فحل الغنم ثم قال : عدها و لو راح بها الراعي على كفه و لا تأخذها منهم و لأنها إذا كانت مختلطة بالكبار أو كان فيها كبير دخلت تحت اسم الإبل و البقر و الغنم فتدخل تحت عموم النصوص فيجب في الكبار و لأنه إذا كان فيها مسنة كانت تبعا للمسنة فيعتبر الأصل دون التبع فإن كان واحد منها مسنة فهلكت المسنة بعد الحول سقطت الزكاة عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف تجب في الصغار زكاتها بقدرها حتى لو كانت حملانا يجب عليه تسعة و ثلاثون جزءأ من أربعين جزأ من الحمل لأن عندهما وجوب الزكاة في الصغار لأجل الكبار تبعا لها فكانت أصلا في الزكاة فهلاكها الجميع و عنده الصغار أصل في النصاب و الواجب واحد منها و إنما الفصل على الحمل الواحد باعتبار المسنة فهلاكها يسقط الفصل لا أصل الواجب .
و لو هلكت الحملان و بقيت المسنة يؤخذ قسطها من الزكاة جزأ من أربعين جزءا من المسنة لأن المسنة كانت سبب زكاة نفسها و زكاة تسعة و ثلاثين سواها لأن كل الفريضة كانت فيها لكن أعطى الصغار حكم الكبار تبعا لها فصارت الصغار كأنها كبار فإذا هلكت الحملان هلكت بقسطها من الفريضة و بقيت المسنة بقسطها من الفريضة و هو ما ذكرنا .
ثم الأصل حال اختلاط الصغار بالكبار أنه تجب الزكاة في الصغار تبعا للكبار إذا كان العدد الواجب في الكبار موجودا في الصغار في قولهم جميعا فإذا لم يكن عدد الواجب في الكبار كله موجودا في الصغار فإنها تجب بقدر الموجود على أصل أبي حنيفة و محمد بيان ذلك إذا كان له مسنتان و مائة و تسعة عشر حملا يجب فيها مسنتان بلا خلاف لأن عدد الواجب موجود فيه و إن كان له مستة واحدة و مائة و عشرون حملا أخذت تلك المسنة لا غير في قول أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف تؤخذ المسنة و حمل و كذلك ستون من العجاجيل فيها تبيع عند أبي حنيفة و محمد يؤخذ التبيع لا غير .
و عند أبي يوسف : يؤخذ التبيع و عجول و كذلك ستة و سبعون من الفصلان فيها بنت لبون إنها تؤخذ فحسب في قولهما و عند أبي يوسف : تؤخذ بنت لبون و فصيل لأن الوجوب لا يتعلق بالصغار أصلا عندهما و عنده يتعلق بها و الله أعلم