فصل : في القنوت .
و أما القنوت فالكلام فيه في مواضع في صفة القنوت ومحل أدائه ومقداره ودعائه وحكمه إذا فات عن محله أما الأول فالقنوت واجب عند أبي حنيفة وعندهما سنة والكلام فيه كالكلام في أصل الوتر وأما محل أدائه فالوتر في جميع السنة قبل الركوع عندنا وقد خالفنا الشافعي في المواضع الثلاثة فقال : يقنت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع ولا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان بعد الركوع .
واحتج في المسألة الأولى بما [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقنت في صلاة الفجر وكان يدعو على قبائل ] .
ولنا : ما [ روى ابن مسعود وجماعة من الصحابة Bهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قنت في صلاة الفجر شهرا كان يدعو في قنوته على رعل وذكوان ويقول : اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ثم تركه ] فكان منسوخا دل عليه أنه روى أنه صلى الله عليه و سلم : [ كان يقنت في صلاة المغرب كما في صلاة الفجر ] وذلك منسوخ بالإجماع .
و قال أبو عثمان النهدي : صليت خلف أبي بكر وخلف عمر كذلك فلم أر أحدا منهما يقنت في صلاة الفجر .
واحتج في المسألة الثانية بما روي أن عمر بن الخطاب Bه : لما أمر أبي بن كعب بالإمامة في ليالي رمضان أمره بالقنوت في النصف الأخير منه .
ولنا : ما روي عن عمر وعلي و ابن مسعود و ابن عباس Bهم أنهم قالوا : راعينا .
صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالليل فقنت قبل الركوع ولم يذكروا وقتا في السنة .
وتأويل ما رواه الشافعي أنه طول القيام بالقراءة وطول القيام يسمى قنوتا لا أنه أراد به القنوت في الوتر وإنما حملناه على هذا لأن إمامة أبي بن كعب كانت بمحضر من الصحابة ولا يخفى عليهم حاله وقد روينا عنهم بخلافه .
واستدل في المسألة الثالثة بصلاة الفجر ثم قد صح في الحديث [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه كان يقنت في .
صلاة الفجر بعد الركوع ] فقاس عليه القنوت في الوتر .
ولنا : ما روينا عن جماعة من الصحابة Bهم قنوت رسول الله صلى الله عليه و سلم في الوتر قبل الركوع .
واستدلاله بصلاة الفجر غير سديد لأنه استدلال بالمنسوخ على ما مر وأما مقدار القنوت فقد ذكر الكرخي .
أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة { إذا السماء انشقت } وكذا ذكر في الأصل لما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقرأ في القنوت : اللهم إنا نستعينك اللهم اهدنا فيمن هديت ] وكلاهما على مقدار هذه السورة وروي أنه صلى الله عليه و سلم [ كان لا يطول في دعاء القنوت ] .
وأما دعاء القنوت فليس في القنوت دعاء موقت كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة لأنه روي عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت ولأن الموقت من الدعاء يجري على لسان الداعي من غير احتياجه إلى إحضار قلبه وصدق الرغبة منه إلى الله تعالى فيبعد عن الإجابة ولأنه لا توقيت في القراءة لشيء من الصلوات ففي دعاء القنوت أولى .
وقد روى عن محمد أنه قال : التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب وقال بعض مشايخنا : المراد من قوله ليس في القنوت دعاء موقت ما سوى قوله : اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة Bهم اتفقوا على هذا في القنوت فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما [ علم رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي رض الله عنهما في قنوته اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره ] وقال بعضهم الأفضل في الوتر أن يكون فيه دعاء موقت لأن الإمام ربما يكون جاهلا فيأتي بدعاء يشبه كلام الناس فتفسد الصلاة وما روي عن محمد أن التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب محمول على أدعية المناسك دون الصلاة لما ذكرنا .
وأما صفة دعاء القنوت من الجهر والمخافتة ؟ فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه إن كان منفردا فهو بالخيار إن شاء جهر وأسمع غيره وإن شاء جهر وأسمع نفسه وان شاء أسر كما في القراءة وإن كان إماما يجهر بالقنوت لكن دون الجهر بالقراءة في الصلاة والقوم يتابعونه هكذا إلى قوله إن عذابك بالكفار ملحق وإذا دعا الإمام بعد ذلك هل يتابعه القوم ؟ ذكر في الفتاوى اختلافا بين أبي يوسف و محمد وفي قول أبي يوسف يتابعونه ويقرؤون وفي قول محمد لا يقرؤون ولكن يؤمنون .
وقال بعضهم : إن شاء القوم سكتوا .
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في القنوت فقد قال أبو القاسم الصفار : لا يفعل لأن هذا ليس موضعها .
وقال الفقيه أبو الليث : يأتي بها لأن القنوت دعاء فالأفضل أن يكون فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ذكره في الفتاوى هذا كله مذكور في شرح القاضي مختصر الطحاوي واختار مشايخنا بما وراء النهر الإخفاء في دعاء القنوت في حق الإمام والقوم جميعا لقوله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ خير الدعاء الخفي ] .
وأما حكم القنوت إذا فات عن محله فنقول : إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر بعدما رفع رأسه من الركوع لا يعود ويسقط عنه القنوت وإن كان في الركوع فكذلك وهو ظاهر الرواية .
وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول : أنه يعود إلى القنوت لأن فيه شبها بالقراءة فيعود كما .
لو ترك الفاتحة أو السورة ولو تذكر في الركوع أو بعد ما رفع رأسه منه أنه ترك الفاتحة أو السورة يعود وينتقص ركوعه كذا ههنا .
ووجه الفرق على ظاهر الرواية : أن الركوع يتكامل بقراءة الفاتحة والسورة لأن الركوع لا يعتبر بدون القراءة أصلا فيتكامل بتكامل القراءة وقراءة الفاتحة والسورة على التعيين واجبة فينتقض الركوع بتركها فكان نقض الركوع للأداء على الوجه الأكمل والأحسن فكان مشروعا فأما القنوت فليس مما يتكامل به الركوع ألا ترى أنه لا قنوت في سائر الصلوات والركوع معتبر بدونه فلم يكن النقض للتكميل لكماله في نفسه ولو نقض كان النقض لأداء القنوت الواجب ولا يجوز نقض الفرض لتحصيل الواجب فهو الفرق ولا يقنت في الركوع أيضا بخلاف تكبيرات العيد إذا تذكرها في حال الركوع حيث يكبر فيه والفرق أن تكبيرات العيد لم تختص بالقيام المحض ألا ترى أن تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة فإذا جاز أداء واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بطريق الأولى فأما القنوت فلم يشرع إلا في محض القيام غير معقول المعنى فلا يتعدى إلى الركوع الذي هو قيام من وجه ولو أنه عاد إلى القيام وقت ينبغي أن لا ينتقض ركوعه على قياس ظاهر الرواية بخلاف ما إذا عاد إلى قراءة الفاتحة أو السورة حيث ينتقض ركوعه .
والفرق أن محل القراءة قائم ما لم يقيد الركعة بالسجدة ألا ترى أنه يعود فإذا عاد وقرأ الفاتحة أو السورة وقع الكل فرضا فيجب مراعاة الترتيب بين الفرائض ولا يتحقق ذلك إلا بنقض الركوع بخلاف القنوت لأن محله قد فات ألا ترى أنه لا يعود فإذا عاد فقد قصد نقض الفرض لتحصيل واجب فات عليه فلا يملك ذلك .
ولو عاد إلى قراءة الفاتحة أو السورة فقرأها وركع مرة أخرى فأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا للركعة ولو كان أتم قراءته وركع فظن أنه لم يقرأ فرفع رأسه منه يعود فيقرأ ويعيد القنوت والركوع وهذا ظاهر لأن الركوع ههنا حصل قبل القراءة فلم يعتبر أصلا ولو حصل قبل قراءة الفاتحة أو السورة يعود ويعيد الركوع فههنا أولى