القسم الثاني من التخريج على طريقة الخطائين .
وأما الوصية بالإعتاق فإن كان إعتاقا واجبا في كفارة فحكمه حكم الكفارات وقد ذكرنا ذلك وإن لم يكن واجبا فحكمه حكم سائر الوصايا المتنفل بها من الصدقة على الفقراء وبناء المساجد وحج التطوع ونحو ذلك لأن الوصية بالإعتاق يلحقها الفسخ كما يلحق سائر الوصايا فكانت الوصية بالإعتاق غير واجبة مثل سائر الوصايا فلا تقدم بخلاف الإعتاق المنجز في المرض والمعلق بالموت لأنه لا يلحقهما الفسخ فكان أقوى فيقدم على سائر الوصايا .
وإن كانت الوصايا بعضها لله سبحانه وتعالى وبعضها للعباد فإن أوصى لقوم بأعيانهم يتضاربون بوصاياهم في الثلث ثم ما أصاب العباد فهو لهم لا يقدم بعضهم على بعض لما نبين وما كان لله تبارك وتعالى يجمع ذلك فيبدأ منها بالفرائض ثم بالواجبات ثم بالنوافل .
وإن كان مع الوصايا لله تبارك وتعالى وصية لواحد معين من العباد فإنه يضرب بما أوصى له به مع الوصايا بالقرب ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب فإن قال ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارات ولزيد فإن الثلث يقسم على أربعة أسهم : سهم للموصى له وسهم للحج وسهم للزكاة وسهم للكفارات لأن كل جهة من هذه الجهات غير الأخرى فترد كل جهة بسهم كما لو أوصى بثلث ماله لقوم معينين فإن قيل جهات القرب وإن اختلفت فالمقصود منها كلها واحد وهو طلب مرضاة الله تبارك وتعالى وابتغاء وجهه الكريم فينبغي أن يضرب للموصى له بسهم والقرب بسهم فالجواب أن المقصود من الكل وإن كان واحدا وهو ابتغاء وجه الله D وطلب مرضات لكن الجهة منصوص عليها فيجب اعتبارها كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين وأبناء السبيل أن كل واحد منهم يضرب بسهمه وإن كان المقصود من الكل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى لكن لما كانت الجهة منصوصا عليها اعتبر المنصوص عليه كذا ههنا هذا إذا كانت الوصايا كلها لله تبارك وتعالى أو بعضها لله تبارك وتعالى وبعضها للعباد فأما إذا كانت كلها للعباد فإنها لا تخلو من أحد وجهين إما إن كانت كلها في الثلث لم يجاوز واحدة منها قدر الثلث وإما إن جاوزت فإن لم تجاوز بأن أوصى لإنسان بثلث ماله ولآخر بالربع ولآخر بالسدس فإنهم يتتضاربون في الثلث بقدر حقوقهم فيضرب صاحب الثلث بثلث الثلث وصاحب الربع بربع الثلث وصاحب السدس بسدس الثلث فيضرب كل واحد منهم بقدر فريضته من الثلث فلا يقدم بعضهم على بعض إلا إذا كان مع هذه الوصايا أحد الأشياء الثلاثة : الإعتاق المنجز في المرض أو المعلق بالموت في المرض أو في الصحة وهو التدبير أو البيع بالمحاباة بما لا يتغابن الناس فيه في المرض فيقدم هو على سائر الوصايا التي هي للعباد كما يقدم على الوصايا بالقرب فيبدأ بذلك قبل كل وصية ثم يتضارب أهل الوصايا فيما يبقى من الثلث ويكون بينهم على قدر وصاياهم وإنما قلنا إنه لا يقدم البعض على البعض في غير المواضع المستثناة لأن تقديم البعض على البعض يستدعي وجود المرجح ولم يوجد لأن الوصايا كلها استوت في سبب الاستحقاق لأن سبب استحقاق كل واحد منهم مثل سبب صاحبه والاستواء في السبب يوجب الاستواء في الحكم ولا استواء في سبب الاستحقاق في مواضع الاستثناء لأن الإعتاق المنجز والمعلق بالموت لا يحتمل الفسخ والمحاباة تستحق بعقد ضمان وهو البيع إذ هو عقد معاوضة فكان البيع مضمونا بالثمن والوصية تبرع فكانت المحاباة المتعلقة بعقد الضمان أقوى فكانت أولى بالتقديم وإن اجتمع العتق والمحاباة وضاق الثلث عنهما فقد قال أبو حنيفة C : إن كانت المحاباة قبل العتق يبدأ بالمحاباة وإلا استويا هكذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف و محمد : يبدأ بالعتق تقدم أو تأخر وجه قولهما : أن العتق أقوى من المحاباة لأنه لا يحتمل الفسخ والمحاباة تحتمل وفي باب الوصايا يقدم الأقوى فالأقوى إذا كان الثلث لا يسع الكل ولهذا قدم العتق على سائر الوصايا وبه تبين أنه لا عبرة بالتقديم في الذكر فإنه يقدم على سائر الوصايا وإن كانت مقدمة في الذكر على العتق على أن التقدم في الذكر يعتبر ترجيح والترجيح إنما يكون بعد الاستواء في ركن العلة ولا استواء ههنا لما بينا فبطل الترجيح .
و لأبي حنيفة C : أن المحاباة أقوى من العتق لأنها تستحق بعقد ضمان على ما بينا والعتق تبرع محض فلا يزاحمها وكان ينبغي أن يقدم على العتق تقدمت في الذكر أو تأخرت إلا أن مزاحمة العتق إياها حالة التأخير ثبت لضرورة التعارض حالة التقدم على ما نذكره .
وأما قولهما : إن الإعتاق لا يحتمل الفسخ فبعض المشايخ قالوا إن كل واحد منهما لا يحتمل الفسخ من جهة الموصي فإن من باع ماله بالمحاباة في مرض موته لا يملك فسخه كما لو أعتق عبده في مرض موته أنه لا يملك فسخه فاستويا في عدم احتمال الفسخ من جهة الموصي وهو المعتق والبائع فإذا كانت البداية بالمحاباة ترجحت بالبداية لكون البداية بها دليل الاهتمام ولا يمكن ترجيح العتق عند البداية به لأن تعلق المحاباة بعقد الضمان يقتضي ترجيحها على العتق الذي هو تبرع محض فتعارض الوجهان فسقطا والتحقا بالعدم فبقي أصل التعارض بلا ترجيح فتقع المزاحمة بين المحاباة والعتق فيقسم الثلث بينهما .
وهذا الجواب ضعيف لأن البيع بالمحاباة تصرف يحتمل الفسخ في نفسه في الجملة فيفسخ بخيار العيب والرؤية والشرط والإقالة إذ هي فسخ في حق المتعاقدين عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله فكانت المحاباة محتملة للفسخ في الجملة والعتق لا يحتمله رأسا فكان أقوى من المحاباة فيجب أن يقدم عليها كما هو مذهبهما .
ومنهم من قال : إن عدم احتمال العتق للفسخ إن كان يقتضي ترجيحه على المحاباة كما ذكرنا من تعلق المحاباة بعقد الضمان يقتضي ترجيحا على العتق فوقع التعارض فترجح المحاباة بالبداية وإذا لم يبدأ بها فلم يوجد الترجيح فبقيت المعارضة فثبتت المزاحمة وهذا أيضا ضعيف لأنه لو كان كذلك للزم تقديم العتق على المحاباة إذا بدأ بالعتق لوجود المرجح للعتق عند وقوع التعارض ولا قدم غيره بل يقسم الثلث بينهما ومنهم من قال : تعلق المحاباة بعقد الضمان بحيث استحقاقها به أقوى في الدلالة من العتق من حيث احتمال الفسخ بدليل أن الدين مقدم على الإعتاق حتى لو أعتق عبدا مستغرقا بالدين لا ينفذ وإن كان الإعتاق لا يحتمل الفسخ والمعارضة محتملة للفسخ لكونها عقد ضمان فلا يعارضها العتق إلا عند البداية وعلى الجملة تقرير مذهب أبي حنيفة Bه في هذه المسألة بالإضافة إلى عقولنا مشكل والله سبحانه وتعالى أعلم .
وفرع أبو حنيفة Bه على هذا فقال : إذا أعتق ثم حابى ثم أعتق يقسم الثلث بين العتق الأول وبين المحاباة نصفين ثم ما أصاب العتق الأول يقسم بينه وبين العتق الثاني لاستوائهما في القوة .
ولو حابى ثم أعتق ثم حابى يقسم الثلث بين المحابتين نصفين ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة يقسم بينهما وبين العتق نصفين كما إذا أعتق ثم حابى والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كان مع الوصايا للعباد عتق أو محاباة فإن لم يكن يضرب كل واحد منهما بقدر حقه من الثلث .
حتى لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالسدس ولم تجز الورثة يقسم الثلث بينهما أثلاثا : سهمان لصاحب الثلث وسهم لصاحب السدس أصل المسألة من ستة : ثلث المال ثلاثة وثلثاه مثلاه وذلك ستة فجملة المال تسعة ثلثه وذلك ثلاثة للموصى لهما بالثلث والسدس بينهما أثلاثا وثلثاه وذلك ستة للورثة فاستقام الثلث والثلثان وإن أجازت الورثة فللموصي له بالثلث سهمان وللموصى له بالسدس سهم والباقي وهو ثلاثة من ستة للورثة على فرائض الله تبارك وتعالى .
ولو أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على سبعة أسهم لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة أصل المسألة من اثني عشر للموصى له بالثلث ثلثها وذلك أربعة عشر فيكون كل المال أحدا وعشرين الثلث من ذلك سبعة للموصى له بالثلث والثلثان وهو أربعة عشر للورثة وإن أجازت الورثة فللموصي له بالثلث ما أوصى له وهو أربعة وللموصى له بالربع ما أوصى له وهو ثلاثة والباقي وهو خمسة من اثني عشر للورثة على فرائض الله تعالى ولو أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع ولآخر بالسدس فثلث المال تسعة : أصل المسألة من اثني عشر لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولصاحب السدس سهمان وذلك تسعة وثلثا المال مثلاه وذلك ثمانية عشر فيكون جملته سبعة وعشرين سهام الوصية منها تسعة ثلاثة وأربعة وسهمان وثمانية عشر سهام الورثة .
هذا إذا لم يكن في الوصايا ما يزيد على الثلث فإن كان بأن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالنصف فإن أجازت الورثة فلكل واحد ما أوصى له به فالثلث للموصى له بالثلث والنصف للموصى له بالنصف أصل المسألة من ستة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بالنصف ثلاثة وذلك خمسة والباقي للورثة وإن لم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفين في قول أبي حنيفة لكل واحد منهما سهم من ستة وعند أبي يوسف و محمد رحمهما الله على خمسة : لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث سهمان .
وإن أوصى لرجل بربع ماله ولآخر بنصف ماله فإن أجازت الورثة فلكل واحد منهما ما أوصى له به فالربع للموصى له بالربع والنصف للموصى له بالنصف والربع الباقي بين الورثة على فرائض الله تعالى لأن المانع من الزيادة على الثلث حق الورثة وقد زال بإجازتهم وإن ردوا فلا خلاف في أن الوصية بالزيادة على الثلث لم ينفذ وإن نفذت ففي الثلث لا غير وإنما الخلاف في كيفية قسمة الثلث بينهما فعلى قول أبي حنيفة C تعالى يقسم الثلث بينهما على سبعة أسهم للموصى له بالنصف أربعة وللموصى له بالربع ثلاثة وعند أبي يوسف و محمد على ثلاثة : سهمان للموصى له بالربع لأن الموصى له بالنصف لا يضرب إلا بالثلث عنده والموصى له بالربع يضرب بالربع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع وأقله إثنا عشر ثلثها أربعة وربعها ثلاثة فتجعل وصيتها على سبعة وذلك ثلث الميراث وثلثاه مثلاه وذلك أربعة عشر وجميع المال أحد وعشرون سبعة منها للموصى لهما أربعة للموصى له بالنصف وثلاثة للموصى له بالربع وعند أبي يوسف و محمد : يقسم الثلث بينهما على ثلاثة أسهم لأن الموصى له بالنصف يضرب بجميع وصيته عندهما والموصى له بالربع يضرب بالربع والربع مثل نصف النصف فيجعل كل ربع سهما فالنصف يكون سهمين والربع سهما فيكون ثلاثة فيصير الثلث بينهما على ثلاثة أسهم سهمان للموصى له بالنصف وسهم للموصى له بالربع وهذا بناء على أصل وهو أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب في الثلث بأكثر من الثلث من غير إجازة الورثة عند أبي حنيفة C تعالى إلا في خمس مواضع في العتق في المرض وفي الوصية بالعتق في المرض وفي المحاباة في المرض وفي الوصية بالمحاباة في الوصية بالدراهم المرسلة فإنه يضرب في هذه المواضع بجميع وصية من غير إجازة الورثة .
وصورة ذلك في الوصية بالعتق إذا كان له عبدان لا مال له غيرهما أوصى بعتقهما وقيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر ألفان ولم تجز الورثة عتفا من الثلث وثلث ماله ألف درهم فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان فيعتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة والثلث للذي قيمته ألف فيعتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة فإن أجازت الورثة عتقا جميعا .
وصورة ذلك في المحاباة : إذا كان له عبدان أوصى بأن يباع أحدهما من فلان والآخر من فلان آخر بيعا بالمحاباة وقيمة أحدهما مثلا ألف ومائة وقيمة الآخر ستمائة فأوصى بأن يباع الأول من فلان بمائة والآخر من فلان آخر بمائة فههنا حصلت المحاباة لأحدهما بألف وللآخر بخمسمائة وذلك كله وصية لأنها حصلت في حالة المرض فإن خرج ذلك من الثلث أو أجازت الورثة جاز وإن لم يخرج من الثلث ولا أجازت .
الورثة جازت محاباتهما بقدر الثلث وذلك يكون بينهما على قدر وصيتهما يضرب أحدهما فيها بألف والآخر بخمسمائة .
وصورة ذلك في الدراهم المرسلة إذا أوصى لإنسان بألف وللآخر بالدين وثلث ماله ألف فالثلث يكون بينهما أثلاثا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته ولا خلاف أيضا في الوصية بأقل من الثلث كالربع والسدس ونحو ذلك أن الموصى له يضرب بجميع وصيته .
وجه قولهما : أن الوصية وقعت باسم الزيادة على الثلث من النصف ونحوه فيجب اعتبارها ما أمكن إلا أنه تعذر اعتبارها في حق الاستحقاق لما فيه من إبطال حق الورثة وأنه إضرار بهم فوجب اعتبارها في حق الضرب وأنه يمكن إذ لا ضرر فيه على الورثة ولهذا اعتبرت التسمية في حق الضرب فيما ذكرنا من المسائل .
و لأبي حنيفة C : أن الوصية بالزيادة على الثلث عند رد الورثة وصية باطلة من كل وجه بيقين والضرب بالوصية الباطلة من كل وجه بيقين باطل وإنما قلنا إن الوصية بالزيادة وصية باطلة لأنها في قدر الزيادة صادفت حق الورثة إلا أنها وقفت على الإجازة والرد فإذا ردوا تبين أنها وقعت باطلة .
وقوله : من كل وجه يعني به استحقاقا وتسمية وهي تسمية النصف فالكل فلم تقع الوصية صحيحة في مخرجها .
وقولنا : بيقين لأنها لا يحتمل النفاذ لحال ألا يرى أنه لو ظهر للميت مال آخر لنفذت هذه الوصية وهي الوصية بالزيادة على الثلث بخلاف المواضع الخمس فإن هناك ما وقعت باطلة بيقين بل تحتمل التنفيذ في الجملة بأن يظهر مال آخر للميت يخرج هذا القدر من الثلث فبين أن الوصية ما وقعت بالزيادة على الثلث فلم تقع باطلة بيقين وههنا بخلافه لأنه وإن ظهر له مال آخر يدخل ذلك المال في الوصية ولا يخرج من الثلث وهذا القدر يشكل بالوصية بيقين فإن زادت قيمته على الثلث بأن أوصى بثلث عبد لرجل وبثلثيه لآخر ولا مال له سواه فردت الورثة أن صاحب الثلثين لا يضرب بالثلث الزائد عندنا وإن لم تكن الوصية باطلة بيقين لجواز أن يظهر له مال آخر فتنفذ تلك الوصية فينتفي أن يضرب الموصى له بالثلثين بالثلث الزائد ومع هذا لا يضرب عندنا فأشكل القدر وبخلاف الوصية بالأقل من الثلث لأن الوصية هناك وقعت صحيحة في مخرجها من حيث التسمية لأن التسمية وقعت بالربع والسدس وكل ذلك مخارج الوصية بالتسمية صادفت محل الوصية وإنما يظهر الفرق عند اجتماع الوصيتين فإذا ردت الورثة فالرد ورد عليهما جميعا فيقسم بينهما على قدر نصيبهما .
ولو أوصى لرجل بجميع ماله ثم أوصى لآخر بثلث ماله فأجازت الورثة الوصيتين جميعا فقد روى أبو يوسف و محمد عن أبي حنيفة C أنه قال : الموصى له بالجميع يأخذ الثلثين خاصة ويكون الباقي بين صاحب الجميع وبين صاحب الثلث .
وقال حسن بن زياد : ليس هذا قول أبي حنيفة أن للموصى له ربع المال وللموصى له بالجميع ثلاثة أرباعه .
وذكر الكرخي C أنه ليس في هذه المسألة نص رواية عن أبي حنيفة C وإنما اختلفوا في قياس قوله والصحيح أن قول أبي حنيفة C تعالى فيها ما روي عنه أبو يوسف و محمد رحمهما الله لأنه قسمة على اعتبار المنازعة وما ذكر حسن C تعالى اعتبار العول والمضاربة والقسمة على اعتبار العول والمضاربة من أصولهما لا من أصله فإن من أصله اعتبار المنازعة في القسمة .
ووجهه ههنا : أن ما زاد على الثلث يعطي كله للموصى له بجميع المال لأنه لا ينازعه فيه أحد وأما قدر الثلث فينازعه فيه الموصى له بالثلث فاستوت منازعتهما فيه إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيقسم بينهما نصفين فيكون أصل مسألة الحساب من ثلاثة لحاجتنا إلى الثلث الثلثان للموصى له بالجميع بلا منازعة والثلث بينهما نصفان إلا أنه ينكسر الحساب فيضرب اثنين في ثلاثة فيصير ستة فيسلم ثلثاها للموصى له بالجميع بلا منازعة وثلثها وهو سهمان ينازعه فيه الموصى له بالثلث فيقسم بينهما فحصل للموصى له بالجميع وخمسة وللموصى له بالثلث سهم .
وأما القسمة على طريق العول والمضاربة عندهما ههنا أن كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته فالموصى له بالثلث يضرب بالثلث وهو سهم والموصى له بالجميع يضرب بكل المال وهو ثلاثة أسهم فيجعل المال على أربعة أسهم لصاحب الثلث سهم ولصاحب الجميع ثلاثة هذا إذا أجازت الورثة فإن ردت الورثة جازت الوصية من الثلث ثم الثلث يكون بينهما نصفين في قول أبي حنيفة C لأن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث إذ لم تجز الورثة عنده وعندهما يضرب كل واحد منهما بجميع وصيته أرباعا على ما بينا والله تعالى الموفق .
هذا إذا اجتمعت الوصايا فيما سوى العين فإن اجتمعت الوصايا في العين فإن اجتمعت في عين مشار إليها بأن أوصى بعين واحدة لاثنين أو أكثر أو أوصى لكل واحد بجميع العين فقد قال أبو حنيفة C تعالى : تقسم العين بين أصحاب الوصايا على عددهم فيضرب كل واحد منهم بالقدر الذي حصل له بالقسمة ولا يضرب بجميع تلك العين .
وإن وقعت القسمة بجميع العين وذلك نحو أن يقول : أوصيت بعبدي هذا لفلان ثم قال وقد أوصيت بعبدي هذا لفلان آخر والعبد يخرج من ثلث ماله فإن العبد يقسم بينهما نصفين على عددهما وهما اثنان فيضرب كل واحد منهما بنصف العبد ولا يضرب بأكثر من ذلك وكذلك إن أوصى به لثلاثة أو أربعة .
وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله : يضرب كل واحد منهما بجميع وصيته ويتفق الجواب في تقديم ما يستحق كل واحد منهما من العبد في هذه الصورة لكن بناء على أصلين مختلفين وإنما يظهر ثمرة اختلاف الأصلين فيما إذا انضمت إلى الوصية لهما وصية لثالث بأن كان له عبد وألفا درهم سوى ذلك فأوصى بالعبد لإنسان ثم أوصى به لآخر وأوصى لرجل آخر بألف درهم فعند أبي حنيفة C : يضرب كل واحد من الموصى له بالعبد بنصف العبد وهذا بنصفه وهذا بنصفه ويضرب الموصى له بألف درهم بألف فيقتسمون بالثلث أرباعا .
وعند أبي يوسف و محمد رحمهما الله : يضرب كل واحد من الموصى لهما بالعبد بجميع العبد .
والموصى له بألف يضرب بألف فيقتسمون الثلث أثلاثا بناء على الأصل الذي ذكرنا فيما تقدم أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب بأكثر من الثلث عنده وعندهما يضرب بجميع وصيته فهما يقولان : لأن التسمية وقعت لجميع العين إلا أنها لا تظهر في حق الاستحقاق فتظهر في حق الضرب كما في أصحاب الديون وأصحاب العول و أبو حنيفة C يقول : إن الموصي قد أبطل وصية كل واحد منهما في نصف العين فله ولاية الإبطال ألا يرى أن له أن يرجع فيبطل استحقاق كل واحد منهما نصف العين فالضرب بالجميع يكون ضربا بوصية باطلة فكان باطلا بخلاف الغرماء فإنه ليس لمن عليه الدين ولاية إبطال حقهم فيضرب كل واحد منهم بكل حقه وبخلاف أصحاب العول لأنه لم يؤخذ من جهة الميت سبب يبطل شهادتهم فيضربون بجميع ما ثبت حقهم فيه .
ولو كان له عبد آخر قيمته ألف درهم وألف درهم فأوصى بعبد لرجل وأوصى لرجل آخر بثلث ماله فالثلث وهو قدر ألف درهم يكون بينهما نصفين خمسمائة للموصى له بجميع العبد وخمسمائة للموصى له بالثلث غير أن ما أصابه الموصى له بالجميع يكون في العبد وذلك خمسة أسداس العبد وما أصاب الموصى له بالثلث يكون بعضه في العبد وهو سدس ما بقي من العبد وهو عشر العبد والبعض في الدراهم وهو خمس الألفين فيضرب الموصى له بجميع العبد بخمسة أسداسه والموصى له بالثلث يضرب بسدس العبد وبخمس الألفين على أصل أبي حنيفة C تعالى لأنه اجتمع في العبد وصيتان : وصية بجميعه ووصية بثلثه لأن الوصية بثلث المال تناولت العبد لكونه مالا فاجتمعت في العبد وصيتان فسلم للموصى له بجميع العبد ثلثاه بلا منازعة والثلث ينازعه فيه الموصى له بالثلث فيكون على الحساب من ثلاثة لحاجتنا إلى الثلث وأقل حساب يخرج منه الثلث ثلاثة قسمان خليا عن منازعة الموصى له بالثلث فسلم ذلك للموصى له بالجميع بلا منازعة بقي سهم استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما فينكسر فنضرب اثنين في ثلاثة فيكون ستة فثلثا الستة وهو أربعة سلم للموصى له بالجميع لأنه لا ينازعه فيه أحد وثلثها وهو سهمان ينازعه فيه الموصى له بالثلث واستوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم وإذا صار العبد قيمته ألف على ستة يصير كل ألف من الدراهم على ستة فصار الألفان على اثني عشر للموصى له بالثلث منهما أربعة أسهم فصار له خمسة أسهم أربعة أسهم من الدراهم وسهم من العبد وللموصى له بالجميع خمسة أسهم كلها في العبد لأنه لا وصية له في الدراهم فصارت وصيتهما جميعا عشرة أسهم فاجعل ثلث المال على عشرة أسهم فالثلثان عشرون سهما فالكل ثلاثون سهما والعبد ثلث المال لأن قيمته ألف درهم قصار العبد على عشرة أسهم والألفان على عشرين سهما فادفع وصيتهما من العبد فوصية الموصى له بالجميع خمسة وهو نصف العبد ووصية الموصى له بالثلث سهم وذلك خمس ما بقي من العبد وادفع وصية الموصى له بالثلث من الدراهم وذلك عشرون سهما أربعة أسهم وهو خمس الألفين على ما ذكره في الأصل فبقي من العبد أربعة أسهم لا وصية فيها فيدفع إلى الورثة فيكمل لهم الثلثان لأن الموصى له بالثلث قد أخذ من الألفين أربعمائة وذلك أربعة أسهم وحصل للموصى له بالعبد خمسة أسهم من العبد وذلك نصفه وحصل للموصى له بالثلث أربعمائة من الدراهم وذلك خمسها لأنا جعلنا الألفين على عشرين سهما وأربعة من عشرين خمسها وحصل له من العبد سهم وذلك خمس العبد وحصل للورثة عشرون سهما وهي الثلثان ستة عشر سهما وذلك أربعة أخماسها وأربعة أسهم من العبد وذلك خمساه .
هذا قول أبي حنيفة C وأما على قولهما : فيقسم على طريق العول والمضاربة فصاحب العبد يضرب بجميع ثلثه وصاحب الثلث يضرب بالثلث سهم فيحتاج إلى حساب له ثلث وأقله ثلاثة فصاحب العبد يضرب بالجميع وذلك ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بالثلث وذلك سهم فصار العبد على أربعة أسهم وإذا صار العبد على أربعة أسهم مع العول صار كل ألف على ثلاثة بغير عول لأنه لا حاجة إلى العول في الألف فصارت الألفان على ستة أسهم فللموصى له بالثلث ثلثها وذلك سهمان فتبين أن وصيتهما ستة أسهم وصية صاحب العبد ثلاثة كلها في العبد ووصية صاحب الثلث ثلاثة أسهم سهمان في الدراهم وسهم في العبد فاجعل ذلك ثلث المال واجعل العبد ثلث المال واجعل العبد على ستة أسهم وادفع إليهما وصيتها من العبد لصاحب العبد ثلاثة أسهم ولصاحب الثلث سهم بقي سهمان فاضلان لا وصية فيهما فادفع ذلك إلى الورثة حتى يكمل لهم الثلثان لأن صاحب الثلث قد أخذ سهمين من الدراهم وانتقص نصيب الورثة من الدراهم فيدفع سهمين من العبد إليهم حتى يكمل لهم الثلثان وقد جعل ثلث المال وهو العبد على ستة أسهم فالثلثان يكونان اثني عشر فادفع وصية صاحب الثلث من ذلك سهمين ثم ضم السهمين من العبد الذي لا وصية فيهما إلى عشرة أسهم حتى يكمل لهم الثلثان فحصل للورثة عشرة أسهم من الدراهم وسهمان من العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أسهم وذلك نصف العبد كله في العبد وللموصى له بالثلث سهم في العبد وذلك سدس العمد وسدس الألفين وهما سهمان من اثني عشر والله تعالى أعلم .
ولو كان له عبدان قيمتهما واحدة لا مال له غيرهما فأوصى لرجل بأحدهما بعينه ولآخر بثلث ماله فإن الثلث يقسم بينهما على سبعة أسهم وهذه المسألة مبنية على مسألتين : .
إحداهما : أن الثلث يقسم بينهما على طريقة المنازعة في قول أبي حنيفة C تعالى وعندهما على طريق العول .
والثانية : أن المذهب عند أبي حنيفة أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث إلا في مواضع الاستثناء على ما بينا .
إذا عرفت هذا فنقول : القسمة في هذه المسألة على طريق المنازعة عند أبي حنيفة C لأنه .
اجتمع في العبد وصيتان وصية بجميعه ووصية بثلثه والثلثان يسلمان لصاحب الجميع بلا منازعة لأنه لا ينازعه فيه صاحب الثلث وذلك سهمان من ثلاثة والثلث وهو سهم استوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما لكل واحد منهما نصف سهم فانكسر فنضرب اثنين في ثلاثة فيصير ستة قلنا : الستة تسلم لصاحب الجميع بلا منازعة وهو أربعة والثلث وهو سهمان استوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم فصار لصاحب الجميع خمسة أسهم ولصاحب الثلث سهم فلما صار هذا العبد على ستة أسهم صار العبد الآخر على ستة : للموصى له بالثلث منهما سهمان فصار وصية صاحب الثلث ثلاثة أسهم سهمان في العبد الذي لا وصية فيه وسهم في العبد الذي فيه وصية ووصية صاحب العبد خمسة أسهم وذلك أكثر من ثلث المال لأن جميع المال اثنا عشر فثلثها أربعة والمذهب عند أبي حنيفة C تعالى إن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب له إلا بالثلث فتطرح من وصيته سهما فتصير وصيته أربعة أسهم ووصية الآخر ثلاثة أسهم وذلك سبعة أسهم فاجعل هذا ثلث المال وثلثاه مثلاه وذلك أربعة عشر وجميع المال أحد وعشرون وماله عبدان فتبين أن كل عبد على عشرة ونصف لأن كل عبد مقدار نصف المال فيدفع من العبد الموصى به وصيتهما فيه ويدفع إليهما بوصية صاحب الجميع أربعة أسهم في العبد فيدفع ذلك إليه ووصية صاحب العبد سهم واحد في العبد فيدفع ذلك إليه فبقي من العبد خمسة أسهم ونصف فادفع ذلك إلى الورثة فيقسم بينهم على فرائض الله تعالى ويؤخذ من العبد الذي لا وصية فيه سهمان ويدفع إلى الموصى له بالثلث فيبقى هن هذا العبد ثمانية ونصف يدفع إلى الورثة فيقسم بينهم على فرائض الله تعالى فصارت كلها سبعة أسهم وهي ثلث المال فحصل للموصى له بالعبد منهما خمسة أسهم وللموصى له بالثلث سهمان وحصل للورثة من العبد الموصى به خمسة ونصف ومن العبد الذي لا وصية فيه ثمانية ونصف فذلك أربعة عشر وهي ثلثا المال فاستقام الحساب على الثلث والثلثين .
وأما على قول أبي يوسف و محمد فيقسم على طريق العول فنقول : اجتمع في العبد وصيتان : وصية بجميعه ووصية بثلثه ومخرج الثلث ثلاثة : فصاحب الجميع يضرب بالجميع وذلك ثلاثة أسهم وصاحب الثلث يضرب بثلثه وهو سهم فصار العبد على أربعة أسهم وهو معنى العول فلما صار هذا العبد على أربعة بالعول يجعل العبد الآخر على ثلاثة بغير عول لأنه لا حاجة إلى العول في ذلك العبد فسهم من ذلك العبد للموصى له بالثلث فصارت وصية صاحب الثلث سهمين : سهم من العبد الذي فيه الوصية وسهم من العبد الذي لا وصية فيه ووصية صاحب العبد ثلاثة أسهم فذلك خمسة أسهم فاجعل هذا ثلث المال وثلثاه مثلا وذلك عشرة والجميع خمسة عشر وماله عبدان فيصير كل عبد على سبعة ونصف فيدفع وصية صاحب العبد من العبد إليه وذلك ثلاثة ووصية صاحب الثلث إليه وذلك سهم يبقى من هذا العبد ثلاثة ونصف فيدفع ذلك إلى الورثة ويدفع من العبد الآخر سهم إلى الموصى له بالثلث يبقى ستة أسهم ونصف من العبد الذي فيه الوصية وستة أسهم ونصف من العبد الآخر فاستقامت القسمة على الثلث والثلثين والله تعالى أعلم