فصل : في بيان المتروك ساهيا هل يقضي أم لا .
و أما بيان المتروك ساهيا هل يقضي أم لا ؟ .
فنقول و بالله التوفيق : إن المتروك الذي يتعلق به سجود السهو من الفرائض و الواجب لا يخلو إما إن كان من الأفعال أو من الأذكار و من أي القسمين كان واجبا أن يقضى إن أمكن التدارك بالقضاء وإن لم يمكن فإن كان المتروك فرضا تفسد الصلاة و إن كان واجبا لا تفسد و لكن تنتقص و تدخل في حد الكراهة و بيان هذه الجملة .
أما الأفعال فإذا ترك سجدة صلبية من ركعة ثم تذكرها أخر الصلاة قضاها وتمت صلاته عندنا .
و قال الشافعي : يقضيها و يقضي ما بعدها .
وجه قوله : أن ما صلى بعد المتروك حصل قبل أوانه فلا يعتد به لأن هذه عبادة شرعت مرتبة فلا تعتبر بدون الترتيب كما لو قدم السجود على الركوع أنه لا يعتد بالسجود لما قلنا كذا هذا .
و لنا : أن الركعة الثانية صادفت محلها لأن محلها بعد الركعة الأولى و قد وجدت الركعة الأولى لأن الركعه تتقيد بسجدة واحدة و إنما الثانية تكرار ألا ترى أنه ينطلق عليها اسم الصلاة حتى لو حلف لا يصلي فقيد الركعة بالسجدة يحنث فكان أداء الركعة الثانية معتبرا معتدا به فلا يلزمه إلا قضاء المتروك بخلاف ما إذا قدم السجود على الركوع لأن السجود ما صادف محله لأن محله بعد الركوع لتقييد الركعة و الركعة بدون الركوع لا تتحقق فلم يقع معتدا به فهو الفرق و على هذا الخلاف إذا تذكر سجدتين من ركعتين في آخر الصلاة قضاهما و تمت صلاته عندنا و يبدأ بالأولى منهما ثم بالثانية لأن القضاء على حسب الأداء ثم الثانية مرتبة على الأولى في الأداء فكذا في القضاء و لو كانت إحداهما سجدة تلاوة تركها من الركعة الأولى و الأخرى صلبية تركها من الثانية يراعي الترتيب أيضا فيبدأ بالتلاوة عند عامة العلماء .
و قال زفر : يبدأ بالثانية لأنها أقوى .
و لنا : أن القضاء معتبر بالأداء و قد تقدم وجوب التلاوة أداء فيجب تقديمها في القضاء و لو تذكر سجدة صلبية و هو راكع أو ساجد خر لها من ركوعه و رفع رأسه من سجوده فسجدها و الأفضل أن يعود إلى حرمة هذه الأركان فيعيدها ليكون على الهيئة المسنونة و هي الترتيب و إن لم يعد أجزأه عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : لا يجزئه لأن الترتيب في أفعال الصلاة فرض عنده فالتحقت هذه السجدة بمحلها فبطل ما أدى من القيام و القراءة و الركوع لترك الترتيب و عندنا الترتيب في أفعال صلاة واحدة ليس بفرض و لهذا يبدأ المسبوق بما أدرك الإمام فيه دون ما سبقه و لئن كان فرضا فقد سقط بعذر النسيان فوقع الركوع و السجود معتبرا لمصادفته محله .
و عن أبي يوسف : أن عليه إعادة الركوع إذا خر لها من الركوع بناء على أصله أن القومة التي بين الركوع و السجود فرض .
بخلاف ما إذا سبقه الحدث في ركوعه أو سجوده أنه يتوضأ و يعيد بعد ما أحدث فيه لا محالة لأن الجزء الذي لاقاه الحدث من الركن قد فسد فكان ينبغي أن يفسد كل الصلاة لأنها لا تتجزأ إلا أنا تركنا هذا القياس بالنص و الإجماع في حق جواز البناء فيعمل به في حق الركن الذي أحدث فيه .
و لو لم يسجدها حتى سلم فلا يخلو إما إن سلم و هو ذاكر لها أو ساه عنها فإن سلم و هو ذاكر لها فسدت صلاته و إن كان ساهيا لا تفسد و الأصل أن السلام العمد يوجب الخروج عن الصلاة إلا سلام من عليه السهو و سلام السهو لا يوجب الخروج عن الصلاة لأن السلام محلل في الشرع قال النبي في صلى الله عليه و سلم : [ و تحليلها التسليم ] و لأنه كلام و الكلام مضاد للصلاة إلا أن الشرع منعه عن العمل حالة السهو ضرورة دفع الحرج لأن الإنسان قلما يسلم عن النسيان و في حق من عليه سهو ضرورة التمكن من سجود السهو و لا ضرورة في غير حالة السهو في حق من لا سهو عليه فوجب اعتباره محللا منافيا للصلاة .
إذا عرفنا هذا فنقول : إذا سلم و هو ذاكر أن عليه سجدة صلبية فسدت صلاته و عليه الإعادة لأن سلام العمد قاطع للصلاة و قل بقي عليه ركن من أركانها و لا وجود للشيء بدون ركنه و إن كان ساهيا لا تفسد لأنه ملحق بالعدم ضرورة دفع الحرج على ما مر ثم إن سلم و هو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم يعود إلى قضاء ما عليه و لو اقتدى به رجل صح اقتداؤه و إذا عاد إلى السجدة يتابعه المقتدي فيها و لكن لا يعتد بهذه السجدة لأنه لم يدرك الركوع و يتابعه في التشهد دون التسليم و بعد التسليم يتابعه في سجود السهو فإذا سلم الإمام ساهيا لا يتابعه و لكنه يقوم إلى قضاء ما سبق به و إن لم يعد الإمام إلى قضاء السجدة فسدت صلاته لأنه بقي عليه ركن من أركان الصلاة و فسدت صلاة المقتدي بفساد صلاة الإمام بعد صحة الاقتداء به .
و فائدة صحة اقتدائه به أنه لو كان اقتدى به بنية التطوع في صلاة الظهر أو العصر أو العشاء فعليه قضاء أربع ركعات إن كان الإمام مقيما و إن كان مسافرا فعليه قضاء ركعتين و أما إذا صرف وجهه عن القبلة فإن كان في المسجد ولم يتكلم فكذلك الجواب استحسانا و القياس أن لا يعود و هو رواية محمد .
وجه القياس : أن صرف الوجه عن القبلة مفسدة للصلاة بمنزلة الكلام فكان مانعا من البناء .
وجه الاستحسان : أن المسجد كله في حكم مكان واحد لأنه مكان الصلاة ألا يرى أنه صح اقتداء من هو في المسجد بالإمام و إن كان بينهما فرجة و اختلاف المكان يمنع صحة الاقتداء فكان بقاؤه فيه كبقائه قي مكان صلاته و صرف الوجه عن القبلة مفسد في غير حالة العذر و الضرورة فأما في حال العذر و الضرورة فلا بخلاف الكلام لأنه مضاد للصلاة فيستوي فيه الحالان و إن كان خرج من المسجد ثم تذكر لا يعود و تفسد صلاته لأن الخروج من مكان الصلاة مانع من البناء و قد بقي عليه ركن من أركان الصلاة فيلزمه الاستقبال و أما إذا كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار عاد إلى قضاء ما عليه و إلا فلا لأن ذلك الموضع بحكم اتصال الصفوف التحق بالمسجد و لهذا صح الاقتداء .
و إن مشى أمامه لم يذكر في الكتاب و قيل : إن مشى قدر الصفوف التي خلفه عاد و بنى و إلا فلا .
و هو مروي عن أبي يوسف اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر و قيل إذا جاوز موضع سجوده لا يعود و هو الأصح لأن ذلك القدر في حكم خروجه من المسجد فكان مانعا من البناء و هذا إذا لم يكن بين يديه سترة فإن كان يعود ما لم يجاوزها لأن داخل السترة في حكم المسجد و الله أعلم .
هذا إذا سلم و عليه سجدة صلبية فإن سلم و عليه سجدة تلاوة أو قراءة التشهد الأخير فإن سلم و هو ذاكر لها سقطت عنه لأنه سلامه سلام عمد فيخرجه عن الصلاة حتى لو اقتدى به رجل لا يصح اقتداؤه و لو ضحك قهقهة لا تنتقض طهارته .
و لو كان مسافرا فنوى الإقامة لا ينقلب فرضه أربعا و لا تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة لكنها تنتقص لترك الواجب و إن كان ساهيا عنها لا تسقط لأن سلام السهو لا يخرج عن الصلاة حتى يصح الاقتداء به و ينتقض وضوؤه بالقهقهة و يتحول فرضه بنية الإقامة لو كان مسافرا أربعا .
ثم الأمر في العود إلى قضاء السجدة و قراءة التشهد على التفصيل الذي ذكرنا في الصلبية غير أن ههنا لو تذكر بعد ما خرج عن المسجد أو جاوز الصفوف سقط عنه و لا تفسد صلاته لأن الجواز متعلق بالأركان و قد وجدت إلا أنها تنتقص لما بينا ثم العود إلى هذه المتروكات و هي السجدة الصلبية و سجدة التلاوة و قراءة التشهد يرفع التشهد حتى لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاته بخلاف العود إلى سجدتي السهو و قد مر الفرق .
و لو سلم و عليه سجدة صلبية و سجدتا سهو فإن سلم و هو ذاكر لهما أو للصلبية خاصة فسدت صلاته .
لأنه سلام عمد و قد بقي عليه ركن من أركان الصلاة و إن كان ساهيا عنهما و ذاكرا للسهو خاصة لا تفسد صلاته أما إذا كان ساهيا عنهما فلا شك فيه و كذا إذا كان ذاكرا للسهو لأنه سلام من عليه السهو و عليه أن يعود فيسجد أولا للصلبية و يتشهد لأن تشهده انتقض بالعود إليها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو .
و لو سلم و عليه سجدة التلاوة و السهو فإن كان ذاكرا لهما أو للتلاوة خاصة سقطتا عنه لأنه سلام عمد فيخرجه عن الصلاة و لكن لا تفسد صلاته لما مر و إن كان ساهيا عنهما أو ذاكرا لسجدتي السهو خاصة لا يسقطان عنه لأنه سلام سهو أو سلام من عليه السهو و عليه أن يسجد التلاوة أولا ثم يتشهد لما مر ثم يسلم و يسجد سجدتي السهو .
و لو سلم و عليه سجدة صلبية و سجدة التلاوة فإن كان ساهيا عنهما يعود فيقضيهما الأول فالأول و إن كان ذاكرا لهما أو للصلبية خاصة فسدت صلاته لأنه سلام عمد و إن كان ذاكرا للتلاوة خاصة فكذلك في ظاهر الرواية و على هذا إذا كان عليه مع الصلبية و التلاوة سجدتا السهو إن كان ساهيا عن الكل أو ذاكر للسهو خاصة لا تفسد صلاته لأنه سلام سهو فيعود فيقضي الأول فالأول إن كانت الصلبية أولا بدأ بها و إن كانت التلاوة أولا بدأ بها عنده خلافا لزفر على ما مر ثم يتشهد بعدهما و يسلم ثم يسجد سجدتي السهو و إن كان ذاكرا للصلبية فكذلك خاصة فسدت صلاته لأنه سلام عمد و إن كان ذاكرا للتلاوة ساهيا عن الصلبية فكذلك في ظاهر الرواية .
و روى أصحاب الإمام عن أبي يوسف أنه لا تفسد صلاته في الفصلين .
و وجهه : أن سلامه في حق الركن سلام سهو و ذا لا يوجب فساد الصلاة و بعض الطاعنين على محمد في هذه المسألة قرروا هذا الوجه فقالوا : إن هذا سلام سهو في حق الركن و سلام عمد في حق الواجب و سلام السهو لا يخرجه و سلام العمد يخرجه فوقع الشك و التحريمة صحيحة فلا تبطل بالشك بخلاف ما إذا كان ذاكرا للصلبية غير ذاكر للتلاوة لأن هناك ترجح جانب الركن على جانب الواجب و فيما قاله محمد ترجيح جانب الواجب و هذا لا يجوز إلا أن هذا الطعن فاسد لأن جانب العمد يخرج و جانب الشك مسكوت عنه لا يخرج و لا يمنع غيره عن الإخراج فلا يقع التعارض بين الواجب و الركن و إنما يقع التعارض أن لو كان أحدهما مخرجا و الآخر مبقيا و ههنا جانب الواجب يوجب الخروج و جانب الركن لا يوجب و لكن لا يمنع غيره عن الإخراج فأنى يقع التعارض .
على أن كل سلام ينبغي أن يكون مخرجا لأنه جعل محللا شرعا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وتحليلها التسليم ] و لإنه من باب الكلام على ما مر إلا أنه منع من الإخراج حالة السهو دفعا للحرج لكثرة السهو و غلبة النسيان و لا يكره سلام من علم أن عليه الواجب لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يترك الواجب فبقي مخرجا على أصل الوضع و لأنا لو لم نحكم بفساد صلاته حتى لو أتى بالصلبية يلزمنا القول بأنه يأتي بسجدة التلاوة أيضا لبقاء التحريمة و لا سبيل إليه لأنه سلم و هو ذاكر للتلاوة فكان سلام عمد في حقه و قراءة التشهد الأخير في هذا الحكم كسجدة التلاوة لأنها واجبة .
و لو سلم وعليه سجود السهو و التكبير و التلبية بأن كان محرما و هو في أيام التشريق لا يسقط عنه شيء من ذلك سواء كان ساهيا عن الكل أو ذاكرا للكل لأن موضع هذه الأشياء بعد السلام فإذا أراد أن يؤدي بدأ بالسهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية لأن سجود السهو يختص بتحريمة الصلاة و التكبير يؤتى به في حرمة الصلاة لا في تحريمتها و التلبية لا تختص بحرمة الصلاة و لو بدأ بالتلبية سقط عنه السهو و التكبير و كذا إذا لبى بعد السهو قبل التكبير سقط عنه التكبير لأن سجود السهو يختص بتحريمة الصلاة و التكبير يختص بحرمتها و قد بطل ذلك كله بالتلبية لأنها كلام لكونها جوابا لخطاب إبراهيم صلى الله عليه و سلم قال الله تعالى : { و أذن في الناس بالحج } .
و لو بدأ بالتكبير لا يسقط عنه السهو لأنه كلام قربة فلا يوجب القطع و عليه إعادة التكبير بعد السلام لأنه لم يقع موقعه و لا تفسد صلاته في الأحوال كلها لاستجماع شرائطها و أركانها .
و لو سلم و عليه سجدة صلبية و سجدة التلاوة و السهو و التكبير و التلبية بأن كان محرما في أيام التشريق فإن كان ذاكرا للصلبية و التلاوة أو للصلبية دون التلاوة فسدت صلاته و كذا إذا كان ذاكرا للتلاوة دون الصلبية على ظاهر الرواية لما مر .
و إن كان ساهيا عنها لا يخرج عن الصلاة و عليه أن يسجد لكل واحدة منهما الأول فالأول منهما ثم يتشهد بعدهما و يسلم ثم يسجد سجدتي السهو ثم يتشهد ثم يسلم ثم يكبر ثم يلبي لما مر .
و لو بدأ بالتلبية قبل هذه الأشياء فسدت صلاته و لو بدأ بالتكبير لا تفسد لما مر و عليه إعادة التكبير بعد السلام لأن محله خارج الصلاة في حرمتها فإذا كبر في الصلاة لم يقع موقعه فلذلك تلزمه الإعادة .
و أما إذا كان المتروك ركوعا فلا يتصور فيه القضاء وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة .
و بيان ذلك إذا افتتح الصلاة فقرأ و سجد قبل أن يركع ثم قام إلى الثانية فقرأ و ركع و سجد فهذا قد صلى ركعة واحدة فلا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول لأنه إذا لم يركع لا يعتد بذلك السجود لعدم مصادفته محله لأن محله بعد الركوع فالتحق السجود بالعدم فكأنه لم يسجد فكان أداء هذا الركوع في محله فإذا أتى بالسجود بعده صار مؤديا ركعة تامة .
و كذا إذا افتتح الصلاة فقرأ و ركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة واحدة و لا يكون هذا السجود قضاء عن الأول لأن ركوعه وقع معتبرا لمصادفته محله لأن محله بعد القراءة و قد وجدت إلا أنه توقف على أن تتقيد بالسجدة فإذا قام و قرأ لم يقع قيامه و لا قراءته معتدا به لأنه لم يقع في محله فلغا فإذا سجد صادف السجود محله لوقوعه بعد ركوع معتبر فتقيد ركوعه به ؟ فقد وجه انضمام السجدتين إلى الركوع فصار مصليا ركعة .
و كذا إذا قرأ و ركع ثم رفع رأسه و قرأ و ركع و سجد فإنما صلى ركعة واحدة لأنه تقدم ركوعان و وجد السجود فيلحق بأحدهما و يلغو الآخر غير أن في باب الحدث جعل المعتبر الركوع الأول و في باب السهو من نوادر أبي سليمان جعل المعتبر الركوع الثاني حتى أن من أدرك الركوع الثاني لا يصير مدركا للركعة على رواية باب الحدث و على رواية هذا الباب يصير مدركا للركعة و الصحيح رواية باب الحدث لأن ركوعه الأول صادف محله لحصوله بعد القراءة فوقع الثاني مكررا فلا يعتد به فإذا سجد يتقيد به الركوع الأول فصار مصليا ركعة و كذلك إذا قرأ ولم يركع و سجد ثم قام فقرأ و ركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع و سجد فإنما صلى ركعة واحدة لأن سجوده الأول لم يصادف محله لحصوله قبل الركوع فلم يقع معتدا به فإذا قرى و ركع توقف هذا الركوع على أن يتقيد بسجوده بعده ؟ فإذا سجد بعد القراءة تقيد ذلك الركوع به فصار مصليا ركعة و كذلك إن ركع في الأولى ولم يسجد ثم ركع في الثانية ولم يسجد و سجد في الثالثة ولم يركع فلا شك أنه صلى ركعة واحدة لما مر غير أن هذا السجود يلتحق بالركوع الأول أم بالثاني فإنه روايتان على ما مر و عليه سجود السهو في هذه المواضع لإدخاله الزيادة في الصلاة لأن إدخال الزيادة في الصلاة نقص فيها .
و لا تفسد صلاته إلا في رواية عن محمد فإنه يقول : زيادة السجدة الواحدة كزيادة الركعة بناء على أصله أن السجدة الواحدة قربة و هي سجود الشكر و عند أبي حنيفة و أبي يوسف السجدة الواحدة ليست بقربة إلا سجدة التلاوة .
ثم إدخال الركوع الزائد أو السجود الزائد لا يوجب فساد الفرض لأنه من أفعال الصلاة و الصلاة لا تفسد بوجود أفعالها بل بوجود ما يضادها بخلاف ما إذا زاد ركعة كاملة لأنها فعل صلاة كاملا فانعقد نفلا فصار منتقلا إليه فلا يبقى في الفرض ضرورة لمكان فساد فرض بهذا الطريق لا بطريق المضادة بخلاف زيادة ما دون الركعة لأنها ليست بفعل كامل ليصير منتقلا إليه و هذا لأن فساد الصلاة بأحد أمرين إما بوجود ما يضادها أو بالانتقال إلى غيرها و قد انعدم الأمران جميعا و الله أعلم .
و لو ترك القعدة الأخيرة من ذوات الأربع و قام إلى الخامسة فإن لم يقيدها بالسجدة يعود إلى القعدة لأنه لما لم يقيد الخامسة بالسجدة لم يكن ركعة فلم يكن فعل صلاة كاملا و ما لم يكمل بعد فهو غير ثابت على الاستقرار فكان قابلا للرفع و يكون رفعه في الحقيقة دفعا و منعا عن الثبوت فيدفع ليتمكن من الخروج عن الفرض و هو القعدة الأخيرة و قد روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام إلى الخامسة فسبح به فعاد ] و إن قيد الخامسة بالسجدة لا يعود و فسد فرضه عندنا .
و عند الشافعي : لا يفسد فرضه و يعود بناء على أن الركعة الواحدة عنده بمحل النقص و به حاجة إلى النقص لبقاء فرض عليه و هو الخروج بلفظ السلام .
و إنا نقول : وجد فعل كامل من أفعال الصلاة و قد انعقد نفلا فصار به خارجا عن الفرض لأن من ضرورة حصوله في النفل خروجه عن الفرض لتغايرهما فيستحيل كونه فيهما و قد حصل في النفل فصار خارجا عن الفرض ضرورة .
و لو ترك القعدة الأولى من ذوات الأربع و قام إلى الثالثة فإن استتم قائما لا يعود لما روي عن النبي [ أنه قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فلم يعد و لكن سبح بهم فقاموا ] و ما روي أنهم سبحوا به فعاد محمول على ما إذا لم يستتم قائما و كان إلى القعود أقرب توفيقا بين الحديثين و لأن القيام فريضة و القعدة الأولى واجبة فلا يترك الفرض لمكان الواجب و إنما عرفنا جواز الانتقال من القيام إلى سجدة التلاوة بالأثر لحاجة المصلي إلى الاقتداء بمن أطاع الله تعالى و إظهار مخالفة من عصاه و استنكف عن سجدته .
و أما إذا لم يستتم قائما فإن كان إلى القيام أقرب فكذلك الجواب لوجود حد القيام و هو انتصاب النصف الأعلى و النصف الأسفل جميعا و ما بقى من الانحناء فقليل غير معتبر و إن كان إلى القعود أقرب يقعد لانعدام القيام الذي هو فرض ولم يذكر محمد أنه هل يسجد سجدتي السهو أم لا ؟ و قد اختلف المشايخ فيه كان الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يقول : لا يسجد سجدتي السهو لأنه إذا كان إلى القعود أقرب كان كأنه لم يقم و لهذا يجب عليه أن يقعد و قال غيره من مشايخنا : أنه يسجد لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام أخر واجبا وجب وصله بما قبله من الركن فلزمه سجود السهو .
و أما الأذكار فنقول : إذا ترك القراءة في الأوليين قضاها في الأخريين و ذكر القدوري من أصحابنا أن هذا عندي أداء و ليس بقضاء لأن الفرض هو القراءة في ركعتين غير عين فإذا قرأ في الأخريين كان مؤديا لا قاضيا و قال غيره من أصحابنا : أنه يكون قاضيا و مسائل الأصل تدل عليه فإنه قال في المسافر : إذا اقتدى بالمقيم في الشفع الثاني بعد خروج الوقت أنه لا يجوز و إن لم يكن قرأ الإمام في الشفع الأول و لو كانت القراءة في الأوليين أداء لجاز لأنه يكون اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة و لكن لما كانت القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين التحقت بالأوليين فخلت الأخريان عن القراءة المفروضة فيصير في حق القراءة اقتداء المفترض بالمتنفل و إنه فاسد .
و ذكر في باب السهو من الأصل أن الإمام إذا كان لم يقرأ في الأوليين فاقتدى به إنسان في الأخريين و قرأ الإمام فيهما ثم قام المسبوق إلى قضاء ما فاته فعليه القراءة و إن ترك ذلك لم تجزه صلاته و لو كان فرض القراءة في ركعتين غير عين لكان الإمام مؤديا فرض القراءة في الأخريين وقد أدركهما المسبوق فحصل فرض القراءة عينا بقراءة الإمام فينبغي أن لا يجب عليه القراءة و مع هذا وجب فعلم أن الأوليين محل أداء فرض القراءة عينا و القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين فإذا قرأ الإمام في الأخريين فقد قضى ما فاته من القراءة في الأوليين و الفائت إذا قضى يلتحق بمحله فخلت الأخريان عن القراءة المفروضة فقد فات على المسبوق القراءة فلا بد من تحصيلها لأن الصلاة بلا قراءة غير جائزة .
و كذا لو كان قرأ الإمام في الأوليين لأن القراءة في الأخريين و إن وجدت لم تكن فرضا لافتراضها في ركعتين فحسب فقد فات الفرض على المسبوق فيجب عليه تحصيلها فيما يقضي و لو تركها في الأوليين في صلاة الفجر أو المغرب فسدت صلاته و لا يتصور القضاء ههنا و لو ترك الفاتحة في الركعة الأولى و بدأ بغيرها فلما قرأ بعض السورة تذكر يعود فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم السورة لأن الفاتحة سميت فاتحة لافتتاح القراءة بها في الصلاة فإذا تذكر في محلها كان عليه مراعاة الترتيب كما لو سها عن تكبيرات العيد حتى اشتغل بالقراءة ثم تذكر أنه لم يكبر يعود إلى التكبيرات و يقرأ بعدها كذا هذا و لو ترك الفاتحة في الأوليين و قرأ السورة لم يقضها في الأخريين في ظاهر الرواية و عن الحسن بن زياد : أنه يقضي الفاتحة في الأخريين لأن الفاتحة أوجب من السورة ثم السورة تقضى فلأن تقضى الفاتحة أولى .
و لنا : أن الأخريين محل الفاتحة أداء فلا تكونا محلا لها قضاء بخلاف السورة و لأنه لو قضاها في الأخريين يؤدي إلى تكرار الفاتحة في ركعة واحدة و أنه غير مشروع و لو قرأ الفاتحة في الأوليين ولم يقرأ السورة قضاها في الأخريين و عن أبي يوسف : أنه لا يقضيها كما لا يقضي الفاتحة لأنها سنة فاتت عن موضعها و الصحيح ظاهر الرواية لما روي عن عمر Bه : أنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة و جهر .
و روي عن عمر Bه : أنه ترك السورة في الأوليين فقضاها في الأخريين و جهر لأن الأخريين ليستا محلا للسورة أداء فجاز أن يكونا محلا لها قضاء .
ثم قال في الكتاب : و جهر ولم يذكر أنه جهر بهما أو بالسورة خاصة و فسره البلخي فقال : أتى بالسورة خاصة لأن القضاء بصفة الأداء و يجهر بالسورة أداء فكذا قضاء .
فأما الفاتحة فهي في محلها و من سننها الإخفاء فيخفي بها و عن أبي يوسف أنه يخافت بهما لأنه يفتتح القراءة بالفاتحة و السورة تبنى عليها ثم السنة في الفاتحة المخافتة فكذا فيما يبني عليها و الأصح أنه يجهر بهما لأن الجمع بين الجهر و المخافتة في ركعة واحدة غير مشروع و قد وجب عليه الجهر بالسورة فيجهر بالفاتحة أيضا .
و هذا كله إذا تذكر بعد ما قيد الركعة بالسجدة فإن تذكر قراءة الفاتحة أو السورة في الركوع أو بعد ما رفع رأسه منه يعود إلى القراءة و ينتقض ركوعه بخلاف القنوت و الفرق بينهما نذكره في صلاة الوتر و لو ترك تكبيرات العيد فتذكر في الركوع قضاها في الركوع بخلاف القنوت إذا تذكر في الركوع حيث يسقط و نذكر الفرق هناك أيضا و لو ترك قراءة التشهد في القعدة الأخيرة و قام ثم تذكر يعود و يتشهد إذا لم يقيد الركعة بالسجدة لأنه لو كان قرأ التشهد ثم تذكر يعود ليكون خروجه من الصلاة على الوجه المسنون فههنا أولى و كذا إذا لم يقم و تذكرها قبل السلام أو بعد ما سلم ساهيا و لو سلم و هو ذاكر لها سقطت عنه و سقط سجدتا السهو لما مر .
و لو ترك قراءة التشهد في القعدة الأولى و قام إلى الثالثة ثم تذكر فإن استتم قائما لا يعود لأن القيام فرض و ليس من الحكمة ترك الفرض لتحصيل الواجب و إن لم يستتم قائما فإن كان إلى القيام أقرب لا يعود و تسقط و إن كان إلى القعود أقرب يعود لما ذكرنا في القعدة الأخيرة و الله أعلم