بيان ما يخرج به القاضي عن القضاء .
فصل : و أما بيان ما يخرج به القاضي عن القضاء فنقول و بالله التوفيق : كل ما يخرج به الوكيل عن الوكالة يخرج به القاضي عن القضاء و ما يخرج به الوكيل عن الوكالة أشياء ذكرناها في كتاب الوكالة لا يختلفان إلا في شيء واحد و هو أن الموكل إذا مات أو خلع ينعزل الوكيل و الخليفة إذا مات أو خلع لا تنعزل قضاته و ولاته .
و وجه الفرق : أن الوكيل يعمل بولاته الموكل و في خالص حقه أيضا و قد بطلت أهلية الولاية فينعزل الوكيل و القاضي لا يعمل بولاية الخليفة و في حقه بل بولاية المسلمين و في حقوقهم و إنما الخليفة بمنزلة الرسول عنهم لهذا لم تلحقه العهد كالرسول في سائر العقود و الوكيل في النكاح و إذا كان رسولا كان فعله بمنزله فعل عامة المسلمين و ولايتهم بعد موت الخليفة باقية فيبقى القاضي على و لايته و هذا بخلاف العزل فإن الخليفة إذا عزل القاضي أو الوالي ينعزل بعزله و لا بموته لأن لا ينعزل بعزل الخليفة أيضا حقيقة بل بعزل العامة لما ذكرنا أن توليته بتولية العامة و لوه الإستبدال دلالة لتعلق مصلحتهم بذلك فكانت و لاية منهم معنى في العزل أيضا فهو الفرق بين العزل و الموت .
و لو استخلف القاضي بإذن الإمام ثم مات القاضي لا ينعزل خليفته لأنه نائب الإمام في الحقيقة لا نائب القاضي و لا ينعزل بموت الخليفة أيضا كما لا ينعزل القاضي لما قلنا و لا يملك القاضي عزل خليفته لأنه نائب الإمام فلا ينعزل بعزله كا لوكيل الثاني إنه لا يملك عزل الوكيل الثاني لأن الثاني و كيل الموكل في الحقيقة لا و كيله كذا ههنا إلا إذا أذن له الخليفة أن يستبدل من شاء فيملك عزله و يكون ذلك أيضا عزلا من الخليفة لا من القاضي لأن القاضي كا لوكيل إذا قال له الوكيل : اعمل برأيك أنه يملك التوكيل و العزل و إذا عزل كان العزل في الحقيقة من الموكل كذا هذا و علم المعزول بالعزل شرط حصة العزل كما ذكر في الوكالة و هل ينعزل بأخذ الرشوة في الحكم ؟ عندنا لا ينعزل لكنه يستحق العزل فيعزله الإمام و يعزره كذا ذكر في كتاب الحدود و قال مشايخ العراق من أصحابنا : إنه ينعزل و قالوا : صحت الرواية عن أصحابنا أنه ينعزل و استدلوا بما ذكر في السير الكبير أنه يخرج من القضاء لكن مشايخنا أنه لا يخرج من القضاء و هذه الرواية أولى لأن هذه الرواية مشتبهة و رواية كتاب الحدود محكمة لأنه ذكر أن الإمام يعزله و يعزره فكان فيما قلنا حمل المحتمل على المحكم فكان عملا بالروايتين جميعا فكان أولى و هذا عندنا .
و قال الشافعي عليه الرحمة : ينعزل و هو قول المعتزلة و لقب المسألة أن القاضي إذا فسق هل ينعزل أو لا ؟ فعندنا لا ينعزل و عند الشافعي : و به قالت المعتزلة لكن بناء على أصلين مختلفين فأصل المعتزلة أن الفسق يخرج صاحبة عن الإيمان فيبطل أهلية القضاء و أصل الشافعي C أن العدالة شرط أهلية القضاء كما هي شرط أهلية الشهادة لأن أهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة و قد زالت بالفسق فتبطل الأهلية و الأصل عندنا : أن الكبيرة لا تخرج صاحبها من الإيمان و العدالة ليست بشرط أهلية القضاء كما ليست بشرط لأهلية الشهادة على ما ذكرنا و الله سبحانه و تعالى أعلم