القسم الأول من فصل : حكم الوصية .
وأما بيان حكم الوصية فالوصية في الأصل نوعان : وصية بالمال ووصية بفعل متعلق بالمال لا يتحقق بدون المال أما الوصية بالمال فحكمها ثبوت الملك في المال الموصي به للموصى له والمال قد يكون عينا وقد يكون منفعة ويتعلق بالملك في كل واحد منهما أحكام أما ملك العين فحكم مطلق ملكه وحكم سائر الأعيان المملوكة بالأسباب الموضوعة لها سواء كالبيع والهبة والصدقة ونحوها فيملك الموصى له بالتصرف فيها بالانتفاع بعينها والتمليك من غيره بيعا وهبة ووصية لأنه ملك بسبب مطلق فيظهر في الأحكام كلها ويظهر في الزوائد المتصلة أو المنفصلة الحادثة بعد موت الموصي سواء حدثت بعد قبول الموصى له أو قبل قبوله بأن حدثت ثم قبل الوصية أما بعد القبول فظاهر لأنها حدثت بعد ملك الأصل وملك الأصل موجب ملك الزيادة .
وأما قبل القبول فلأن الملك بعد القبول ثبت من وقت الموت لأن الكلام السابق صار سببا لثبوت الملك في الأصل وقت الموت لكونه مضافا إلى وقت الموت فصار سببا عند الموت فإذا قبل ثبت الملك فيه من ذلك الوقت لوجود السبب في ذلك الوقت كالجارية المبيعة بشرط الخيار المشتري إذا ولدت في مدة الخيار ثم أجاز المشتري البيع أنه يملك الولد لما قلنا كذا هذا وكانت الزوائد موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث لأن الملك فيها بواسطة ملك الأصل مضاف إلى كلام سابق كأنها كانت موجودة في ذلك الوقت وهل يكون موصى بها بعد القبول قبل القسمة لم يذكر في الأصل .
واختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يكون حتى لا يعتبر فيها الثلث ويكون في جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة لأنها حدثت بعد ملك الأصل وقال عامتهم : يكون لأن ملك الأصل وإن ثبت لكنه لم يتأكد بدليل أنه لو هلك ثلث التركة قبل القسمة وصارت الجارية بحيث لا تخرج من ثلث المال كانت له الجارية بقدر ثلث الباقي ويستوي فيما ذكرنا من الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل أو في معنى المتولدة كالولد والأرش والعقر وما لم يكن متولدا من الأصل رأسا كالكسب والغلة فرقا بين الوصية وبين البيع حيث ألحق الكسب والغلة بالمتولد في الوصية ولم يلحقهما في البيع والفرق إن الكسب والغلة بدل المنفعة والمنفعة تملك بالوصية مقصودا كذا بدلها بخلاف البيع ثم إذا صارت الزوائد موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث فإن كانت الجارية مع الزيادة يخرجان من الثلث يعطيان للموصى له وإن كان لا يخرجان جميعا من الثلث فعند أبي حنيفة C يعطى للموصى له الجارية أولا من الثلث فإن فضل من الثلث شيء يعطى من الزيادة بقدر ما فضل وعند أبي يوسف و محمد رحمهما الله : يعطى الثلث منهما جميعا بقدر الحصص .
وجه قولهما : إن الزيادة إن صارت موصى بها صارت كالموجودة عند العقد فيعطى الثلث منهما جميعا أكثر ما في الباب أن فيه تغيير حكم العقد في الأصل بسبب الزيادة لكن هذا جائز كما في الزيادة المتصلة .
و لأبي حنيفة C تعالى أن القول بانقسام الثلث على الأصل والزيادة إضرار بالموصى له من غير ضرورة وهذا لا يجوز .
بيان ذلك : أن حكم الوصية في الأصل قبل حدوث الزيادة كان سلامة كل الجارية للموصي له وبعد الإنقسام لا تسلم الجارية له بل تصير مشتركة والشركة في الأعيان عيب خصوصا في الجواري فيتضرر به الموصي له ولا ضرورة إلى إلحاق هذا الضرر لا مكان تنفيذ الوصية في الأصل بدون الزيادة بخلاف الزيادة المتصلة فإن هناك ضرورة لتعذر تنفيذ الوصية في الأصل بدون الزيادة لعدم إمكان التمييز فمست الضرورة إلى التنفيذ فيهما من الثلث .
وأما الزوائد الحادثة قبل موت الموصي فلا يملكها الموصى له لأنها حدثت قبل ملك الأصل وقبل إنعقاد سبب الملك لأن الكلام السابق إنما يصير سببا عند الموت فإذا مات الموصي ملكها الورثة والله تعالى أعلم .
وأما ملك المنفعة بالوصية المضافة إليها مقصودا فيتعلق بها أحكام مختلفة فنذكرها فنقول وبالله التوفيق : .
إن الملك في المنفعة ثبت موقتا لا مطلقا فإن كانت الوصية مؤقتة إلى مدة تنتهي بانتهاء المدة ويعود ملك المنفعة إلى الموصى له بالرقبة إن كان قد أوصى بالرقبة إلى إنسان وإن لم يكن يعود إلى ورثة الموصي وإن كانت مطلقة تثبت إلى وقت موت الموصى له بالمنفعة ثم ينتقل إلى الموصى له بالرقبة إن كان هناك موصى له بالرقبة وإن لم يكن ينتقل إلى ورثة الموصي وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار من غيره عندنا .
وعند الشافعي : له ذلك .
وجه قوله : أن الموصي له بالمنفعة قد ملك المنفعة كالمستأجر له أن يؤاجر من غيره كذا هذا ولهذا يملك الإعارة كذا الإجارة .
ولنا : أن الثابت للموصى له بالسكنى والخدمة ملك المنفعة بغير عوض فلا يحتمل التمليك بعوض كالملك الثابت للمستعير بالإعارة حتى لا يملك الإجارة كذا هذا أو لخدم العبد بنفسه .
ولو أوصى بغلة الدار والعبد فأراد أن يسكن بنفسه أو يستخدم العبد بنفسه هل له ذلك ؟ لم يذكر في الأصل واختلف المشايخ فيه قال أبو بكر الإسكاف له ذلك وقال أبو بكر الأعمش ليس له ذلك وهو الصحيح لأنه أوصى له بالغلة لا بالسكنى والخدمة وليس له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون أهل الموصى له في غير الكوفة فله أن يخرجه إلى أهله ليخدمه هناك إذا كان يخرج من الثلث لأن الوصية بالخدمة تقع على الخدمة المعهودة المتعارفة وهي الخدمة عند أهله فكان ذلك مأمونا فيه دلالة لأن لصاحب الرقبة حق الحفظ والصيانة وإنما يمكنه إذا كانت الخدمة بحضرته .
هذا إذا كان العبد يخرج من الثلث فإن كان لا يخرج من الثلث فليس له أن يخرجه إلى مصر آخر .
لأنه إذا لم يكن له مال آخر سواه يخدم الموصى له يوما والورثة يومين فيكون كالعبد المشترك فلا يملك إخراجه لما في الإخراج من إبطال حق الورثة وما وهب العبد أو تصدق به عليه أو اكتسبه فهو لصاحب الرقبة لأن ذلك مال العبد والعبد في الحقيقة لصاحب الرقبة فكان كسبه له قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من باع عبدا وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع ] .
ولو كان مكان العبد أمة فولدت ولدا فهو لصاحب الرقبة لأنه متولد من الرقبة والرقبة له ولأنه أوصى له بخدمة شخص واحد فلا يستحق خدمة شخصين ونفقة العبد وكسوته على صاحب الخدمة إن كان العبد كبيرا لأن منفعته له فكانت النفقة والكسوة عليه إذ الخراج بالضمان ولهذا كانت نفقة العبد المستعار على المستعير كذا هذا بخلاف العبد الرهن أن نفقته على الراهن لا على المرتهن لأن منفعته للراهن .
ألا يرى أنه لو هلك يسقط عنه من الدين بقدره وكذا له أن يفتكه في أي وقت شاء فينتفع به .
وإن كان العبد صغيرا يخرج من الثلث فنفقته على صاحب الرقبة إلى أن يدرك الخدمة ويصير من أهلها لأنه لا منفعة لصاحب الخدمة للحال ومنفعة النماء والزيادة لصاحب الرقبة فكانت النفقة عليه حتى يبلغ الخدمة فإذا بلغ فنفقته على صاحب الخدمة لأن المنفعة تحصل له .
وعلى هذا إذا أوصى بغلة نخل أبر لرجل ولآخر برقبته ولم تدرك أو لم تحمل فالنفقة في سقيها والقيام عليها على صاحب الرقبة فإذا أثمرت فالنفقة على صاحب الغلة لأنها إذا لم تدرك أو لم تحمل فصاحب الغلة لا ينتفع بهما فلا يكون عليه نفقتها وكانت على صاحب الرقبة لإصلاح ملكه إلى أن تثمر فإذا أثمرت فقد صارت منتفعا بها في حق صاحب الغلة فكانت عليه نفقتها فإن حملت عاما واحدا ثم حالت ولم تحمل شيئا فالقياس أن لا يكون عليه نفقتها في العام الذي حالت فيه لأنه لا ينتفع بها فيه وفي الاستحسان عليه نفقتها لأن بانعدام حملها عاما لا تعد منقطعة المنفعة لأن من الأشجار ما لا يحمل كل عام ولا يعد ذلك انقطاعا للنفع بل يعد نفعا ونماء وكذا الأشجار لا تخرج إلا في بعض فصول السنة ولا يعد ذلك انقطاع النفع بل يعد نفعا ونماء حتى كانت نفقتها على الموصى له بالغة فكذا هذا .
فإن لم ينفق الموصى له بالغلة وأنفق صاحب الرقبة عليها حتى حملت فإنه يستوفي نفقته من ذلك الحمل وما يبقى من الحمل فهو لصاحب الغلة لأنه فعل ذلك مضطرا لإصلاح ملك نفسه ودفع الفساد عن ماله فلم يكن متبرعا فله أن يرجع فيما حملت لأنه إنما حصل هذه الفائدة بسبب نفقته .
ولو هلكت الغلة قبل أن تصل إلى صاحب الغلة ليس له أن يرجع عليه بما أنفق لأن هذا ليس بدين واجب عليه وإنما هو شيء يفتى به ولا يقضي ولو جنى العبد جناية فالفداء على صاحب الخدمة لأن منفعة الرقبة له فكان الفداء عليه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الخراج بالضمان ] وصار كعبد الرهن إذا جنى جناية أن الفداء على المرتهن لأنه هو المنتفع به بحبسه في دينه أو يقال : إن الفداء على صاحب الرقبة لأن الجناية حصلت من الرقبة حقيقة والرقبة له ولكن يقال لصاحب الخدمة : إن حقك يفوت لو فدى صاحب الرقبة أو دفع وإن أردت أن تحيي حقك فافد .
وهكذا يقال للمرتهن في العبد الرهن : إذا جنى لأن الرقبة للراهن فإذا فدى صاحب الخدمة فقد طهره عن الجناية فتكون الخدمة على حالها وإن أبى أن يفدي يقال لصاحب الرقبة ادفعه أو افده لأن الرقبة له وأي شيء اختاره بطل حق صاحب الخدمة في الخدمة أما إذا دفع فلا شك فيه لأنه بطل ملك الموصى له بالخدمة بالدفع فلا يستحق الخدمة على ملك غيره وكذلك إذا أفدى لأنه يصير كالمشتري منهم الرقبة فيتجدد الملك ويبطل حكم الملك الأول فيه فإن مات صاحب الخدمة وقد فدى قبل ذلك بطلت وصيته لما قلنا أن ملك المنفعة بالوصية بمنزلة ملك المستعير والعارية تبطل بموت المستعير لأن المعير ملك المنفعة منه لا من غيره كذا ههنا ويقال لصاحب الرقبة أد إلى ورثته الفداء الذي فدى لأنه تبين أن الفداء كان عليه لا على صاحب الخدمة لأنه إنما التزم ذلك على ظن أن كل منفعة الرقبة مصروف إليه ومتى ظهر أنه مصروف إلى غيره ظهر أنه على غيره فتبين أنه تحمل عن غيره وهو صاحب الرقبة إحياء لملكه وهو مضطر فيه فرجع عليه وليس لصاحب الرقبة أن ينتفع به ما لم يدفع إليهم ما دفع صاحب الخدمة من الفداء فإن أبى صاحب الرقبة دفع ذلك الفداء إلى ورثة صاحب الخدمة بيع العبد فيه وكان بمنزلة الدين في عنقه لأن هذا الدين وجب بسبب كان في رقبته فصار كسائر الديون .
ولو لم يجن العبد ولكن قتله رجل خطأ فعلى عاقلة القاتل قيمته يشتري بها عبدا يخدم صاحب الخدمة لأن البدل يقوم مقام المبدل كالعبد الرهن إذا قتل في يد المرتهن وغرم القاتل قيمته يكون رهنا مكانه بخلاف العبد المستأجر إذا قتل وغرم القاتل القيمة أنه لا يشتري بها عبدا آخر حتى يستعمله المستأجر لأن القاتل يغرم القيمة دراهم أو دنانير والدراهم والدنانير لا يجوز استئناف عقد الإجارة عليها فلا يبقى عليها العقد فتبطل ويجوز استئناف عقد الوصية على الدراهم والدنانير فجاز أن تبقى عليها فيشتري بها عبدا آخر يقوم مقام الأول .
وإن كان القتل عمدا فلا قصاص على القاتل إلا أن يجتمع على ذلك صاحب الرقبة وصاحب الخدمة لأن لصاحب الرقبة ملكا ولصاحب الخدمة حق يشبه الملك فصار كعب بين شريكين قتل عمدا أنه لا ينفرد أحدهما باستيفاء القصاص كذا هذا .
وإن اختلفا في ذلك بأن طلب أحدهما القصاص ولم يطلب الآخر سقط القصاص للشبهة ومار مالا فصار بمعنى الخطأ فيشتري به عبدا للخدمة كما لو كان القتل خطأ .
ولو فقأ رجل عينيه أو قطع يديه دفع إليه العبد وأخذ قيمته صحيحا فاشترى بها عبدا مكانه لأن فقأ العينين وقطع اليدين بمنزلة استهلاكه إلا أنه مما يصلح خراجا بضمان فيضمن قيمته ويأخذه خراجا بضمانه ثم يفعل بالقيمة ما وصفنا وهو أن يشتري بها عبدا للخدمة .
ولو فقأت عينه أو قطعت يده أو شج موضحة فأدى القاتل أرش ذلك فهذا على وجهين : إما أن كانت الجناية تنقص الخدمة وإما أن كانت لا تنقص فإن كانت تنقص فان اتفق الموصى له بالرقبة والموصى له بالخدمة على أن يشتريا بالأرش عبدا بأن كان الأرش يبلغ قيمة عبد حتى يخدم الموصى له بالخدمة مع العبد الأول فعلا ذلك وجاز .
وإن اتفقا على أن يباع هذا العبد ويضم ثمنه إلى ذلك الأرش فاشتريا بهما عبدا آخر جاز أيضا لأن الجناية إذا كانت تنقص الخدمة كان لكل واحد منهما حق في ذلك الأرش فكان لهما أن يتفقا على أحد هذين الشيئين .
وإن اختلفا ولم يتفقا فلا يباع العبد الموصى به لأن لكل واحد منهما حق فلا يباع إلا برضاهما ويشترى بالأرش عبد لخدمتهما حتى يقوم مقام الجزء الفائت فإن لم يؤخذ بالأرش عبد يوقف ذلك حتى يصطلحا عليه فإن اصطلحا على أن يقتسماه نصفين جاز لأن الحق لهما وإذا اقتسماه جاز ذلك وإن لم يصطلحا لا يقضي القاضي بشيء ولكن يوقف ذلك المال وإن كانت الجناية لا تنقص الخدمة فوصيته على حالها والأرش لصاحب الرقبة لأن الأرش بدل جزء من أجزاء الرقبة فيكون لمالك الرقبة .
ولو كان لرجل ثلاثة أعبد فأوصى برقبة أحدهم لرجل وأوصى بخدمة آخر لرجل آخر ولا مال له غيرهم وقيمة الذي أوصى بخدمته خمسمائة وقيمة الذي أوصى برقبته ثلثمائة وقيمة الباقي ألف درهم فالثلث بينهما على ثلاثة أسهم والأصل أن الوصية بالخدمة تعتبر من الثلث كالوصية بالرقبة لأن الوصية بالخدمة وصية بحبس الرقبة عن الوارث فيعتبر من الثلث .
وإذا عرف هذا فجميع مال الميت ألف وثمانمائة درهم ثلثها ستمائة وجميع سهام الوصايا ثمانمائة فإذا زادت سهام الوصايا على ثلث المال مائتين وذلك بالنسبة إلى سهام الوصايا ربعها فينقص من وصية كل واحد منها مثل ربعها وينفذ في ثلاثة أرباعها فيكون ثلاثة أرباع وصيتهما وثلث المال سواء فأما قيمة العبد الموصى له برقبته فثلثمائة فينقص منه ربعها وذلك خمسة وسبعون وينفذ الوصية في ثلاثة أرباعها وذلك مائتان وخمسة وعشرون وقيمة العبد الموصى له بخدمته خمسمائة فينقص منه ربعها وذلك مائة وخمسة وعشرون وتنفذ الوصية في ثلاثة أرباعها وذلك ثلاثمائة وخمسة وسبعون فيضم إلى وصية صاحب الرقبة وذلك مائتان وخمس وعشرون فيصير ستمائة وذلك ثلث المال وخمسة وسبعون من العبد الموصى برقبته ومائة وخمسة وعشرون من العبد الموصى بخدمته يضم إلى العبد الباقي وقيمته ألف درهم فصار ألفا ومائتين وذلك ثلثا المال فاستقام على الثلث والثلثين .
وإذا نفذت الوصية في ثلاثة أرباع العبد الموصى بخدمته يخدم الموصى له ثلاثة أيام والورثة يوما واحدا فإن مات صاحب الخدمة استكمل صاحب الرقبة عبده كله لأن وصية صاحب الخدمة قد بطلت .
بموته وبقيت وصية صاحب الرقبة وهي تخرج من الثلث فتكون له .
وكذلك إن مات العبد الذي كان يخدمه كان العبد الآخر كله لصاحب الرقبة لأن التوزيع والتقسيم إنما كان بينهما لثبوت حقهما فإذا ذهب أحدهما صار كأنه أوصى له وحده فيعتبر من الثلث وهو يخرج من الثلث .
ولو كانت قيمة العبيد سواء كان لصاحب الخدمة نصف خدمة العبد ولصاحب الرقبة نصف رقبة الآخر لأن قيمة العبد خمسمائة وقيمة العبدين اللذين أوصى بهما ألف درهم قيمة كل واحد خمسمائة فصار ثلث ماله خمسمائة فيقسم الثلث بينهما فصح من وصية كل واحد منهما نصفان فيكون لصاحب الرقبة نصف الرقبة وللموصى له بالخدمة نصف الخدمة يخدمه يوما والورثة يوما وإنما يضرب لصاحب الخدمة كما يضرب لصاحب الرقبة لما ذكرنا أنه أوصى بحبس الرقبة عن الوارث فكأنه أوصى بالتمليك لانقطاع حق الورثة فهي والوصية بالتمليك سواء .
ولو أوصى بالعبيد كلهم لصاحب الرقبة وبخدمة أحدهم لصاحب الخدمة لم يضرب صاحب الرقاب إلا بقيمة واحد منهم ويضرب الآخر بخدمة الآخر فيكون كالباب الذي قبله وهذا قول أبي حنيفة C تعالى لأن الموصى له بالرقاب في الحكم كأنه أوصى له برقبتين لأن العبد الذي أوصى بخدمته لغيره هو ممنوع لأنه مشغول بحق غيره فما دام مشغولا جعل كأنه لم يوص له به .
ومن أصل أبي حنيفة أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث فالموصى له بالعبدين ههنا لا يضرب إلا بالثلث وهو عبد واحد والموصى له بالخدمة يضرب أيضا بعبد واحد فيصير الثلث بينهما نصفين لكل واحد منهما نصف الرقبة فالذي أوصى له بالعبدين له نصف العبد في العبدين جميعا لأن حقه في العبدين فيكون له من كل عبد ربعه والموصى له بالخدمة له نصف العبد الذي أوصى له بخدمته يخدم الموصى له يوما والورثة يوما كما في الفصل الأول .
وأما على قولهما الموصى له بالرقاب يضرب بالعبدين والموصى له بخدمة العبد يضرب بعبد واحد فيصير الثلث بينهما أثلاثا سهمان لصاحب الرقاب وسهم لصاحب الخدمة فلما صار الثلث على ثلاثة صار الثلثان على ستة والجميع تسعة كل عبد ثلاثة أسهم فللموصى له بالرقاب سهمان في العبدين من كل رقبة سهم وللموصى له بالخدمة سهم في العبد الذي أوصى له بخدمته يخدم العبد الموصى به للموصى له بالخدمة يوما وللورثة يومين فحصل للموصى لهما ثلاثة أسهم وللورثة ستة أسهم .
ولو كانوا يخرجون من الثلث كان لصاحب الرقبة ما أوصى له به ولصاحب الخدمة ما أوصى له به لأن كل واحد منهما يصل إلى تمام حقه ولو لم يكن له مال غيرهم فأوصى بثلث كل عبد منهم لفلان وأوصى بخدمة أحدهم لفلان فإنه يقسم الثلث بينهما على خمسة أسهم لصاحب الخدمة ثلاثة أخماس الثلث في خدمة ذلك العبد يخدمه ثلاثة أيام ويخدم الورثة يومين فيكون للآخر خمس الثلث في العبدين الباقيين في كل واحد منهما خمس رقبته .
وجه ذلك : أن الموصى له بالرقاب لا حق له في العبد الذي أوصى بخدمته ما دام الموصى له باقيا فصار كأنه أوصى بخدمة أحدهم لرجل وبثلث العبدين الآخرين لرجل فاجعل كل ثلث سهما فيضرب .
صاحب الرقبة بثلث كل عبد وذلك سهمان ويضرب صاحب الخدمة بالجميع وذلك ثلاثة أسهم فاجعل ثلث المال على خمسة فيقسم بينهما لصاحب الرقبة سهمان في كل عبد من العبدين سهم ولصاحب الخدمة ثلاثة أسهم في العبد الموصى له بخدمته فيخدمه ثلاثة أيام وللورثة يومين فجميع ما حصل للموصى لهما خمسة أسهم سهمان للموصى له بالرقبة وثلاثة أسهم للموصى له بالخدمة وجميع ما حصل للورثة عشرة أسهم ثمانية أسهم في العبدين في كل عبد أربعة وسهمان من العبد الموصى له بالخدمة فاستقام على الثلث .
والثلثين