القسم الثاني ـ شركة العقود .
و روى إسماعيل بن حماد عن أبي يوسف : أن إحدى الألفين إذا كانت أفضل من الأخرى جاز و كانت مفاوضة لأن الجودة في أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها فسقط اعتبار الجودة فصار كأنهما على صفة واحدة و هل تشترط المجانسة في رأس المال بأن يكون كل واحد منهما دراهم أو يكون كل واحد منهما دنانير .
فعلى الرواية المشهورة لا تشترط حتى لو كان أحدهما دراهم و الآخر دنانير جازت المفاوضة في الرواية المشهورة بعد أن استويا في القيمة و لا خلاف في أنهما إذا لم يستويا في القيمة لم تكن مفاوضة .
و روي عن أبي حنيفة عليه الرحمة : أنه لا تكون مفاوضة و إن استويا في القيمة .
وجه هذه الرواية : أن عند اختلاف الجنس لا تعرف المساواة بينهما في القيمة لأن القيمة تعرف بالجزر و الظن و تختلف باختلاف المقومين فلا تعرف بالمساواة و الصحيح هو الرواية المشهورة لأنها من جنس الأثمان فكانت المجانسة ثابتة في الثمنية .
و منها : أن لا يكون لأحد المتفاوضين ما تصح فيه الشركة و لا يدخل في الشركة فإن كان لم تكن مفاوضة لأن ذلك يمنع المساواة و إن تفاضلا في الأموال التي لا تصح فيها الشركة كالعروض و العقار و الدين جازت المفاوضة و كذا المال الغائب لأن ما لا تنعقد عليه الشركة كان وجوده و العدم بمنزلة و كان التفاضل فيه كالتفاضل في الأزواج و الأولاد .
و منها : المساواة في الربح في المفاوضة فإن شرطا التفاضل في الربح لم تكن مفاوضة لعدم المساواة .
و منها : العموم في المفاوضة و هو أن يكون في جميع التجارات و لا يختص أحدهما بتجارة دون شريكه لما في الاختصاص من إبطال معنى المفاوضة و هو المساواة و على هذا يخرج قول أبي حنيفة و محمد عليهما الرحمة : إنه لا يجوز المفاوضة بين المسلم و بين الذمي لأن الذمي يختص بتجارة لا يجوز ذلك للمسلم و هي التجارة في الخمر و الخنزير فلم يستويا في التجارة فلا يتحقق معنى المفاوضة و عند أبي يوسف : يجوز لاستوائهما في أهلية الوكالة و الكفالة و تجوز مفاوضة الذميين لاستوائهما في التجارة .
و أما مفاوضة المسلم و المرتد ذكر الكرخي : أنها غير جائزة و كذا روى عيسى بن أبان عن أبي حنيفة رحمهم الله لأن تصرفات المرتد متوقفة عنده لوقوف أملاكه فلا يساوي المسلم في التصرف فلا تجوز كما لا تجوز بين المسلم و الذمي .
و ذكر محمد في [ الأصل ] و قال : قياس قول أبي يوسف أنه يجوز يعني قياس قوله في الذمي .
و لأبي يوسف : أنه يفرق بينهما من حيث إن ملك المرتد ناقص لكونه على شرف الزوال ألا ترى أن قاضيا لو قضى ببطلان تصرفه و زوال ملكه ينفذ قضاؤه و إذا كان ناقص الملك و التصرف نزل بمنزلة المكاتب بخلاف الذمي و لو فاوض مسلم مرتدة ذكر الكرخي إنها لا تجوز .
و قال القدوري C : و هو ظاهر على أصل أبي حنيفة و محمد لأن الكفر عندهما يمنع انعقاد المفاوضة بين المسلم و الكافر .
و أما أبو يوسف فالكفر عنده مانع و إنما المانع نقصان الملك و التصرف و هذا لا يوجد في المرأة .
و أما مفاوضة المرتدين أو شركتهما شركة العنان فذلك موقوف عند أبي حنيفة على ما أصله في عقود المرتد إنها موقوفة فإن أسلما جاز عقدهما و إن قتلا على ردتهما أو ماتا أو لحقا بدار الحرب بطل و أما على قولهما : فشركة العنان جائزة لأن عقودهما نافذة و أما مفاوضتهما فقد ذكر القدوري C و قال : ينبغي أن لا يجوز .
أما عند أبي يوسف : فلأن نقصان الملك يمنع المفاوضة كالمكاتب و ملكهما ناقص لما ذكرنا فصارا كالمكاتبين .
و أما عند محمد : فلأن المرتد عنده بمنزلة المريض مرض الموت و كفالة المريض مرض الموت لا تصح إلا من الثلث و المفاوضة تقتضي جواز الكفالة على الإطلاق و إن شارك مسلم مسلما ثم ارتد أحدهما فإن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب بطلت الشركة و إن رجع قبل ذلك فهما على الشركة لأنه إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب زالت أملاكه عند أبي حنيفة من حين ارتد فكأنه مات فبطلت شركته و إن أسلم فقد زال التوقف و جعل كأن الردة لم تكن و لهذا قال أبي حنيفة : إن المرتد منهما إذا أقر ثم قتل لم يلزم إقراره شريكه لأن الملك يحكم بزواله من وقت الردة فقد أقر بعد بطلان الشركة .
و أما على قولهما : فإقراره جائز على شريكه و كذا بيعه و شراؤه لأن الشركة عندهما إنما بطلت بالقتل أو باللحاق فكانت باقية قبل ذلك فنفذ تصرفه و إقراره و يكره للمسلم أن يشارك الذمي لأنه يباشر عقودا لا تجوز في الإسلام فيحصل كسبه من محظور فيكره و لهذا كره توكيل المسلم الذمي و لو شاركه شركة عنان جاز كما لو وكله .
و منها : لفظ المفاوضة في شركة المفاوضة كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا تصح شركة المفاوضة إلا بلفظ المفاوضة و هو قول أبي يوسف و محمد لأن للمفاوضة شرائط لا يجمعها إلا لفظ المفاوضة أو عبارة أخرى تقوم مقامها و العوام فلما يقفون على ذلك و هذه العقود في الأعم الأغلب تجري بينهم فإن كان العاقد ممن يقدر على استيفاء شرائطها بلفظ آخر يصح و إن لم يذكر لفظها لأن العبرة في العقود لمعانيها لا عين الألفاظ لا عين الألفاظ و في كل موضع فقد شرط من الشروط بالمفاوضة كانت الشركة عنانا لأن المفاوضة تضمنت العنان و زيادة فبطلان المفاوضة لا يوجب بطلان العنان و لأن فقد شرط في عقد إنما يوجب بطلانه إذا كان العقد ما يقف صحته عليه و لا يقف صحة العنان على هذه الشرائط ففقدانها لا يوجب بطلانه .
و أما شركة العنان فلا يراعى لها شرائط المفاوضة فلا يشترط فيها أهلية الكفالة حتى تصح ممن لا تصح كفالته من الصبي المأذون و العبد المأذون و المكاتب و لا المساواة بين رأسي المال فيجوز مع تفاضل الشريكين في رأس المال و مع أن يكون لأحدهما مال آخر يجوز عقد الشركة عليه سوى رأس ماله الذي شاركه صاحبه فيه و لا أن يكون في عموم التجارات بل يجوز عاما و هو أن يشتركا في عموم التجارات و خاصا و هو أن يشتركا في شيء خاص كالبز و الخز و الرقيق و الثياب و نحو ذلك لأن اعتبار هذه الشرائط في المفاوضات لدلالة اللفظ عليها و هو معنى المساواة و لم يوجد في العنان و لا لفظة المفاوضة لأن اعتبارها في المفاوضة لدلالتها على شرائط مختصة بالمفاوضة و لم يشترط في العنان فلا حاجة إلى لفظة المفاوضة و لا إلى لفظة العنان أيضا لأن كل أحد يقدر على لفظ يؤدي معناه بخلاف المفاوضة و لا المساواة في الربح فيجوز متفاضلا و متساويا لما قلنا .
و الأصل أن الربح إنما يستحق عندنا إما بالمال و إما بالعمل و إما بالضمان أما ثبوت الاستحقاق بالمال فظاهر لأن الربح نماء رأس المال فيكون لمالكه و لهذا استحق رب المال الربح في المضاربة و أما بالعمل فإن المضارب يستحق الربح بعمله فكذا الشريك .
و أما الضمان فإن المال إذا صار مضمونا على المضارب يستحق جميع الربح و يكون ذلك بمقابلة الضمان خراجا بضمان بقول النبي عليه الصلاة السلام : [ الخراج بالضمان ] فإذا كان ضمانه عليه كان خراجه له .
و الدليل عليه أن صانعا تقبل عملا بأجر ثم لم يعمل بنفسه و لكن قبله لغيره بأقل من ذلك طاب له الفضل و لا سبب لاستحقاق الفضل إلا الضمان فثبت أن كل واحد منهما سبب صالح لاستحقاق الربح يجز و لا يستحق شيئا من الربح لأنه لا مال و لا عمل و لا ضمان .
إذا عرف هذا فنقول : إذا شرطا الربح على قدر المالين متساويا أو متفاضلا فلا شك أنه يجوز و يكون الربح بينهما على الشرط سواء شرطا العمل عليهما أو على أحدهما و الوضيعة على قدر المالين متساويا و متفاضلا لأن الوضيعة اسم لجزء هالك من المال فيتقدر بقدر المال .
و إن كان المالان متساويين فشرطا لأحدهما فضلا على ربح ينظر إن شرطا العمل عليهما جميعا جاز و الربح بينهما على الشرط في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر : لا يجوز أن يشترط لأحدهما أكثر من ربح ماله و به أخذ الشافعي C و لا خلاف في شركة الملك أن الزيادة فيها تكون على قدر المال حتى لو شرط الشريكان في ملك ماشية لأحدهما فضلا من أولادها و ألبانها لم تجز بالإجماع و الكلام بيننا و بين زفر بناء على أصل و هو أن الربح عنده لا يستحق إلا بالمال لأنه نماء الملك فيكون على قدر المال كالأولاد و الألبان .
و أما عندنا فالربح تارة يستحق بالمال و تارة بالعمل و تارة بالضمان على ما بينا و سواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما يكون على الشرط لأن استحقاق الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل لا بوجود العمل بدليل أن المضارب إذا استعان برب المال استحق الربح و إن لم يوجد منه العمل لوجود شرط العمل عليه و الوضيعة على قدر المالين لما قلنا .
و إن شرطا العمل على أحدهما فإن شرطاه على الذي شرطا له فضل الربح جاز و الربح بينهما على الشرط فيستحق ربح رأس ماله بماله و الفضل بعمله و إن شرطاه على أقلهما ربحا لم يجز لأن الذي شرطا له الزيادة ليس له في الزيادة مال و لا عمل و لا ضمان و قد بينا أن الربح لا يستحق إلا بأحد هذه الأشياء الثلاثة .
و إن كل المالان متفاضلين و شرطا التساوي في الربح فهو على هذا الخلاف أن ذلك جائز عند أصحابنا الثلاثة إذا شرطا العمل عليهما و كان زيادة الربح لأحدهما على قدر رأس ماله بعمله و إنه جائز و على قول زفر لا يجوز و لا بد أن يكون قدر الربح على قدر رأس المالين عنده .
و إن شرطا العمل على أحدهما فإن شرطاه على الذي رأس ماله أقل جاز و يستحق قدر ربح ماله بماله و الفضل بعمله و إن شرطاه على صاحب الأكثر لم يجز لأن زيادة الربح في حق صاحب الأقل لا يقابلها مال و لا عمل و لا ضمان و أما العلم بمقدار رأس المال وقت العقد فليس بشرط لجواز الشركة بالأموال عندنا و عند الشافعي C شرط .
وجه قوله : إن جهالة قدر رأس المال تؤدي إلى جهالة الربح و العلم بمقدار الربح شرط جواز هذا العقد فكان العلم بمقدار رأس المال شرطا .
و لنا : أن الجهالة لا تمنع جواز العقد لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة و جهالة رأس المال وقت العقد لا تفضي إلى المنازعة لأنه يعلم مقداره ظاهرا و غالبا لأن الدراهم و الدنانير توزنان وقت الشراء فيعلم مقدارها فلا يؤدي إلى جهالة مقدار الربح وقت القسمة .
و أما الشركة بالأعمال فأما المفاوضة منها فمن شرائطها أهلية الكفالة و منها التساوي في الأجر .
و منها مراعاة لفظ المفاوضة لما ذكرنا في الشركة بالأموال أما العنان منها فلا يشترط لها شيء من ذلك و إنما تشترط أهلية التوكيل فقط .
كذا روى أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه قال : ما تجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة و ما لا تجوز فيه الوكالة لا تجوز فيه الشركة و على هذا تخرج الشركة بالأعمال في المباحات من الصيد و الحطب و الحشيش في البراري و ما يكون في الجبال من الثمار و ما يكون في الأرض من المعادن و ما أشبه ذلك بأن اشتركا على أن يصيدا أو يحتطبا أو يحتشا أو يستقيا الماء و يبيعانه على أن ما أصاب من ذلك فهو بينهما أن الشركة فاسدة لأن الوكالة لا تنعقد على هذا الوجه .
ألا ترى أنه لو وكل رجلا ليعمل له شيئا من ذلك لا تصح الوكالة كذا الشركة فإن تشاركا فأخذ كل واحد منهما شيئا من ذلك منفردا كان المأخوذ ملكا له لأن سبب ثبوت الملك في المباحات الآخذ و الاستيلاء و كل واحد منهما انفرد بالأخذ و الاستيلاء فينفرد بالملك و إن أخذاه جميعا معا كان المأخوذ بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق فإن أخذ كل واحد منهما على الانفراد ثم خلطاه و باعاه فإن كان مما يكال أو يوزن يقسم الثمن بينهما على قدر الكيل و الوزن و إن كان مما لا يكال و لا يوزن قسم الثمن بينهما بالقيمة يضرب كل واحد منهما بقيمة الذي له لأن المكيل و الموزون من الأشياء المتمائلة فتمكن قسمة الثمن بينهما على قدر الكيل و الوزن فأما غير المكيل و الموزون من الأشياء المتفاوتة فلا يمكن قسمة الثمن على عينها فيقسم على قيمتها و إن لم يعلم الكيل و الوزن و القيمة يصدق كل واحد منهما فيما يدعيه إلى النصف من ذلك مع اليمين على دعوى صاحبه لأن الشيء في أيديهما و اليد دليل الملك من حيث الظاهر و التساوي في دليل الملك يوجب التساوي في الملك فإن ادعى أكثر من النصف لا يقبل قوله إلا ببينة فإن عمل أحدهما و أعانه الآخر في عمله بالجمع و الربط فذلك كله للعامل و لا شيء للمعين لوجود السبب من العامل دون المعين و للمعين أجر مثله لا يجاوز به قدر المسمى له من النصف و الثلث و نحو ذلك في قول أبي يوسف و قال محمد : له أجر مثله بالغا ما بلغ .
أما وجوب أجر المثل للمعين فلأنه استوفى منفعته بعقد فاسد و إنه يوجب أجر المثل .
ثم قال أبو يوسف : لا يجاوز به قيمة ما سمى و قاسه على سائر الإجارات الفاسدة لأنه لا يزاد على المسمى هناك كذا هذا هنا .
و الجامع بينهما : أنه رضي بأنه لا يكون له زيادة على المسمى فلا يستحق و صار كمن قال لرجل بع هذا الثوب على أن لك نصف ثمنه فباعه كان له أجر المثل لا يجاوز به نصف الثمن كذا هذا .
و فرق محمد بين هذا و بين سائر الإجارات الفاسدة بأن المسمى هناك قدر معلوم من الأجرة فكان الرضا به إسقاطا لما زاد عليه و المسمى هنا ليس بمعلوم بل هو معدوم لأنه ما سمي إلا نصف الحطب أو ثلثه و الرضا بغير المعلوم لا يتحقق فلم تكن هذه التسمية مسقطة الزيادة على المسمى من أجر مثله و على هذا الاختلاف المضاربة الفاسدة إذا ربح المضارب فيها أن له أجر مثله لا يتجاوز به المسمى من الربح في قول أبي يوسف و إن لم يكن له ربح فلا شيء له و عند محمد : له أجر مثله بالغا ما بلغ ربح أو لم يربح و ستأتي المسألة في كتاب المضاربة .
و لو أن رجلا أجلس في دكانه رجلا يطرح عليه العمل بالنصف فالقياس أن لا تجوز هذه الشركة لأنها شركة العروض لأن من أحدهما العمل و من الآخر الحانوت و الحانوت من العروض و شركة العروض غير جائزة و في الاستحسان جائزة لأن هذه شركة الأعمال لأنها شركة التقبل و تقبل العمل من صاحب الحانوت عمل و شركة الأعمال جائزة بلا خلاف بين أصحابنا لأن مبناها على الوكالة و الوكالة على هذا الوجه جائزة بأن يوكل خياط أو قصار وكيلا يتقبل له عمل الخياطة و القصارة و كذا يجوز لكل صانع يعمل بأجر أن يوكل وكيلا يتقبل العمل فإن كان لهما كلب فأرسلاه جميعا كان ما أصاب بينهما لاستوائهما في سبب الاستحقاق .
و لو كان الكلب لأحدهما و كان في يده فأرسلاه جميعا فما أصاب الكلب فهو لصاحبه خاصة لأن أرسال الأجنبي لا عبرة به مع إرسال المالك فكان ملحقا بالعدم كأن المالك أرسله وحده .
و إن كان لكل واحد منهما كلب فأرسل كل واحد منهما كلبه فأصابا صيدا واحدا كان بينهما نصفين لأنهما تساويا في سبب الاستحقاق و إن أصاب كلب كل واحد منهما صيدا على حدة كان له خاصة لأنه ملكه بفعله فاختص به و على هذا يخرج ما إذا اشترك رجلان و لأحدهما بغل و للآخر بعير على أن يؤاجرا ذلك فما رزق الله تعالى من شيء فهو بينهما فآجراهما بأجر معلوم في عمل معلوم و حمل معلوم أن هذه الشركة فاسدة و يقسم الأجر بينهما على مثل أجر البغل و مثل أجر البعير .
أما فساد الشركة فلأن الوكالة على هذا الوجه لا تصح ألا ترى أن من قال لآخر أجر بعيرك على أن تكون الأجرة بيننا لا تصح الوكالة كذا الشركة و لأن الشركة لا تصح في أعيان الحيوان فكذا في منافعها .
و أما قسمة الأجر بينهما على مثل أجر البغل و مثل أجر البعير فلأن الشركة إذا فسدت فالإجارة صحيحة لأنها وقعت على منافع معلومة ببدل معلوم و من حكم الأجرة أن تقسم على قيمة المنافع كما يقسم الثمن على قيمة المبيعين المختلفين و إن لم يؤاجرا البغل و البعير و لكنهما تقبلا حمولة معلومة ببدل معلوم فحملا الحمولة على ذلك فالأجر بينهما نصفين لأن شركة العمل لأن الحمل صار مضمونا عليها بالعقد بمنزلة عمل الخياطة و القصارة فكان البدل بينهما على قدر الضمان و قد تساويا في الضمان فيتساويا في الأجرة و لا عبرة بزيادة حمل البعير على البغل كما لا عبرة بكثرة عمل أحد الشريكين في شركة الصنائع لأن البدل يقابل الضمان و البغل و البعير هنا آلة إيفاء العمل و لو آجر البعير بعينه كانت أجرته لصاحبه لا لصاحب البغل و كذا إذا آجر البغل بعينه كانت الأجرة لصاحب البغل لا لصاحب البعير لأن العقد وقع على منافع البعير و البغل بإذن مالكهما فكانت الإجرة له فإن كان الآجر أعانه على الحمولة و النقلان كان للذي أعانه أجر مثله لأنه استوفى منفعة شريكه بعقد فاسد .
ثم عند أبي يوسف : لا يجاوز به نصف الأجر الذي آجر به في قول أبي يوسف و قال محمد : له أجر مثله بالغا ما بلغ على ما ذكرنا في شركة الاحتطاب .
قصاران لأحدهما أداة القصارة و للآخر بيت اشتركا على أن يعملا بأداءة هذا في بيت هذا على أن الكسب بينهما نصفان كان ذلك جائزا و كذلك الصاغة و الخياطون و الصباغون لأن الأجر هنا بدل عن العمل لا عن الآلة و قد صار العمل مضمونا عليهما فكان بدله لهما و كان أحدهما معينا للآخر بنصف الآلة و الآخر معينا له بنصف الدكان و هو نظير المسألة المتقدمة و هي أن يتقبلا حمولة و يحملاها على دابتهما .
و لو اشتركا و لأحدهما دابة و للآخر إكاف وجوالقان على أن يؤاجرا الدابة على أن أجرهما بينهما نصفين كانت الشركة فاسدة و أجر الدابة لصاحبها و للآخر معه أجر مثله في قولهم جميعا أما فساد الشركة فلما ذكرنا أن الوكالة على هذا الوجه لا تصح كذا الشركة و أما الأجر فلأنه بدل منافع الدابة فكانت لصاحبها و قد استوفى منافع آلة الآخر بعقد فاسد فكان عليه أجر مثلها .
و لو دفع دابة إلى رجل ليؤاجرها على أن الأجر بينهما كان فاسدا و الأجر لصاحب الدابة و للآجر أجر مثله .
و كذلك السفينة و البيت لأن الوكالة على هذا الوجه لا تصح فلا تصح الشركة و الأجر لصاحب الدابة لأن العاقد عقد على ملك غيره بأمره و للرجل أجر مثله لأن صاحب الدابة استوفى منافعها بعقد فاسد و لو كان دفع إليه الدابة ليبيع عليها الطعام على أن الربح بينهما نصفان كان فاسدا و الربح لصاحب المتاع و لصاحب الدابة أجر مثلها .
و كذا البيت لأن الكسب حصل بعمله و قد استوفى منفعة الدابة بعقد فاسد فكان عليه أجرها و لا يشترط لصحة هذه الشركة اتفاق العمل و يجوز إن اتفقت أعمالها أو اختلفت كالخياط مع القصار و نحو ذلك و هذا قول أصحابنا .
و قال زفر : لا تجوز هذه الشركة إلا عند اتفاق الصنعة كالقصارين و الخياطين بناء على أن الشركة تجوز بالمالين المختلفين عندنا كذا بالعملين المختلفين و عنده لا تجوز بالمالين المختلفين فكذا بالعملين المختلفين و الصحيح قولنا لأن استحقاق الأجر في هذه الشركة بضمان العمل و العمل مضمون عليهما اتفق العملان أو اختلفا و الله D أعلم .
و أما الشركة بالوجوه فشرط المفاوضة منها أن يكونا من أهل الكفالة و منها أن يكون الثمن بمشترك على كل واحد منهما نصفه و أن يكون المشتري بينهما نصفين و أن يكون الربح بينهما نصفين و منها أن يتلفظا بلفظ المفاوضة لما فصلنا فيما تقدم بتمامه .
و أما شركة العنان منها فلا يشترط لها أهلية الكفالة و لا المساواة بينهما في ملك المشتري حتى لو اشتركا بوجوههما على أن يكون ما اشتريا أو أحدهما بينهما نصفين أو أثلاثا أو أرباعا و كيف ما شرطا على التساوي و التفاضل كان جائزا و ضمان ثمن المشتري بينهما على قدر ملكيهما في المشتري و الربح بينهما على قدر الضمان فإن شرطا لأحدهما فضل ربح على حصته من الضمان فالشرط باطل و يكون الربح بينهما على قدر ضمانهما ثمن المشتري لأن الربح في هذه الشركة إنما يستحق بالضمان فيتقدر بقدر الضمان فإذا شرط لأحدهما أكثر من حصته من الضمان و نصيبه من الملك فهو شرط ملك من غير ربح و لا ضمان فلا يجوز .
فإن قيل : الربح كما يستحق بالملك و الضمان يستحق بالعمل فجاز أن يستحق زيادة الربح بزيادة العمل كالمضارب و الشريك شركة العنان فالجواب أن هذا مسلم إذا كان العمل في مال معلوم كما في المضاربة و شركة العنان و لم يوجد هنا فلا يستحق كمن قال لآخر ادفع إليك ألفا مضاربة على أن تعمل فيها بالنصف و لم يعين الألف أنه لا يجوز المضاربة لأنه لم يشترط العمل في مال معين