الكلام في العاقلة .
ثم الكلام في العاقلة في موضعين : أحدهما في تفسير العاقلة من هم والثاني في بيان القدر الذي تتحمله العاقلة من الدية .
أما الأول فالقاتل لا يخلو إما أن كان حر الأصل وإما أن كان معتقا وإما إن كان مولى الموالاة فإن كان حر الأصل فعاقلته أهل ديوانه إن كان من أهل الديوان وهم المقاتلة من الرجال الأحرار البالغين العاقلين تؤخذ من عطاياهم وهذا عندنا وعند الشافعي C عاقلته قبيلته من النسب والصحيح قولنا لإجماع الصحابة Bهم على ذلك فإنه روي عن إبراهيم النخعي C أنه قال : كانت الديات على القبائل فلما وضع سيدنا عمر Bه الدواوين جعلها على أهل الدواوين .
فإن قيل : قضى E : [ بالدية على العاقلة من النسب ] إذ لم يكن هناك ديوان فكيف يقبل قول سيدنا عمر Bه على مخالفته فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ .
فالجواب : لو كان سيدنا عمر Bه فعل ذلك وحده لكان يجب حمل فعله على وجه لا يخالف فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف وكان فعله بمحضر من الصحابة Bهم ولا يظن من عموم الصحابة Bهم مخالفة فعله E فدل أنهم فهموا أنه كان معلولا بالنصرة وإذا صارت النصرة في زمانهم الديوان نقلوا العقل إلى الديوان فلا تتحقق المخالفة وهذا لأن التحمل من العاقلة للتناصر وقبل وضع الديوان كان التناصر بالقبيلة وبعد الوضع صار التناصر بالديوان فصار عاقلة الرجل أهل ديوانه .
ولا تؤخذ من النساء والصبيان والمجانين والرقيق لأنهم ليسوا من أهل النصرة ولأن هذا الضمان صلة وتبرع بالإعانة والصبيان والمجانين والمماليك ليسوا من أهل التبرع وإن لم يكن له ديوان فعاقلته قبيلته .
من النسب لأن استنصاره بهم وإن كان القاتل معتقا أو مولى الموالاة فعاقلته مولاه وقبيلة مولاه لقوله E : [ مولى القوم منهم ] ثم عاقلة المولى الأعلى قبيلته إذا لم يكن من أهل الديوان فكذا عاقلة مولاه ولأن استنصاره بمولاه وقبيلته فكانوا عاقلته .
هذا إذا كان للقاتل عاقلة فأما إذا لم يكن له عاقلة كاللقيط والحربي أو الذمي الذي أسلم فعاقلته بيت المال في ظاهر الرواية .
وروى محمد عن أبي حنيفة Bه أنه تجب الدية عليه من ماله لا على بيت المال .
وجه هذه الرواية : أن الأصل هو الوجوب في مال القاتل لأن الجناية وجدت منه وإنما الأخذ من العاقلة بطريق التحمل فإذا لم يكن له عاقلة يرد الأمر فيه إلى حكم الأصل .
وجه ظاهر الرواية : أن الوجوب على العاقلة لمكان التناصر فإذا لم يكن له عاقلة كان استنصاره بعامة المسلمين وبيت المال ما لهم فكان ذلك عاقلته وأما بيان مقدار ما تتحمله العاقلة من الدية فلا يؤخذ من كل واحد منهم إلا ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم ولا يزاد على ذلك لأن الأخذ منهم على وجه الصلة والتبرع تخفيفا على القاتل فلا يجوز التغليظ عليهم بالزيادة ويجوز أن ينقص عن هذا القدر إذا كان في العاقلة كثرة فإن قلت العاقلة حتى أصاب الرجل أكثر من ذلك يضم إليهم أقرب القبائل إليهم من النسب سواء كانوا من أهل الديوان أو لا ولا يعسر عليهم ويدخل القاتل مع العاقلة ويكون فيما يؤدي كأحدهم لأن العاقلة تتحمل جناية وجدت منه وضمانا وجب عليه فكان هو أولى بالتحمل .
وأما بيان كيفية وجوب الدية فنقول : لا خلاف في أن دية الخطأ تجب مؤجلة على العاقلة في ثلاث سنين لإجماع الصحابة Bهم على ذلك فإنه روي أن سيدنا عمر Bه قضى بذلك بمحضر من الصحابة Bهم ولم ينقل أنه خالفه أحد فيكون إجماعا وتؤخذ من ثلاث عطايا إن كان القاتل من أهل الديوان لأن لهم في كل سنة عطية فإن تعجل العطايا الثلاث في سنة واحدة يؤخذ الكل في سنة واحدة فإن تأخرت يتأخر حق الأخذ وإن لم يكن من أهل الديوان تؤخذ منه ومن قبيلته من النسب في ثلاث سنين ولا خلاف في أن الدية بالإقرار بالقتل الخطأ تجب في ماله في ثلاث سنين لأن الإقرار بالقتل إخبار عن وجود القتل وإنه يوجب حقا مؤجلا تتحمله العاقلة إلا أنه لا يصدق على العاقلة فيجب مؤجلا في ماله واختلف في شبه العمد والعمد الذي دخلته شبهة وهو الأب إذا قتل ابنه عمدا قال أصحابنا رحمهم الله إنها تجب مؤجلة في ثلاث سنين إلا أن دية شبه العمد تتحمله العاقلة ودية العمد في مال الأب .
وقال الشافعي C : دية الدم كدية العمد تجب حالا وجه قوله : أن سبب الوجوب وجد حالا فتجب الدية حالا إذ الحكم يثبت على وفق السبب هو الأصل إلا أن التأجيل في الخطأ ثبت معدولا به عن الأصل لإجماع الصحابة Bهم أو يثبت معلولا بالتخفيف على القاتل حتى تحمل عنه العاقلة والعامد يستحق التغليظ ولهذا وجب في ماله لا على العاقلة .
ولنا : أن وجوب الدية لم يعرف إلا بنص الكتاب العزيز وهو قوله تبارك وتعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } والنص وإن ورد بلفظ الخطأ لكن غيره ملحق به إلا أنه مجمل في بيان القدر والوصف فبين صلى الله عليه و سلم قدر الدية بقوله E : [ في النفس المؤمنة مائة من الإبل ] وبيان الوصف وهو الأجل ثبت بإجماع الصحابة Bهم بقضية سيدنا عمر Bه بمحضر منهم فصار الأجل وصفا لكل دية وجبت بالنص .
وقوله دية الخطأ وجبت بطريق التخفيف والعامد يستحق التغليظ قلنا وقد غلظنا عليه من وجهين : .
أحدهما : بإيجاب دية مغلظة .
والثاني : بالإيجاب في ماله والجاني لا يستحق التغليظ من جميع الوجوه وكذلك كل جزء من الدية تتحمله العاقلة أو تجب في مال القاتل فذلك الجزء تجب في ثلاث سنين كالعشرة إذا قتلوا رجلا خطأ أو شبه عمد حتى وجبت عليهم دية واحدة فعاقلة كل واحد منهم تتحمل عشرها في ثلاث سنين وكذلك العشرة إذا قتلوا رجلا وأحدهم أبوه حتى وجبت عليهم دية واحدة في مالهم يجب على كل واحد منهم عشرها في ثلاث سنين لأن الواجب على كل واحد منهم جزء من دية مؤجلة في ثلاث سنين فكان تأجيل الدية تأجيلا لكل جزء من أجزائها إذ الجزء لا يخالف الكل في وصفه ولا خلاف في أن بدل الصلح عن دم العمد يجب في ماله حالا لأنه لم يجب بالقتل و إنما وجب بالعقد فلا يتأجل إلا بالشرط كثمن المبيع ونحو ذلك وكذلك العبد إذا قتل إنسانا خطا واختار المولى الفداء يجب الفداء حالا لأن الفداء لم يجب بالقتل بدلا من القتيل وإنما وجب بدلا عن دفع العبد والعبد لو دفع يدفع حالا فكذلك بدله والله تعالى أعلم .
هذا إذا كان القاتل حرا والمقتول حرا فأما إذا كان القاتل حرا والمقتول عبدا فالعبد المقتول لا يخلو إما أن كان عبد أجنبي وإما أن كان عبد القاتل فإن كان عبد أجنبي فيتعلق بهذا القتل حكمان : أحدهما : وجوب القيمة والكلام في القيمة في مواضع : في بيان مقدار الواجب منها وفي بيان من تجب عليه وفي بيان من يتحمله وفي بيان كيفية الوجوب .
أما الأول فالعبد لا يخلو إما أن كان قليل القيمة وإما أن كان كثير القيمة فإن كان قليل القيمة بأن كان قيمته أقل من عشرة آلاف درهم يجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع وإن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر اختلف فيه قال أبو حنيفة و محمد رحمهما الله : يجب عشرة آلاف إلا عشرة .
وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول : أنه يجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول الشافعي C والمسألة مختلفة بين الصحابة Bهم روي عن عبد الله بن مسعود Bه مثل مذهبنا وروي عن سيدنا عثمان وسيدنا علي Bهما مثل مذهبه .
والحاصل : أن العبد آدمي ومال لوجود معنى الآدمية والمالية فيه وكل واحد منهما معتبر مضمون بالمثل والقيمة حالة الانفراد وبالقتل فوت المعنيين جميعا ولا وجه إلى إيجاب الضمان بمقابلة كل واحدة منهما على الانفراد فلا بد من إيجابه بمقابلة أحدهما وإهدار الآخر فيقع الكلام في الترجيح فادعى الشافعي C الترجيح من وجهين : .
أحدهما : أن الواجب مال ومقابلة المال بالمال أولى من مقابلة المال بالآدمي لأن الأصل في ضمان العدوان الوارد على حق العبد أن يكون مقيدا بالمثل ولا مماثلة بين المال والآدمي فكان إيجابه بمقابلة المال موافقا للأصل فكان أولى .
والثاني : أن الضمان وجب حقا للعبد وحقوق العباد تجب بطريق الجبر وفي إيجاب الضمان بمقابلة المالية جبر حق المفوت عليه من كل وجه .
ولنا : النص ودلالة الإجماع والمعقول أما النص فقوله تبارك وتعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وهذا مؤمن قتل خطأ فتجب الدية والدية ضمان الدم وضمان الدم لا يزاد على عشرة آلاف بالإجماع .
وأما دلالة الإجماع فهو أنا أجمعنا على أنه لو أقر على نفسه بالقصاص يصح وإن كذبه المولى لولا أن الترجيح لمعنى الآدمية لما صح لأنه يكون إقراره إهدارا لمال المولى قصدا من غير رضاه وإنه لا يملك ذلك .
وأما المعقول فمن وجهين : .
أحدهما : أن الآدمية فيه أصل والمالية عارض وتبع والعارض لا يعارض الأصل والتبع لا يعارض المتبوع ودليل أصالة الآدمية من وجوه : أحدها : أنه كان خلق آدميا ثم ثبت فيه وصف المالية بعارض الرق .
والثاني : أن قيام المالية فيه بالآدمية وجودا وبقاء لا على القلب .
والثالث : أن المال خلق وقاية للنفس والنفس ما خلقت وقاية للمال فكانت الآدمية فيه أصلا وجودا وبقاء وعرضا والثاني أن حرمة الآدمي فوق حرمة المال لأن حرمة المال لغيره وحرمة الآدمي لعينه فكان اعتبار النفسية وإهدار المالية أولى من القلب إلا أنه نقصت ديته عن دية الحر لكون الكفر منقصا في الجملة وإظهارا لشرف الحرية وتقدير النقصان بالعشرة ثبت توقيفا .
قال ابن مسعود Bه : ينقص من دية الحر عشرة دراهم فالظاهر أنه قال ذلك سماعا منه عليه السلام لأنه من باب المقادير أو لأن هذا أدنى مال له قي خطر الشرع كما في نصاب السرقة والمهر في النكاح .
قوله : المال ليس بمثل للآدمي قلنا نعم لكن لشرف الآدمي وجه المال لم يجعل مثلا له عند إمكان إيجاب ما هو مثل له من كل وجه وهو النفس فأما عند تعذر اعتباره من كل وجه فاعتبار المثل من وجه أولى من الإهدار وقوله الجبر في المال أبلغ قلنا بلى لكن فيه إهدار الآدمي ومقابلة الجابر بالآدمي الفائت أولى من المقابلة بالمال الهالك وإن كان الجبر ثمة أكثر لكن فيه اعتبار جانب المولى فيكون لغيره وفيما قلنا الجبر أقل لكن فيه اعتبار جانب نفس الآدمي وهو العبد وحرمة الآدمي لعينه فكان ما قلناه أولى .
ولو كان المقتول أمة فإن كانت قليلة القيمة بأن كانت قيمتها أقل من خمسة آلاف فهي مضمونة بقدر قيمتها بالغة ما بلغت وإن كانت كثيرة القيمة بأن كانت قيمتها خمسة آلاف أو أكثر يجب خمسة آلاف إلا عشرة عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله وعلى رواية أبي يوسف C له فهو قول الشافعي C تبلغ بالغة ما بلغت والكلام في الأمة كالكلام في العبد وإنما ينقص منها عشرة كما نقصت من دية العبد .
وإن اختلفا في قدر البدل لأن هذه دية البدل لأن هذه دية كاملة في الأمة فينقص في العبد بخلاف ما إذا قطع يد عبد تزيد نصف قيمته على خمسة آلاف أنه تجب خمسة آلاف إلا خمسة لأن الواجب هناك ليس بدية كاملة بل هو بعض الدية لأن اليد منه نصف فيجب نصف ما يجب في الكل والواجب في الأنثى ليس بعض دية الذكر بل هو دية كاملة في نفسها لكنها دية الأنثى .
وأما بيان من يجب عليه ومن يتحملها فإنها تجب على القاتل لوجود سبب الوجوب منه وهو القتل وتتحملها العاقلة في قولهما .
وعلى رواية أبي يوسف وهو قول الشافعي C تجب في مال القاتل وهذا بناء على الأصل الذي ذكرنا أن عندهما ضمان العبد بمقابلة النفس وضمان النفس تتحمله العاقلة وكدية الحر وعند الشافعي بمقابلة المالية وضمان المال لا تتحمل العاقلة بل يكون في مال المتلف كضمان سائر الأموال .
وروي عن أبي يوسف في كثير القيمة أن يقدر عشرة آلاف تعقله العاقلة لأن ذلك القدر يجب بمقابلة النفسية وما زاد عليها لا تعقله لأنه يجب بمقابلة المالية .
وأما كيفية وجوب القيمة على العاقلة عندنا وقدر ما يتحمل كل واحد منهم فما ذكرنا في دية الحر من غير تفاوت والله تعالى أعلم .
والثاني : وجوب الكفارة لعموم قوله تبارك وتعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } من غير فصل بين الحر والعبد والله تعالى الموفق ولو كان المقتول مدبر إنسان أو أم ولده أو مكاتبه فحكمه حكم القن في جميع ما وصفنا وإن كان عبد القاتل فجناية المولى عليه هدر وكذا لو كان مدبره أو أم ولده لأن القيمة لو وجبت لوجبت له عليه وهذا ممتنع وإن كان مكاتبه فجناية المولى عليه لازمة وعلى المولى قيمته في ثلاث سنين لأن المكاتب فيما يرجع إلى كسبه وأرش جنايته حر فكان كسبه وأرشه له فالجناية عليه من المولى والأجنبي سواء ولا تعقلها العاقلة بل تكون على ماله لقوله E : [ لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ] والمكاتب عندنا عبد ما بقي عليه درهم ولأن المكاتب على ملك مولاه وإنما ضمن جنايته بعد الكتابة والعقد ثابت بينهما غير ثابت في حق العاقلة ولهذا لا تعقل العاقلة الاعتراف لأن إقرار المقر حجة في حقه لا في حق غيره وكذلك جناية المولى على رقيق المكاتب وعلى ماله لازمة لما ذكرنا أنه أحق بكسبه من المولى والمولى كالأجنبي فيه وكذا إذا كان مأذونا مديونا فعلى المولى قيمته لتعلق حق الغرماء برقبته وبالقتل أبطل محل حقهم فتجب عليه قيمته وتكون في ماله بالنص وتكون حالة لأنه ضمان إتلاف المال .
هذا إذا كان القاتل حرا والمقتول عبدا فأما إذا كان القاتل عبدا والمقتول حرا فالحر المقتول لا يخلو من أن يكون أجنبيا أو يكون ولي العبد فإن كان أجنبيا فالعبد القاتل لا يخلو من أن يكون قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا فإن كان قنا يدفع إذا ظهرت جنايته إلا أن يختار المولى الفداء فلا بد من بيان ما تظهر به هذه الجناية وبيان حكم هذه الجناية وبيان صفة الحكم وبيان ما يصير به المولى مختارا للفداء وشرط صحة الاختيار وبيان صفة الفداء الواجب عند الاختيار .
أما الأول : فهذه الجنابة تظهر بالبينة وإقرار المولى وعلم القاضي ولا تظهر بإقرار العبد محجورا كان أو مأذونا لأن العبد يملك بالإذن بالتجارة ما كان من مال التجارة والإقرار بالجناية ليس من التجارة وإذا لم يصح إقراره لا يؤخذ به لا في الحال ولا بعد العتاق لأن موجب إقراره لا يلزمه وإنما يلزم مولاه فكان هذا إقرارا على المولى حتى لو صدقه المولى صح إقراره وكذلك لو أقر بعد العتاق أنه كان جنى في حال الرق لا شيء عليه لما ذكرنا أن هذا إقرار له على المولى ألا يرى لو صدقه المولى وأقر أنه أعتقه وهو يعلم بالجناية فعلى المولى قيمته والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما حكم هذه الجناية فوجوب دفع العبد إلى ولي الجناية إلا أن يختار المولى الفداء عندنا .
وقال الشافعي C : حكمها تعلق الأرش برقبة العبد يباع فيه ويستوفي الأرش من ثمنه فإن فضل منه شيء فالفضل للمولى وإن لم يف ثمنه بالأرش يتبع بما بقي بعد العتاق وللمولى أن يستخلصه .
ويؤدي الأرش من مال آخر .
وجه قوله : أن الأصل في ضمان الجناية أنه يجب على الجاني والواجب على الإنسان إما أن يكون في ماله أو تتحمل العاقلة عنه والعبد لا مال له ولا عاقلة فتعذر الإيجاب عليه فتجب في رقبته يباع فيه كدين الاستهلاك في الأموال .
ولنا : إجماع الصحابة Bهم فإنه روي عن سيدنا علي وعن عبد الله بن عباس Bهما مثل مذهبنا بمحضر من الصحابة Bهم ولم ينقل الإنكار عليهما من أحد منهم فيكون إجماعا منهم والقياس يترك بمعارضة الإجماع ودين الاستهلاك في باب الأموال يجلا على العبد على ما عرف .
وأما صفة هذا الحكم فصيرورة العبد واجب الدفع على سبيل التعيين كثرت قيمة العبد أو قلت وعند اختيار المولى الفداء ينتقل الحق من الدفع إلى الفداء سواء كان المجني عليه واحدا أو أكثر غير أنه إن كان .
واحدا دفع إليه ويصير كله مملوكا له وإن كانوا جماعة يدفع إليهم وكان مقسوما بينهم على قدر أروش جنايتهم وسواء كان على العبد دين وقت الجناية أو لم يكن .
وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا مات العبد الجاني قبل اختيار الفداء بطل حق المجني عليه أصلا لأن الواجب دفع العبد على طريق التعيين وذلك لا يتصور بعد هلاك العبد فيسقط الحق أصلا ورأسا وهذا يدل على أن قول من يقول حكم هذه الجناية تخير المولى بين الدفع والفداء ليس بسديد لأنه لو كان كذلك لتعين الفداء عند هلاك العبد ولم يبطل حق المجني عليه أصلا على ما هو الأصل في المخير بين شيئين إذا هلك أحدهما أنه يتعين عليه الآخر .
ولو مات بعد اختيار الفداء لا يبرأ بموت العبد لأنه لما اختار الفداء فقد انتقل الحق من رقبته إلى ذمة المولى فلا تحتمل السقوط بهلاك العبد بعد ذلك ولو كانت قيمة العبد أقل من الدية فليس على المولى إلا الدفع لأن وجوب الدفع حكمه لهذه الجناية ثبت بإجماع الصحابة Bهم ولم يفصلوا بين قليل القيمة وكثيرها فلو جنى العبد على جماعة فإن شاء المولى دفعه إليهم لأن تعلق حق المجني عليه للأول لا يمنع حق الثاني والثالث لأن ملك المولى لما لم يمنع التعلق فالحق أولى لأنه دونه وإذا دفعه إليهم كان مقسوما بينهم بالحصص قدر أروش جنايتهم فإن حصة كل واحد منهم من العبد عوض عن الفائت فيتقدر بقدر الفائت وإن شاء أمسك العبد وغرم الجنايات بكمال أروشها .
ولو أراد المولى أن يدفع من العبد إلى بعضهم مقدار ما يتعلق به حقه ويفدي بعض الجنايات له ذلك بخلاف ما إذا كان القتيل واحدا وله وليان فأراد المولى دفع العبد إلى أحدهما والفداء إلى الآخر أنه ليس له ذلك لأن الجناية هناك واحدة ولها حكم واحد وهو وجوب الدفع على التعيين وعند اختيار الفداء وجوب الفداء على التعيين ولا يجوز أن يجمع في جناية واحدة بين حكمين مختلفين بخلاف ما إذا جنى على جماعة لأن الجناية هناك متعددة وله خيار الدفع والفداء في كل واحد منهما والدفع في البعض والفداء في البعض لا يكون جمعا بين حكمين مختلفين في جناية واحدة فهو الفرق .
ولو قتل إنسانا وفقا عين آخر فإن اختار الدفع دفعه إليهما أثلاثا لتعلق حقهما بالعبد أثلاثا وإن اختار الفداء فدى عن كل جناية بأرشها وكذلك إذا شج إنسانا شجاجا مختلفة أنه دفع العبد إليهم كان مقسوما بينهم على قدر جناياتهم وإن اختار الفداء فدى عن الكل بأروشها .
ولو قتل العبد رجلا وعلى العبد دين يخير المولى بين الدفع والفداء ولا يبطل الدين بحدوث الجناية لأنه موجب الجناية وجوب الدفع وتعلق الدين برقبة العبد لا يمنع من الدفع إلا أنه يدفعه مشغولا بالدين فإن فدى بالدية يباع العبد في الدين لأنه لما فدى فقد طهرت رقبة العبد عن الجناية فيباع إلا أن يستخلصه المولى لنفسه ويقضي دين الغرماء وإن اختار الدفع إلى أولياء الجناية فدفعه إليهم يباع لأجل الغرماء في دينهم وإنما بدئ بالدفع لا بالدين لأن فيه رعاية الحقين حق أولياء الجناية بالدفع إليهم وحق أصحاب الدين بالبيع لهم ولو بدئ بالدين فبيع به لبطل حق أولياء الجناية في الدفع لأنه بالبيع يصير ملكا للمشتري لذلك بدئ بالدفع .
وفائدة الدفع إلى أولياء الجناية ثم البيع هي أن يثبت لهم حق استخلاص العبد بالفداء لأن للناس أغراضا في الأعيان .
ثم إذا بيع فإن فضل شيء من ثمن العبد كان الفضل لأولياء الجناية لأن العبد بيع على ملكهم لصيرورته ملكا لهم بالدفع إليهم وإن لم يف ثمنه بالدين يتأخر ما بقي إلى ما بعد العتاق كما لو بيع على .
ملك المولى الأول ولا يضمن المولى لأصحاب الدين بدفع العبد إلى أولياء الجناية شيئا استحسانا والقياس أن يضمن .
وجه القياس : أن الدفع إليهم تمليك منهم بعد تعلق الدين برقبته فصار كأنه باعه منهم ولو باعه منهم لضمن كذا هذا وجه الاستحسان واجب عليه لما فيه من رعاية الحقين لما بينا ومن فعل ما وجب عليه لا يضمن ولو حضر الغرماء أولا فباع المولى العبد فإن فعل ذلك بغير أمر القاضي ينظر إن كان عالما بالجناية .
صار مختارا للفداء ولزمه الأرش وإن كان غير عالم بالجناية فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الأرش وهو الدية وإن كان رفع إلى القاضي فإن كان القاضي عالما بالجناية فإنه لا يبيع العبد بالدين لأن فيه إبطال حق أولياء الجناية فلا يملك ذلك وإن لم يكن عالما بالجناية فباعه بالدين ببينة قامت عنده أو بعلمه ثم حضر أولياء الجناية ولا فضل في الثمن بطلت الجناية وسقط حق أولياء الجناية لأنه خرج عن ملك المولى بغير رضاه فصار كأنه مات وهذا لأنه لا سبيل إلى تضمين القاضي لأنه فيما يصنعه أمين فلا تلحقه العهد ولا سبيل إلى فسخ البيع لأنه لو فسخ البيع ودفع بالجناية لوقعت الحاجة إلى البيع ثانيا فتعذر القول بالفسخ فصار كأنه مات ولو مات لبطل حق أولياء الجناية أصلا كذا هذا والله تعالى أعلم .
ولو قتل العبد الجاني قبل الدفع فإن كان القاتل حرا يأخذ المولى قيمته ويدفعها إلى ولي الجناية إن كان واحدا وإن كانوا جماعة يدفعها إليهم على قدر حقوقهم لأن القيمة بدل العبد فتقوم مقامه إلا أنه لا .
خيار للمولى بين القيمة والفداء حتى لو تصرف في تلك القيمة لا يصير مختارا للفداء ولو تصرف في العبد يصير مختارا للفداء على ما نذكر وإنما كان كذلك لأن القيمة دراهم أو دنانير فإن كانت مثل الأرش فلا فائدة في التخيير وكذلك إن كانت أقل من الأرش أو أكثر منه لأنه يختار الأقل لا محالة بخلاف العبد فإنه وإن كان قليل القيمة فللناس رغائب في الأعيان وكذلك إن قتله عبد أجنبي فخير مولاه بين الدفع والفدا وفدى بقيمة العبد المقتول أن المولى يأخذ القيمة ويدفعها إلى ولي الجناية لما قلنا .
ولو دفع القاتل إلى مولى العبد المقتول يخير مولى العبد المقتول بين الدفع والفداء حتى لو تصرف في العبد المدفوع بالبيع ونحره يصير مختارا للفداء لأن العبد القاتل قام مقام المقتول لحما ودما فكان الأول .
قائم وإن قتله عبد آخر لمولاه يخير المولى في شيئين في العبد القاتل بين الدفع والفداء لأن تعلق حق ولي الجناية بالعبد جعل المولى كالأجنبي فصار كأنه عبد أجنبي قتل العبد الجاني وهناك يخبر بين الدفع والفداء .
بقيمة المقتول كذا ههنا .
وكذلك لو قتل عبد رجلا خطأ وقتلت أمة لمولاه هذا العبد يخير المولى بين دفعها وفدائها بقيمة العبد لما قلنا .
ولو كان العبد قتل رجلا خطأ وقتلت أمة لمولاه رجلا آخر خطأ ثم إن العبد قتل الأمة خير المولى بين الدفع والفداء فإن اختار الفداء فدى بالدية وقيمة الأمة وإن اختار الدفع ضرب فيه أولياء قتيل العبد بالدية .
وأولياء قتيل الأمة بقيمة الأمة لأن الجناية عليها كالجناية على أمة أجنبي قتلت رجلا خطأ ولو كانت قيمة الأمة ألفا كان العبد مقسوما بينهم على أحد عشر سهما : سهم لأولياء قتيل الأمة وعشرة أسهم لأولياء قتيل العبد فإن قطع عبد لأجنبي يد العبد الجاني أو فقأ عينه أو جرحه جراحة فخير مولى العبد القاطع أو الفاقئ أو الجارح بين الدفع والفداء فإن دفع عبده أو فداه بالأرش فمولى العبد المقطوع يخير بين الدفع والفداء فإن شاء دفع عبده المقطوع مع العبد القاطع أو مع أرش يد عبده المقطوع وإن شاء فدى عن الجناية بالأرش لأن العبد المقطوع كان واجب الدفع بجميع أجزائه وأرش يده بدل جزئه وكذا العبد المدفوع قائم مقام يده فكان واجب الدفع إلا أن يختار الفداء فينقل الحق من العبد إلى الأرش .
ولو كسب العبد الجاني كسبا أو كان الجاني أمة فولدت بعد الجناية فاختار المولى الدفع لم يدفع الكسب ولا الولد بخلاف الأرش أنه يدفع والفرق أن الأرش بدل جزء كان واجب الدفع وحكم البدل حكم المبدل بخلاف الكسب والولد .
ولو قطعت يد العبد فأخذ المولى الأرش ثم اختلف المولى وولي الجناية فادعى المولى أن القطع كان قبل جنايته وأن الأرش سالم له وادعى ولي الجناية أنه كان بعدها وأنه مستحق الدفع مع العبد فالقول قول المولى لأن الأرش ملك المولى كالعبد لأنه بدل ملكه فولي الجناية يدعي عليه وجوب تمليك مال هو ملكه منه وهو ينكر فكان القول قوله مع يمينه .
ولو قطعت يد عبد أو فقئت عينه وأخذ المولى الأرض ثم جنى جناية فإن شاء المولى اختار الفداء وإن شاء دفع العبد كذلك ناقصا وسلم له ما كان أخذ من الأرش لأن وجوب الدفع بسبب الجناية وهو كان عند الجناية ناقصا بخلاف ما إذا قطعت يده بعد الجناية أنه يدفع مع أرش اليد لأن العبد وقت الجناية عليه كان واجب الدفع بجميع أجزائه والأرش بدل الجزء فيجب دفعه مع العبد .
ولو قتل قتيلا خطأ ثم قطعت يده ثم قتل قتيلا آخر وخطأ فأرش يده يسلم لولي الجناية الأولى لأن حقه .
كان متعلقا بجميع أجزائه وقت الجناية والأرش بدل الجزء فيقوم مقامه فيسلم له فأما حق الثاني فلم يتعلق بالجزء لانعدامه وقت الجناية ثم يدفع العبد فيكون بين ولي الجنايتين على تسعة وثمانين جزأ لأن موضوع المسألة فيما إذا كانت قيمة العبد ألف درهم فنقول حق ولي كل جناية في عشرة آلاف وقد استوفى ولي الجناية الأولى من حقه خمسمائة فيجعل كل خمسمائة سهما فيكون كل العبد أربعين سهما حق كل واحد منهما في عشرين وقد أخذ ولي الجناية الأولى من حقه خمسمائة أو بقي حقه في تسعة عشر سهما ولم يأخذ ولي الجناية الثانية شيئا فبقي حقه في عشرين جزأ من العبد وإن اختار الفداء فدى عن كل واحد من الجنايتين بعشرة آلاف لأن ذلك أرشها .
ولو شج إنسانا موضحة وقيمته ألف درهم ثم قتل آخر وقيمته ألفان فإن اختار الفداء فدى عن كل واحدة من الجنايتين بأرشها وإن اختار الدفع دفعه مقسوما ما بينهما على أحد وعشرين سهما سهم لصاحب الموضحة وعشرون لولي القتيل لما ذكرنا أن قسمة العبد بينهما على قدر تعلق حق كل واحد منهما به وصاحب الموضحة حقه في خمسمائة وحق ولي القتيل في عشرة آلاف فيجعل كل خمسمائة سهما فتكون القسمة على أحد وعشرين وما حدث من زيادة القيمة للعبد والزيادة على الشركة أيضا لأنها صفة الأصل وإذا ثبتت الشركة في الأصل ثبتت في الصفة .
وكذلك لو قتل إنسانا خطأ وقيمته وقت القتل ألفان ثم عمي بعد القتل قبل الشجة ثم شج إنسانا موضحة كانت القسمة بينهما على أحد وعشرين وما حدث فيه من النقصان فهو على الشركة أيضا لما قلنا والله تعالى أعلم .
ولو جنى جناية ففداه المولى ثم جنى جناية أخرى خير المولى بين الدفع والفداء لأنه لما فدى فقد طهر العبد عن الجناية وصار كأنه لم يجن فإذا جنى بعد ذلك فهذه جناية مبتدأة فيبتدأ بحكمها وهو الدفع أو .
الفداء بخلاف ما إذا جنى ثم جنى جناية أخرى قبل اختيار الفداء أنه يدفع إليهما جميعا أو يفدي لأنه لما لم يفد للأولى حتى جنى ثانيا فحق كل واحد منهما تعلق بالعبد فيدفع إليهما أو يفدي .
ولو قتل العبد رجلا وله وليان فدفعه المولى إلى أحدهما فقتل عبده رجلا آخر ثم حضروا يقال للمدفوع إليه ادفع نصف العبد إلى ولي القتيل الثاني أو نصف الدية وأما النصف الآخر فيؤمر بالرد على المولى بين الدفع إلى ولي الجناية الثانية وولي الجناية الأولى الذي لم يدفع إليه .
أما وجوب دفع نصف العبد على المدفوع إليه إلى ولي القتيل الثاني أو الفداء فلأنه ملك نصف العبد بالدفع فيخير في جنايته بين الدفع والفداء .
وأما وجوب رد نصف العبد إلى المولى فلأنه أخذه بغير حق فعليه رده لقوله E : [ على اليد ما أخذت حتى ترده ] ولا يخير المولى في النصف بين الدفع إلى ولي الجنايتين وبين الفداء .
لأن وقت الجناية الأولى كان كل العبد على ملكه ووقت وجود الثانية كان نصفه على ملكه فيوجب الدفع أو الفداء فإن اختار الفداء فدى لكل واحد منهما بنصف الدية وإن دفع دفع نصف العبد إليهما نصفين لأن الدفع على قدر تعلق الحق وحق كل واحد منهما تعلق بنصف فيكون نصف العبد بينهما نصفين وقد كان وصل النصف إلى ولي الجناية الثانية من جهة المدفوع إليه ووصل إليه بالدفع من المولى الربع فسلم له ثلاثة أرباع العبد وسلم لولي الجناية الأولى الذي لم يدفع إليه العبد الربع فصار العبد بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه لولي الجناية الثانية وربعه لولي الجناية الأولى وبقي إلى تمام حقه الربع ثم لا يخلو إما أن كان المولى دفع كل العبد بقضاء القاضي أو بغير قضاء القاضي فإن كان الدفع بقضاء لا يضمن المولى لأن الدفع إذا كان بقضاء كان هو مضطرا في الدفع فلا يضمن ولا سبيل إلى تضمين القاضي لأن القاضي فيما يصنع أمين فلا .
تلحقه العهدة ويضمن القابض لأنه قبض نصيب صاحبه بغير حق والقبض بغير حق سبب لوجوب الضمان كقبض الغصب ولا يخرج عن الضمان بالرد إلى المولى لأنه لم يرده على الوجه الذي قبض العبد فارغا ورده مشغولا .
وإن كان الدفع بغير قضاء القاضي فولي الجناية الذي لم يدفع إليه العبد بالخيار إن شاء ضمن الولي ربع قيمة العبد وإن شاء ضمن القابض ليسلم له نصف العبد ربعه لحم ودم وربعه دراهم ودنانير لأنه وجد .
سبب وجوب الضمان في حق كل واحد منهما الدفع من المولى والقبض من القابض فإن اختار تضمين المولى فالمولى يرجع على القابض ران اختار تضمين القابض لا يرجع على المولى لأن حاصل الضمان عليه .
ولو قتل العبد قتيلين خطأ فدفعه المولى إلى أحد وليي القتيلين فقتل عنده قتيلا آخر واجتمعوا فإن القابض يدفع نصف العبد بالجناية أو يفدي نصف الجناية لما ذكرنا في الفصل الأول .
ثم يقال للمولى : ادفع النصف الباقي إلى ولي الجناية الثالثة أو أفد بنصف الدية خمسة آلاف لأنه قد وصل إليه نصف العبد وبقي حقه في النصف ويفدي لولي الجناية الثانية بكمال الدية عشرة آلاف لأنه لم يصل إليه شيء من حقه وله أن يدفع نصف العبد إليهما فإن دفع إليهما كان مقسوما بينهما على قدر حقيهما فيضرب ولي الجناية الثانية فيه بعشرة آلاف وولي الجناية الثالثة بخمسة آلاف فيصير نصف العبد بينهما أثلاثا ثلثاه لولي الجناية الثانية وثلثه لولي الجناية الثالثة وبقي من حق الثاني السدس لأن حقه في نصف العبد وقد حصل له ثلثا النصف وهو ثلث كل العبد فبقي إلى تمام حقه السدس فإن كان الدفع بقضاء القاضي ضمن القابض المولى وإن كان بغير قضاء فإن شاء ضمن المولى وإن شاء ضمن القابض كما في المسألة المتقدمة .
ولو قتل العبد إنسانا وفقا عين آخر فدفع المولى العبد إلى المفقوءة عينه فقتل في يده قتيلا يقال للمفقوءة عينه أدفع ثلث العبد إلى ولي القتيل الثاني أو افده بالثلث ورد الثلثين على المولى لأنه أخذ الثلث بحق ملكه وأخذ الثلثين بغير حق فيؤمر بالرد إلى المولى ثم يخير المولى بين الدفع والفداء فإن اختار الفداء فدى للأول بتمام الدية عشرة آلاف وللثاني بثلثي الدية وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان وإن اختار الدفع دفع إليهما مقسوما بينهما على قدر حقهما فيتضاربان يضرب الأول بتمام الدية عشرة آلاف والثاني بثلثي الدية ستة آلاف وستة وستين وثلثين فاجعل كل ألف سهما وستمائة فيصير ثلثا الدية بينهما على ستة عشر سهما وثلثين فيكون كل العبد على خمسة وعشرين سهما وقد أخذ ولي القتيل الثاني منه ثلثه وهو ثمانية وثلث وبقي ثلثاه فيكون بينهما لولي القتيل الأول عشرة ولولي القتيل الثاني ستة وثلثان ثم ولي القتيل الأول يرجع على القابض وهو المفقوءة عينه بستة أجزاء من ستة عشر جزأ وثلثي جزء من ثلثي قيمته لأن هذا القدر كان حقه وقد فات عليه بسبب كان في يد القابض فيجعل كأنه هلك عنده فيضمنه لولي القتيل الأول فإن كان الدفع بغير قضاء القاضي له أن يأخذ أيهما شاء كما في الفصل الأول .
وطريقة أخرى في الحساب : أنه إذا دفع ثلثي العبد إليهما وضرب أحدهما بالدية والآخر بثلثي الدية يجعل كل ثلث سهما فيصير كل الدية ثلاثة أسهم وثلثا الدبة سهمين فيصير ثلثا العيد على خمسة أسهم للأول ثلاثة وللآخر سهمان ويصير الثلث الآخر سهمين ونصف فيصير جميع العبد على سبعة ونصف فوقع فيه كسر فيضعف فيصير خمسة عشر فالثلث منه خمسة وقد دفع إلى الآخر وثلثا العبد عشرة فيقسم بينهما فيضرب الأول بثلاثة أخماسه وهو ستة أسهم والآخر بأربعة أسهم ثم يرجع الأول على القابض بخمس ثلثي قيمة العبد والله سبحانه وتعالى أعلم .
ولو قتلت أمة رجلا ثم ولدت بنتا فقتلت البنت رجلا ثم إن البنت قتلت أمها فالمولى يخير بين دفع البنت إلى ولي الجنايتين وبين الفداء فإن اختار الفداء فدى لأولياء قتيل البنت بالدية ولأولياء قتيل الأم بقيمة الأم لما ذكرنا فيما تقدم أن تعلق حق المجني عليه وهو حق الدفع ألحق المولى بالأجنبي فتصير كأنها جنت على جارية أخرى لأجنبي وإن اختار الدفع ضرب أولياء قتيل البنت بالدية وأولياء قتيل الأم بقيمة .
العبد فيقسم العبد بينهم على ذلك حتى لو كانت قيمة الأم ألف درهم كانت القسمة على إحدى عشر سهما كل ألف درهم سهم سهم من ذلك لأولياء قتيل الأم وعشرة أسهم لأولياء قتيل البنت .
ولو كانت البنت فقأت عين الأم ولم تقتلها فالمولى يخير بين الدفع والفداء لا يخلو إما أن يختار دفعهما جميعا وإما أن يختار فداءهما جميعا وإما أن يختار فداء البنت ودفع الأم وإما أن يختار فداء الأم ودفع البنت فإن اختار دفعهما جميعا يدفع الأم إلى أولياء قتيل الأم وهذا ظاهر ويدفع البنت إلى أولياء قتيل البنت إلى أولياء قتيل الأم وكانت مقسومة بينهم على قدر حقوقهم فيتضاربون فيها يضرب أولياء قتيل البنت فيها بالدية لأن حقهم تعلق بكل البنت وأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم لأنها فقأت إحدى عينيها والعين من الآدمي نصفه فإن اختار فداهما جميعا فدى لكل فريق من أولياء الجنايتين بتمام الدية لأن ذلك أرش كل واحد من الجنايتين وسقطت جناية البنت على الأم لأنهما جميعا ملك المولى وقد طهرتا عن الجناية بالفداء وخلص ملك المولى فيهما فبقيت جناية البنت عليهما جناية ملك المولى على ملكه فتكون هدرا .
وإن اختار دفع الأم وفداء البنت دفع الأم إلى أولياء قتيل الأم ثم يفدي البنت يفدي لأولياء قتيل البنت بالدية ولأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم لما بينا .
وإن اختار دفع البنت وفداء الأم يدفع البنت إلى أولياء قتيل البنت ويفدي لأولياء قتيل الأم بكمال الدية وبطلت جناية البنت على الأم لأن الأم طهرت بالفداء وخلص ملك المولى فيها فصار جناية البنت على أمها جناية ملك المولى على ملكه فتكون هدرا .
ولو أن الأم بعد ذلك فقأت عين البنت قبل أن تدفع واحدة منهما فإن المولى يخير فيهما جميعا فيبدأ بالبنت لأنها هي التي بدأت بالجناية فيدفع إلى أولياء الجنايتين فيتضاربون فيها فيضرب فيها أ ولياء قتيل البنت بالدية وأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم لما بينا في المسألة الأولى ثم يدفع الأم إليهم فيتضاربون فيها فيضرب فيها أولياء قتيل الأم بالدية إلا ما وصل إليهم من أرش البنت ويضرب فيها أولياء قتيل البنت بنصف قيمة البنت لأن كل واحدة منهما جنت جنايتين فتدفع كل واحدة بجنايتها .
طعن في هذا الجواب وقيل ينبغي إذا دفع البنت في الابتداء أن يضرب فيها أولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم وأولياء قتيل البنت بالدية إلا ما يصل إليهم في المستأنف لأنه يصل إليهم بعض الأم فينبغي أن لا يضربوا بتمام الدية والصحيح ما ذكر في الكتاب لأن البنت حين دفعت كان حق أولياء قتيل البنت في تمام الدية ولم يكن وصل إليهم شيء فوجب أن يضربوا بجميع ذلك والزيادة التي تظهر لهم في المستأنف لا عبرة بها لأن القسمة قد صحت وقت الدفع فلا تتغير بعد ذلك كما قالوا في رجل مات وعليه لرجل ألف ولآخر ألفان وترك ألفا فاقتسماها أثلاثا ثم إن صاحب الألفين أبرأ الميت عن ألف أن القسمة الأولى لا تنتقض كذا هذا .
ولو جنت الأمة جناية ثم ولدت ولدا فقطع ولدها يدها يدفع الولد مع الأم لما ذكرنا أن الولد في حكم الجناية على الأم بمنزلة الأجنبي فصار كأنه عبد أجنبي قطع يدها ودفع بالجناية وهناك يدفع العبد مع الجارية لكونه قائما مقام يد الجارية كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم