صلاة التطوع هل يلزم بالشروع .
فصل : و أما بيان أدائها إذا فاتت عن وقتها أم لا ؟ فقد قيل : أنها تقضى و الصحيح : أنها لا تقضى لأنها ليست بآكد من سنة المغرب و العشاء فتلك لا تقضى فكذلك هذه .
فصل : و أما الصلاة التطوع فالكلام فيها يقع في مواضع : في بيان أن التطوع هل يلزم بالشروع ؟ و في بيان مقدار ما يلزم منه بالشروع و في بيان أفضل التطوع و في بيان ما يكره من التطوع و في بيان ما يفارق التطوع الفرض فيه .
أما الأول : فقد قال أصحابنا : إذا شرع في التطوع يلزمه المضي فيه و إذا أفسده يلزمه القضاء و قال الشافعي : لا يلزمه المضي في التطوع و لا القضاء بالإفساد .
وجه قوله : إن التطوع تبرع و أنه ينافي الوجوب و إذا لم يجب المضي فيه لا يجب القضاء بالإفساد لأن القضاء تسليم مثل الواجب .
و لنا : أن المؤدى عبادة و إبطال العبادة حرام لقوله تعالى : { و لا تبطلوا أعمالكم } فيجب صيانتها عن الإبطال و ذلك طريقة المضي فيها و إذا أفسدها فقد أفسد عبادة واجبة الأداء فيلزمه القضاء جبرا للفائت كما في المنذور و المفروض و قد خرج الجواب كما ذكره أنه تبرع لأنا نقول نعم قبل الشروع و أما بعد الشروع فقد صار واجبا لغيره و هو صيانة المؤدى عن البطلان و لو افتتح الصلاة مع الإمام و هو ينوي التطوع و الإمام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها لما قلنا فإن دخل معه فيها ينوي التطوع فهذا على ثلاثة أوجه : .
إما أن ينوي قضاء الأولى أو لم يكن له نية أصلا او نوى صلاة أخرى ففي الوجهين الأولين : يسقط عنه و تنوب هذه عن قضاء ما لزمه بالإفساد صار دينا في ذمته كالصلاة المنذورة فلا يتأدى خلف إمام يصلي صلاة أخرى .
و لنا : أنه لو أتمها حين شرع فيها لا يلزمه شيء آخر فكذا إذا أتمها بالشروع الثاني لأنه ما التزم بالشروع إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام و قد أداها و إن نوى تطوعا آخر ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالإفساد و هو قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و ذكر في زيادات أنه لا ينوب .
و وجهه : أنه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا عليه بالإفساد فلا ينوب هذا المؤدى عنه بخلاف الأول وجه قولهما : أنه ما التزم في المرتين إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام و قد أداها و الله أعلم .
ثم الشروع في التطوع في الوقت المكروه و غيره سواء في كونه سببا للزوم في قول أصحابنا الثلاثة .
و قال زفر : الشروع في التطوع في الأوقات المكروهة غير ملزم حتى لو قطعها لا شيء عليه عنده و عندنا الأفضل أن يقطع و إن أتم فقد أساء و لا قضاء عليه لأنه أداها كما وجبت و إذا قطعها فعليه القضاء .
و أما الشروع في الصوم في الوقت المكروه فغير ملزم عند أبي حنيفة و زفر رحمها الله تعالى و عندهما : ملزم فهما سويا بين الصوم و الصلاة و جعلا الشروع فيهما ملزما كالنذر لكون المؤدى عبادة وزفر سوى بينهما بعلة ارتكاب المنهي و جعل الشروع فيهما غير ملزم و أبو حنيفة فرق و الفرق له من وجوه .
أحدها : ما لابد له من تقديم مقدمة و هي أن ما تركب من أجزاء متفقة ينطلق اسم الكل فيه على البعض كالماء فإن ماء البحر يسمى ماء و قطرة منه تسمى ماء و كذا الخل و الزيت و كل مائع و ما تركب من أجزاء مختلفة لا يكون للبعض منه اسم الكل كالسنجبين لا يسمى الخل وحده و لا السكر وحده سكنجبينا و كذا الأنف وحده لا يسمى وجها و لا الخد وحده و لا العظم وحده يسمى آدميا ثم الصوم يتركب من أجزاء متفقة فيكون لكل جزء اسم الصوم و الصلاة تتركب من أجزاء مختلفة و هي القيام و القراءة و الركوع و السجود فلا يكون للبعض اسم الكل .
و من هذا قال أصحابنا : إن من حلف لا يصوم ثم شرع في الصوم فكما شرع يحنث و لو حلف أن لا يصلي فما لم يقيد الركعة بالسجدة لا يحنث و إذا تقرر هذا الأصل فنقول : أنه نهي عن الصوم فكما شرع باشر الفعل المنهي و نهى عن الصلاة فما لم يقيد الركعة بالسجدة لم يباشر منهيا فما انعقد انعقد قربة خالصة غير منهي عنها فبعد هذا يقول بعض مشايخنا : إن الشروع سبب الوجوب و هو في الصوم منهي ففسد في نفسه فلم يصر سبب الوجوب و في الصلاة ليس بمنهي فصار سببا للوجوب و إذا تحقق هذا فنقول : وجوب المضي في التطوع لصيانة ما انعقد قربة و في باب الصوم ما انعقد انعقد معصية من وجه و المضي أيضا معصية و المضي لو وجب لصيانة ما انعقد و ما انعقد عبادة و هو منهي عنه و تقرير العبادة و صيانتها واجب .
و تقرير المعصية و صيانتها معصية فالصيانة واجبة من وجه محظورة من وجه فلم تجب الصيانة عند الشك و ترجحت جهة الخطر على ما هو الأصل و الصيانة لا تحصل إلا بما هو عبادة و بما هو معصية و إيجاب العبادة ممكن و إيجاب المعصية غير ممكن فلم يجب المضي عند التعارض بل يرجح جانب فأما في باب الصلاة فما انعقد انعقد عبادة خالصة لا حظر فيها فوجب تقريرها و صيانتها ثم صيانتها .
و إن كانت بالمضي و بالمضي يقع في المحظور لكن لو مضى تقررت العبادة و تقرير العبادة واجب .
و ما يأتي به عبادة و محظور أيضا فكان محصلا للعبادة من وجهين و مرتكبا للنهي من وجه فترجحت جهة العبادة ولو امتنع عن المضي امتنع عن تحصيل ما هو منهي و لكن امتنع أيضا عن تحصيل ما هو عبادة و أبطل العبادة المتقررة و إبطالها محظور محض فكان المضي للصيانة أولى من المتناع فلزمه المضي فإذا أفسده يلزمه القضاء .
و منهم من فرق بينهما فقال : إن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ثبت يدليل فيه شبهة العدم و هو خبر الواحد و قد اختلف العلماء في صحته و وروده فكان في ثبوته شك و شبهة و ما كان هذا سبيله كان قبوله بطريق الاحتياط و الاحتياط في حق إيجاب القضاء على من أفسد بالشروع ان يجعل كأنه ما ورد بخلاف النهي عن الصوم لأنه ثبت بالحديث المشهور و تلقته أئمة الفتوى بالقبول فكان النهي ثابتا من جميع الوجوه فلم يصح الشروع فلم يجب القضاء بالإفساد و الفقيه الجليل أبو أحمد العياضي السمرقندي ذكر هذه الفروق .
و أشار إلى فرق آخر و هو أن الصوم وجوبه بالمباشرة و هو فعل من الصوم المنهي عنه فأما الصلاة بالتحريمة و هي قول : و ليست من الصلاة فكانت بمنزلة النذر و الله أعلم .
غير أنه لو أفسد مع هذا و قضى في وقت آخر كان أحسن لأن الإفاسد ليؤدي أكمل لا يعد إفسادا و ههنا كذلك أنه يؤدي خاليا عن اقتران النهي به و لكن لو صلى مع هذا جاز لأنه ما لزمه إلا هذه الصلاة و قد أساء حيث أدى مقرونا بالنهي .
و لو افتتح التطوع وقت طلوع الشمس فقطعها وقت تغير الشمس أجزأه لأنها وجبت ناقصة و أداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت ثم الشروع إنما يكون سبب الوجوب إذا صح فأما إذا لم يصح فلا حتى لو شرع في التطوع على غير وضوء أو في ثوب نجس لا يلزمه القضاء و كذا القارئ إذا شرع في صلاة الأمي بنية التطوع أو في صلاة امرأة أو جنب أو محدث ثم أفسدها على نفسه لا قضاء عليه لأن شروعه في الصلاة لم يصح حيث اقتدى بمن لا يصلح إماما له و كذا الشروع في الصلاة المظنونة غير موجب حتى لو شرع في الصلاة على ظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه لا يلزمه المضي و لو أفسد لا يلزمه القضاء عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و في باب الحج : يلزمه التطوع بالشروع معلوما كان أو مظنونا و الفرق يذكر في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى