بيان الكلام في العدل .
أما لأول : فنقول و بالله التوفيق : للعدل أن يمسك الرهن بيده و بيد من يحفظ ماله بيده و ليس له أن يدفعه إلى المرتهن بغير إذن الراهن و لا إلى الراهن بغير إذن المرتهن قبل سقوط الدين لأن كل واحد منهما لم يرض بيد صاحبه حيث و ضعاه في يد العدل .
و لو دفعه إلى أحدهما من غير رضا صاحبه فلصاحبه أن يسترده و يعيده إلى يد العدل كما كان و لو هلك قبل الاسترداد ضمن العدل قيمته لأنه صار غاصبا بالدفع و ليس له أن ينتفع بالرهن و لا أن يتصرف فيه بالإجارة و الإعارة و الرهن و غير ذلك لأن الثابت له بالوضع في يده هو حق الإمساك لا الانتفاع و التصرف و ليس له أن يبيعه لما قلنا إلا إذا كان مسلطا على بيعه في عقد الرهن أو متأخرا عنه فله أن يبيعه لأنه صار و كيلا بالبيع إلا أن التسليط إذا كان في العقد لا يملك عزله من غير رضا المرتهن و إذا كان متاخرا عن العقد يملك لما ذكرنا و له أن يبيع الزيادة المتولدة من الرهن لكونها مرهونة تبعا للأصل و كذا له أن يبيع ما هو قائم مقام الرهن نحو إن كان الرهن عبدا فقتله عبد أو فقأ عينه لأنه إذا قام مقامه جعل كأنه الأول قائم ثم إذا سلطه على البيع مطلقا فله أن يبيعه بأي جنس كان من الدراهم و الدنانير و غيرهما و بأي قدر كان بمثل قيمته أو بأقل منه قدر ما يتغابن الناس فيه و بالنقد و النسيئة عند أبي حنيفة و له أن يبيع قبل حلول الأجل لأن الأمر بالبيع مطلق و إذا باع كان الثمن رهنا عنده إلى أن يحل الأجل لأنه ثمن المرهون مرهون فإذا حل الأجل أو في دين المرتهن إن كان من جنسه و إن سلط على البيع عند المحل لم يكن له أن يبيعه قبله لما قلنا .
و لو كان الرهن بالمسلم فيه فسلطه على البيع عند المحل فله أن يبيعه بجنس المسلم فيه و غيره عند أبي حنيفة و عندهما يبيعه بالدراهم و الدنانير و بجنس المسلم فيه و هي مسألة الوكيل بالبيع المطلق أنه يبيع بأي ثمن كان عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد ليس له أن يبيع بما يتغابن الناس فيه و لا بالنسيئة و لا بغير الدراهم و الدنانير إلا أنهما جوازا ما في مسألة السلم بجنس المسلم فيه لأن الأمر بالبيع لقضاء الدين من ثمنه و الجنس أقرب إلى القضاء منه .
و لو نهاه الراهن عن البيع بالنسيئة فإن نهاه عند عقد الرهن ليس له أن يبيع بالنسيئة لأن التوكيل حصل مقيدا فيلزمه مراعاة القيد متأخرا إذا كان التقييد مفيدا و هذا النوع من التقييد مفيد .
و لو نهاه متأخرا عن العقد لم يصح نهيه لأن التقييد المتراخي إبطال من حيث الظاهر كالتخصيص المتراخي عن النص العام عند بعض مشايخنا حتى جعلوه فسخا لا بيانا و إذا كان إبطالا لا يملكه الراهن كما لا يملك إبطال الوكالة الثابتة عند العقد بالعزل ثم إذا باع العدل الرهن خرج عن كونه رهنا لأنه صار ملكا للمشتري و صار ثمنه هو الرهن لأنه قام مقامه سواء كان مقبوضا أو غير مقبوض حتى لو توى عند المشتري كان على المرتهن و يهلك بالأقل من قدر الثمن و من الدين و لا ينظر إلى قيمة المبيع بل ينظر إلى الثمن بعد البيع لأن الرهن انتقل إلى الثمن و خرج المبيع عن كونه رهنا فتعتبر قيمة الرهن ثم إن باعه بجنس الدين قضى دين المرتهن منه و إن باعه بخلاف جنسه باع الثمن بجنس الدين و قضى الدين منه لأنه مسلط على بيع الرهن و قضاء الدين من ثمنه و قضاء الدين من جنسه يكون .
و لو باع العدل الرهن ثم استحق في يد المشتري فللمشتري أن يرجع بالثمن على العدل لأن العاقد هو و حقوق في باب البيع ترجع إلى العاقد و العدل بالخيار إن شاء يسترد من المرتهن ما أوفاه من الثمن و عاد دينه على الراهن كما كان و إن شاء رجع بما ضمن على الراهن و سلم للمرتهن ما قبض .
أما ولاية استرداد الثمن من المرتهن فلأن البيع قد بطل بالاستحقاق و تبين أن قبض الثمن من المرتهن لم يصح فله أن يسترد منه و إذا استرده عاد الدين على حاله .
و أما الرجوع بما ضمن على الراهن فله أن يرجع بالعهدة عليه و إذا رجع عليه مسلم للمرتهن ما قبضه لأنه صح قبضه هذا إذا سلم الثمن إلى المرتهن فإن كان هلك في يده قبل التسليم ليس له ان يرجع إلا على الراهن لأنه و كيل الراهن بالبيع عامل له فكان عهدة عمله عليه في الأصل لا على غيره إلا أن له أن يرجع على المرتهن إذا قبض الثمن لما ذكرنا فإذا لم يقبض و جب العمل بالأصل فيرجع على الراهن بما ضمن و بطل الرهن بالاستحقاق و يرجع المرتهن بدينه على الراهن و لو لم يستحق الرهن و لكن المشتري و جد به عيبا كان له أن يرده على العدل لأن الرد بالعيب من حقوق البيع و إنها ترجع إلى العاقد و العاقد هو العدل فيرد عليه و يسترد منه الثمن الذي أعطاه و العدل بالخيار إن كان رده عليه بقضاء القاضي إن شاء رجع على المرتهن إن كان سلم الثمن إليه و إن شاء رجع على الراهن أما على المرتهن فلأنه إذا رد عليه بعيب بقضاء القاضي فقد انفسخ البيع فكان له أن يرجع بالثمن و عاد دين المرتهن على الراهن و عاد الرهن المردود رهنا بالدين .
و أما الرجوع على الراهن فلأنه و كله بالبيع فيرجع عليه بالعهدة و إن كان العدل لم يعط المرتهن الثمن فإن رد العدل ما قبض من الثمن فلا يرجع على أحد و إن كان هلك في يده و ضمن في ماله يرجع بما ضمن على الراهن خاصة دون المرتهن لما ذكرنا في الاستحقاق و يكون المردود رهنا كما كان هذا إذا كان بيع العدل بتسليط مشروط في عقد الرهن فأما إذا كان يتسلط و جد من الراهن بعد الرهن فإن العدل يرجع بما ضمن على الراهن لا على المرتهن سواء قبض المرتهن الثمن أو لم يقبضه لأنه و كيل الراهن و عهدة الوكيل فيما و كل به على موكله في الأصل لأنه عامل له فكان عهدة عليه إلا أن التسليط إذا كان مشروطا في العقد يثبت له حق الرجوع على المرتهن لتعلق حقه بهذه الوكالة على مانذكر إن شاء الله تعالى فإذا وقع البيع لحقه جاز أن يرجع بالضمان عليه و إذا لم يكن مشروطا فيه لم يثبت التعليق فبقي حق الرجوع بالعهدة على الموكل على حكم الأصل و للعدل أن يبيع الزوائد من الرهن لأنها مرهونة تبعا للأصل لثبوت حكم الرهن فيها و هو حق الحبس تبعا فله أن يبيعها كما له أن يبيع الأصل .
و كذا العبد المدفوع بالجناية على الرهن بأن قتل الرهن أو فقأ عينه فدفع به للعدل أن يبيعه لأن الثاني قائم مقام الأول لحما و دما فصار كأن الأول قائم و للعدل أن يمتنع من البيع و إذا امتنع لا يجبر عليه إن كان التسلط على البيع بعد الرهن و إن كان في الرهن لم يكن له أن يمتنع عنه و لو امتنع يجبر عليه لأن التسليط إذا لم يكن مشروطا في الرهن لم يتعلق به حق المرتهن فكان توكيلا محضا بالبيع فأشبه التوكيل بالبيع في سائر المواضع و إذا كان مشروطا فيه كان حق المرتهن متعلقا به فله أن يجبره على البيع لا ستيفاء حقه