- إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة فإن طيب عضوا كاملا فما زاد فعليه دم وإن طيب أقل من عضو فعليه صدقة .
وإن لبس ثوبا مخيطا أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة وإن حلق ربع رأسه فصاعدا فعليه دم وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة .
وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ومحمد : عليه صدقة وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دم .
وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم وإن قص أقل من خمسة أظافير متفرقة من يديه و رجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : عليه دم .
وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذر فهو مخير : إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من طعام وإن شاء صام ثلاثة أيام .
وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاة ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد حجه وعليه القضاء وليس عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه وعليه بدنة فإن جامع بعد الحلق فعليه شاة ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط أفسدها ومضى فغيها وقضاها وعليه شاة وإن وطئ بعدما طاف أربعة أشواط فعليه شاة ولا تفسد عمرته ولا يلزمه قضاؤها ومن جامع ناسيا كمن جامع عامدا .
ومن طاف طواف القدوم محدثا فعليه صدقة وإن طاف جنبا فعليه شاة ومن طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة وإن طاف جنبا فعليه بدنة والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة وإن طاف جنبا فعليه شاة .
ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها فعليه شاة وإن ترك أربعة أشواط بقي محرما أبدا حتى يطوفها ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه صدقة وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة .
ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه شاة وحجه تام .
ومن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه دم .
ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم .
ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فهليه دم وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه صدقة وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم .
ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة وكذلك لو أخر طواف الزيارة عند أبي حنيفة C .
وإذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ( 1 ) يستوي في ذلك العامد والناسي والمبتدئ والعائد والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله فيه أو في أقرب المواضع منه إن كان في برية يقومه ذوا عدل ثم هو مخيير في القيمة إن شاء ابتاع بها هديا فذبح إن بلغت هديا وإن شاء اشترى بها طعاما فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر يوما وعن كل صاع من شعير يوما فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير : إن شاء تصدق به وإن شاء صام عنه يوما كاملا . وقال محمد . يجب في الصيد النظير فيما له نظير ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق وفي النعامة بدنة وفي اليربوع جفرة ومن جرح صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه وإن نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع فعليه قيمته كاملة ومن كسر بيض صيد فعليه قيمته فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا وليس في قتل الغراب والحدأة والذئب والحية والقرب والفأرة جزاء ( 2 ) .
وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد شيء .
ومن قتل قملة تصدق بما شاء ومن قتل جرادة تصدق بما شاء وتمرة خير من جرادة .
ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع ونحوها فعليه الجزاء ولا يتجاوز بقيمتها شاة .
وإن صال السبع على محرم فقتله فلا شيء عليه .
وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقرة والبعير والدجاج والبط الكسكري وإن قتل حماما مسرولا أو ظبيا مستأنسا فعليه الجزاء .
وإن ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال أو ذبحه إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال فعليه الجزاء وإن قطع حشيش الحرم أو شجرة الذي ليس بمملوك ولا هو مما ينبته الناس فعليه قيمته وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان : دم لحجته ودم لعمرته إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرام ثم يحرم بالعمرة والحج فيلزمه دم واحد وإذا اشترك المحرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملا وإذا اشترك الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد .
وإذا باع المحرم صيدا أو ابتاعه فالبيع باطل .
_________ .
( 1 ) قتل الصيد البري محرم على المحرم وإن لم يأكله كما يحرم عليه أكله وإن لم يصده قالوا ولو اضطر محرم إلى أكل الميتة أو الصيد يتناول الصيد على قول الشيخين ويؤدى الجزاء لأن حرمة الميتة أغلظ فإن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الأمر فهي مؤقتة وقال زفر يأكل الميتة لا الصيد لتعدد وجهات حرمته عليه ولو كان الصيد مذبوحا فهو أولى بالإجماع . أما صيد البحر فهو حلال لقوله سبحانه { أحل لكم صيد البحر وطعامه متعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } قال في الهداية وصيد البر ما يكون قواعده ومثواه في البر وصيد البحر ما يكون قواعده و مثواه في الماء والتحقيق أن المعول عليه التوالد . فلا يأثم الجزاء بقتل كلب الماء والضفدع المائي . والدليل على وجوب الجزاء على من دل على الصيد عند الحنفية حديث أبي قتادة الدال على حرمة الصيد والدلالة عليه . وهو معترض ولهذا قال الشافعي لا جزاء في الدلالة ويؤيد مذهب الحنفية ما روى عن عطاء أنه قال : أجمع الناس على أنه ليس على الدال جزاء ونقله ابن قدامه في المعنى عن علي وابن عباس قال الطحاوي وهو المروي عن عدة من الصحابة والتابعين ولم يرو عن غيرهم خلافه فكان إجماعا .
( 2 ) في الصحيحين قال A : " خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم . الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : أمر رسول الله A المحرم بقتل الذئب والفأرة والحدأة والغراب وهناك روايات مختلفة تؤيد ذلك فراجعها إن شئت في الفتح .
_________ .
[ ش ( باب الجنايات ) .
لما فرغ من بيان أحكام المحرمين شرع في بيان حكم ما يعتريهم من العوارض من الجنايات والإحصار والفوات وقدم الجنايات لما أن الآداء القاصر خير من العدم . والجنايات : جمع جناية والمراد بها هنا ارتكاب محظور في الإحرام .
( إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة ) لما أطلق في الطيب أجمل في الكفارة ثم شرع في بيان ما أجمله بقوله : ( فإن طيب عضوا كاملا ) كالرأس واليد والرجل ( فما زاد ) مع اتحاد المجلس ( فعليه دم ) لأن الجنايات تتكامل بتكامل الارتفاق وذلك في العضو الكامل فيترتب عليه كمال الموجب ( وإن طيب أقل من عضو ) كربعه ونحوه ( فعليه صدقة ) في ظاهر الرواية لقصور الجناية وقال محمد : يجب تقديره من الدم اعتبارا للجزء بالكل . قال الإسبيجاني : الصحيح جواب ظاهر الرواية تصحيح .
( وإن لبس ثوبا مخيطا ) اللبس المعتاد حتى لو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو اتزر بالسراويل فلا بأس به لأنه لم يلبسه لبس المخيط وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين خلافا لزفر لأنه لم يلبسه لبس القباء ولهذا يتكلف في حفظه . هداية . ( أو غطى رأسه ) بمعتادة بخلاف نحو إجانة وعدل بر ( يوما كاملا ) أو ليلة كاملة ( فعليه دم وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة ) لما تقدم .
( وإن حلق ) أي : أزال ( ربع ) شعر ( رأسه ) أو ربع لحيته ( فصاعدا فعليه دم وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة ) لأن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل لأنه معتاد فتكامل به الجناية ويتقاصر فيما دونه كذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب وكذا لو حلق إبطيه أو أحدهما أو عانته أو رقبته كلها هداية ( وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة ) قال في التصحيح واعتمد قوله المحبوبي والنسفي ( وقال أبو يوسف ومحمد : عليه صدقة ) لأنه غير مقصود في ذاته ( وإن قص أظافير يديه ورجليه ) في مجلس واحد ( فعليه دم ) واحد لأنه إزالة الأذى من نوع واحد وقيدنا بالمجلس الواحد لأنه إذا تعدد المجلس تعدد الدم ( وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم ) لأن الربع حكم الكل ( وإن قص أقل من خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه ) لكل ظفر ( صدقة عندهما ) : أي أبي حنيفة وأبي يوسف قال في التصحيح : واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي ( وقال محمد : عليه دم ) اعتبارا بما لو قصها من كف واحد وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة . هداية .
( وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذر فهو مخير : إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع ) بوزن أفلس - جمع صاع في القلة وفي الكثرة على صيعان ونقل المطرزي عن الفارسي أنه يجمع أيضا على آصع بالقلب كما قبل أدوار وآدر بالقلب وهذا الذي نقله جعله أبو حاتم من خطأ العوام . مصباح . ( من طعام ) على كل مسكين بنصف صاع ) وإن شاء صام ثلاثة أيام ) لقوله تعالى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( 1 ) } . وكلمة " أو " للتخيير وقد فسرها رسول الله A بما ذكرنا والآية نزلت في المعذور ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء لأنه عبادة في كل مكان وكذا الصدقة لما بينا وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان وهذا لم يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان . هداية .
( وإن قبل أو لمس بشهوة ) أنزل أو لم ينزل هداية ( فعليه دم ) وكذا أطلق في المبسوط والكافي والبدائع وشرح المجمع تبعا للأصل ورجحه في البحر بأن الدواعي محرمة لأجل الإحرام مطلقا فيجب الدم مطلقا واشترط في الجامع الصغير الإنزال وصححه قاضيخان في شرحه ( ومن جامع في أحد السبيلين ) من آدمي ( قبل الوقوف بعرفة فسد حجه و ) وجب ( عليه شاة ) أو سبع بدنة ( ويمضي ) وجوبا ( في ) فاسد ( الحج كما يمضي من لم يفسد الحج و ) وجب ( عليه القضاء ) فورا ولو حجه نفلا لوجوبه بالشروع ولم يقع موقعه فبقي الوجوب بحاله ( وليس ) بواجب ( عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء ) وندب له ذلك إن خاف الوقاع ( ومن جامع بعد الوقوف بعرفة ) قبل الحلق ( لم يفسد حجه و ) وجب ( عليه بدنة ) لأنه أعلى أنواع الجناية فغلظ موجبها وإن جامع ثانيا فعليه شاة لأنه وقع في إحرام مهتوك . نهاية ( وإن ) كان ( جامع بعد ) الوقوف و ( الحلق فعليه شاة ) لبقاء إحرامه في حق النساء فقط فخفت الجناية فاكتفى بالشاة ( ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف ) لها أربعة أشواط أفسدها ) لأن الطواف في العمرة بمنزلة الوقوف في الحج ومضى فيها كما يمضي في صحيحها ( وقضاها ) فورا ( و ) وجب ( عليه شاة ) لأنها سنة فكانت أحط رتبة من الحج فاكتفى بالشاة ( وإن وطئ بعد ما طاف ) لها ( أربعة أشواط فعليه شاة ولا تفسد عمرته ولا يلزمه قضاؤها ) لكن بشرط كونه قبل الحلق وتركه المعلم به لأنه بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية بخلاف إحرام الحج كما مر ( ومن جامع ناسيا ) أو جاهلا أو نائما أو مكرها ( كمن جامع عامدا ) لاستواء الكل في الارتفاق . نهر .
( ومن طاف طواف القدوم محدثا فعليه صدقة ) وكذا في كل طواف تطوع جبرا لما دخله من النقص بترك الطهارة وهو وإن وجب بالشروع اكتفي فيه بالصدقة إظهارا لدون رتبته عما وجب بايجاب الله تعالى ( 2 ) .
( وإن ) كان ( طاف جنبا فعليه شاة ) لغلظ الجناية ( ومن طاف طواف الزيارة ) أو أكثره ( محدثا فعليه شاة ) لأنه أدخل النقص في الركن فكان أفحش من الأول فيجبر بالدم ( وإن ) كان ( طافه ) أو أكثره ( جنبا فعليه بدنة ) لغلظ الجناية فتجبر بالبدنة إظهارا للتفاوت بين الركن وغيره ( والأفضل أن يعيد الطواف ) طاهرا ليكون آتيا به على وجه الكمال ( ما دام بمكة ) لإمكانه من غير عسر قال في الهداية : وفي بعض النسخ " وعليه أن يعيد " والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث . اه . ( ولا ذبح عليه ) إن أعاده للحدث ولو بعد أيام النحر وكذا للجنابة إن كان في أيام النحر وإن بعده لزمه بالتأخير ( ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة ) لأنه دون طواف الزيارة وإن كان واجبا فلابد من إظهار التفاوت وعن أبي حنيفة أنه يجب شاة إلا أن الأول أصح . هداية ( وإن ) كان ( طاف جنبا فعليه شاة ) لأنه نقص كثير ثم هو دون طواف الزيادة فيكتفي بالشاة . هداية وفي التصحيح : قال الإسبيجاني : وهذا في رواية أبي سليمان وفي رواية أبي حفص أوجب الدم فيهما والأصح الأول .
( ومن ترك طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها ) ولم يطف بعده غيره ( فعليه شاة ) لأن النقصان بترك الأقل يسير فأشبه النقصان بسبب الحدث فإن طاف بعده انتقل إلى الفرض ما يكمله فإن كان ما بعده للصدر وكان الباقي - بعد إكمال الفرض - هو أكثره فعليه صدقة وإلا فدم ( وإن ترك أربعة أشواط بقي محرما أبدا ) في حق النساء ( حتى يطوفها ) فكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس إلا أن يقصد الرفض . فتح : أي فلا يلزمه بالثاني شيء وإن تعدد المجلس مع أن نية الرفض باطلة لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد - وهو تعجيل الإحلال - كانت متحدة فكفاه دم واحد . بحر . ( ومن ترك ثلاثة أشواط ) فما دونها ( من طواف الصدر فعليه ) لكل شوط ( صدقة ) إلا أن تبلغ الدم كما تقدم ( وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة ) لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته . هداية .
( ومن ترك السعي بين الصفا والمروة ) أو أكثره أو ركب فيه بلا عذر أو ابتدأه من المروة ( فعليه شاة وحجه تام ) لأنها واجبات فيلزم بتركها الدم دون الفساد .
( ومن أفاض من عرفة قبل الإمام ) والغرب ( فعليه دم ) ويسقط بالعودة قبل الغروب لا بعده في ظاهر الرواية وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط . وصححها القدوري . نهر عن الدراية ومثله في البحر . در لكن في البدائع ما نصه : ولو عاد إلى عرفة قبل غروب الشمس وقبل أن يدفع الإمام ثم دفع منها بعد الغروب مع الإمام سقط عنه الدم لأنه استدراك المتروك وإن عاد قبل الغروب بعد ما خرج الإمام من عرفة ذكر الكرخي أنه يسقط عنه الدم أيضا لأنه وهكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط عنه الدم أيضا استدرك المتروك إذ المتروك هو الدفع بعد الغروب وقد استدركه والقدوري اعتمد هذه الرواية وقال : هي الصحيحة والمذكور في الأصل مضطرب ولو عاد إلى عرفة بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بلا خلاف لأنه لما غربت الشمس قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب ولا يحتمل السقوط بالعود . انتهى . وقيدنا قوله " قبل الإمام " بقولنا " والغروب " لأنه المراد حتى لو أفاض بعد الغروب قبل الإمام لا يجب عليه شيء وعبر به لأنه يستلزمه .
( ومن ترك الوقوف بالمزدلفة ) من غير عذر ( فعليه دم ) لأنه من الواجبات .
( ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم ) واحد لأن الجنس متحد والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي وهو اليوم الرابع وما دامت باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على الترتيب ثم بالتأخير يجب الدم عند الإمام خلافا لهما ( وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم ) لأنه نسك تام ( وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث ) في غير اليوم الأول ( فعليه ) لكل حصاة ( صدقة ) لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد والمتروك الأقل حتى لو كان الأكثر وجب الدم ) ( وإن ترك رمي جمرة العقبة ) الذي هو ( في يوم النحر ) أو أكثره ( فعليه دم ) لأنه نسك تام إذ هو وظيفة ذلك اليوم .
( ومن أخر الحلق ) عن وقته ( حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة وكذلك إن أخر طواف الزيارة عنده عنها ) وقالا : لا شيء عليه وكذلك الخلاف في تأخير الرمي وفي تقديم نسك على نسك : كالحلق قبل الرمي ونحر القارن قبل الرمي والحلق قبل الذبح هداية وفي التصحيح : قال الإسبيجاني الصحيح قول أبي حنيفة ومشى عليه برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي .
( وإذا قتل المحرم صيدا ) : أي حيوانا بريا متوحشا بأصل خلقته مباحا أو مملوكا ( أو دل عليه من قتله ) وهو غير عالم به ( فعليه الجزاء ويستوي في ذلك العامد والمخطئ ( والناسي ) لا حرامه ( والمبتدئ ) بقتل الصيد ( والعائد ) إليه : أي تكرر منه لأنه ضمان إتلاف فأشبه غرامات الأموال ( والجزاء ) الواجب ( عند أبي حنيفة ) وأبي يوسف : أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله المحرم فيه ) إن كان في مكان يقوم فيه ( أو في أقرب المواضع منه إن كان في برية ) لاختلاف القيم باختلاف الأماكن ( يقومه ذوا عدل ) لهما بصارة في تقويم الصيد وفي الهداية : قالوا : والواحد يكفي والاثنان أولى لأنه أحوط وأبعد من الغلط كما في حقوق العباد وقيل : يعتبر المثنى ههنا بالنص ( 3 ) . اه .
( ثم هو ) : أي المحكوم عليه بالقيمة ( مخير في تلك ) القيمة ( إن شاع ابتاع ) أي اشترى ( بها هديا فذبح بمكة ( إن بلغت ) القيمة ( هديا ) يجزئ في الأضحية من إبل أو بقر أو غنم لأنه المعهود في إطلاقه ( وإن شاء اشترى بها طعاما فتصدق به ) أين شاء على كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيقه أو صاعا من تمر أو شعير ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع لأن الطعام المذكور ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع هداية وتكفي الإباحة كدفع القيمة . در ( وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر يوما ) وعن كل صاع من تمر أو شعير يوما لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في باب الفدية . هداية .
( فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع ) من بر أو أقل من صاع من تمر أو شعير ( فهو مخير : إن شاء تصدق به و إن شاء صام عنه يوما كاملا ) لأن صوم أقل من يوم غير مشروع وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا . هداية . ( وقال محمد : يجب في الصيد النظير ) سواء كانت قيمته أقل أو أكثر وهذا ( فيما له نظير ) وأما ما ليس له نظير كالعصفور والحمامة ففيه القيمة إجماعا . جوهرة ( ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة ) أيضا ( وفي الأرنب عناق ) بالفتح - وهي الأنثى من ولد المعز لم يبلغ الحول ( وفي النعامة بدنة وفي اليربوع ( 4 ) جفرة ) .
وفي التصحيح : قال الإسبيجاني : الصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو القول الصحيح المعول عليه عند النسفي وهو أصح الأقاويل عند المحبوبي . اه . ( وعن جرح صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ) ولم يخرج به من حيز الامتناع ( ضمن ما نقص منه ) اعتقادا للبعض بالكل كما في حقوق العباد ( وإن نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج ) بذلك ( من حيز الامتناع فعليه قيمة كاملة ) لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه ( ومن كسر بيض صيد ) غير مذر ( 5 ) أو شواه ( فعليه قيمته ) لأنه أصل الصيد وله عرضية أن يصير صيدا فنزل منزلة الصيد احتياطا ( فإن خرج من البيض ) الذي كسر ( فرخ ميت ) ولم يعلم أن موته كان قبل كسره ( فعليه قيمته حيا ) لأنه معد ليخرج منه الفرخ الحي والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال عليه احتياطا وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت عليه قيمتها . هداية .
وليس على المحرم ( في قتل الغراب ) الأبقع الذي يأكل الجيف بخلاف غراب الزرع الذي يأكل الحب والعقعق الذي يجمع بينهما لأنهما لا يبتدئان بالأذى ( والحدأة ) الطائر المعروف وجمعها حدأة كعنبة وعنب . صحاح ( والذئب والحية والعقرب والفأرة ) والكلب العقور ( جزاء ) قال في الهداية : وعن أبي حنيفة : أن الكلب العقور وغير العقور والمستأنس والمتوحش منهما سواء لأن المعتبر في ذلك الجنس وكذا الفأرة الأهلية والوحشية . اه .
( وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد ) والفراش و الذباب والوزغ والزنبور والخنافس والسلحفاة والقنفذ والصرصر وجميع هوام الأرض ( شيء ) من الجزاء لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن .
( ومن قتل قملة ) أو اثنتين أو ثلاثا من ثوبه أو بدأته أو ألقاها ( تصدق بما شاء ) ككف طعام لأنها متولدة من التفث الذي على البدن وقيدنا بكونها من بدنه أو ثوبه لأنه لو وجدها على الأرض فقتلها لم يكن عليه شيء ( ومن قتل جرادة تصدق بما شاء ) لأن الجراد من صيد البر قال في البحر : ولم أر من فرق بين القليل والكثير وينبغي أن يكون كالقمل . اه ( وتمرة خير من جرادة ( كذا روى عن سيدنا عمر Bه ) .
( ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد ) البري ( كالسباع ) من البهائم ( ونحوها من سباع الطير ( فعليه الجزاء ولا يتجاوز بقيمتها شاة ) لأن قتله إنما كان حراما موجبا للجزاء باعتبار إراقة الدم لا باعتبار إفساد اللحم لأنه غير مأكول وبإراقة الدم لا يجب إلا دم واحد أما في مأكول اللحم ففيه فساد اللحم أيضا فتجب قيمته بالغة ما بلغت . قاضيخان في شرح الجامع .
( وإن صال السبع على محرم ) ولا يمكنه دفعه إلا بقتله ( فقتله فلا شيء عليه ) لأنه ممنوع عن التعرض لا عن دفع الأذى ولهذا كان مأذونا في دفع متوهم الأذى كما في الفواسق فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق أولى ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء . هداية .
( وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء ) لأن الأذى مقيد بالكفارة بالنص . هداية ( ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقر والبعير والدجاج والبط ) بفتح الباء ( الكسكري ) بفتح الكافين - نسبة إلى كسكر قال في المغرب ناحية من نواحي بغداد وإليها ينسب البط الكسكري وهو مما يستأنس به في المنازل وطيرانه كالدجاج . اه لأن هذه الأشياء ليست بصيود لعدم التوحش ( وإن قتل حماما مسرولا ) بفتح الواو - في رجليه ريش كأنه سراويل ألوف مستأنس بطئ النهوض للطيران ( أو ظبيا مستأنسا فعليه الجزاء ) لأنها صيود في الأصل متوحشة بأصل الخلقة فلا يبطل بالاستئناس العارض كالبعير إذا ند ( 6 ) فإنه لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم .
( وإن ذبح المحرم صيدا ) مطلقا أو الحلال صيد الحرم ( فذبيحته ميتة لا يحل أكلها ) لأحد من محرم أو حلال ( ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال ) من حل ( أو ذبحه إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده ) سواء اصطاده لنفسه أو للمحرم حيث لم يكن له فيه صنع .
( وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال جزاء ) بقدر قيمته يتصدق به على الفقراء ولا يجزئه هنا الصوم لأنها غرامة وليست بكفارة فأشبه ضمان الأموال . هداية .
( وإن قطع حشيش الحرم ) محرم أو حلال ( أو شجرة ) الرطب ( الذي ليس بمملوك ) قيد فيهما وكذا قوله ( ولا هو مما ينبته الناس ) كالشيح ونحوه فعليه قيمته ) كما تقدم قبله وقيدنا بالرطب لأنه لا شيء يقطع اليابس منهما .
( وكل شيء فعله القارن ) بين الحج والعمرة ( مما ذكرنا أن فيه على المفرد ) بسبب جنايته على إحرامه ( دما فعليه ) أي القارن ( دمان ) لجنايته على الحج والعمرة فيجب عليه ( دم لحجته ودم لعمرته ) وكذا الصدقة ( إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرام ثم يحرم ) داخل الميقات ( بالعمرة والحج ) معا ( فيلزم دم واحد ) لكونه عند المجاوزة غير قارن والواجب عليه إحرام واحد وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد . هداية . وقيدنا الإحرام بداخل الميقات لأنه إذا عاد إليه قبل الطواف وجدد الإحرام سقط عنه الدم .
( وإذا اشترك المحرمان في قتل صيد ) في حرم أو حل ( فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملا ) لأن كل واحد منهما جنى على إحرام كامل ( وإذا اشترك الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد ) لأن الضمان هنا لحرمة الحرم فجرى مجرى ضمان الأموال فيتحد باتحاد المحل كرجلين قتلا رجلا خطأ يجب عليهما دية واحدة وعلى كل واحد منهما كفارة . هداية . وإذا اشترك محرم وحلال فعلى المحرم الجزاء الكامل وعلى الحلال النصف . جوهرة .
( وإذا باع المحرم صيدا أو ابتاعه ) : أي اشتراه ( فالبيع باطل ) لأنه لا يملك بالإصطياد فكذا بالبيع فلو صاده حلالا وباعه محرما فالبيع فاسد وبعكسه جائز . جوهرة .
_________ .
( 1 ) من الآية 196 من سورة البقرة .
( 2 ) يقول الشافعي باشتراط الوضوء في الطواف لحديث الترمذي أن النبي A قال الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه من تكلم لا يتكلم إلا بخير فالسياق يدل على أنه من الصلاة في حكمها إلا في جواز الكلام وفي سوى الكلام يستويان فيه ومنه الطهارة وهي شرط . وقال الحنفية إن خبر الواحد لا تثبت به الفريضة وقد أطلق القرآن الطوافين من هذا الشرط في قوله { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهو يقتضي الخروج عن العهدة بالدوران حول البيت وإن لم تكن طهارة ونقل ذلك في فتاوى بعض الصحابة والتابعين لم يروا بأسا بالطواف للمحرم وينبغي أن يلاحظ أن الطواف مع الجنابة حرام ومأثم بلا كلام بل قد علم من أوليات الفقه حرمة دخوله المسجد أي مسجد كان مع الجنابة .
( 3 ) هو قوله تعالى في الآية 95 من سورة المائدة { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } .
( 4 ) اليربوع - بفتح الياء وسكون الراء - نوع من الفأر طويل الرجلين قصير اليدين جدا ويجمع على يرابيع والجفرة : ما تم لها أربعة أشهر من أولاد المعز أيضا فالجفرة أصغر من العناق والعناق أصغر من الجذع . وكلهن من أولاد المعز .
( 5 ) مذر - بفتح فكسر - فاسد .
( 6 ) أي شرد وهاج