فصل : و أما أموال التجارة فتقدير النصاب فيها .
و أما أموال التجارة فتقدير النصاب فيها بقيمتها من الدنانير و الدراهم فلا شيء فيها ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم أو عشرين مثقالا من ذهب فتجب فيها الزكاة و هذا قول عامة العلماء .
و قال أصحاب الظواهر : لا زكاة فيها أصلا .
و قال مالك : إذا نضت زكاها لحول واحد .
وجه قول أصحاب الظواهر : إن وجوب الزكاة إنما عرف بالنص و النص ورد بوجوبها في الدراهم و الدنانير و السوائم فلو وجبت في غيرها لوجبت بالقياس عليها و القياس ليس بحجة خصوصا في باب المقادير .
و لنا : ما روي عن سمرة بن جندب انه قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بإخراج الزكاة من الرقيق الذي كنا نعده للبيع ] .
و روي عن أبي ذر Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ في البر صدقة ] .
و قال صلى الله عليه و سلم : [ هاتوا ربع عشر أموالكم ] .
فإن قيل : الحديث ورد في نصاب الدراهم لأنه قال في آخره من كل أربعين درهما درهم فالجواب أن أول الحديث عام و خصوص آخره يوجب سلب عموم أوله أو نحمل قوله من كل أربعين درهم على القيمة أي من كل أربعين درهما من قيمتها درهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ و أدوا زكاة أموالكم ] من غير فصل بين مال و مال إلا ما خص بدليل و لأن مال التجارة مال نام فاضل عن الحاجة الأصلية فيكون مال الزكاة كالسوائم .
و قد خرج الجواب عن قولهم إن وجوب الزكاة عرف بالنص لأنا قد روينا النص في الباب على أن أصل الوجوب عرف بالعقل و هو شكر لنعمة المال و شكر نعمة المقدرة بإعانة العاجز إلا أن مقدار الواجب عرف بالسمع و ما ذكره مالك غير سديد لأنه وجد سبب وجوب الزكاة و شرطه في كل حول فلا معنى لتخصيص الحول الأول بالوجود فيه كالسوائم و الدراهم و الدنانير و سواء كان مال التجارة عروضا أو عقارا أو شيئا مما يكال أو يوزن لأن الوجوب في أموال التجارة بالمعنى و هو المالية و القيمة و هذه الأموال كلها في هذا المعنى جنس واحد و كذا يضم بعض أموال التجارة إلى البعض في تكميل النصاب لما قلنا .
و إذا كان تقدير النصاب من أموال التجارة بقيمتها من الذهب و الفضة و هو أن تبلغ قيمتها مقدار نصاب من الذهب و الفضة فلا بد من التقويم حتى يعرف مقدار النصاب ثم بماذا تقوم ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أنه يقوم بأوفي القيمتين من الدراهم و الدنانير حتى أنها إذا بلغت بالتقويم بالدراهم نصابا و لم تبلغ بالدنانير قومت بما تبلغ به النصاب و كذا روي عن أبي حنيفة في الأموال أنه يقومها بأنفع النقدين للفقراء .
و عن أبي يوسف : أنه يقومها بما اشتراها به فإن اشتراها بالدراهم قومها بالدراهم و إن اشتراها بالدنانير قومها بالدنانير و إن اشتراها بغيرهما من العروض أو لم يكن اشتراها بأن كان وهب له فقبله ينوي به التجارة قومها بالنقد الغالب في ذلك الموضع .
و عند محمد : يقومها بالنقد الغالب على كل حال .
و ذكر في كتاب الزكاة : أنه يقومها يوم حال الحول إن شاء بالدراهم و إن شاء بالدنانير .
وجه قول محمد : أن التقويم في حق الله تعالى يعتبر بالتقويم في حق العباد ثم إذا وقعت الحاجة إلى تقويم شيء من حقوق العباد كالمغصوب و المستهلك يقوم بالنقد الغالب في البلدة كذا هذا .
وجه قول أبي يوسف : أن المشتري بدل و حكم البدل يعتبر بأصله فإذا كان مشتري بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولى .
وجه رواية كتاب الزكاة : أن وجوب الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها و التقويم لمعرفة مقدار المالية و النقدان في ذلك سيان فكان الخيار إلى صاحب المال يقومه بأيهما شاء ألا ترى أن في السوائم عند الكثرة و هي ما إذا بلغت مائتين الخيار إلى صاحب المال إن شاء أدى أربع حقاق و إن شاء خمس بنات لبون فكذا هذا .
وجه قول أبي حنيفة : أن الدراهم و الدنانير و إن كانا في الثمنية و التقويم بهما سواء لكنا رجحنا أحدهما بمرجح و هو النظر للفقراء و الأخذ بالاحتياط أولى ألا ترى أنه لو كان بالتقويم بأحدهما يتم النصاب و بالآخر لا فإنه يقوم بما يتم به النصاب نظرا للفقراء و احتياطا كذا هذا و مشايخنا حملوا رواية كتاب الزكاة على ما إذا كان لا يتفاوت النفع في حق الفقراء بالتقويم بأيهما كان جمعا بين الروايتين .
و كيفما كان ينبغي أن يقوم بأدنى ما ينطلق عليه اسم الدراهم أو الدنانير و هي التي يكون الغالب فيها الذهب و الفضة و على هذا إذا كان مع عروض التجارة ذهب و فضة فإنه يضمها إلى العروض و يقومه جملة لأن معنى التجارة يشمل الكل لكن عند أبي حنيفة يضم باعتبار القيمة إن شاء قوم العروض و ضمها إلى الذهب و الفضة و إن شاء قوم الذهب و الفضة و ضم قيمتها إلى قيمة أعيان التجارة .
و عندهما : يضم باعتبار الأجزاء فتقوم العروض فيضم قيمتها إلى ما عنده من الذهب و الفضة فإن بلغت الجملة نصابا تجب الزكاة و إلا فلا و لا يقوم الذهب و الفضة عندهما أصلا في باب الزكاة على ما مر