شرائط جواز الاقتداء .
فأما الذي يخص المقتدي و هو شرائط جواز الاقتداء بالإمام في صلاته فالكلام فيه في موضعين : .
أحدهما : في بيان ركن الاقتداء .
و الثاني : في بيان شرائط الركن .
أما ركنه : فهو نية الاقتداء بالإمام و قد ذكر تفسيرها فيما تقدم و أما شرائط الركن فأنواع منها الشركة في الصلاتين و اتحادهما سببا و فعلا و وصفا لأن الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة فالمقتدي عقد تحريمته لما انعقدت له تحريمة الإمام فكلما انعقدت له تحريمة الإمام جاز البناء من المقتدي و ما لا فلا و ذلك لا يتحقق إلا بالشركة في الصلاتين و اتحادهما من الوجوه الذي وصفنا .
و على هذا الأصل يخرج مسائل المقتدي إذا سبق الإمام بالافتتاح لم يصح اقتداؤه لأن معنى الاقتداء و هو البناء لا يتصور ههنا لأن البناء على العدم محال و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ] و ما لم يكبر الإمام لا يتحقق الالتمام به و كذا إذا كبر قبله فقد اختلف عليه و لو جدد التكبير بعد تكبير الإمام بنية الدخول في صلاته أجزأه لأنه صار قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الإمام كمن كان في النفل فكبر و نوى الفرض يصير خارجا من النفل داخلا في الفرض و كمن باع بألف ثم بألفين كان فسخا للأول و عقدا آخر كذا هذا و لو لم يجدد حتى لم يصح اقتداؤه هل يصير شارعا في صلاة نفسه أشار في .
كتاب الصلاة إلى أنه يصير شارعا لأنه علل فيما إذا جدد التكبير و نوى الدخول في صلاة الإمام فقال : التكبير .
الثاني قطع لما كان فيه و أشار في نوادر أبي سليمان إلى أنه لا يصير شارعا في نفسه فإنه ذكر أنه لو قهقه لا تنتقض طهارته .
ثم من مشايخنا من حمل اختلاف الجواب على اختلاف موضوع المسألة فقال : موضوع المسألة في النوادر أنه إذا كبر ظنا منه أن الإمام كبر فيصير مقتديا بمن ليس في الصلاة كالمقتدي بالمحدث و الجنب و موضوع المسألة في كتاب الصلاة أنه كبر على علم منه أن الإمام لم يكبر فيصير شارعا في صلاة نفسه و منهم من حقق الاختلاف بين الروايتين .
وجه رواية النوادر : أنه نوى الاقتداء بمن ليس في الصلاة فلا يصير شارعا في صلاة نفسه كما لو اقتدى بمشرك أو جنب أو بمحدث و هذا لأن صلاة المنفرد غير صلاة المقتدي بدليل أن المنفرد لو استأنف التكبير ناويا الشروع في صلاة الإمام صار شارعا مستأنفا و استقبال ما هو فيه لا يتصور دل أن هذه الصلاة غير تلك الصلاة فلا يصير شارعا في إحداهما بنية الأخرى .
وجه ما ذكر في كتاب الصلاة أنه نوى شيئين الدخول في الصلاة و الاقتداء بالإمام فبطلت إحدى نيتيه و هي نية الاقتداء لأنها لم تصادف محلها فتصح الأخرى و هي نية الصلاة و صار كالشارع في الفرض على ظن أنه عليه و ليس عليه بخلاف ما إذا اقتدى بالمشرك و المحدث و الجنب لأنهم ليسوا من أهل الاقتداء .
بهم فصار بالاقتداء بهم ملغيا صلاته فأما هذا فمن أهل الافتداء به و الصلاة خلفه معتبرة فلم يصر بالاقتداء به .
ملغيا صلاته .
هذا إذا كبر المقتدي و علم أنه كبر قبل الإمام فأما إذا كبر ولم يعلم أنه كبر قبل الإمام أو بعده ذكر هذه المسألة في الهارونيات و جعلها على ثلاثة أوجه : إن كان أكبر رأيه أنه كبر قبل الإمام لا يصير شارعا في صلاة الإمام و إن كان أكبر رأيه أنه كبر بعد الإمام يصير شارعا في صلاته لأن غالب الرأي حجة عند عدم اليقين بخلافه و إن لم يقع رأيه على شيء فالأصل فيه هو الجواز ما لم يظهر أنه كبر قبل الإمام .
بيقين و يحمل على الصواب احتياطا ما لم يستيقن بالخطأ كما قلنا في باب الصلاة عند الاشتباه في جهة القبلة ولم يخطر بباله شيء و لم يشك أن الجهة التي صلى إليها قبلة أم لا أنه يقضي بجوازها ما لم يظهر خطأه بيقين و كذا في باب الزكاة كذلك ههنا .
و لو كبر المقتدي مع الإمام إلا أن الإمام طول قوله حتى فرغ المقتدي من قوله : الله أكبر قبل أن يفرغ الإمام من قوله الله لم يصر شارعا في صلاة الإمام كذا روى ابن سماعة في نوادره و يجب أن تكون هذه المسألة بالاتفاق أما على قول أبي حنيفة C تعالى فلأنه يصح الشروع في الصلاة بقوله : الله وحده فإذا فرغ المقتدي من ذلك قبل فراغ الإمام صار شارعا في صلاة نفسه فلا يصير شارعا في صلاة الإمام .
و أما على قول أبي يوسف و محمد فلأن الشروع لا يصح إلا بذكر الاسم و النعت فلا بد من المشاركة .
في ذكرهما فإذا سبق الإمام بالاسم حصلت المشاركة في ذكر النعت لا غير و هو غير كاف لصحة الشروع في الصلاة و على هذا لا يجوز اقتداء اللابس بالعاري لأن تحريمة الإمام ما انعقدت بها الصلاة مع الستر فلا يقبل البناء لاستحالة البناء على العدم و لأن ستر العورة شرط لا صحة للصلاة بدونها في الأصل إلا أنه سقط اعتبار هذا الشرط في حق العاري لضرورة العدم و لا ضرورة في حق المقتدي فلا يظهر سقوط الشرط في حقه فلم تكن صلاة في حقه فلم يتحقق معنى الاقتداء و هو البناء لأن البناء على العدم مستحيل .
و لا يصح اقتداء الصحيح بصاحب العذر الدائم لأن تحريمة الإمام ما انعقدت للصلاة مع انقطاع الدم فلا يجوز البناء و لأن الناقض للطهارة موجود لكن لم يظهر في حق صاحب العذر للعذر و لا عذر في حق المقتدي و لا يجوز اقتداء القارىء بالأمي و المتكلم بالأخرس لأن تحريمة الإمام ما انعقدت للصلاة بقراءة فلا يجوز البناء من المقتدي و لأن القراءة ركن لكنه سقط عن الأمي و الأخرس للعذر و لا عذر في حق المقتدي و كذا لا يجوز اقتداء الأمي بالأخرى لما ذكرنا أن الاقتداء بناء التحريمة على تحريمة الإمام و لا تحريمة من الإمام أصلا فاستحال البناء إلا أن الشرع جوز صلاته بلا تحريمة للضرورة و لأن التحريمة من شرائط الصلاة لا تصح الصلاة بدونها في الأصل و إنما سقطت عن الأخرس للعذر و لا عذر في حق الأمي لأنه قادر على التحريمة فنزل الأمي الذي يقدر على التحريمة من الأخرس منزلة القارىء من الأمي حتى أنه لو لم يقدر على التحريمة جاز اقتداؤه بالأخرس لاستوائهما في الدرجة .
و لا يجوز اقتداء من يركع و يسجد بالمومئ عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : يجوز .
وجه قوله : أن فرض الركوع و السجود سقط إلى خلف و هو الإيماء و أداء الفرض بالخلف كأدائه بالأصل و صار كاقتداء الغاسل بالماسح و المتوضىء بالمتيمم .
و لنا : أن تحريمة الإمام ما انعقدت للصلاة بالركوع و السجود و الإيماء و إن كان يحصل فيه بعض الركوع و السجود لما أنهما للانحناء و التطأطؤ و قد وجد أصل الانحناء و التطأطؤ في الإيماء فليس فيه كمال الركوع و السجود تنعقد تحريمته لتحصيل وصف الكمال فلم يمكن بناء كمال الركوع و السجود على تلك التحريمة و لأنه لا صحة للصلاة بدون الركوع و السجود في الأصل لأنه فرض و إنما سقط عن المومئ للضرورة و لا ضرورة في حق المقتدي فلم يكن ما أتى به المومئ صلاة شرعا في حقه فلا يتصور البناء .
و قد خرج الجواب عن قوله : إنه خلف لأنا نقول : ليس كذلك بل هو تحصيل بعض الركوع و السجود إلا أنه اكتفى بتحصيل بعض الفرض في حالة العذر لا أن يكون خلفا بخلاف المسح مع الغسل و التيمم مع الوضوء لأن ذلك خلف فأمكن أن يقام مقام الأصل .
و لا يجوز اقتداء من يوميء قاعدا أو قائما بمن يوميء مضطجعا لأن تحريمة الإمام ما انعقدت للقيام أو القعود فلا يجوز البناء .
ثم صلاة الإمام صحيحة في هذه الفصول كلها إلا في فصل واحد و هو أن الأمي إذا أم القارىء أو القارىء و الأميين فصلاة الكل فاسدة عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد صلاة الإمام الأمي و من لا يقرأ تامة .
وجه قولهما : إن الإمام صاحب عذر اقتدى به من هو بمثل حاله و من لا عذر له فتجوز صلاته و صلاة من هو بمثل حاله كالعاري إذا أم العراة أو اللابسين و صاحب الجرح السائل يؤم الأصحاء و أصحاب الجراح و المومىء إذا أم المؤمنين و الراكعين و الساجدين أنه تصح صلاة الإمام و من بمثل حاله كذا ههنا .
و لأبي حنيفة طريقتان في المسألة : إحداهما : ما ذكره القمي و هو أنهم لما جاؤوا مجتمعين لأداء هذه الصلاة بالجماعة و الأمي قادر على أن يجعل صلاته بقراءة بأن يقدم القارىء فيقتدي به فتكون قراءته قراءة له قال صلى الله عليه و سلم : [ من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ] فإذا لم يفعل فقد ترك أداء الصلاة بقراءة مع القدرة عليها ففسدت بخلاف سائر الأعذار لأن لبس الإمام لا يكون لبسا للمقتدي و كذا ركوع الإمام و سجوده و لا ينوب عن المقتدي و وضوء الإمام لا يكون وضوءا للمقتدي فلم يكن قادرا على إزالة العذر بتقديم من لا عذر له .
ولا يلزم على هذه الطريقة ما إذا كان الأمي يصلي وحده و هناك قارىء يصلي تلك الصلاة حيث تجوز صلاة الأمي و إن كان قادرا على أن يجعل صلاته بقراءة بأن يقتدي بالقارىء لأن هذه المسألة ممنوعة .
و ذكر أبو حازم القاضي أن على قياس قول أبي حنيفة لا تجوز صلاة الأمي وهو قول مالك و لئن سلمنا فلأن هناك لم يقدر على أن يجعل صلاته بقراءة إذ لم يظهر من القارىء رغبة في أداء الصلاة بجماعة حيث اختار الانفراد بخلاف ما نحن فيه .
و الطريقة الثانية : ما ذكره غسان و هو أن التحريمة انعقدت موجبة للقراءة فإذا صلوا بغير قراءة فسدت صلاتهم كالقارئين و إنما قلنا : أن التحريمة انعقدت موجبة للقراءة لأنه وقعت المشاركة في التحريمة لأنها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت موجبة للقراءة لاشتراكها بين القارئين و غيرهم .
ثم عند أوان القراءة تفسد لانعدام القراءة بخلاف سائر الأعذار لأن هناك التحريمة لم تنعقد مشتركة لأن تحريمة اللابس لم تنعقد إذا اقتدى بالعاري لافتقارها إلى ستر العورة و إلى ارتفاع سائر الأعذار فلم تنعقد مشتركة بخلاف ما نحن فيه فإنها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت تحريمة القاريء مشتركة فانعقدت موجبة للقراءة .
ولا يلزم على هذه الطريقة ما ذكرنا من المسألة لأن هناك تحريمة الأمي لم تنعقد موجبة للقراءة لانعدام الاشتراك بينه و بين القارىء فيها .
أما ههنا فبخلافه و لا يلزم ما إذا اقتدى القارىء بالأمي بنية التطوع حيث لا يلزم القضاء و لو صح شروعه في الابتداء للزمه القضاء لأنه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها و الشروع كالنذر ؟ و لو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن أبي يوسف فكذلك إذا شرع فيها .
و لا يجوز الاقتداء بالكافر و لا اقتداء الرجل بالمرأة لأن الكافر ليس من أهل الصلاة و المرأة ليست من أهل إمامة الرجال فكانت صلاتها عدما في حق الرجل فانعدم معنى الاقتداء و هو البناء و لا يجوز اقتداء الرجل بالخنثى المشكل لجواز أن يكون امرأة و يجوز اقتداء المرأة بالمرأة لاستواء حالهما إلا أن صلاتهن فرادى أفضل لأن جماعتهن منسوخة و يجوز اقتداء المرأة بالرجل إذا نوى الرجل إمامتها .
و عند زفر : نية الإمامة ليست بشرط على ما مر .
و روى الحسن عن أبي حنيفة أنها إذا وقفت خلف الإمام جاز اقتداؤها به وإن لم ينو إمامتها ثم إذا .
وقفت إلى جنبه فسدت صلاتها خاصة لا صلاة الرجل و إن كان نوى إمامتها فسدت صلاة الرجل ! و هذا قول .
أبي حنيفة الأول .
و وجهه : إنها إذا وقفت خلفه كان قصدها أداء الصلاة لا إفساد صلاة الرجل فلا تشترط نية الإمامة .
و إذا قامت إلى جنبه فقد قصدت إفساد صلاته فيرد قصدها بإفساد صلاتها إلا أن يكون الرجل قد نوى إمامتها فحينئذ تفسد صلاته لأنه ملتزم لهذا الضرر و كذا يجوز اقتداؤها بالخنثى المشكل لأنه إن كان رجلا فاقتداء المرأة بالرجل صحيح .
و إن كان امرأة فاقتداء المرأة بالمرأة جائز أيضا لكن ينبغي للخنثى أن يتقدم ولا يقوم في وسط الصف لاحتمال أن يكون رجلا فتفسد صلاته بالمحاذاة و كذا تشترط نية إمامة النساء لصحة اقتدائهن به لاحتمال أنه رجل و لا يجوز اقتداء الخنثى المشكل بالخنثى المشكل لاحتمال أن يكون الإمام امرأة و المقتدي رجلا فيكون اقتداء الرجل بالمرأة على بعض الوجوه فلا يجوز احتياطا .
و أما الاقتداء بالمحدث أو الجنب فإن كان عالما بذلك لا يصح بالإجماع و إن لم يعلم به ثم علم فكذلك عندنا .
و قال الشافعي : القياس أن لا يصح كما في الكافر لكني تركت القياس بالأثر و هو ما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أيما رجل صلى بقوم ثم تذكر جنابة أعاد ولم يعيدوا ] .
و لنا : ما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه ثم تذكر جنابة فأعاد و أمر أصحابه بالإعادة فأعادوا و قال : أيما رجل صلى بقوم ثم تذكر جنابة أعاد و أعادوا ] و قد روي نحو هذا عن عمر و علي Bهما حتى ذكر أبو يوسف في الأمالي أن عليا Bه صلى بأصحابه يوما ثم علم أنه كان جنبا فأمر مؤذنه أن ينادي : ألا إن أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم و لأن معنى الاقتداء و هو البناء ههنا لا يتحقق لانعدام تصور التحريمة مع قيام الحدث و الجنابة و ما رواه محمول على بدو الأمر قبل تعلق صلاة القوم بصلاة الإمام على ما روي أن المسبوق كان إذا شرع في صلاة الإمام قضى ما فاته أولا ثم يتابع الإمام حتى تابع عبد الله بن مسعود أو معاذ رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قضى ما فاته فصار شريعة بتقرير رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و يجوز اقتداء العاري باللابس لأن تحريمة الإمام انعقدت لما يبني عليه المقتدي لأن الإمام يأتي بما يأتى به المقتدي و زيادة فيقبل البناء و كذا اقتداء العاري بالعاري لاستواء حالهما فتتحقق المشاركة في التحريمة ثم العراة يصلون قعودا بايماء .
و قال بشر : يصلون قياما بركوع و سجود و هو قول الشافعي .
وجه قولهما أنهم عجزوا عن تحصيل شرط الصلاة و هو ستر العورة و قدروا على تحصيل أركانها فعليهم الإتيان بما قدروا عليه و سقط عنهم ما عجزوا عنه و لأنهم لو صلوا قعودا تركوا أركانا كثيرة و هي القيام و الركوع و السجود و إن صلوا قياما تركوا فرضا واحدا و هو ستر العورة فكان أولى و الدليل عليه [ حديث عمران بن حصين Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب ] فهذا يستطيع أن يصلي قائما فعليه الصلاة قائما .
و لنا : ما روي عن أنس بن مالك Bه أنه قال : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ركبوا البحر فانكسرت بهم السفينة فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعودا بإيماء .
و روي عن ابن عباس وابن عمر Bهم أنهما قالا : العاري يصلي قاعدا بالإيماء و المعنى فيه أن للصلاة قاعدا ترجيحا من وجهين : أحدهما : أنه لو صلى قاعدا فقد ترك فرض ستر العورة الغليظة و ما ترك فرضا آخر أصلا لأنه أدى فرض الركوع و السجود ببعضهما و هو الإيماء و أدى فرض القيام ببدله و هو القعود فكان فيه مراعاة الفرضين جميعا و فيما قلتم إسقاط أحدهما أصلا و هو ستر العورة فكان ما قلناه أولى .
و الثاني : أن ستر العورة أهم من أداء الأركان لوجهين : .
أحدهما : أن ستر العورة فرض في الصلاة و غيرها والأركان فرائض الصلاة لا غيرها .
و الثاني : أن سقوط هذه الأركان إلى الإيماء جائز في النوافل من غير ضرورة كالمتنقل على الدابة و ستر العورة لا تسقط فرضيته قط من غير ضرورة فكان أهم فكان مراعاته أولى فلهذا جعلنا الصلاة قاعدا بالإيماء أولى غير أنه إن صلى قائما بركوع و سجود أجزأه لأنه و إن ترك فرضا آخر فقد كمل الأركان الثلاثة .
و هي القيام و الركوع و السجود وبه حاجة إلى تكميل هذه الأركان فصار تاركا لفرض ستر العورة الغليظة .
أصلا لغرض صحيح فجوزنا له ذلك لوجود أصل الحاجة وحصول الغرض و جعلنا القعود بالإيماء أولى لكون ذلك الفرض أهم و لمراعاة الفرضين جميعا من وجه .
و قد خرج الجواب عما ذكروا من المعنى و تعلقهم بحديث عمران بن حصين غير مستقيم لأنه غير مستطيع حكما حيث افترض عليه ستر العورة الغليظة .
ثم لو كانوا جماعة ينبغي لهم أن يصلوا فرادى لأنهم لو صلوا بجماعة فإن قام الإمام وسطهم احترازا عن ملاحظة سوأة الغير فقد ترك سنة التقدم على الجماعة و الجماعة أمر مسنون فإذا كان لا يتوصل إليه إلا بارتكاب بدعة و ترك سنة أخرى لا يندب إلى تحصيلها بل يكره تحصيلها و إن تقدمهم الإمام و أمر القوم بغض أبصارهم كما ذهب إليه الحسن البصري لا يسلمون عن الوقوع في المنكر أيضا فإنه قلما .
يمكنهم غض البصر على وجه لا يقع على عورة الإمام مع أن غض البصر في الصلاة مكروه أيضا نص عليه القدوري لما يذكر أنه مأمور أن ينظر في كل حالة إلى موضع مخصوص ليكون البصر ذا حظ من أداء هذه العبادات كسائر الأعضاء و الأطراف و في غض البصر فوات ذلك فدل أنه لا يتوصل إلى تحصيل الجماعة إلا بارتكاب أمر مكروه فتسقط الجماعة عنهم فلو صلوا مع هذه الجماعة فالأولى لإمامهم أن يقوم وسطهم لئلا يقع بصرهم على عورته فإن تقدمهم جاز أيضا و حالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة إلا أن الأولى أن يصلين وحدهن و إن صلين بجماعة قامت إمامتهن وسطهن و إن تقدمتهن جاز فكذلك حال ا لعرا ة .
و يجوز اقتداء صاحب العذر بالصحيح و بمن هو بمثل حاله و كذا اقتداء الأمي بالقارئ و بالأمي لما مر و يجوز اقتداء المومئ بالراكع الساجد و بالمومئ لما مر و يستوي الجواب بينما إذا كان المقتدي قاعدا يومئ بالإمام القاعد المومئ و بينما إذا كان قائما و الإمام قاعدا و لأن هذا القيام ليس بركن .
ألا ترى أن الأولى تركه فكان وجوده و عدمه بمنزلة .
و يجوز اقتداء الغاسل بالماسح على الخف لأن المسح على الخف بدل عن الغسل و بدل الشيء يقوم مقامه عند العجز عنه أو تعذر تحصيله فقام المسح مقام الغسل في حق تطهير الرجلين لتعذر غسلهما عند كل حدث خصوصا في حق المسافر على ما مر فانعقدت تحريمة الإمام للصلاة مع غسل الرجلين لا لانعقادها لما هو بدل عن الغسل فصح بناء تحريمة المقتدي على تلك التحريمة و لأن طهارة القدم حصلت بالغسل السابق و الخف مانع سراية الحدث إلى القدم فكان هذا اقتداء الغاسل بالغاسل فصح و كذا يجوز اقتداء الغاسل بالماسح على الجبائر لما مر أنه بدل عن المسح قائم مقامه فيمكن تحقيق معنى الاقتداء فيه .
و يجوز اقتداء المتوضىء بالمتيمم عند أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد لا يجوز و قد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة .
و يجوز اقتداء القائم الذي يركع ويسجد بالقاعد بالذي يركع و يسجد استحسانا و هو قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و القياس : أن لا يجوز وهو قول محمد و على هذا الاختلاف اقتداء القائم المومئ بالقاعد المومئ .
وجه القياس : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ] أي لقائم لإجماعنا على .
أنه لو أم لجالس جاز ؟ و لأن المقتدي أعلى حالا من الإمام فلا يجوز اقتداؤه به كاقتداء الراكع الساجد بالمومئ و اقتداء القارئ بالأمي .
و فقهه ما بينا أن المقتدي يبني تحريمته على تحريمة الإمام و تحريمة الإمام ما انعقدت للقيام بل انعقدت للقعود فلا يمكن بناء القيام عليها كما لا يمكن بناء القراءة على تحريمة الأمي و بناء الركوع و السجود على تحريمة المومىء .
وجه الاستحسان : ما روي [ أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوب واحد متوشحا به قاعدا .
و أصحابه خلفه قيام يقتدون به ] فإنه لما ضعف في مرضه قال : [ مروا أبا بكر فليصل بالناس ] فقالت عائشة لحفصة Bهما : قولي له أن أبا بكر رجل أسيف إذا وقف في مكانك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره فقالت حفصة : ذلك فقال صلى الله عليه و سلم : [ أنتن صويحبات يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس فلما افتتح أبو بكر Bه الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفسه خفة فخرج و هو يهادي بين علي و الفضل بن عباس و رجلاه يخطان الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر Bه حسه تأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم و جلس يصلي و أبو بكر يصلي بصلاته و الناس يصلون بصلاة أبي بكر ] يعني أن أبا بكر Bه كان يسمع تكبير رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكبر و الناس يكبرون بتكبير أبي بكر .
فقد ثبت الجواز على وجه لا يتوهم ورود النسخ عليه و لو توهم ورود النسخ يثبت الجواز ما لم يثبت النسخ فإذا لم يتوهم ورود النسخ أولى و لأن القعود غير القيام و إذا أقيم شيء مقام غيره جعل بدلا عنه كالمسح على الخف مع غسل الرجلين و إنما قلنا إنهما متغايران بدليل الحكم و الحقيقة .
أما الحقيقة فلأن القيام اسم لمعنيين متفقين في محلين مختلفين وهما الانتصابان في النصف الأعلى و النصف الأسفل فلو تبدل الانتصاب في النصف الأعلى بما يضاده و هو الانحناء سمى ركوعا لوجود الانحناء لأنه في اللغة عبارة عن الانحناء من غير اعتبار النصف الأسفل لأن ذلك وقع وفاقا فأما هو في .
اللغة فاسم لشيء واحد فحسب و هو الانحناء و لو تبدل الانتصاب في النصف الأسفل بما يضاده و هو انضمام الرجلين و إلصاق الإلية بالأرض يسمى قعودا فكان القعود اسما لمعنيين مختلفين في محلين مختلفين و هما الانتصاب في النصف الأعلى و الانضمام و الاستقرار على الأرض في النصف الأسفل فكان القعود مضادا للقيام في أحد معنييه و كذا الركوع و الركوع مع القعود يضاد كل واحد منهما للآخر بمعنى واحد و هو صفة النصف الأعلى و اسم المعنيين يفوت بالكلية بوجود مضاد أحد معنييه كالبلوغ و اليتم فيفوت القيام بوجود .
القعود أو الركوع بالكلية و لهذا لو قال قائل : ما قمت بل قعدت و ما أدركت القيام بل أدركت الركوع لم يعد مناقضا في كلامه .
و أما الحكم فلأن ما صار القيام لأجله طاعة يفوت عند الجلوس بالكلية لأن القيام إنما صار طاعة لانتصاب نصفه الأعلى بل لانتصاب رجليه لما يلحق رجليه من المشقة و هو بالكلية يفوت عند الجلوس فثبت حقيقة و حكما أن القيام يفوت عند الجلوس فصار الجلوس بدلا عنه و البدل عند العجز عن الأصل أو تعذر تحصيله يقوم مقام الأصل و لهذا جوزنا اقتداء الغاسل بالماسح لقيام المسح مقام الغسل في حق تطهير الرجلين عند تعذر الغسل لكونه بدلا عنه فكان القعود من الإمام بمنزلة القيام لو كان قادرا عليه فجعلت تحريمة الإمام في حق الإمام منعقدة للقيام لانعقادها لما هو بدل القيام فصح بناء قيام المقتدي على تلك التحريمة بخلاف اقتداء القارىء بالأمي لأن هناك لم يوجد ما هو بدل القراءة بل سقطت أصلا فلم تنعقد تحريمة الإمام للقراءة فلا يجوز بناء القراءة عليه أما ههنا لم يسقط القيام أصلا بل أقيم بدله مقامه .
ألا ترى أنه لو اضطجع و هو قادر على القعود لا يجوز و لو كان القيام يسقط أصلا من غير بدل و ذا ليس وقت وجوب القعود بنفسه كان ينبغي أنه لو صلى مضطجعا يجوز و حيث لم يجز دل أنه إنما لا يجوز لسقوط القيام إلى بدله و جعل بدله كأنه عين القيام و بخلاف اقتداء الراكع الساجد بالمومئ .
لما مر أن الإيماء ليس عين الركوع و السجود بل هو تحصيل بعض الركوع و السجود إلا أنه ليس فيه كمال الركوع و السجود فلم تنعقد تحريمة الإمام للفائت و هو الكمال فلم يمكن بناء كمال الركوع و السجود على تلك ا لتحريمة .
و قد خرج الجواب عما ذكر من المعنى و ما روي من الحديث كان في الابتداء فإنه روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سقط من فرس فجحش جنبه فلم يخرج أياما و دخل عليه أصحابه فوجدوه يصلي قاعدا ] فافتتحوا الصلاة خلفه قياما فلما رآهم على ذلك قال : [ استنان بالفارس و الروم و أمرهم بالقعود ] ثم نهاهم عن ذلك فقال : [ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ] .
ألا ترى أنه تكلم في الصلاة فقال : استنان بفارس و الروم و أمرهم بالقعود فدل أن ذلك كان في الابتداء حين كان التكلم في الصلاة مباحا و ما روينا آخر صلاة صلاها فانتسخ قوله السابق بفعله المتأخر .
و على هذا يخرج اقتداء المفترض بالمتنفل أنه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي .
و يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض عند عامة العلماء خلافا لمالك .
احتج الشافعي بما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة و معاذ كان متنفلا و كان يصلي خلفه المفترضون و لأن كل واحد منهم يصلي صلاة نفسه لا صلاة صاحبه لاستحالة أن يفعل العبد فعل غيره فيجوز فعل كل واحد منهما سواء وافق فعل إمامه أو خالفه و لهذا جاز اقتداء المتنفل بالمفترض .
و لنا : ما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بالناس صلاة الخوف و جعل الناس طائفتين و صلى بكل طائفة .
شطر الصلاة لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه ] و لو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم الصلاة بالطائفة الأولى ثم نوى النفل و صلى بالطائفة الثانية لينال كل طائفة فضيلة الصلاة خلفه من غير الحاجة إلى المشي و أفعال كثيرة ليست من الصلاة و لأن تحريمة الإمام ما انعقدت لصلاة الفرض و الفرضية و إن لم تكن صفة زائدة على ذات الفعل فليست راجعة إلى الذات أيضا بل هي من الأوصاف الإضافية على ما عرف في موضعه فلم يصح البناء من المقتدي بخلاف اقتداء المتنفل بالمفترض لأن النفلية ليست من باب الصفة بل .
هي عدم إذ النفل عبارة عن أصل لا وصف له فكانت تحريمة الإمام منعقدة لما يبني علبه المقتدي و زيادة فصح البناء .
و قد خرج الجواب عن معناه فإن كل واحد منهما يصلي صلاة نفسه لأنا نقول : نعم لكن إحداهما بناء .
على الأخرى و تعذر تحقيق معنى البناء و ما روي من الحديث فليس فيه أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم الفرض فيحتمل أنه كان ينوي النفل ثم يصلي بقومه الفرض و لهذا قال له صلى الله عليه و سلم لما بلغه طول قراءته : [ إما أن تخفف بهم لما فاجعل صلاتك معنا ] على أنه يحتمل أنه كان في الابتداء حين كان تكرار الفرض مشروعا و ينبني على هذا الخلاف اقتداء البالغين بالصبيان في الفرائض أنه لا يجوز عندنا لأن النفل من الصبي لا يقع فرضا فكان اقتداء المفترض بالمتنفل و عند الشافعي : يصح .
و احتج بما روي أن عمر بن سلمة كان يصلي بالناس و هو ابن تسع سنين و لا يحمل على صلاة التراويح لأنها لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة فدل أنه كان في الفرائض .
و الجواب : أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين لم تكن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام على ما ذكرنا ثم نسخ و أما في التطوعات فقد روي عن محمد بن مقاتل الرازي أنه أجاز ذلك في التراويح و الأصح : أن ذلك لا يجوز عندنا لا في الفريضة و لا في التطوع لأن تحريمة الصبي انعقدت لنفل غير مضمون عليه بالإفساد و نفل المقتدي البالغ مضمون عليه بالإفساد فلا يصح البناء .
و ينبغي للرجل أن يؤدب ولده على الطهارة و الصلاة إذا عقلهما لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ مروا صبيانكم .
بالصلاة إذا بلغوا سبعا و اضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا ] و لا يفترض عليه إلا بعد البلوغ و نذكر حد البلوغ في موضع آخر إن شاء الله تعالى .
و لو احتلم الصبي ليلا ثم انتبه قبل طلوع الفجر قضى صلاة العشاء بلا خلاف لأنه حكم ببلوغه بالاحتلام و قد انتبه و الوقت قائم فيلزمه أن يؤديها و إن لم ينتبه حتى طلع الفجر اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : ليس عليه قضاء صلاة العشاء لأنه و إن بلغ بالاحتلام لكنه نائم فلا يتناوله الخطاب و لأنه يحتمل أنه احتلم بعد طلوع الفجر و يحتمل قبله فلا تلزمه الصلاة بالشك و قال بعضهم : عليه صلاة العشاء لأن النوم لا يمنع الوجوب و لأنه إذا احتمل أنه احتلم قبل طلوع الفجر و احتمل بعده فالقول بالوجوب أحوط .
و على هذا لا يجوز اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر و لا اقتداء من يصلي ظهرا بمن يصلي ظهر يوم غير ذلك اليوم عندنا لاختلاف سبب وجوب الصلاتين وصفتهما و ذلك يمنع صحة الاقتداء لما مر .
و روي عن أفلح بن كثير أنه قال : دخلت المدينة ولم أكن صليت الظهر فوجدت الناس في الصلاة فظننت أنهم في الظهر فدخلت معهم و نويت الظهر فلما فرغوا علمت أنهم كانوا في العصر فقمت و صليت الظهر ثم صليت العصر ثم خرجت فوجدت أصحاب رسول الله في صلى الله عليه و سلم متوافرين فأخبرتهم بما فعلت فاستصوبوا ذلك و أمروا به فانعقد الإجماع من الصحابة Bهم على ما قلنا و على هذا لا يجوز اقتداء الناذر بالناذر بأنه نذر رجلان كل واحد منهما أن يصلي ركعتين فاقتدى أحدهما بالآخر فيما نذر و كذا إذا شرع رجلان كل واحد منهما في صلاة التطوع وحده ثم أفسدها على نفسه حتى وجب عليه القضاء فاقتدى أحدهما بصاحبه لا يصح لأن سبب وجوب الصلاتين مختلف و هو نذر كل واحد منهما و شروعه فاختلف الواجبان و تغايرا و ذلك يمنع صحة الاقتداء لما بينا .
بخلاف اقتداء الحالف بالحالف حيث يصح لأن الواجب هناك تحقيق البر لا نفس الصلاة فبقيت كل واحدة من الصلاتين في حق نفسها نفلا فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل فصح و كذا لو اشتركا في صلاة التطوع بأن اقتدى أحدهما بصاحبه فيها ثم أفسداها حتى وجب القضاء عليهما فاقتدى أحدهما بصاحبه في القضاء جاز لأنها صلاة واحدة مشتركة بينهما فكان سبب الوجوب واحدا معنى فصح الاقتداء .
ثم إذا لم يصح الاقتداء عند اختلاف الفرضين فصلاة الإمام جائزة كيفما كان لأن صلاته غير متعلقة بصلاة المقتدي و أما صلاة المقتدي إذا فسدت عن الفرضية هل يصير شارعا في التطوع ذكر في باب الأذان أنه يصير شارعا في النفل و ذكر في زيادات الزيادات و في باب الحدث ما يدل على أنه لا يصير شارعا فإنه ذكر في باب الحدث في الرجل إذا كان يصلي الظهر و قد نوى إمامة النساء فجاءت امرأة و اقتدت به فرضا آخر لم يصح اقتداؤها به و لا يصير شارعا في التطوع حتى لو حازت الإمام لم تفسد عليه صلاته فمن مشايخنا من قال : في المسألة روايتان و منهم من قال : ما ذكر في باب الأذان قول أبي حنيفة و أبي يوسف و ما ذكر في باب الحدث قول محمد و جعلوه فرعية مسألة و هي أن المصلي إذا لم يفرغ من الفجر حتى طلعت الشمس بقي في التطوع عندهما إلا أنه يمكث حتى ترتفع الشمس ثم يضم إليها ما يتمها فيكون تطوعا و عنده يصير خارجا من الصلاة بطلوع الشمس و كذا إذا كان في الظهر فتذكر أنه نسي الفجر ينقلب ظهره تطوعا عندهما و عند محمد يصير خارجا من الصلاة .
وجه قول محمد : أنه نوى فرضا عليه ولم يظهر أنه ليس عليه فرض فلا تلغو نية الفرض فمن حيث أنه لم بلغ نية الفرض لم يصر شارعا في النفل و من حيث أنه يخالف فرضه فرض الإمام لم يصح الاقتداء فلم يصر شارعا في الصلاة أصلا بخلاف ما إذا لم يكن عليه الفرض لأن نية الفرض لغت أصلا كأنه لم ينو .
وجه قولهما : أنه بنى أصل الصلاة و وصفها على صلاة الإمام و بناء الأصل صح و بناء الوصف لم يصح فلغا بناء الوصف و بقي بناء الأصل و بطلان بناء الوصف لا يوجب بطلان بناء الأصل لاستغناء الأصل عن هذا الوصف فيصير هذا اقتداء المتنفل بالمفترض و أنه جائز و ذكر في النوادر عن محمد : في رجلين يصليان صلاة واحدة معا و ينوي كل واحد منهما أن يؤم صاحبه فيها أن صلاتهما جائزة لأن صحة صلاة الإمام غير متعلقة بصلاة غيره فصار كل واحد منهما كالمنفرد في حق نفسه و لو اقتدى كل واحد منهما بصاحبه فيها فصلاتهما فاسدة لأن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام و لا إمام ههنا