ما يرجع إلى العاقدين .
أما الذي يرجع إلأى العاقدين و هما رب المال و المضارب فأهلية التوكيل و الوكالة لأن المضارب يتصرف بأمر رب المال و هذا معنى التوكيل .
و قد ذكر شرائط أهلية التوكيل و الوكالة و لا يشترط إسلامهما فتصح المضاربة بين أهل الذمة و بين المسلم و الذمي و الحربي المستأمن حتى لو دخل حربي دار الإسلام بأمان فدفع ماله إلى مسلم مضاربة أو دفع إليه مسلم ماله مضاربة فهو جائز لأن المستأمن في دارنا بمنزلة الذمي و المضاربة مع الذمي مضاربة جائزة فكذلك مع الحربي المستأمن فإن كان المضارب هو المسلم فدخل دار الحرب بأمان فعمل بالمال فهو جائز لأنه دخل دار رب المال فلم يوجد بينهما اختلاف الدارين فصار كأنهما في دار واحدة .
و إن كان المضارب هو الحربي فرجع إلى داره الحربي فإن كان بغير إذن رب المال بطلت المضاربة و إن كان بإذنه فذلك جائز و يكون على المضاربة و كون الربح بينهما على ما شرطا إن رجع إلى دار الإسلام مسلما أو معاهدا أو بأمان استحسانا و القياس : أن تبطل المضاربة .
وجه القياس : أنه لما عاد إلى دار الحرب بطل أمانه و عاد إلى حكم الحرب كما كان فبطل أمر رب المال عند اختلاف الدارين فإذا تصرف فيه فقد تعدى بالتصرف فملك ما تصرف فيه .
وجه الاستحسان : أنه لما خرج بأمر رب المال صار كأن رب المال دخل معه و لو دخل رب المال معه إلى دار الحرب لم تبطل المضاربة فكذا إذا دخل بأمره بخلاف ما إذا دخل بغير أمره لأنه لما لم يأذن له بالدخول انقطع حكم رب المال عنه فصار تصرفه لنفسه فملك الأمر به .
و قد قالوا في المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان فدفع إليه حربي مالا مضاربة مائة درهم : أنه على قياس قول أبي حنيفة و محمد جائز فإن اشترى المضارب على هذا و ربح أو وضع فالوضعية على رب المال و الربح على ما اشترط و يستوفي المضارب مائة درهم و الباقي لرب المال و إن لم يكن في المال ربح إلا مائة فهي كلها للمضارب و إن كان أقل من مائة فذلك للمضارب أيضا و لا شيء للمضارب على رب المال لأن رب المال لم يشترط المائة إلا من الربح .
فأما على قول أبي يوسف فالمضاربة فاسدة و للمضارب أجر مثله و هذا فرع اختلافهم في جواز الربا في دار الحرب لما علم و أما الذي يرجع إلى رأس المال فأنواع : .
منها : أن يكون رأس المال من الدراهم أو الدنانير عند عامة العلماء فلا تجوز المضاربة بالعروض و عند مالك هذا ليس بشرط و تجوز المضاربة بالعروض و الصحيح قول العامة لما ذكرنا في كتاب الشركة أن ربح ما يتعين بالتعيين ربح ما لم يضمن لأن العروض تتعين عند الشراء بها و المعين غير مضمون حتى لو هلكت قبل التسليم لا شيء على المضارب فالربح عليها يكون ربح ما لم يضمن [ و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ربح ما لم يضمن ] و ما لا يتعين يكون مضمونا عند الشراء به حتى لو هلكت العين قبل التسليم فعلى المشتري به ضمانه فكان الربح على ما في الذمة فيكون ربح المضمون و لأن المضاربة بالعروض تؤدي إلى جهالة الربح وقت القسمة لأن قيمة العروض تعرف بالحزر و الظن و تختلف باختلاف المقومين و الجهالة تفضي إلى المنازعة و المنازعة تفضي إلى الفساد و هذا لا يجوز .
و قد قالوا : إنه لو دفه إليه عروضا فقال له : بعها و اعمل بثمنها مضاربة فباعها بدراهم أو دنانير و تصرف فيها جاز لأنه لم يضف المضاربة إلى العروض و إنما أضافها إلى الثمن و الثمن تصح به المضاربة فإن باعها بمكيل أو موزون جاز البيع عند أبي حنيفة بناء على أصله في الوكيل بالبيع مطلقا أنه يبيع بالأثمان و غيرها إلا أن المضاربة فاسدة لأنها صارت مضافة إلى ما لا تصح المضاربة به و هو الحنطة و الشعير و أما على أصلهما فالبيع لا يجوز لأن الوكيل بالبيع مطلقا لا يملك البيع بغير الأثمان و لا تفسد المضاربة لأنها لم تصر مضافة إلى ما لا يصلح به رأس مال المضاربة .
و أما تبر الذهب و الفضة فقد جعله في هذا الكتاب بمنزلة العروض و جعله في كتاب الصرف بمنزلة الدراهم و الدنانير و الأمر فيه موكول إلى التعامل فإن كان الناس يتعاملون به فهو بمنزلة الدراهم و الدنانير فتجوز المضاربة به و إن كانوا لا يتعاملون به فهو كالعروض فلا تجوز المضاربة به .
و أما الزيوف و النبهرجة فتجوز المضاربة بها ذكره محمد C لأنها تتعين بالعقد كالجياد .
و أما الستوقة فإن كانت لا تروج فهي كالعروض و إن كانت تروج فهي كالفلوس و ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف في الدراهم التجارية لا يجوز المضاربة بها لأنها كسدت عندهم و صارت سلعة قال : و لو أجزت المضاربة بها أجزتها بمكة بالطعام لأنهم يتبايعون بالحنطة كما يتبايع غيرهم بالفلوس .
و أما الفلوس فقد ذكرنا الكلام فيها في كتاب الشركة .
فالحاصل أن في جواز المضاربة بها روايتين عن أبي حنيفة ذكر محمد في المضاربة الكبيرة في [ الجامع الصغير ] و قال : لا تجوز المضاربة إلا بالدراهم و الدنانير عند أبي حنيفة و روى الحسن عنه أنها تجوز .
و الصحيح من مذهب أبي يوسف : أنها لا تجوز .
و عند محمد : تجوز بناء على أن الفلوس لا تتعين بالتعيين عنده فكانت أثمانا كالدراهم و الدنانير و عند أبي حنيفة و أبي يوسف تتعين فكانت كالعروض .
و منها : أن يكون معلوما فإن كان مجهولا لا تصح المضاربة لأن جهالة رأس المال تؤدي إلى جهالة الربح و كون الربح معلوما شرط صحة المضاربة .
و منها : أن يكون رأس المال عينا لا دينا فإن كان دينا فالمضاربة فاسدة و على هذا يخرج ما إذا كان لرب المال على رجل دين فقال له : اعمل بديني الذي في ذمتك مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف فإن اشترى هذا المضارب و باع له ربحه و عليه وضيعته و الدين في ذمته بحال عند أبي حنيفة .
و عندهما ما اشترى و باع لرب المال له ربحه و عليه وضيعته بناء على أن من وكل رجلا يشتري له بالدين الذي في ذمته لم يصح عند أبي حنيفة حتى لو اشترى لا يبرأ عما في ذمته عنده و إذا لم يصح الأمر بالشراء بما في الذمة لم تصح إضافة المضاربة إلى ما في الذمة و عندهما يصح التوكيل و لكن لا تصح المضاربة لأن الشراء يقع للموكل فتصير المضاربة بعد ذلك مضاربة بالعروض لأنه يصير في التقدير كأنه وكله بشراء العروض ثم دفعه إليه مضاربة فتصير مضاربة بالعروض فلا تصح .
و لو قال لرجل : اقبض مالي على فلان من الدين و اعمل به مضاربة جاز لأن المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض فكان رأس المال عينا لا دينا و لو أضاف المضاربة إلى عين هي أمانة في يد المضارب من الدراهم و الدنانير بأن قال للمودع أو المستبضع : اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف و إن أضافها إلى مضمونه في يده كالدراهم و الدنانير المغصوبة فقال للغاصب : اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك عند أبي يوسف و الحسن بن زياد و قال زفر : لا يجوز .
وجه قوله : أن المضاربة تقتضي كون المال أمانة في يد المضارب و المغضوب مغضوب في يده فلا يتحقق التصرف للمضاربة فلا يصح و لأبي يوسف : أن ما في يده مضمون إلى أن يأخذ في العمل فإذا أخذ في العمل و هو الشراء تصير أمانة في يده فيتحقق معنى المضاربة فتصح و سواء كان رأس المال مفروزا أو مشاعا بأن دفع مالا إلى رجل بعضه مضاربة و بعضه غير مضاربة مشاعا في المال فالمضاربة جائزة لأن الإشاعة لا تمنع من التصرف في المال فإن المضارب يتمكن من التصرف في المشاع و كذا الشركة لا تمنع المضاربة فإن المضارب إذا ربح يصير شريكا في المال و يجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة فإذا لم يمنع البقاء لا يمنع الابتداء .
و على هذا يخرج ما إذا دفع إلى رجل ألف درهم فقال : نصفها عليك قرض و نصفها مضاربة أن ذلك جائز .
أما جواز المضاربة فلما قلنا و أما جواز القرض في المشاع و إن كان القرض تبرعا و الشياع يمنع صحة التبرع كالهبة فلأن القرض ليس بتبرع مطلق لأنه و إن كان في الحال تبرعا لأنه لا يقابله عوض للحال فهو تمليك المال بعوض في الثاني ألا ترى أن الواجب فيه رد المثل لا رد العين فلم يكن تبرعا من كل وجه فلا يعمل فيه الشيوع بخلاف الهبة فإنها تبرع محض فعمل الشيوع فيها و إذا جاز القرض و المضاربة كان نصف الربح للمضارب لأنه ربح ملكه و هو القرض و وضيعته عليه و النصف الآخر بينه و بين رب المال على ما شرطا لأنه ربح مستفاد بمال المضاربة و وضيعته على رب المال و لا تجوز قسمة أحدهما دون صاحبه لأنه مال مشترك بينهما فلا ينفرد أحد الشريكين بقسمته قالوا : و لو كان قال له : خذ هذه الألف على أن نصفها قرض عليك على أن تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن الربح لي فهذا مكروه لأنه شرط لنفسه منفعة في مقابلة القرض و قد [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قرض جر نفعا ] فإن عمل على هذا فربح أو وضع فالربح بينهما نصفان و كذا الوضيعة .
أما الربح فلأن المضارب ملك نصف المال بالقرض فكان نصف الربح له و النصف الآخر بضاعة في يده فكان ربحه لرب المال .
و أما الوضيعة : فلأنها جزء هالك من المال و المال مشترك فكانت الوضيعة على قدره و لو قال : خذ هذه الألف على أن نصفها مضاربة بالنصف و نصفها هبة فقبضها المضارب على ذلك غير مقسوم فالهبة فاسدة لأنها هبة المشاع فيما يحتمل القسمة فإن عمل في المال فربح كان نصف الربح للمضارب حصة الهبة و نصف الربح بينهما على ما شرطا و الوضيعة عليهما .
أما نصف الربح للمضارب حصة الهبة فلأنه يثبت الملك له فيه إذا قبض بعقد فاسد فكان ربحه له و أما النصف الآخر فإنما يكون ربحه بينهما على الشرط لأنه استفيد بمال المضاربة مضاربة صحيحة .
و أما كون الوضيعة عليهما فلأنها جزء هالك من المال و المال مشترك فإن هلك المال في يد المضارب قبل أن يعمل أو بعد ما عمل فهو ضامن لنصف المال و هو الهبة لأنه مقبوض بعقد فاسد فكان مضمونا عليه كالمقبوض ببيع فاسد و لو كان دفع نصف المال بضاعة و نصفه مضاربة فقبضه المضارب على ذلك فهو جائز و المال على ما سيما من المضاربة و البضاعة و الوضعية على رب المال و نصف الربح لرب المال و نصفه على ما شرطا لأن الإشاعة لا تمنع من العمل في المال مضاربة و بضاعة و جازت المضاربة و البضاعة .
و إنما كانت الوضيعة على رب المال لأنه لا ضمان على المبضع و المضارب في البضاعة و المضاربة و حصة البضاعة من الربح لرب المال خاصة لأن المبضع لا يستحق الربح و حصة المضاربة بينهما على ما شرطا لأنه ربح حصل من مال المضاربة و المضاربة قد صحت فيكون بينهما على الشرط .
و لو دفع إليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب و نصفها مضاربة بالنصف فذلك جائز و المال في يد المضارب على ما سميا لأن كل واحد منهما أعنى الوديعة و المضاربة أمانة فلا يتنافيان فكان نصف المال في يد المضارب وديعة و نصفه مضاربة إلا أن التصرف لا يجوز إلا بعد القسمة لأن كل جزء من المال بعضه مضاربة و بعضه وديعة و التصرف في الوديعة لا يجوز .
فإن قسم المضارب المال نصفين ثم عمل بأحد النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة عليه و على رب المال نصفان و نصف الربح للمضارب و نصفه على ما شرطا لأن قسمة المضارب المال لم تصح لأن المالك لم يأذن له فيها فإذا أفرز بعضه فقد تصرف في مال الوديعة و مال المضاربة فما كان في حصة الوديعة فهو غصب فيكون ربحه للغاصب و ما كان في حصة المضاربة فهو على الشرط .
و من هذا الجنس ما إذا دفع إلى رجل متاعا فباع نصفه من المدفوع إليه بخمسمائة ثم أمره أن يبيع النصف الباقي و يعمل بالثمن كله مضاربة على أن ما رزق الله تعالى من شيء فهو بيننا نصفان فباع المضارب نصف المتاع بخمسمائة ثم عمل بها و بالخمسمائة التي عليه فربح في ذلك أو وضع فالوضيعة عليهما نصفان و الربح بينهما نصفان في قياس قول أبي حنيفة C لأن من مذهبه أن من كان له على رجل دين فأمره أن يشتري له بذلك الدين شيئا لا يصح و المشتري يكون للمأمور لا للآمر و يكون الدين على المأمور حاله .
و إذا كان كذلك فههنا أمر أن يعمل بالدين و بنصف ثمن المباع فما ربح في حصة الدين فهو للمدفوع إليه لأنه تصرف في ملك نفسه فيكون ربحه له و ما ربح في نصيب الدافع فهو للدافع و الوضيعة عليهما لأن المال مشترك بينهما فكان الهالك بينهما .
و أما في قياس قول أبي يوسف و محمد : فمقدار ما ربح في الخمسمائة التي أمره أن يبيع نصف المتاع بها فهو بينهما نصفان على ما شرطا و ما ربح في النصف الذي عليه من الدين يكون لرب المال لأن من أصلهما أن الأمر بالشراء بالدين يصح و تكون المضاربة فاسدة لأنه إذا اشترى صار عروضا و المضاربة بالعروض لا تصح فصارت المضاربة هنا جائزة في النصف فاسدة في النصف فالربح في الصحيحة يكون بينهما على الشرط و في الفاسدة يكون لرب المال .
و لو شرط الدافع لنفسه الثلث و للمضارب الثلثين و المسألة بحالها فإن في قول أبي حنيفة ثلثا الريح للمضارب على ما اشترطا نصف الربح من نصيب المضارب خاصة و السدس من نصيب الدافع كأنه قال له : اعمل في نصيبك على أن الربح لك و اعمل في نصيبي على أن لك ثلث الربح من نصيبي .
و أما على قياس قولهما : فقد دفع إليه نصفه مضاربة فاسدة فما ربح في النصف الذي كان دينا فهو لرب المال لأنه مضاربة فاسدة و ما ربح في النصف الذي هو ثمن المتاع فالربح بينهما على ما شرطا فصار لرب المال ثلثا الربح و للمضارب الثلث .
و إن كان شرط لرب المال ثلثي الربح و للمضارب الثلث فالربح بينهما نصفان في قول أبي حنيفة لأن رب المال شرط النصف من نصيب نفسه و الزيادة من نصيب المضارب و شرط الزيادة من غير عمل و لا رأس مال باطل فيكون الربح على قدر المال و في قياس قولهما : نصف الربح لرب المال خاصة لأن المضاربة فيه فاسدة و للمضارب ثلث ربح النصف الآخر .
و منها : تسليم رأس المال إلى المضارب لأنه أمانة فلا يصح إلا بالتسليم و هو التخلية كالوديعة و لا يصح مع بقاء يد الدافع على المال لعدم التسليم مع بقاء يده حتى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة لما قلنا .
فرق بين هذا و بين الشركة فإنها تصح مع بقاء يد رب المال على ماله و الفرق : أن المضاربة انعقدت على رأس المال من أحد الجانبين و على العمل من الجانب الآخر و لا يتحقق العمل إلا بعد خروجه من يد رب المال فكان هذا شرطا موافقا مقتضى العقد بخلاف الشركة لأنها انعقدت على العمل من الجانبين فشرط زوال يد رب المال عن العمل يناقض مقتضى العقد و كذا لو في المضاربة عمل رب المال فسدت المضاربة سواء عمل رب المال معه أو لم يعمل لأنه شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال و أنه شرط فاسد .
و لو سلم رأس المال إلى رب المال و لم يشترط عمله ثم استعان به على العمل أو دفع إليه المال بضاعة جاز لأنه الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده و سواء كان المالك عاقدا أو غير عاقد لا بد من زوال يد رب المال عن ماله لتصح المضاربة حتى إن الأب أو الوصي إذا دفع مال الصغير مضاربة و شرط عمل الصغير لم تصح المضاربة لأن يد الصغير باقية لبقاء ملكه فتمنع التسليم و كذلك أحد شريكي المفاوضة أو العنان إذا دفع مالا مضاربة و شرط عمل شريكه مع المضارب لأن لشريكه فيه ملكا فيمنع التسليم .
فأما العاقد إذا لم يكن مالكا للمال فشرط أن يتصرف في المال مع المضارب فإن كان ممن يجوز أن يأخذ مال المالك مضاربة لم تفسد المضاربة كالأب و الوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة و شرطا أن يعملا مع المضارب بجزء من الربح لأنهما لو أخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما جاز فكذا إذا شرطا عملهما مع المضارب و صار كالأجنبي .
و إن كان العاقد ممن لا يجوز أن يأخذ مال المالك مضاربة فشرط عمله فسد العقد كالمأذون إذا دفع مالا مضاربة و شرط عمله مع المضارب لأن المأذون و إن لم يكن مالكا رقبة المال فيد التصرف ثابتة له عليه فينزل منزلة المالك فيما يرجع إلى التصرف فكان قيام يده مانعا من التسليم و القبض فيمنع صحة المضاربة .
و إن شرط المأذون عمل مولاه مع المضارب و لا دين عليه فالمضاربة فاسدة لأن المولى هو المالك للما حقيقة فإذا حصل المال في يده فقد وجد يد المالك فيمنع التسليم و إن كان عليه دين المضاربة جائزة في قول أبي حنيفة C لأن المولى لا يملك هذا المال فصار كالأجنبي .
و أما المكاتب إذا شرط عمل مولاه لم تفسد المضاربة لأن المولى لا يملك أكساب مكاتبه و هو فيها كالأجنبي .
و لو دفع إلى إنسان مالا مضاربة و أمره أن يعمل برأيه و دفعه المضارب الأول إلى آخر مضاربة على أن يعمل المضارب معه أو يعمل معه رب المال فالمضاربة فاسدة لأن اليد للمضارب و الملك للمولى و كل ذلك يمنع من التسليم و قد قالوا في المضارب إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة بالثلث : فالمضاربة الثانية فاسدة و المضاربة الأولى على حالها جائزة و الربح بين رب المال و بين المضارب على ما شرطا في المضاربة الأولى و لا أجر لرب المال .
أما فساد المضاربة الثانية فلأن يد رب المال يد ملك و يد الملك مع يد المضارب لا يجتمعان فلا تصح المضاربة الثانية و بقيت المضاربة الأولى على حالها و لم يذكر القدوري C [ في شرحه مختصر الكرخي ] و ذكر القاضي في [ شرحه مختصر الطحاوي ] أن هذا مذهب أصحابنا الثلاثة و عند زفر C تنفسخ المضاربة الأولى بدفع المال إلى رب المال و الرد عليه وجه قوله : أن زوال يد رب المال شرط صحة المضاربة فكانت إعادة يده إليه مفسدة لها .
و لنا : أن رب المال يصير معينا للمضارب و الإعانة لا توجب إخراج المال عن يده فيبقى العقد الأول و لا أجر لرب المال لأنه عمل في ملك نفسه فلا يستحق الأجر و أما الذي يرجع إلى الربح فأنواع : .
منها : إعلام مقدار الربح لأن المعقود عليه هو الربح و جهالة المعقود عليه توجب فساد العقد و لو دفع إليه ألف درهم عن أنهما يشتركان في الربح و لم يبين مقدار الربح جاز لك و الربح بينهما نصفان لأن الشركة تقتضي المساواة قال الله تعالى عز شأنه : { فهم شركاء في الثلث } و لو قال على أن للمضارب شركا في الربح جاز قول أبي يوسف و الربح بينهما نصفان و قال محمد : المضاربة فاسدة وجه قول محمد أن الشركة هي النصيب .
قال الله تعالى : { أم لهم شرك في السموات } أي نصيب .
و قال تعالى : { و ما لهم فيهما من شرك } أي نصيب فقد جعل له نصيبا من الربح و النصيب مجهول فصار الربح مجهولا .
وجه قول أبي يوسف : أن الشرك بمعنى الشركة يقال : شركته في هذا الأمر أشركه شركة و شركا قال القائل : .
( و شاركنا قريشا في بقاها ... و في أحسابها شرك العنان ) .
و يذكر بمعنى النصيب أيضا لكن في الحمل على الشركة تصحيح للعقد فيحمل عليها و منها أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب و رب المال من الربح جزءا شائعا نصفا أو ثلثا أو ريعا فإن شرطا عددا مقدرا بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر و الباقي للآخر لا يجوز و المضاربة فاسدة لأن المضاربة نوع من الشركة و هي الشركة في الربح و هذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر فلا تتحقق الشركة فلا يكون التصرف مضاربة .
و كذلك إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث و مائة درهم أو قالا : إلا مائة درهم فإنه لا يجوز كما ذكرنا أنه شرط يقطع الشركة في الربح لأنه إذا شرطا لأحدهما النصف و مائة فمن الجائز أن يكون الربح مائتين فيكون كل الربح للمشروط له و إذا شرط له النصف إلا مائة فمن الجائز أن يكون نصف الربح مائة فلا يكون له شيء من الربح .
و لو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشرط و المضاربة صحيحة و الأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في هذا العقد أنه ينظر إن كان يؤدي إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد لأن الربح هو المعقود عليه و جهالة المعقود عليه توجب فساد العقد و إن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط و تصح المضاربة و شرط الوضيعة عليهما شرط فاسد لأن الوضيعة جزء هالك من المال فلا يكون إلا على رب المال لا أنه يؤدي إلى جهالة الربح فلا يؤثر في العقد فلا يفسد به العقد و لأن هذا عقد تقف صحته على القبض فلا يفسده الشرط الزائد الذي لا يرجع إلى المعقود عليه كالهبة و الرهن و لأنها وكالة و الشرط الفاسد لا يعمل في الوكالة .
و ذكر محمد في المضاربة : إذا قال رب المال للمضارب : لك ثلث الربح و عشرة دراهم في كل شهر ما عملت في المضاربة صحت المضاربة من الثلث و بطل الشرط و ذكر في المزارعة إذا دفع إليه أرضه بثلث الخارج و جعل له عشرة دراهم في كل شهر فالمزارعة باطلة .
من أصحابنا من قال : في المسألة روايتان : رواية كتاب المزرعة تقتضي فساد المضاربة لأن المشروط للمضارب من المشاهرة معقود عليه و هو قطع عنه الشركة و هذا يفسد المضاربة و في رواية كتاب المضاربة يقتضي أن تصح المضاربة لأنه عقد على ربح معلوم ثم ألحق به شرطا فاسدا فيبطل الشرط و تصح المضاربة و الصحيح هو الفرق بين المسألتين لأن معنى الإجازة في المزارعة أظهر منه في المضاربة بدليل أنها لا تصح إلا بمدة معلومة و المضاربة لا تفتقر صحتها إلى ذكر المدة فالشرط الفاسد جاز أن يؤثر في المزارعة و لا يؤثر في المضاربة .
و على هذا الأصل : قال محمد فيمن دفع ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفين على أن يدفع إليه رب المال أرضه ليزرعها سنة أو دارا ليسكنها سنة فالشرط باطل و المضاربة صحيحة لأنه ألحق بها شرطا فاسدا لا تقتضيه فبطل الشرط .
و لو كان المضارب هو الذي شرط عليه أن يدفع أرضه ليزرعها رب المال سنة أو يدفع داره إلى رب المال ليسكنها سنة فسدت المضاربة لأنه جعل نصف الربح عوضا عن عمله و عن أجرة الدار و الأرض فصارت حصة العمل مجهولة العقد فلم يصح العقد .
و روى المعلى عن أبي يوسف في رجل دفع مالا إلى رجل مضاربة على أن يبيع في دار رب المال أو على أن يبيع في دار المضارب كان جائزا و لو شرطا أن يسكن المضارب دار رب المال أو رب المال دار المضارب فهذا لا يجوز لأنه إذا شرط البيع في أحد الدارين فإنما خص البيع بمكان دون مكان و لم يعقد المضارب فهذا لا يجوز لأنه إذا شرط للمضارب السكنى فقد جعل تلك المنفعة أجرة له و أطلق أبو يوسف أنه لا يجوز و لم يذكر أنه لا يجوز الشرط أو لا تجوز المضاربة .
و ذكر القدوري C أنه ينبغي أن يكون الفساد في الشرط لا في في المضاربة و لو شرط جميع الربح للمضارب فهو قرض عند أصحابنا و عند الشافعي C هي مضاربة فاسدة و له أجرة مثل ما إذا عمل وجه قوله : أن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا فاسدا .
و لنا : أنه إذا لم يكن تصحيحها مضاربة تصحح قرضا لأنه أتى بمعنى القرض و العبرة في العقود لمعانيها و على هذا إذا شرط جميع الربح لرب المال فهو أبضاع عندنا لوجود معنى الإبضاع