القسم الثالث ـ ما يرجع إلى عمل المضاربة .
و قال زفر C : لا يجوز الشراء بينهما في مال المضاربة .
و جه قول زفر : أن هذا بيع ماله بماله و شراء ماله بماله إذ المالان جميعا لرب المال و هذا لا يجوز كالوكيل مع الموكل .
و لنا : أن لرب المال في مال المضاربة ملك رقبة لا ملك تصرف و ملكه في حق التصرف كملك الأجنبي .
و للمضارب فيه ملك التصرف لا الرقبة فكان في حق ملك الرقبة كملك الأجنبي حتى لا يملك رب المال منعه عن التصرف فكان مال المضاربة في حق كل واحد منهما كمال الأجنبي لذلك جاز الشراء بينهما و لو اشترى المضارب دارا و رب المال شفيعها بدار أخرى بجنبها فله ان يأخذ بالشفعة لأن المشتري و إن كان له في الحقيقة لكنه في الحكم كأنه ليس له بدليل أنه لا يملك انتزاعه من يد المضارب و لهذا جاز شراؤه من المضارب و لو باع المضارب دارا من المضاربة و رب المال شفيعها فلا شفعة له سواء كان في الدار المبيعة ربح وقت البيع أو لم يكن اما إذا لم يكن أما إذا لم يكن فيها ربح فلأن المضارب و كيله بالبيع و الوكيل ببيع الدار إذا باع لا يكون للموكل الأخذ بالشفعة و إن كان فيها ربح .
فاما حصة رب المال فكذلك و هو وكيل بيعها و أما حصة المضارب فلأنا لو أوجبنا فيها الشفعة لتفرقت الصفقة على المشتري و لأن الربح تابع لرأس المال فإذا لم تجب الشفعة في المتبوع لا تجب في التابع .
و لو باع رب المال دارا لنفسه و المضارب شفيعها بدار أخرى من المضاربة فإن كان في يده من مال المضاربة وفاء بثمن الدار لم تجب الشفعة لأنه لو أخذ بالشفعة لوقع لرب المال و الشفعة لا تجب لبائع الدار و إن لم يكن في يده وفاء فإن لم يكن في الدار ربح فلا شفعة لأن أخذها لرب المال و إن كان فيه ربح فللمضارب أن يأخذها لنفسه بالشفعة لأن له نصيبا في ذلك فجاز أن يأخذها لنفسه .
و لو أن أجنبيا اشترى دارا إلى جانب دار المضاربة فإن كان في يد المضارب وفاء بالثمن فله أن يأخذها بالشفعة للمضاربة و إن سلم الشفعة بطلت و ليس لرب المال أن يأخذها لنفسه لأن الشفعة وجبت للمضاربة و ملك التصرف في المضاربة للمضارب فإذا سلم جاز بتسليمه على نفسه و على رب المال و إن لم يكن في يده وفاء فإن كان في الدار ربح فالشفعة للمضارب و لرب المال جميعا فإن سلم أحدهما فللآخر أن يأخذها جميعا لنفسه بالشفعة كدار بين اثنين وجبت الشفعة لهما و إن لم يكن في الدار ربح فالشفعة لرب المال خاصة لأنه لا نصيب للمضارب فيه .
قال أبو يوسف : إذا استأجر الرجل أجيرا كل شهر بعشرة دراهم ليشتري له و يبيع ثم دفع المستأجر إلى الأجير دراهم مضاربة فالمضاربة فاسدة و الربح كله للدافع و لا شيء للأجير سوى الأجرة و قال محمد المضاربة جائزة و لا شيء للأجير في الوقت الذي يكون مشغولا بعمل المضاربة .
وجه قول محمد : إنه لما دفع إليه المضاربة فقد اتفقا على ترك الإجارة و نقضها فما دام يعمل بالمضاربة فلا أجر له و لأن الإجارة شركة لهذا لا تقبل التوقيت و لو شاركه بعدما استأجره جازت الشركة فكذا المضاربة و لأبي يوسف : أنه لما استأجره فقد ملك عمله فإذا دفع إليه مضاربة فقد شرط للمضارب ربحا بعمل قد ملكه رب المال و هذا لا يجوز و لأن المضارب يعمل لنفسه فلا يجوز أن يستوجب الربح و الأجر و لا يجوز أن ينقض الإجارة بالمضاربة لأن الإجارة أقوى من المضاربة لأنها لازمة و المضاربة ليست بلازمة و الشيء لا ينتقض بما هو أضعف منه .
و ما ذكر محمد : أن المضاربة شركة فالجواب : أن الشريك يستحق الربح بالمال و المضارب بالعمل و رب المال قد ملك العمل فلا يجوز أن يستحق المضارب الربح و لأن الشريك يعمل لنفسه فكأنه امتنع من عمل الإجارة فيسقط عنه الأجرة بحصته و المضارب يعمل لرب المال فبقي عمله على الإجارة .
و لو اشترى المضارب بمال المضاربة و هو ألف عبدا قيمته ألف فقتل عمدا فلرب المال القصاص لأن العبد ملكه على الخصوص لا حق للمضارب فيه و إن كانت قيمته ألفين لم يكن فيه قصاص و إن اجتمعا لأن ملك كل واحد منهما لم يتعين أما رب المال فلأن رأس المال ليس هو العبد و إنما هو الدراهم و لو أراد أن يعين رأس ماله في العبد كان المضارب أن يمنعه عن ذلك حتى يبيع و يدفع إليه من الثمن و إذا لم يتعين ملك رب المال لم يتعين ملك المضارب قبل استيفاء رأس المال و إذا لم يتعين ملكهما في العبد لم يجب القصاص لواحد منهما و إن اجتمعا و تؤخذ قيمة العبد من القاتل في ماله في ثلاث سنين لأن القصاص سقط في القتل العمد لمانع مع وجود السبب فتجب الدية في ماله و يكون المأخوذ على المضاربة يشتري به المضارب و يبيع لأنه بدل مال المضاربة فيكون على المضاربة كالثمن .
و ذكر محمد في النوادر : إذا كان في يد المضارب عبدان قيمة كل واحد منهما ألف فقتل رجل واحد العبدين عمدا لم يكن لرب المال عليه قصاص لأن ملك رب المال لم يتعين في العبد المقتول على ما بيننا و على القاتل قيمته في ماله و يكون في المضاربة لما قلنا .
و الأصل : أن في كل موضع وجب بالقتل القصاص خرج العبد عن المضاربة و في كل موضع وجب بالقتل مال فالمال على المضاربة لأن القصاص إذا استوفى فقد هلك مال المضاربة و هلاك مال المضاربة يوجب بطلان المضاربة و القيمة بدل مال المضاربة فكانت على المضاربة كالثمن .
و قال محمد : و إذا اشترى المضارب ببعض مال المضاربة عبدا يساوي ألفا فقتله رجل عمدا فلا قصاص فيه لا لرب المال و لا للمضارب و لا لهما إذا اجتمعا أما رب المال فلأنه لو استوفى القصاص لا يصير مستوفيا لرأس المال بالقصاص لأن القصاص ليس بمال و لهذا لو عفا المريض عن القصاص كان من جميع المال و إذا لم يصر به مستوفيا رأس ماله يستوفي رأس المال من بقية المال و إذا استوفى تبين أن العبد كان ربحا فتبين أنه انفرد باستيفاء القصاص عن عبد مشترك .
و أما المضارب فلأنه لم يتعين له فيه ملك و لا يجوز لهما الاجتماع على الاستيفاء لهذا المعنى و هو أن حق كل واحد منهما غير متعين .
و اختلف أصحابنا في القتل العمد إذا ادعى على عبد المضاربة إنه هل يشترط حضور الولي لسماع البينة .
قال أبو حنيفة : و محمد عليهما الرحمة : يشترط .
و قال أبو يوسف C : لا يشترط .
وجه قوله : أن العبد في باب القصاص مبقى على أصل الحرية بدليل أنه لو أقر به يجوز إقراره و إن كذبه الولي فلا يقف سماع البينة عليه على حضور المولى كالحر و لهما : إن هذه البينة يتعلق بها استحقاق رقبة العبد فلا تسمع مع غيبة المولى كالبينة القائمة على استحقاق الملك و البينة القائمة على جناية الخطأ و قد قالوا جميعا : لو أقر العبد بقتل عمدا فكذبه المولى و المضارب لزمه القصاص لأن الإقرار بالقصاص مما لا يملكه المولى من عبده و هو مما يملك فيملكه العبد كالطلاق فإن كان الدم بين شريكين و قد أقر به العبد فعفا أحدهما فلا شيء للآخر لأن موجب الجناية انقلب مالا و إقرار العبد غير مقبول في حق المال فصار كأنه أقر بجناية الخطأ فإن كان رب المال صدقه في إقراره و كذبه المضارب قيل لرب المال : ادفع نصف نصيبك أو افده و إن كان المضارب صدقه و كذبه رب المال قيل للمضارب : ادفع نصيبك أو افده و صار كأحد الشريكين إذا أقر في العبد بجناية وكذبه الآخر .
و أما وجوب القصاص على عبد المضاربة و إن لم يجب بقتله القصاص لأن عدم الوجوب بقتله لكون مستحق الدم غير متعين فإذا كان هو القاتل فالمستحق للقصاص هو ولي القتيل و إنه متعين و تجوز المرابحة بين رب المال و المضارب و هو أن يشتري رب المال من مضاربة فيبيعه مرابحة أو يشتري المضارب من رب المال فيبيعه مرابحة لكن يبيعه على أقل الثمنين إلا إذا بين الأمر على وجهه فيبيعه كيف يشاء و إنما كان كذلك لأن جواز شراء رب المال من المضارب و المضارب من رب المال ثبت معدولا به عن القياس لما ذكرنا أن رب المال اشترى مال نفسه و المضارب يبيع مال رب المال من رب المال إذ المالان ماله و القياس يأبى ذلك إلا أنا استحسنا الجواز لتعلق حق المضارب بالمال و هو ملك التصرف فجعل ذلك بيعا في حقهما لا في حق غيرهما بل جعل في حق غيرهما ملحقا بالعدم و لأن المرابحة بيع يجربه البائع من غير بينة و استخلاف فتجب صيانته عن الجناية و عن شبه الجناية ما أمكن و قد تمكنت التهمة في البيع بينهما لجواز أن رب المال باعه من المضارب أكثر من قيمته و رضي به المضارب لأن الجود بمال الغير أمر سهل فكأن تهمة الجناية ثابتة و التهمة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة فلا يبيع مرابحة إلا على أقل الثمنين بيان ذلك في مسائل : .
إذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة فباعه من المضارب بألف فإن المضارب يبيعه مرابحة على خمسمائة لأنها أقل الثمنين إلا إذا بين الأمر على وجهه فيبيعه كيف يشاء لأن المانع هو التهمة و قد زالت .
و لو اشترى المضارب عبدا بألف من المضاربة فباعه من رب المال بألف و مائتين باعه رب المال مرابحة بألف و مائة إن كانت المضاربة بالنصف لأن الربح ينقسم بين رب المال و المضارب و لا شبهة في حصة المضارب لأنه لا حق فيه لرب المال فصار كأن رب المال اشترى ذلك من أجنبي و تمكنت الشبهة في حصة رب المال لأنه ماله بعينه فكأنه اشترى من نفسه فتسقط حصته من الربح إلا إذا بين الأمر على وجهه فيبيعه كيف شاء .
و لو اشترى رب المال سلعة بألف درهم تساوي ألفا و خمسمائة فباعها من المضارب بألف و خمسمائة فإن المضارب يبيعها مرابحة بألف و مائتين و خمسين إلا إذا بين الأمر على وجهه لما ذكرنا .
قال ابن سماعة في نوادره عن محمد : سمعت أبا يوسف يقول في مسألة المضاربة و هو آخر ما قال : إذا اشترى رب المال عبدا بألف فباعه من المضارب بمائة و رأس المال ألف في يد المضارب فإن المضارب يبيعه على مائة و كذا لو اشترى المضارب بألف فباعه من رب المال بمائة باعه رب المال بمائة يبيعه أبدا على أقل الثمنين لأنه لا تهمة في الأقل و إنما التهمة في الزيادة فيثبت ما لا تهمة فيه و يسقط ما فيه تهمة .
و لو اشتراه رب المال بخمسمائة فباعه من المضارب بألف و مائة فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة و خمسين لأن المائة الزائدة الزيادة على الألف ربح فنصفها للمضارب و ما اشتراه المضارب من رب المال لنفسه لا تهمة فيه فيضم حصته من الربح إلى القدر الذي اشترى رب المال به و يسقط خمسمائة لأنها نصيب رب المال و يسقط خمسون لأنها حق رب المال من الربح فيبيعه مرابحة على خمسمائة و خمسين .
و لو اشتراه المضارب بستمائة باعه مرابحة بخمسمائة لأنه لا فضل في ثمنه عن رأس المال فيسقط كل الربح و يباع على أقل الثمنين و الأصل أن المضارب لا يحتسب شيئا من حصة نفسه حتى يكون ما نقد أكثر من ألف فيجب من حصته نصف ما زاد على الألف لأنه إذا لم يزد على ألف بأن اشترى بمثل رأس المال أو بأقل منه و له في المال ربح لم يتعين له في المشترى حق لكونه مشغولا برأس المال فلا يظهر له الربح كأنه اشترى و لا ربح في يده .
و على هذا القياس تجري المسائل فمتى كان شراء المضارب بأقل الثمنين فإن كان للمضارب حصة ضمها إلى أقل الثمنين و إذا اشترى رب المال من المضارب يبيعه على أقل الثمنين و يضم إليه حصة المضارب .
و لو كان رب المال اشتراه بخمسمائة ثم باعه من المضارب بألفين فإن المضارب يبيعه بألف خمسمائة رأس المال و خمسمائة حصة المضارب من الألفين لأن نصيب رب المال من الثمن ألف و خمسمائة فتسقط الزيادة فيها على رأس المال و هو ألف و يبقى من نصيب رب المال خمسمائة و نصيب المضارب خمسمائة و رب المال فيها كالأجنبي فيبيعه مرابحة على ألف .
و لو كان المضارب اشتراه بألف ثم باعه من رب المال بألفين باعه رب المال بألف و خمسمائة لأن الألف رأس مال رب المال و خمسمائة نصيب المضارب و رب المال فيها كالأجنبي و خمسمائة نصيب رب المال فيجب إسقاطها قال ابن سماعة : و روي عن أبي يوسف أنه قال ـ و هو قوله الآخر ـ إن رب المال إذا اشترى عبدا بعشرة آلاف ثم باعه من المضارب بمائة باعه المضارب مرابحة على مائة و كذلك لو اشترى المضارب بعشرة آلاف فباعه من رب المال بمائة باعه رب المال مرابحة على مائة لأن البيع على أقل الثمنين لا تهمة فيه و لأنه اشتراه بأقل الثمنين فلا يجوز أن يزيد على الثمن الذي اشتراه فإن قيل : كيف يجوز للمضارب الحط على قول أبي يوسف فالجواب أنه إنما لا يجوز له حطه عند أبي يوسف و محمد لحق رب المال فإذا باعه من رب المال و حط فقد رضي رب المال بذلك فجاز .
و أما على قول أبي يوسف : الأول الذي أشار إليه ابن سماعة فهو أن الحظ لا يجوز لأنه قال : إذا كان رأس المال ألفا فربح فيه ألفا ثم اشترى بألفين جارية ثم باعها من رب المال بألف و خمسمائة فإن رب المال يبيعها مرابحة على ألف و سبعمائة و خمسين لأن المضارب حط من الثمن خمسمائة نصفها من نصيبه و نصفها من مال المضاربة و هو يملك الحط في حق نصيبه و لا يملك ذلك في مال المضاربة في قول أبي يوسف و محمد فلم يصح حط نصيب رب المال فلذلك باع مرابحة على ألف و سبعمائة و خمسين فينبغي على هذا القول إذا باع مرابحة أن يقول : قام علي بكذا و لا يقول اشتريته بكذا لأن الزيادة لحقت بالثمن حكما و الشراء ينصرف إلى ما وقع العقد به و الصحيح قوله الأخير لما ذكرنا أن عدم جواز الحط في مال المضاربة لحق رب المال فإذا اشترى هو فقد رضي بذلك فكأنه أذن للمضارب أن يبيعه بنقصان لأجنبي .
و ذكر محمد في كتاب المضاربة : لو اشترى رب المال عبدا بألف فباعه من المضارب بألفين ألف رأس المال و ألف ربح فإن المضارب يبيعه مرابحة على ألف و خمسمائة يسقط من ذلك ربح رب المال و يبيع على رأس المال و ربح المضارب لما بينا .
و لو كان رب المال اشترى العبد بخمسمائة و العبد يساوي ألفين فباعه من المضارب بألفين فإن المضارب يبيعه مرابحة على ألف لأن رأس المال خمسمائة و نصيب المضارب من المال خمسمائة و ما سوى ذلك ربح رب المال فلا يثبت حكمه على ما بينا فيما تقدم إلا أن يبين الأمر على وجهه فيبيعه كيف يشاء لأن المانع من البيع بجميع الثمن التهمة فإذا بين فقد زالت التهمة فيجوز البيع .
و لو اشتراه رب المال بألف و قيمته ألف فباعه من المضارب بألفين ألف مضاربة و ألف ربح فإن المضارب يبيعه مرابحة على الألف لأنه لما اشترى ما قيمته ألف ذهب ربحه فلم يبق له في المال حصة و صار كأنه مال رب المال فباعه على رأس ماله .
و لو كان رب المال اشتراه بخمسمائة و المسألة بحالها فإن المضارب يبيعه مرابحة على خمسمائة لأنه لم يبق المضارب حصة فصارا شراء مال رب المال بعضه ببعض فيبيعه على رأس المال الأول و لو كان رب المال اشتراه بألفين و قيمته ألف فباعه من المضارب بألفين فإن المضارب يبيعه بألف و لا يبيعه على أكثر من ذلك لأن قيمته ألف فليس فيه ربح للمضارب يبيعه عليه و لأن رب المال لما باعه بألفين ما يساوي ألفا و هما متهمان في حق الغير في العقد فصار كأنه أخذ ألفا لا على طريق البيع و باعه العبد بألف فلا يبيعه بأكثر من ذلك و لو كان العبد يساوي ألفا و خمسماية و المسألة بحالها و قد اشتراه بألف و أراد المضارب أن يبيعه مرابحة باعه مرابحة على ألف و مائتين و خمسين لأن في العبد ربحا المضارب و نصيبه من الربح هو مع رب المال فيه كالأجنبي فيبيعه على أقل الثمنين مع حصة المضارب من الربح .
و ذكر محمد في الأصل : إذا اشترى المضارب عبدا بألف درهم مضاربة فباعه من رب المال بألفين ثم إن رب المال باعه من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف درهم ثم اشتراه المضارب من الأجنبي بألفي درهم فأراد أن يبيعه مرابحة لم يجز له ذلك في قول أبي حنيفة C إلا أن يبين الأمر على وجهه و في قول أبي يوسف و محمد يبيعه مراحبة على ألفين .
و هذه فريعة مسألة أخرى مذكورة في البيوع و هي ما إذا اشترى شيئا فربح فيه ثم ملكه بشراء آخر فأراد أن يبيعه مرابحة فإن عند أبي حنيفة يسقط الربح و يعتبر ما مضى من العقود و في مسألتنا قد ربح فيه رب المال ألفي درهم لأن المضارب لما اشتراه بألف و باعه من رب المال بألفين فنصف ذلك الربح لرب المال و هو خمسمائة فلما باعه رب المال بثلاثة آلاف فقد ربح ألفا و خمسماية لأنه قام عليه بألف و خمسماية مقدار رأس المال و نصيب المضارب من الربح إذا ضم إلى ذلك فقد ربح ألفين فإذا اشتراه المضارب بألفين و جب أن يطرح الألفين من رأس المال فلا يبقى شيء و لهذا لم يجز البيع مراجعة إلا بعد أن يبين .
و أما على قولهما فإنما يعتبر العقد الأخير خاصة فالربح في الأول لا يحط عن الثاني فيبيعه مرابحة على جميع الألفين .
و لو اشترى المضارب عبدا بألف فباعه من رب المال بألف و خمسماية ثم باعه رب المال من أجنبي بألف و ستماية ثم إن المضارب اشتراه من الأجنبي بألفي درهم فأراد أن يبيعه مرابحة باعه على ألف و أربعماية على قول أبي حنيفة لأن رب المال قد ربح فيه ستماية ألا ترى أن المضارب لما اشتراه بألف باعه من رب المال بألف و خمسماية فنصيب رب المال من الربح مائتان و خمسون و كان رب المال اشترى بألف و مايتين و خمسين رأس المال و حصة المضارب فلما باعه بألف و ستماية فقد ربح ثلثماية و خمسين و قد كان ربح مايتين و خمسين بربح المضارب فوجب أن يحط ذلك المضارب من الثمن فيبقى ألف و أربعماية و لو اشترى المضارب عبدا بألف فولاه رب المال ثم إن رب المال باعه من أجنبي بألف و خمسماية ثم إن المضارب اشتراه من الأجنبي مرابحة بألفين .
ثم إن رب المال لما حط الأجنبي ثلثماية فإن الأجنبي يحط من المضارب أربعماية لأن رب المال لما حط من الأجنبي ثلثماية استند ذلك الحط إلى العقد فكأن ذلك المقدار لم يكن فيطرح من رأس المال و تطرح حصته من الربح و قد كان الأجنبي ربح مثل ثلث الثمن فيطرح مع الثلثماية ثلثها فيصير الحط عن المضارب أربعماية فإن أراد المضارب أن يبيع هذا العبد مرابحة باعه على ألف و مايتين لأن رب المال ربح أربعماية .
ألا ترى أنه لو باعه من الأجنبي فربح خمسماية ثم حط عنه ثلثماية و هذا الحط من رأس المال و الربح جميعا ما يتين من رأس المال و ماية من الربح فلما سقط من الربح ماية يبقى الربح أربعماية فلما اشتراه المضارب بألفين ثم حط عنه أربعماية صار شراؤه بألف و ستماية فيطرح عنه مقدار ما ربح فيه رب المال و هو أربعماية فيبيعه على ما بقي و تجوز المرابحة بين المضاربين كما تجوز بين المضارب و رب المال .
قال محمد في الأصل : إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف و دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى أحد المضاربين عبدا بخمسماية من المضاربة فباعه من المضارب الآخر بألف فأراد الثاني أن يبيعه مرابحة باعه على خمسماية و هو أقل الثمنين لأن مال المضاربين لرجل واحد فصار بيع أحدهما من الآخر في حق الأجانب كبيع الإنسان ملكه بماله فيبيعه مرابحة على أقل الثمنين .
و لو باعه الأول من الثاني بألفين ألف من المضاربة و ألف من مال نفسه فإن الثاني يبيعه مرابحة على ألف و مايتين و خمسين لأن الثاني اشترى نصفه لنفسه و قد كان الأول اشترى ذلك النصف بمايتين و خمسين فيبيعه الثاني مرابحة على ألف لأنه لا نصيب لواحد منهما في شراء صاحبه فصارا كالأجنبيين فأما النصف الذي اشترى الثاني بألف المضاربة فقد كان الأول اشتراه بمايتين و خمسين و هو مال واحد فيبيعه على أقل الثمنين .
ولو كان الأول اشتراه بألف المضاربة فباعه من الثاني بألفين للمضاربة ألف رأس المال و ألف ربح فإن الثاني يبيعه مرابحة بألف و خمسماية لأنه يبيعه على أقل الثمنين و على حصته من الربح و أقل الثمنين ألف و حصة المضارب خمسماية و لو كان الأول اشتراه بخمسماية و المسألة بحالها باعه الثاني على ألف لأن أقل الثمنين خمسماية و حصة المضارب خمسماية فيبيعه مرابحة على أقل الثمنين و حصة من الربح و الربح في المضاربة بينهما على الشرط و الوضيعة على رب المال و القول قول المضارب في دعوى الهلاك لأن المال أمانة في يده .
و أما الذي يستحقه المضارب بالعمل فالذي يستحقه بعمله في مال المضاربة شيئان : أحدهما النفقة و الكلام في النفقة في مواضع : في وجوبها و في شرط الوجوب و فيما فيه النفقة و في تفسير النفقة و في قدرها و فيما تحتسب النفقة منه .
أما الوجوب فلأن الربح في باب المضاربة يحتمل الوجود و العدم و العاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل الوجود و العدم مع تعجيل النفقة من مال نفسه فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة لامتنع الناس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها فكان إقدامهما على هذا العقد و الحال ما وصفنا إذنا من رب المال للمضارب بالإنفاق من مال المضاربة فكان مأذونا في الإنفاق دلالة فصار كما لو أذن له به نصا و لأنه يسافر لأجل المال لا على سبيل التبرع و لا يبدل واجب له لا محالة فتكون نفقته في المال بخلاف المبضع لا يسافر بمال الغير على وجه التبرع و بخلاف الأجير لأنه يعمل ببدل لازم في ذمة المستأجر لا محالة فلا يستحق النفقة و هكذا روى ابن سماعة عن محمد في الشريك إذا سافر بالمال أنه ينفق من المال كالمضارب .
و أما شرط الوجوب فخروج المضارب بالمال من المصر الذي أخذ المال منه مضاربة سواء كان المصر مصره أو لم يكن فما دام يعمل به في ذلك المصر فإن نفقته في مال نفسه لا في مال المضاربة و إن أنفق شيئا منه ضمن لأن دلالة الإذن لا تثبت في المصر .
و كذا إقامته في الحضر لا تكون لأجل المال لأنه كان مقيما قبل ذلك فلا يستحق النفقة ما لم يخرج من ذلك المصر سواء كان خروجه بالمال مدة سفر أو أقل من ذلك حتى لو خرج من المصر يوما أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة .
كذا ذكر محمد عن نفسه و عن أبي يوسف من مكان المضاربة لوجود الخروج من المصر لأجل المال و إذا انتهى إلى المصر الذي قصده فإن كان ذلك مصر نفسه أو كان له في ذلك المصر أهل سقطت نفقته حين دخل لأنه يصير مقيما بدخوله فيه لا لأجل المال و إن لم يكن ذلك مصره و لا له فيه أهل لكنه أقام فيه للبيع و الشراء لا تسقط نفقته ما أقام فيه و إن نوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا ما لم يتخذ ذلك المصر الذي هو فيه دار إقامة لأنه إذا لم يتخذه دار إقامة كانت إقامته فيه لأجل المال و إن اتخذه وطنا كانت إقامته للوطن لا للمال فصار كالوطن الأصلي .
فنقول : الحاصل أنه لا تبطل نفقة المضاربة بعد المسافرة بالمال إلا بالإقامة في مصره أو في مصر يتخذه دار إقامة لما قلنا .
و لو خرج من المصر الذي دخله للبيع و الشراء بنية العود إلى المصر الذي أخذ المال فيه مضاربة فإن نفقته من مال المضاربة حتى يدخله فإذا دخله فإن كان ذلك مصره أو كان له فيه أهل سقطت نفقته و إلا فلا حتى لو أخذ المضارب مالا بالكوفة و هو من أهل البصرة و كان قد قدم [ الكوفة ] مسافرا فلا نفقة له في المال ما دام [ بالكوفة ] لما قلنا فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة لأن خروجه لأجل المال و لا ينفق من المال ما دام بالبصرة لأن البصرة وطن أصلي له فكان إقامته فيها لأجل الوطن لا لأجل المال فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال حتى يأتي الكوفة لأن خروجه من البصرة لأجل المال .
و له أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة لأن وطنه بالكوفة كان وطن إقامة و أنه يبطل بالسفر فإذا عاد إليها و ليس له وطن فكان إقامته فيها لأجل المال فكان نفقته فيه و كل من كان مع المضارب ممن يعنيه على العمل فنفقته من مال المضاربة حرا كان أو عبدا أو أجيرا يخدمه أو يخدم دابته لأن نفقتهم كنفقة نفسه لأنه لا يتهيأ له السفر إلا بهم إلا أن يكون معه عبيد لرب المال بعثهم ليعاونوه فلا نفقة لهم في مال المضاربة و نفقتهم على رب المال خاصة لأن إعانة عبد رب المال كإعانة رب المال بنفسه و رب المال لو أعان المضارب بنفسه في العمل لم تكن نفقته في مال المضاربة كذا عبيده .
فأما عبد المضارب فهو كالمضارب و المضارب إذا عمل بنفسه في المال أنفق عليه منه كذا عبده .
و أما ما فيه النفقة فالنفقة في مال المضاربة و له أن ينفق من مال نفسه ما له أن ينفق من مال المضاربة على نفسه و يكون دينا في المضاربة حتى كان له أن يرجع فيها لأن الإنفاق من المال و تدبيره إليه فكان له أن ينفق من ماله و يرجع به على مال المضاربة كالوصي إذا أنفق على الصغير من مال نفسه أن له أن يرجع بما أنفق على مال الصغير لما قلنا كذا هذا له أن يرجع بما أنفق في مال المضاربة لكن بشرط بقاء المال حتى لو هلك المال لم يرجع على رب المال بشيء كذا ذكر محمد في المضاربة لأن نفقة المضارب من مال المضاربة فإذا هلك هلك بما فيه كالدين يسقط بهلاك الرهن و الزكاة تسقط بهلاك النصاب و حكم الجناية يسقط بهلاك العبد الجاني .
و أما تفسير النفقة التي في مال المضاربة فالكسوة و الطعام و الإدام و الشراب و أجر الأجير و فرا ينام عليه و علف دابته التي يركبها في سفره و يتصرف عليها حوائجه و غسل ثيابه و دهن السراج و الحطب و نحو ذلك و لا خلاف بين أصحابنا في هذه الجملة لأن المضارب لا بد له منها فكان الإذن ثابتا من رب المال دلالة .
و أما ثمن الدواء و الحجامة و الفصد و التنور و الأدهان و ما يرجع إلى التداوي و صلاح البدن ففي ماله خاصة لا في مال المضاربة .
و ذكر الكرخي C في مختصره في الدهن خلاف محمد أنه في مال المضاربة عنده و ذكر في الحجامة و الإطلاء بالنورة و الخضاب قول الحسن بن زياد أنه قال على قياس قول أبي حنيفة : يكون في مال المضاربة و الصحيح أنه يكون في ماله خاصة لأن وجوب النفقة للمضارب في المال لدلالة الأذن الثابت عادة و هذه الأشياء غير معتادة هذا إذا قضى القاضي بالنفقة يقضي بالطعام و الكسوة و لا يقضي بهذه الأشياء .
و أما الفاكهة فالمعتاد منها يجري مجرى الطعام و الإدام و قال بشر في نوادره : سألت أبا يوسف عن اللحم فقال : يأكل كما كان يأكل لأنه من المأكول المعتاد و أما قدر النفقة فهو أن يكون بالمعروف عند التجار من غير إسراف فإن جاوز ذلك ضمن الفضل لأن الإذن ثابت بالعادة فيعتبر القدر المعتاد و سواء سافر برأس المال أو بمتاع عن المضاربة لأن سفره في الحالين لأجل المال و كذا لو سافر فلم يتفق له شراء متاع من حيث قصد و عاد بالمال فنفقته ما دام مسافرا في مال المضاربة لأن عمل التجارة على هذا و هو أن يتفق الشراء في وقت دون وقت و مكان دون مكان و سواء سافر بمال المضاربة وحده أو بماله و مال المضاربة و مال المضاربة لرجل أو رجلين فله النفقة غير أنه إن سافر بماله و مال المضاربة أو بمالين لرجلين كانت النفقة من المالين بالحصص لأن السفر لأجل المالين فتكون النفقة فيهما .
و إن كان أخذ المالين مضاربة لرجل و الآخر بضاعة لرجل آخر فنفقته في مال المضاربة لأن سفره لأجله لا لأجل البضاعة لأنه متبرع بالعمل بها إلا أن يتبرع بعمل البضاعة فينفق من مال نفسه لأنه بدل العمل في المضاربة و ليس على رب البضاعة شيء إلا أن يكون أذن له في النفقة منها لأنه تبرع بأخذ البضاعة فلا يستحق النفقة كالمودع .
و لو خلط مال المضاربة بماله و قد أذن له في ذلك فالنفقة بالحصص لأن سفره لأجل المالين .
و أما ما تحتسب النفقة منه فالنفقة تحتسب من الربح أولا إن كان في المال ربح فإن لم يكن فهي من رأس المال لأن النفقة جزء هالك من المال و الأصل أن الهلاك ينصرف إلى الربح و لأنا لو جعلناها من رأس المال خاصة أو في نصيب رب المال من الربح لازداد نصيب المضارب في الربح على نصيب رب المال فإذا رجع المضارب إلى مصره فما فضل عنده من الكسوة و الطعام رده إلى المضاربة لأن الإذن له بالنفقة كان لأجل السفر فإذا انقطع السفر لم يبق الإذن فيجب رد ما بقي إلى المضاربة .
و روى المعلى عن أبي يوسف : إذا كان مع الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى عبدا بألفين فأنفق عليه فهو متطوع في النفقة لأنه لم يبق في يده شيء من رأس المال فالنفقة تكون استدانة على المال و هو لا يملك ذلك فصار كالأجنبي إذا أنفق على عبد غيره إلا أن يكون القاضي أمره بذلك فإن رفعه القاضي فأمره القاضي بالنفقة عليه فما أنفق فهو عليهما على قدر رأس المال قال أبو يوسف C : و هذه قسمة من القاضي بين المضارب و بين رب المال إذا قضى بالنفقة و إنما صارت النفقة دينا بأمر القاضي لأن له ولاية على الغائب في حفظ ماله و هذا من باب الحفظ فيملك الأمر بالاستدانة عليه و إنما صار قضاء القاضي بالنفقة قسمة لوجود معنى القسمة و هو التعيين لأن القاضي لما ألزم المضارب النفقة لأجل نصيبه فقد عين نصيبه و لا يتحقق تعيين نصيب المضارب إلا بعد تعيين رأس المال و هذا معنى القسمة .
و لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها جارية قيمتها ألفان فالنفقة على المضارب و على رب المال في قول أبي حنيفة و أبي يوسف : و عند محمد النفقة على رب المال كذا حقق القدوري C الاختلاف .
وجه قول محمد : أن المضارب لم يتعين له ملك لأن رأس المال غير متعين فكانت الجارية على حكم رب المال فكانت نفقتها عليه و يحتسب بها في رأس ماله في رواية عنه .
و في رواية أخرى عنه : يقال لرب المال : أنفق إن شئت .
و لهما : أن نصيب المضارب من العبد على ملكه بدليل أن إعتاقه ينفذ منه فلا يجوز إلزام رب المال الإنفاق على ملك غيره فإذا قضى على كل واحد منهما بنفقة نصيبه فقد تعين الربح و رأس المال فيكون قسمة لوجود معنى القسمة و على هذا الخلاف العبد الآبق من المضاربة إذا جاء به رجل و قيمته ألفان و ليس في يده من المضاربة غير العبد أن الجعل عليهما في قول أبي حنيفة و أبي يوسف لأن العبد على ملكهما .
و عند محمد : الجعل على رب المال يحسب في رأس ماله إذ هو زيادة في رأس المال فإذا بيع استوفى رب المال رأس ماله و الجعل و ما بقي يكون بينهما على ما اشترطا من الربح قال بشر عن أبي يوسف : إن الجعل لا يحتسب به في مال المضاربة و يحتسب به فيما بين المضارب و رب المال فإن كان هناك ربح فالجعل منه و إلا فهو وضيعة من رأس المال و إنما لم يلحق الجعل برأس المال في باب المرابحة لأن الذي يلحق رأس المال في المرابحة ما جرت عادة التجار بإلحاقه به و ما جرت عادتهم بإلحاق الجعل و لأنه نادر غير معتاد فلا يلحق بالعادة ما ليس بمعتاد و إنما احتسب به فيما بين المضارب و رب المال لأنه غرم لزم لأجل المال و يجوز أن يحتسب بالشيء فيما بين المضارب و رب المال و لا يلحق برأس المال في المضاربة كنفقة المضارب على نفسه .
و الثاني : ما يستحقه المضارب بعمله في المضاربة الصحيحة هو الربح المسمى إن كان في المضاربة ربح و إنما يظهر الربح بالقسمة و شرط جواز القسمة قبض رأس المال فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال حتى لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح و رأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال فهلكت الألف التي في يد المضارب بعد قسمتها الربح فإن القسمة الأولى لم تصح و ما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله و ما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى رب المال حتى يستوفي رب المال رأس ماله و لا تصح قسمة الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال و الأصل في اعتبار هذا الشرط ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله ] كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه فدل الحديث على أن قسمة الربح قبل قبض رأس المال لا تصح و لأن الربح زيادة و الزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل و لأن المال إذا بقي في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها فلو صححنا قسمة الربح لثبتت قسمة الفرع قبل الأصل فهذا لا يجوز .
و إذا لم تصح القسمة فإذا هلك ما في يد المضارب صار الذي اقتسماه هو رأس المال فوجب على المضارب أن يرد منه تمام رأس المال فإن قبض رب المال ألف درهم رأس ماله أولا ثم اقتسما الربح ثم رد الألف التي قبضها بعينها إلى يد المضارب على أن يعمل بها بالنصف فهذه مضاربة مستقبلة فإن هلكت في يده لم تنتقض القسمة الأولى لأن رب المال لما استوفى رأس المال فقد انتهت المضاربة و صحت القسمة فإذا رد المال فهذا عقد آخر فهلاك المال فيه لا يبطل القسمة في غيره .
و لو كان الربح في المضاربة الأولى ألفين و اقتسما الربح فأخذ رب المال ألفا و المضارب ألفا ثم هلك ما في يد المضارب فإن القسمة باطلة و ما قبضه رب المال محسوب من رأس المال و رد المضارب نصف الألف الذي قبض لأنه لما هلك ما في يد المضاربة من رأس المال قبل صحة القسمة صار ما قبضه رب المال رأس ماله و إذا صار ذلك رأس المال تعين الربح فيما قبضه المضارب بالقسمة فيكون بينهما على الشرط فيجب عليه أن يرد نصفه و كذلك إن كان قد هلك ما قبضه المضارب من الربح يجب عليه أن يرد نصفه لأنه تبين أنه قبض نصيب رب المال من الربح لنفسه فصار ذلك مضمونا عليه .
و لو هلك ما قبض رب المال لم يتعين بهلاكه شيء لأن ما هلك بعد القبض يهلك في ضمان القابض فبقاؤه و هلاكه سواء .
قالوا : و اقتسما الربح ثم اختلفا فقال المضارب : قد كنت دفعت إليك رأس المال قبل القسمة و قال رب المال : لم أقبض رأس المال قبل ذلك فالقول قول رب المال و يرد المضارب ما قبضه لنفسه تمام رأس المال يحتسب على رأس رب المال بما قبض من رأس ماله و يتم له رأس المال بما يرده المضارب فإن بقي شيء بعد ذلك مما قبضه المضارب كان بينهما نصفين و إنما كان كذلك لأن المضارب يدعي أنها رأس المال و رب المال ينكر ذلك و المضارب و إن كان أمينا لكن القول قول الأمين في إسقاط الضمان عن نفسه لا في التسليم إلى غيره و لأن المضارب يدعي خلوص ما بقي من المال و الربح و رب المال يجحد ذلك فلا يقبل قول المضارب في الاستحقاق .
فإن أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لأنها تثبت إيفاء رأس المال و لا يقال : الظاهر شاهد للمضارب فيما ادعاه من إيفاء رأس المال إذ الربح لا يكون إلا بعد الإيفاء إذ هو شرط صحة قسمة الربح لأنا نقول : قد جرت عادة التجارة بالمقاسمة مع بقاء رأس المال في يد المضارب فلم يكن الظاهر شاهد للمضارب وذكر ابن سماعة في [ نوادره ] عن أبي يوسف في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة صحيحة ثم جعل رب المال يأخذ الخمسين والعشرين لنفقته والمضارب يعمل بالنفقة ويتربح فيما يشتري ويبيع ثم احتسبا فإنهما يحتسبان برأس المال ألف درهم يوم يحتسبان والربح بينهما نصفان ولا يكون ما أخذ رب المال من النفقة نقصانا من رأس المال ولكنهما يحتسبا رأس المال ألفا من جميع المال وما بقي من ذلك فهو بينهما نصفان لأنا لو جعلنا المقبوض من رأس المال بطلت المضاربة لأن استرجاع رب المال رأس ماله يوجب بطلان المضاربة و هما لم يقصدا إبطالها فيجعل رأس المال فيما بقي لئلا يبطل هذا إذا كان في المضاربة ربح فإن لم يكن فيها ربح فلا شيء للمضارب لأن الشرط قد صح فلا يستحق إلا ما شرط و هو الربح و لم يوجد .
و أما الذي يستحقه رب المال فالربح المسمى إذا كان في المال ربح و إن لم يكن فلا شيء له على المضارب هذا كله حكم المضاربة الصحيحة .
و أما حكم المضاربة الفاسدة فليس للمضارب أن يعمل شيئا مما ذكرنا أن له أن يعمل في المضاربة الصحيحة و لا يثبت بها شيء مما ذكرنا عن أحكام المضاربة الصحيحة و لا يستحق النفقة و لا الربح المسمى و إنما له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن لأن المضاربة الفاسدة في معنى الإجارة الفاسدة و الأجير لا يستحق النفقة و لا المسمى في الإجارة الفاسدة و إنما يستحق أجر المثل و الربح كله يكون لرب المال لأن الربح نماء ملكه و إنما يستحق المضارب شطرا منه بالشرط و لم يصح الشرط فكان كله لرب المال و الخسران عليه و القول قول المضارب في دعوى الهلاك و الضياع و الهلاك في المضاربة الفاسدة مع يمينه هكذا ذكر في ظاهر الرواية و جعل المال في يده أمانة كما في المضاربة الصحيحة .
و ذكر الطحاوي فيه اختلافا و قال : لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة و عندهما يضمن كما في الأجير المشترك إذا هلك المال في يده